الوجه الرابع
الوجه الرابع: أن عقدة حقيقة النبوة وما معها: إما أن يكون شيئا قائما بنفسه، أو صفة له أو لغيره، فإن كان قائما بنفسه فإما أن يكون هو الله أو غيره، فإن كان ذلك هو الله فيكون الله هو النقطة الظاهرة، وهو حقيقة النبوة، وهو الروح الإضافي.
وقد قال بعد هذا: إنه جعل الروح الإضافي في صورة فعل ذاته، وأنه أعطى محمدا عقدة نبوته، فيكون قد جعل نفسه صورة فعله، وأعطى محمدا ذاته، وهذا مع أنه من أبين الكفر وأقبحه فهو متناقض، فمن المعطِي ومن المعطَى؟ إذا كان أعطى ذاته لغيره، وإن كانت هذه الأشياء أعيانا قائمة بنفسها وهي غير الله فسواء كانت ملائكة أوغيرها، من كل ما سوى الله من الأعيان، فهو خلق من خلق الله مصنوع مربوب، والله خالق كل شيء، فهو قد جعل ظهور الحق واصفا، وأنه المسمي باسم الرحمن، فيكون المسمى باسم الرحمن الواصف لنفسه مخلوقا، وهذا كفر صريح وهو أعظم من إلحاد الذين: {قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ } [1]، ومن إلحاد الذين قيل فيهم: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [2]، فإن أولئك كفروا باسمه وصفته مع إقرارهم برب العالمين، وهؤلاء أقروا بالاسم وجعلوا المسمى مخلوقا من مخلوقاته.
وأما إن كان المراد بهذه الحقيقة وما معها صفة: فإما أن تكون صفة لله أو لغيره، فإن كانت صفة لله لم يجز أن تكون هي المسمى باسم الرحمن، فإن ذلك اسم لنفس الله لا لصفاته، والسجود لله لا لصفاته، والدعاء لله لا لصفاته، وإن كانت صفة لغيره فهذا الإلزام أعظم وأعظم.
وهذا تقسيم لا محيص عنه، فإن هذا الملحد في أسماء الله جعل هذه العقدة التي سماها عقدة حقيقة النبوة وجعلها صورة علم الحق بنفسه، وجعلها مرآة لانعكاس الوجود المطلق، محلا لتميز صفاته القديمة، وأن الحق ظهر فيه بصورته وصفته واصفا يصف نفسه ويحيط به، وهو المسمى باسم الرحمن، ثم ذكر أنه أعطى محمدا هذه العقدة.
ومعلوم أن المسمى باسم الرحمن هو المسمى باسم الله كما قال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الله أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى } [3] فيكون هو سبحانه هذه العقدة التي أعطاها لمحمد، وإن كانت صفة له أو غيره، فتكون هي الرحمن، فهذا الملحد دائر بين أن يكون الرحمن هو خلق من خلق الله أو صفة من صفاته، وبين أن يكون الرحمن قد وهبه الله لمحمد، وكل من القسمين من أسمج الكفر وأبشعه.