→ قول القائل: التوحيد لا لسان له والألسنة كلها لسانه | مجموع الفتاوى سئل عن كتاب فصوص الحكم ابن تيمية |
أفعال العباد مفعولة مخلوقة لله ← |
انظر أيضا وسئل عن كتاب فصوص الحكم |
سئل عن كتاب فصوص الحكم
وسئل:
ما تقول السادة العلماء، أئمة الدين، وهداة المسلمين رضي الله عنهم أجمعين في الكلام الذي تضمنه كتاب فصوص الحكم وما شاكله من الكلام الظاهر في اعتقاد قائله: أن الرب والعبد شيء واحد، ليس بينهما فرق، وأن ما ثمَّ غير، كمن قال في شعره:
أنا وهو واحد ما معنا شيء **
ومثل:
أنا من أهوى، ومن أهوى أنا **
ومثل:
إذا كنت ليلى وليلى أنا **
وكقول من قال:
لو عرف الناس الحق ما ** رأوا عابدًا ولا معبودًا.
وحقيقة هذه الأقوال لم تكن في كتاب الله عز وجل، ولا في السنة، ولا في كلام الخلفاء الراشدين، والسلف الصالحين.
ويدعي القائل لذلك: أنه يحب الله سبحانه وتعالى، والله تعالى يقول: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله} [1]، والله سبحانه وتعالى ذكر خير خلقه بالعبودية في غير موضع، فقال تعالى عن خاتم رسله ﷺ: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [2]، وكذلك قال في حق عيسى عليه السلام: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عليه} [3]، وقال تعالى: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لله وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} الآية [4].
فالنصارى كفار بقولهم مثل هذا القول في عيسى بمفرده، فكيف بمن يعتقد هذا الاعتقاد: تارة في نفسه، وتارة في الصور الحسنة من النسوان والمردان؟
ويقولون: إن هذا الاعتقاد له سر خفي، وباطن حق، وإنه من الحقائق التي لا يطلع عليها إلا خواص خواص الخلق.
فهل في هذه الأقوال سر خفي يجب على من يؤمن بالله واليوم الآخر وكتبه ورسله أن يجتهد على التمسك بها والوصول إلى حقائقها كما زعم هؤلاء أم باطنها كظاهرها؟ وهذا الاعتقاد المذكور هو حقيقة الإيمان بالله ورسوله، وبما جاء به، أم هو الكفر بعينه؟
وهل يجب على المسلم أن يتبع في ذلك قول علماء المسلمين، ورثة الأنبياء والمرسلين، أم يقف مع قول هؤلاء الضالين المضلين؟ وإن ترك ما أجمع عليه أئمة المسلمين، ووافق هؤلاء المذكورين، فماذا يكون من أمر الله له يوم الدين؟
أفتونا مأجورين، أثابكم الله الكريم.
فأجاب شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن تيمية رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ما تضمنه كتاب فصوص الحكم وما شاكله من الكلام: فإنه كفر باطنا وظاهرًا، وباطنه أقبح من ظاهره. وهذا يسمى مذهب أهل الوحدة، وأهل الحلول، وأهل الاتحاد. وهم يسمون أنفسهم المحققين.
وهؤلاء نوعان: نوع يقول بذلك مطلقًا، كما هو مذهب صاحب الفصوص ابن عربي وأمثاله: مثل ابن سبعين، وابن الفارض، والقونوي، والششتري، والتلمساني، وأمثالهم ممن يقول: إن الوجود واحد، ويقولون: إن وجود المخلوق هو وجود الخالق، لا يثبتون موجودين خلق أحدهما الآخر، بل يقولون: الخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق.
ويقولون: إن وجود الأصنام هو وجود الله، وإن عبَّاد الأصنام ما عبدوا شيئا إلا الله.
ويقولون: إن الحق يوصف بجميع ما يوصف به المخلوق من صفات النقص والذم.
ويقولون: إن عبّاد العجل ما عبدوا إلا الله، وإن موسى أنكر على هارون لكون هارون أنكر عليهم عبادة العجل، وإن موسى كان بزعمهم من العارفين الذين يرون الحق في كل شيء، بل يرونه عين كل شيء، وأن فرعون كان صادقًا في قوله: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [5]، بل هو عين الحق، ونحو ذلك مما يقوله صاحب الفصوص.
ويقول أعظم محققيهم: إن القرآن كله شرك؛ لأنه فرق بين الرب والعبد، وليس التوحيد إلا في كلامنا.
فقيل له: فإذا كان الوجود واحدًا، فلم كانت الزوجة حلالا والأم حرامًا؟ فقال: الكل عندنا واحد، ولكن هؤلاء المحجوبون قالوا: حرام. فقلنا: حرام عليكم.
وكذلك ما في شعر ابن الفارض في قصيدته التي سماها نظم السلوك كقوله:
لها صلواتي بالمقام أقيمها ** وأشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصل واحد ساجد إلى ** حقيقته بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي، ولم تكن ** صلاتي لغيري في أدا كل سجدة
وقوله:
وما زلت إياها، وإياي لم تزل ** ولا فرق، بل ذاتي لذاتي أحبت
وقوله:
إلىَّ رسولا، كنت مني مرسلا ** وذاتي بآياتي عليّ استدلت
فأقوال هؤلاء ونحوها باطنها أعظم كفرًا وإلحادًا من ظاهرها، فإنه قد يظن أن ظاهرها من جنس كلام الشيوخ العارفين، أهل التحقيق والتوحيد، وأما باطنها فإنه أعظم كفرًا وكذبًا وجهلًا من كلام اليهود والنصارى وعبّاد الأصنام.
ولهذا فإن كل من كان منهم أعرف بباطن المذهب وحقيقته، كان أعظم كفرًا وفسقا، كالتلمساني، فإنه كان من أعرف هؤلاء بهذا المذهب، وأخبرهم بحقيقته، فأخرجه ذلك إلى الفعل فكان يعظم اليهود والنصارى والمشركين، ويستحل المحرمات ويصنف للنصيرية كتبًا على مذهبهم، يقرهم فيها على عقيدتهم الشركية.
وكذلك ابن سبعين كان من أئمة هؤلاء، وكان له من الكفر والسحر الذي يسمى السيميا والموافقة للنصارى، والقرامطة والرافضة، ما يناسب أصوله.
فكل من كان أخبر بباطن هذا المذهب، ووافقهم عليه، كان أظهر كفرًا وإلحادًا.
وأما الجهال الذين يحسنون الظن بقول هؤلاء ولا يفهمونه، ويعتقدون أنه من جنس كلام المشايخ العارفين، الذين يتكلمون بكلام صحيح لا يفهمه كثير من الناس، فهؤلاء تجد فيهم إسلاما وإيمانًا، ومتابعة للكتاب والسنة بحسب إيمانهم التقليدي، وتجد فيهم إقرارا لهؤلاء وإحسانا للظن بهم، وتسليما لهم بحسب جهلهم وضلالهم، ولا يتصور أن يثني على هؤلاء إلا كافر ملحد، أو جاهل ضال.
وهؤلاء من جنس الجهمية الذين يقولون: إن الله بذاته حال في كل مكان، ولكن أهل وحدة الوجود حققوا هذا المذهب أعظم من تحقيق غيرهم من الجهمية.
وأما النوع الثاني: فهو قول من يقول بالحلول والاتحاد في معين، كالنصارى الذين قالوا بذلك في المسيح عيسى، والغالية الذين يقولون بذلك في علي بن أبي طالب وطائفة من أهل بيته، والحاكمية الذين يقولون بذلك في الحاكم، والحلاَّجية الذين يقولون بذلك في الحلاج، واليونسية الذين يقولون بذلك في يونس، وأمثال هؤلاء ممن يقول بإلهية بعض البشر، وبالحلول والاتحاد فيه، ولا يجعل ذلك مطلقا في كل شيء.
ومن هؤلاء من يقول بذلك في بعض النسوان والمردان، أو بعض الملوك أو غيرهم، فهؤلاء كفرهم شر من كفر النصارى الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم.
وأما الأولون: فيقولون بالإطلاق. ويقولون: النصارى إنما كفروا بالتخصيص.
وأقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى، وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى، ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبالوحدة تارة، فإنه مذهب متناقض في نفسه، ولهذا يُلَبِّسون على من لم يفهمه.
فهذا كله كفر باطنا وظاهرًا بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر، كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين.
ولكن هؤلاء يشبهون بشيء آخر، وهو ما يعرض لبعض العارفين في مقام الفناء والجمع والاصطلام والسكر، فإنه قد يعرض لأحدهم لقوة استيلاء الوجد والذكر عليه من الحال ما يغيب فيه عن نفسه وغيره، فيغيب بمعبوده عن عبادته، وبمعروفه عن معرفته، وبمذكوره عن ذكره، وبموجوده عن وجوده.
ومثل هذا قد يعرض لبعض المحبين لبعض المخلوقين، كما يذكرون أن رجلا كان يحب آخر فألقى المحبوب نفسه في اليم، فألقى المحب نفسه خلفه، فقال له: أنا وقعت، فما الذي أوقعك؟ فقال: غبت بك عني، فظننت أنك أني.
وينشدون:
رق الزجاج، وراقت الخمر ** وتشاكلا، فتشابه الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ** وكأنما قدح ولا خمر
وهذه الحال تعرض لكثير من السالكين، وليست حالا لازمة لكل سالك، ولا هي أيضا غاية محمودة، بل ثبوت العقل والفهم والعلم مع التوحيد باطنا وظاهرًا كحال نبينا ﷺ وأصحابه أكمل من هذا وأتم.
والمعنى الذي يسمونه الفناء ينقسم ثلاثة أقسام: فناء عن عبادة السوي، وفناء عن شهود السوي، وفناء عن وجود السوي.
فالأول: أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه، وبخوفه عن خوف ما سواه، وبرجائه عن رجاء ما سواه، وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه، وبمحبته عن محبة ما سواه، وهذا هو حقيقة التوحيد والإخلاص الذي أرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو تحقيق [لا إله إلا الله] فإنه يفنى من قلبه كل تأله لغير الله، ولا يبقى في قلبه تأله لغير الله، وكل من كان أكمل في هذا التوحيد كان أفضل عند الله.
والثاني: أن يفنى عن شهود ما سوى الله، وهذا الذي يسميه كثير من الصوفية حال الاصطلام والفناء والجمع، ونحو ذلك.
وهذا فيه فضيلة من جهة إقبال القلب على الله، وفيه نقص من جهة عدم شهوده للأمر على ما هو عليه، فإنه إذا شهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه، وأنه المعبود لا إله إلا هو، الذي أرسل الرسل وأنزل الكتب، وأمر بطاعته وطاعة رسله، ونهى عن معصيته ومعصية رسله، فشهد حقائق أسمائه وصفاته وأحكامه خلقا وأمرًا كان أتم معرفة وشهودًا، وإيمانًا وتحقيقا، من أن يفنى بشهود معنى عن شهود معنى آخر، وشهود التفرقة في الجمع، والكثرة في الوحدة، وهو الشهود الصحيح المطابق. لكن إذا كان قد ورد على الإنسان ما يعجز معه عن شهود هذا وهذا، كان معذورًا للعجز، لا محمودًا على النقص والجهل.
والثالث: الفناء عن وجود السوى، وهو قول الملاحدة أهل الوحدة كصاحب الفصوص وأتباعه الذين يقولون: وجود الخالق هو وجود المخلوق، وما ثم غير ولا سوى في نفس الأمر.
فهؤلاء قولهم أعظم كفرًا من قول اليهود والنصارى وعباد الأصنام.
وأيضا، فإن ولاية الله هي موافقته بالمحبة لما يحب، والبغض لما يبغض والرضا بما يرضي، والسخط بما يسخط، والأمر بما يأمر به، والنهي عما ينهى عنه، والموالاة لأولىائه، والمعاداة لأعدائه، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: (يقول الله تعالى: من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يسعى، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه)، فهذا أصح حديث روى في الأولياء.
فالملاحدة والاتحادية يحتجون به على قولهم، لقوله (كنت سمعه وبصره ويده ورجله) والحديث حجة عليهم من وجوه كثيرة:
منها قوله: (من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة) فأثبت معاديا محاربًا ووليا غير المعادي، وأثبت لنفسه سبحانه هذا وهذا.
ومنها قوله: (وما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه) فأثبت عبدًا متقربًا إلى ربه، وربا افترض عليه فرائض.
ومنها قوله: (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) فأثبت متقرِِّبًا ومتقرَّبًا إليه، ومحبا ومحبوبًا غيره. وهذا كله ينقض قولهم: الوجود واحد.
ومنها قوله: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به) إلى آخره، فإنه جعل لعبده بعد محبته هذه الأمور، وهو عندهم قبل المحبة وبعدها واحد، وهو عندهم هذه الأعضاء: بطنه، وفرجه، وشعره، وكل شيء، لا تعدد عندهم، ولا كثرة في الوجود، ولكن يثبتون مراتب ومجالي ومظاهر، فإن جعلوها موجودة نقضوا قولهم.
وإن جعلوها ثابتة في العدم كما يقوله ابن عربي أو جعلوها المعينات، والمطلق هو الحق، كانوا قد بنوا ذلك على قول من يقول: المعدوم شيء، وقول من جعل الكليات ثابتة في الخارج زائدة على المعينات.
والأول: قول طائفة من المعتزلة، وهو قول ابن عربي.
والثاني: قول طائفة من الفلاسفة، وهو قول القونوي صاحب ابن عربي، وكلا القولين باطلان عند العقلاء، ولهذا كان التلمساني أحذق منهما فلم يثبت شيئا وراء الوجود.
كما قيل:
وما البحر إلا الموج، لا شيء غيره ** وإن فرقته كثرة المتعدد
لكن هؤلاء الضلال من الفلاسفة والمعتزلة ما قالوا: وجود المخلوق هو وجود الخالق، وهؤلاء الملاحدة قالوا: هذا هو هذا، ولهذا صاروا يقولون بالحلول من وجه، لكون الوجود في كل الذوات، أو بالعكس، وبالاتحاد من وجه لاتحادهما، وحقيقة قولهم هي وحدة الوجود.
في الحديث وجوه أخرى تدل على فساد قولهم.
والحديث حق، كما أخبر به النبي ﷺ، فإن ولي الله لكمال محبته لله وطاعته لله يبقى إدراكه لله وبالله، وعمله لله وبالله، فما يسمعه مما يحبه الحق أحبه، وما يسمعه مما يبغضه الحق أبغضه، وما يراه مما يحبه الحق أحبه، وما يراه مما يبغضه الحق أبغضه، ويبقى في سمعه وبصره من النور ما يميز به بين الحق والباطل، كما قال النبي ﷺ في الحديث المتفق على صحته: (اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورا، واجعل لي نورا)
فولي الله فيه من الموافقة لله ما يتحد به المحبوب والمكروه، والمأمور والمنهي ونحو ذلك، فيبقى محبوب الحق محبوبه، ومكروه الحق مكروهه، ومأمور الحق مأموره، وولي الحق وليه، وعدو الحق عدوه، بل المخلوق إذا أحب المخلوق محبة تامة حصل بينهما نحو من هذا، حتى قد يتألم أحدهما بتألم الآخر، ويلتذ بلذته.
ولهذا قال ﷺ: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالحمى والسهر)؛ ولهذا كان المؤمن يسره ما يسر المؤمنين، ويسوؤه ما يسوؤهم، ومن لم يكن كذلك لم يكن منهم.
فهذا الاتحاد الذي بين المؤمنين ليس هو أن ذات أحدهما هي بعينها ذات الآخر، ولا حلت فيه، بل هو توافقهما واتحادهما في الإيمان بالله ورسوله وشعب ذلك مثل محبة الله ورسوله، ومحبة ما يحبه الله ورسوله.
فإذا كان هذا معقولا بين المؤمنين فالعبد إذا كان موافقا لربه تعالى فيما يحبه ويبغضه، ويأمر به وينهى عنه، ونحو ذلك مما يحبه الرب من عبده: كيف تكون ذات أحدهما هي الأخرى أو حالة فيها؟
فإذا عرفت هذه الأصول من الحلول والاتحاد المطلق والمعين، الذي هو باطل، ومما هو من أحوال أهل الإيمان، ومن ولاية الله تعالى وموافقته فيما يحبه ويرضاه وتوابع ذلك، تبين لك جواب مسائل السائل.
وهؤلاء قد يجدون من كلام بعض المشايخ كلمات مشتبهة مجملة، فيحملونها على المعاني الفاسدة، كما فعلت النصارى فيما نقل لهم عن الأنبياء، فيدعون المحكم، ويتبعون المتشابه
فقول القائل: إن الرب والعبد شيء واحد، ليس بينهما فرق: كفر صريح، لا سيما إذا دخل في ذلك كل عبد مخلوق، وأما إذا أراد بذلك عباد الله المؤمنين وأوليائه المتقين، فهؤلاء يحبهم ويحبونه ويوافقونه فيما يحبه ويرضاه ويأمر به، فقد رضي الله عنهم ورضوا عنه.
ولما رضوا ما يرضي وسخطوا ما يسخط، كان الحق يرضي لرضاهم ويغضب لغضبهم، إذ ذلك متلازم من الطرفين.
ولا يقال في أفضل هؤلاء: إن الرب والعبد شيء واحد ليس بينهما فرق، لكن يقال لأفضل الخلق كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [6]، وقال: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله} [7]، وقال: {وَالله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [8] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [9] وأمثال ذلك. وأما سائر العباد، فإن الله خالقهم ومالكهم وربهم، وخالق قدرتهم وأفعالهم، ثم ما كان من أفعالهم موافقا لمحبته ورضاه، كان محبا لأهله مكرمًا لهم، وما كان منها مما يسخطه ويكرهه، كان مبغضا لأهله مهينا لهم.
هامش
- ↑ [آل عمران: 31]
- ↑ [النجم: 10]
- ↑ [الزخرف: 59]
- ↑ [النساء: 172]
- ↑ [النازعات: 24]
- ↑ [الفتح: 10]
- ↑ [النساء: 80]
- ↑ [التوبة: 62]
- ↑ [الأحزاب: 57]