الرئيسيةبحث

الدولة السعودية الثالثة ( The Third Saudi State )



مسيرة جيش الملك عبدالعزيز في عام 1329هـ ، 1911م.
الدولة السعودية الثالثة بدأت في الخامس من شوال 1319هـ، 15 يناير 1902م، وبدأ مؤسسها الملك عبدالعزيز في توحيد البلاد في إطار دولة سعودية حديثة تعيد المناطق والأقاليم التي كانت تابعة للدولة السعودية الأولى والثانية. لقدكانت نهاية الدولة السعودية الثانية مفجعة حقًا لأنها تآكلت تدريجيًا من داخلها. فكانت قبل هذا التآكل هرماً شامخًا في كيانها السياسي في الجزيرة العربية في عهد واحد من أعظم أئمتها وأقواهم الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية، إلا أن هذا الهرم الكبير أخذ في التآكل والتصدع نتيجة لعدة عوامل داخلية، تأتي الفتنة المحلية التي أعقبت عهد هذا الإمام في مقدمتها. وكانت النتيجة الحتمية سقوط تلك الدولة بعد أن تفسخت مناطقها، فاجتاح العثمانيون منطقة الأحساء، واجتاح آل رشيد كل البلاد النجدية، فأنهى آل رشيد حكم آل سعود في كل نجد، مع أن إمارة آل رشيد قد نشأت وتأسست بأمر من الإمام فيصل بن تركي ودعمه ومساعدته لصديقه الحميم عبدالله بن رشيد حين عينه أميراً على جبل شمر. ومنذ ذلك العهد والإمارة الرشيدية قائمة، تلك الإمارة التي قوضت دعائم الحكم السعوديّ في نجد ثُمَّ أسقطته في عهد الإمام عبدالرحمن بن فيصل آخر أئمة الدولة السعودية الثانية.

آل سعود في الكويت

رحل الإمام عبدالرحمن بن فيصل مع أسرته عن نجد واستقر به المطاف ليعيش في الكويت في عهد أميرها الشيخ محمد آل صباح الذي أوعزت إليه الدولة العثمانية بأن يمنح آل سعود حق الإقامة في الكويت. وهنا يتضح موقف الدولة العثمانية من آل سعود بعد سقوط دولتهم الثانية، فهي ترى تحديد إقامتهم وتحركاتهم خوفاً من إثارة القلاقل والدسائس ضد أصدقائها آل رشيد، حتى أن الدولة العثمانية خصصت للإمام عبدالرحمن بن فيصل وأسرته راتبًا شهرياً قدره ستون ليرة عثمانية، قليلاً ما كانت تدفع له بشكل منتظم.

تحركات سياسية:

أفاد آل سعود كثيراً من إقامتهم في الكويت وقتذاك، ومنها بدأت تحركاتهم السياسية وغير السياسية لاستعادة أمجاد حكمهم الذي فقدوه. وأكدت الدولة العثمانية لآل صباح أن آل سعود قوة لايستهان بها في حال بروز أطماع محمد بن رشيد، أو محاولته الاستقلال عن الدولة العلية، أو الاتصال بالقوى السياسية الأجنبية ذات السيادة في الخليج.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أواصر العلاقة الطيبة كانت قد توطدت بين آل سعود والشيخ مبارك الصباح، خاصة علاقة هذا الشيخ بالفتى السعودي عبدالعزيز آل سعود، فقيل إن الشيخ مبارك الصباح طوق الأمير السعودي الفتى بذراعيه. وحاول أن يستغل قدرات آل سعود وأمجادهم التاريخية في ضرب عدوه وخصمه ابن رشيد، خاصة بعد أن تخلص مبارك من أخويه محمد الصباح وجراح الصباح، فقد توتَّرت العلاقة بين مبارك الصباح وعبدالعزيز ابن متعب بن رشيد، خاصة وأن مبارك يساعد آل سعود الذين يقيمون في بلاده. ومعروف أن تصادماً حدث بين جماعات آل رشيد وجماعات آل صباح حتى إن غارات ابن رشيد وصلت إلى حدود العراق وتصدى لها الشيخ سعدون باشا أبو عجيمي رئيس قبائل المنتفق الذي كان يؤيد موقف الشيخ مبارك ضد آل رشيد.

ولاء المجتمع النجدي لآل سعود:

فقد آل سعود سلطتهم في نجد وغيرها من مناطق الجزيرة العربية في أعقاب سقوط الدولة السعودية الثانية إلاّ أنّ مقومات قيام الدولة السعودية الثالثة ظلت موجودة، لكنها خامدة تحتاج إلى من يحركها. فظل الولاء في نجد يزداد بشكل تدريجي لآل سعود وهم في الغربة والمنفى، خاصة كلما شعروا بسوء إدارة آل رشيد وشدتهم في التعامل مع المجتمع النجدي. وظل عدد كبير من أهالي نجد يرون بأن الحكم السعودي حكم نجدي محلي في المقام الأول، وأن آل سعود هم رمز للاستقلال الوطني ولابد من دعمهم ومؤازرتهم، خاصة عندما تأكدوا من تبعية آل رشيد للدولة العثمانية وولائهم لها، وهي الدولة التي قادت ضد نجد حملات عسكرية كثيرة أساءت كثيراً إلى علاقة تلك الدولة بسكان نجد وغيرها من أقاليم الجزيرة العربية الأخرى.

موحِّد الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز آل سعود غفر الله له، عام 1910م.

شخصية الملك عبدالعزيز ومؤهلاته القيادية:

صحب عبدالعزيز والده الإمام عبدالرحمن الفيصل في خروجه من نجد وإقامته فترة في الصحراء ثم استقراره في الكويت، فأورثته خشونة العيش تقشفًا وجلدًا وصبرًا على المكاره، ظهر ذلك واضحًا أثناء جهاده وحروبه وفي تعامله مع الناس والأحداث، كما استفاد من إقامته في الكويت ما يزيد عن عشر سنين في مستهل شبابه اطلاعًا واسعًا على أساليب السياسة الدولية وأهدافها، حيث كانت الكويت محط السياسة والدبلوماسية العالمية، والتنافس الدولي كان على أشده في تلك الحقبة في الخليج، فألمانيا تريد أن تكون الكويت آخر محطة في سكة حديد برلين ـ بغداد، وروسيا القيصرية تزاحم ألمانيا في هذا المجال وتحاول الوصول إلى المياه الدافئة، وبريطانيا صاحبة اليد الطولى في منطقة الخليج، وفرنسا تنافس بريطانيا وغيرها في المجالات الاستعمارية وخاصة الملاحة والتجارة والبحث عن المواد الخام والأسواق لبيع منتجاتها، والدولة العثمانية تنهج سياسة تقوية قبضتها على البلاد العربية وتحاول جادة تثبيت سلطاتها في مناطق الخليج.

وعندما بدأ عبدالعزيز جهاده لاستعادة ملك آبائه وأجداده وإقامة دولة إسلامية توحد معظم مناطق الجزيرة العربية، وتؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهجًا وتطبق أحكام الإسلام في شؤونها كافة ـ عندما بدأ كانت لديه من الصفات الشخصية والخلقية والمؤهلات القيادية ما لا يتسع المجال للحديث عنه بإيجاز فضلاً عن ذكرها بالتفصيل ولكن نكتفي بالإشارة إلى أبرز هذه الصفات والمؤهلات:

تمسكه بدينه. وذلك بإيمانه بربه، وصفاء عقيدته، وأدائه لجميع الشعائر الدينية، وتطبيقه لأحكامه وخوفه ورجائه من الله.

سخاؤه وكرمه. الحديث عن كرم عبدالعزيز وسخائه مهما أفيض فيه فهو أقل كثيرًا مما هو معروف عن جوده وكرمه، والأمثلة على ذلك كثيرة، ونكتفي بذكر الموقف التالي: عندما دخل عنيزة ـ في منطقة القصيم ـ في محرم عام 1322هـ، مارس 1904م كان مدعوًّا في منزل أحد وجهاء عنيزة (عبدالرحمن بن محمد آل حماد العبدلي) وكان المجلس يضم مجموعة من خاصة رجاله ونخبة من أعيان البلاد، ودار الحديث حول ما منّ الله به على البلاد من ظهور عبدالعزيز وتوحيد معظم بلاد نجد تحت قيادته، وسأله أحدهم: عمّا إذا كانت له في تلك اللحظة أمنية شخصية، وتوقع الحاضرون منه ـ وهو في هذا السن ويعيش نشوة النصر ـ أن يتمنى الزواج من فتاة جميلة، فكان ردّه أنه يتمنى أن لديه مبلغًا من المال، لا ليدخره وإنما ليوزعه على (خوياه) ورجاله ورفاقه، فما كان من العبدلي إلا أن أقرضه المال الذي تمناه، فقام عبدالعزيز بتفريقه على أصحابه ولم يبق لنفسه أو لأسرته شيئًا.

ويتضح من هذا النموذج من جود الملك عبدالعزيز وكرمه أنه إذا كانت هذه حاله وهو معسر فمن المتوقع أن يبلغ سخاؤه منتهى مراتب الجود والكرم إذا كان موسرًا وهو ما حدث فعلاً.

شجاعته وفروسيته. شجاعة الملك عبدالعزيز شجاعة المتزن المفكر لا شجاعة المتهور، شجاعة القائد العسكري الموهوب الذي يستطيع أن يملك مواهبه ويسيطر عليها، فلا يفقد أعصابه ويغامر مغامرة انتحارية يدفع فيها حياته وحياة رجاله رخيصة بلا ثمن ولا يتخلى عن خوض المعركة ـ إذا كان عدوّه يفوقه عددًا أو عدة ـ فيبدو خائر الأعصاب من الرجال، يائسًا من النصر وإنما يقوم واثقًا بربه، مدافعًا عن عقيدته، ساعيًا إلى تحقيق أهدافه، فلم تقف شجاعته النفسية والبدنية عند مغامرته البطولية في فتح الرياض، وما كان ليقوم بذلك وبجهاده في توحيد المملكة لو لم يكن محاربًا من الدرجة الأولى.

وهناك قصص كثيرة عن شجاعته المتزنة التي تبرز عند الحاجة مثلما حدث في معركة (الدلم) 1320هـ، 1902م ومعركة (كنزان) 1333هـ، 1915م، وقد خاض أكثر من مائة معركة، ولما توفي وجدوا في جسده ثلاثًا وأربعين ندبة وأثر جرح.

دهاؤه وذكاؤه وحنكته. الحديث في هذا الموضوع يطول، فمن ذلك مواقفه في المؤتمرات التي تعقد بينه وبين ممثلي الدول الأخرى وعلى سبيل المثال تصرفه في مؤتمر الصبيحية، والعبقرية التي عالج بها الموقف، ومما يدل على حنكته وبعد نظره إدراكه منذ البداية أنه لا يخطط لمعركة واحدة تنتهي بنهايتها سيرته سلبًا أو إيجابًا، بل كان يخطط لحكم واسع مستمر، ولذا كان يتفادى الحرب ـ ما أمكن ـ ويفضل أن يكسب الآخرين بدونها بدلاً من أن يحاربهم لينتصر عليهم، ولم تكن هذه السياسة ناتجة عن رغبته في حقن دماء من ناصروه فقط، بل رغبته ـ أيضًا ـ في الإبقاء على أرواح من كانوا ـ لظروف خاصة ـ مع خصومه، لإدراكه أنه سيكسب هؤلاء ـ كما كسب أنصاره الأوائل ـ عاجلاً أو آجلاً، وأن كلاً من هؤلاء وأولئك سيصبحون شعبه المرتقب، إضافة إلى اصطناعه الرجال الذين لم يكونوا في يوم من الأيام على وفاق معه.

رصيده من الخبرة والمجد. سبقت الإشارة إلى خروج الملك عبدالعزيز من نجد مع والده وهو في سن مبكرة وإقامته معه في الصحراء، ثم استقرار الأسرة في الكويت فأورثته حياة الصحراء الصبر والجد وتحمل المكاره، وقد ترجم هذه العوامل إلى كياسة في تعامله مع الناس، ودهاء وحكمة في مواجهة المواقف والأحداث، وأثناء استقراره في الكويت التي كانت مسرحًا للتنافس الدولي مما جعلها مدرسة من مدارس السياسة العالمية، درس فيها عبدالعزيز الأساليب الدبلوماسية وأفاد منها كما أفاد من دهاء الشيخ مبارك الصباح ودرايته في مجال السياسة في الخليج وفي العالم.

كما استطاع بخبرته أن يعيد صياغة الواقع الذي تعامل معه دون إهدار لأصوله ومكوناته، وأن يطور عناصره القادرة على العطاء والاستجابة لتواكب طموحاته، وتلبي متطلبات الحياة الجديدة.

أما رصيده من المجد والفخار فإنه عندما بدأ خطواته الأولى لتوحيد هذه البلاد كان نصب عينيه حكم ضربت جذوره في أعماق التاريخ، وإرث من المجد تمثل فيما حققه أسلافه من آل سعود من وحدة لهذه البلاد في ظل دولة تؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهجًا للحكم، وتنشر العقيدة الإسلامية الصافية وتدافع عنها، لكن هذا الإنجاز ضاع في خضم التنافس والضعف والتفريط.

لذا كان من أهم أهدافه الأساسية استعادة هذه الأمجاد والمحافظة عليها، ومن ثم فقد أفنى ـ رحمه الله ـ زهرة شبابه ـ وسني كهولته وأعوام رجولته في الكفاح حتى استطاع أن يعيد هذه الأمجاد ويعمقها ويضيف إليها، فبنى دولة موحدة قوية على أسس من العقيدة والشريعة توافرت لها كل مقومات الدولة العصرية، وتحقق لها من الرخاء والأمن والاستقرار ما أصبح مضرب الأمثال في العالم.

رحم الله الملك عبدالعزيز وغفر له، فقد كان نموذجًا فريدًا في شخصيته وفكره وعبقريته السياسية والعسكرية ونمطًا متميزًا في القيادة والحكم والإدارة.

موقعة الصريف:

لم يقف الأمير عبدالعزيز بن متعب آل رشيد موقفاً ضعيفا تجاه مناورات الشيخ مبارك الصباح، بل ظل يعد شيوخ الكويت قوة محلية معادية له، حتى إن العثمانيين أنفسهم ظلوا يتشككون في ولاء آل الصباح تجاههم، وشعروا أنهم أقرب إلى بريطانيا منهم، خاصة وأن بريطانيا تمثل القوة الأكثر تأثيراً من غيرها في منطقة الخليج. وكان الشيخ مبارك الصباح يقدر هذا الأمر، ويفهمه حق الفهم، فاعتبر الحماية البريطانية لمشيخته هي خير وسيلة للمحافظة على حكمه وحمايته من تدخل القوى المحلية المجاورة لإمارته، التي لها أطماع فيها. وهو في الوقت نفسه يقدر ضعف التأثير العثماني وقتذاك على السياسة الدولية.

كثرت تجاوزات ابن رشيد ضد الكويت التي ترعى شؤون آل سعود وتدعمهم ضده، إلى حد أنه طمع في احتلال الكويت وإنهاء حكم آل الصباح فيها. وكان عبدالعزيز آل رشيد شخصية قيادية، ويعتز بقوته ونفوذه، وهو أمر من بين الأمور التي أدت بالشيخ مبارك الصباح إلى طلب الحماية البريطانية، فوافقت بريطانيا على ذلك ووقعت معه معاهدة الحماية في رمضان 1316هـ، الموافق 23 يناير 1899م.

ازدادت الأوضاع سوءًا بين الشيخ مبارك وآل سعود وبين ابن رشيد. فسار الشيخ مبارك الصباح ومعه الإمام عبدالرحمن بن فيصل وابنه الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود لمحاربة ابن رشيد في نجد في عقر داره، وقد أيد الإمام عبدالرحمن مثل هذه التدخلات في شؤون نجد علها تكون فرصة مواتية لإعادة ملك آل سعود هناك، خاصة وأنه ظهرت في بلدان نجد قوة نجدية تعمل بكل طاقاتها وقدراتها على زعزعة نفوذ آل رشيد في نجد، هذه الفئة المتوارية والمؤيدة لآل سعود هي التي كانت ترسل الأخبار عن أوضاع نجد أولاً بأول إلى الإمام عبدالرحمن بن فيصل في الكويت، وهذه الفئة نفسها كانت قد أدت دورها السري، وكان لها دور غير منظور في عملية استرداد الرياض عام 1319هـ، 1902م.

حقق آل الصباح وآل سعود نجاحات محدودة في حملتهم المشتركة ضد ابن رشيد، فقطعوا بجيشهم الدهناء وتقدموا في الأراضي النجدية ودخلوا بعض القرى والبلدان دون قتال ؛ لأن الناس فيها كانوا قد عرفوا الصلة الكبيرة بين آل صباح وآل سعود، وما هذه التحركات إلا محاولة من محاولات إضعاف نفوذ آل رشيد، وبالتالي محاولة من محاولات عودة السلطة والسيادة السعودية على نجد. أما عبدالعزيز بن رشيد فظل يظهر غير مايبطن، فتظاهر بالتقهقر مستدرجاً القوات الكويتية، وأخيراً باغتها بهجوم قوي تمكن فيه من إلحاق هزيمة كبيرة بالشيخ مبارك الصباح في موضع يعرف بالصريف قرب بريدة إلى الشمال منها عام 1318هـ، المو افق 1901م. وتُعد هذه الهزيمة ومالحق بها من خسائر كبيرة بالنسبة للجانب الكويتي، من بين الأسباب التي جعلت الشيخ مبارك الصباح يعدل عن التفكير في الهجوم على نجد مرة أخرى، إذ تسربت الأخبار من الكويت عن نية الشيخ مبارك الصباح في الانتقام من ابن رشيد مهما كلفه الثمن، لكنَّ الشيخ مباركًا عدل عن تحدياته هذه بسبب كبر حجم الخسائر التي منيت بها قواته في وقعة الصريف، وبسبب الضغط الذي مارسته بريطانيا على صديقها الشيخ مبارك في وقف تحرشاته ضد آل رشيد، وفي تفاهمها مع الدولة العثمانية حول كبح جماح صديقها وتابعها ابن رشيد وتعدياته على الكويت ومناطق المنتفق.

عللت المصادر التاريخية سبب انهزام قوات آل صباح في الصريف بالعوامل التالية:

1ـ زهو الشيخ مبارك وغروره بنفسه وقوته. 2ـ لم يقدر الشيخ مبارك حجم قوة عدوه ابن رشيد. 3ـ كانت معظم قوات الكويت من المحاربين غير المدربين. 4ـ لم يكن جيش آل الصباح كله مجنداً في الوقعة، بل كان جزء منه قد توجه صوب الرياض، وتركز الجزء الأكبر منه باتجاه القصيم بقيادة مبارك الصباح.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود كان قد استأذن من الشيخ مبارك ووالده عبدالرحمن بالتوجه صوب الرياض ومحاولة الاستيلاء عليها، فأذن له الشيخ مبارك ووالده عبدالرحمن، فتوجه إلى الرياض مع بعض القوات، واتجه بها إلى الرياض فدخلها بغتة، فلجأت حاميتها إلى الحصن وتحرزت به. فحاصرها عبدالعزيز قرابة أربعة أشهر، وقرر إرغامها على التسليم بهدم جانب من الحصن، ولكن هزيمة الشيخ مبارك ومن معه في الصريف جعلت عبدالعزيز ينسحب ويخلي الرياض ويعود إلى الكويت، وقد أفادته هذه المحاولة خبرة جديدة، وزادت معرفته بالرياض وأهلها، وعرف مدى استجابتهم لعودة حكم آل سعود، وكرههم لسيطرتهم آل رشيد فأحيت في نفسه الآمال وقوت رجاءه بربه في إمكان استعادة ملك آل سعود.

تأسيس الدولة السعودية الثالثة

محاولة استرداد الرياض:

خرج الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على رأس حملة صغيرة من ستين رجلاً من أقاربه والمؤيدين لمشروعه الكبير الرامي إلى إعادة ملك آل سعود ليس في نجد فقط، وإنما في كل البلاد التي كانت قبل ذلك تشكل جزءًا من أجزاء الدولتين السعوديتين الأولى والثانية.

اتجه الأمير عبدالعزيز آل سعود ومن معه صوب الرياض. وأقام الأمير وقوته الصغيرة فترة قصيرة في يبرين وهي واحة على أطراف الربع الخالي في رجب عام 1319هـ، الموافق أكتوبر 1901م. وكان الأمير عبدالعزيز آل سعود قد وضع خطة عسكرية لدخول الرياض واستردادها من قوات ابن رشيد، فقد وضع نصب عينه ألا يلتقي مواجهة مع قوات ابن رشيد التي تفوق قواته عدداً وعتاداً وتدريباً. وقرر أن يكون تزود قواته من البلدان والقرى التي يمر بها أو يصل بالقرب منها، لأن قواته قليلة العدد من جهة، وليس لديها وسائل نقل من الإبل كافية لحمل الزاد الكثير والمعدات والعتاد، ولو فعل ذلك لربما انكشف أمره لابن رشيد. واعتمدت خطة عبدالعزيز على أسلوب المباغتة في الحرب وعلى عنصر السرعة في الأداء بالإضافة إلى التحرك في الليل والنوم والاختفاء وقت النهار حتى لاينكشف أمره فتضيع الفرصة الذهبية منه.

الواجهة الرئيسية الغربية لقلعة المصمك، في الرياض، وتبدو البوابة والبرج الشمالي الغربي 1354هـ، 1935م.
قلعة المصمك بالرياض بعد إجراء الصيانة الفنية لها 1993م.

خطة الهجوم:

لما وصل عبدالعزيز قرب الرياض وضع خطة للهجوم، فقسم قواته إلى ثلاثة أقسام: قوة احتياطية من عشرين رجلاً تكون على مسافة قريبة من مركز الرياض أو الحصن أو القلعة التي تقيم فيها حامية ابن رشيد بقيادة عجلان عامل الأمير عبدالعزيز بن متعب آل رشيد. وجماعة أخرى من قواته تكون تحت قيادة أخيه محمد بن عبدالرحمن آل سعود وقد اختفت في إحدى مزارع النخيل القريبة من الحصن، وهي نخيل الشمسية. وأما الجماعة الثالثة فتكون تحت قيادة الأمير عبدالعزيز آل سعود نفسه، وهي رأس الحربة بالنسبة للقوات السعودية. واستطاعت هذه القوة الصغيرة أن تتسلق السور في الظلام. وأن تنصب كميناً على مقربة من باب الحصن منتظرين عجلان الذي صادف أنه كان قد نام في الحصن بالمصمك عند الحامية. وفي الصباح خرج عجلان من الحصن وفوجئ بهجوم مباغت من عبدالعزيز آل سعود، وحاول الهرب داخل قصر المصمك فرماه الأمير عبدالله بن جلوي آل سعود بضربة قاتلة ؛ واستسلمت الحامية بعد مقتل أميرها عجلان، ونادى المنادي بأن الملك للّه ثم لعبدالعزيز آل سعود. وبايع أهل الرياض الأمير عبدالعزيز آل سعود بالحكم، وقد تم ذلك في يوم 5 شوال عام 1319هـ، الموافق 15 يناير 1902م.

ويعدّ نجاح هذه المحاولة بداية حقيقية لتأسيس الدولة السعودية الثالثة (الحديثة)، ومنها تبدأ عملية توحيد البلاد في إطار دولة سعودية حديثة تعيد المناطق والأقاليم التي كانت تابعه للدولة السعودية الأولى والثانية. لقد كانت هذه المحاولة محاولة جادة وصعبة جداً، وهي مغامرة يحسب لها كل حساب لأن نجاحها غير مضمون ولامتوقع. ولذا وصفها الكاتب كنث وليمز بأنها طريقة تدل على براعة فائقة وحذق مدهش. ويصفها فؤاد حمزة بأنها من أروع قصص البطولة وأعظمها شأنًا وأجلها قدراً. ويصفها حافظ وهبة بأنها قصة تشبه قصص أبطال اليونان، وترينا عظم الأخطار التي أحاطت بابن سعود.

توحيد البلاد النجدية

بدأ عبدالعزيز آل سعود يوجه اهتمامه إلى مناطق جنوب الرياض، خاصة وأن هذه المناطق كانت تكن ولاءً لآل سعود، وهي تلك المناطق التي ظلت تشكل ملاذًا آمنًا لآل سعود وآل الشيخ يوم أن كانت تداهمهم الحملات العثمانية المصرية الموجهة ضدهم. وهم أيضًا الذين قاتلوا إسماعيل بيك وخالد بن سعود بالفؤوس عندما قررا تأديبهم والانتقام منهم لأنهم يؤوون آل سعود وآل الشيخ وأتباعهم.

قرر الأمير عبدالعزيز آل سعود تأمين خطوطه الدفاعية لينطلق بعد ذلك للهجوم على عدوه ابن رشيد. فأراد توحيد مناطق الجنوب مع المركز الرياض ليضمن قيام جبهة قوية تدعم موقفه وتقويه ضد آل رشيد الذين مازالوا يسيطرون على معظم مناطق نجد. وقد التقى عبدالعزيز آل سعود بقوات عبدالعزيز بن متعب آل رشيد في بلدة الدلم قرب بلدة الخرج، وكان النصر فيها حليف عبدالعزيز آل سعود وقواته، وسهل هذا النصر الطريق أمام عودة جميع البلدان والقرى الواقعة إلى الجنوب من الرياض إلى الدولة السعودية الثالثة، وبالفعل فقد دانت له تلك المناطق بولائها وتأييدها لمشروعه التوحيدي الذي سيقضي على الفوضى والاضطراب الذي ساد البلاد أثناء غياب الدولة السعودية. وهكذا توسعت رقعة الدولة السعودية الثالثة، وازداد عدد أتباعها، وازدادت مع هذا كله اقتصاديات الدولة الناشئة، فقوي بذلك كيانها وسيادتها.

وجه عبدالعزيز آل سعود جهوده التوحيدية صوب مناطق شمالي الرياض كي يدعم كيان دولته، ويبعد قوة ابن رشيد وتأثيره عن المناطق التي وحدها إلى الدولة السعودية الثالثة. فدخل بلدة شقراء أكبر بلدان الوشم ثم ثرمداء ويكون بذلك قد وحد إقليم الوشم مع مناطق دولته بعد مناوشات مع قوات ابن رشيد لم تصل إلى حد المعارك والوقعات الفاصلة أو الحاسمة، وهو ماسنراه في المعارك التي دارت رحاها بين عبدالعزيز آل سعود وابن رشيد.

حصون المنطقة الشمالية، ومنها حائل وشنانة التي فتحها الملك عبدالعزيز بعد أن ضم منطقة الحجاز.

الملك عبدالعزيز يواصل جهاده:

واستمر عبدالعزيز آل سعود في زحفه باتجاه منطقة سدير، واستطاع إعادة معظم بلدان المنطقة وقراها إلى الدولة السعودية، عدا المجمعة ـ قاعدة الإقليم ـ فقد امتنعت عليه بعض الوقت، حيث كانت مقر حاكم المنطقة من قبل آل رشيد ثم انضوت تحت لوائه. وهكذا نلحظ أن الدولة السعودية الثالثة أخذت تتوسع تدريجياً في المناطق النجدية الواقعة شمالي الرياض، أو في المناطق المعروفة بوسط نجد. وأصبحت الدولة السعودية الثالثة في حدودها الحالية تتاخم حدود منطقة القصيم التي كانت لم تزل تحت سيادة ابن رشيد. وبناءً عليه فإن عبدالعزيز آل سعود أخذ يضع الخطط العسكرية لضمِّ منطقة القصيم إلى دولته، كي يتمكن بذلك من توسيع حدود دولته من جهة، وتوفير المقومات الاقتصادية الضرورية للدولة من جهة أخرى، ومعروف أن القصيم منطقة زراعية ممتازة، وفيها مراكز تجارية مشهورة، وهي منطقة مهمة أيضا لأن قوافل التجارة والحجيج تمر بها، هكذا يكون عبدالعزيز آل سعود قد وحّد المناطق الواقعة شمال الرياض وجنوبها في مدة لاتتجاوز السنتين فقط من دخوله الرياض، عاصمة دولته، وهي مدة قصيرة فعلاً ولها مدلولاتها، وهي أن ولاء تلك المناطق لآل سعود يُعدّ ولاءً كاملاً ومتأصلاً، وبالمقابل فإن الكثير من أهالي تلك البلدان لم يكونوا راضين عن أسلوب حكم عبدالعزيز ابن متعب آل رشيد، فبدأوا يتطلعون إلى الخلاص من حكمه، فوجدوا في ظهور القوة السعودية بقيادة عبدالعزيز آل سعود فرصة مواتية لذلك.

أراد عبدالعزيز آل سعود ضمَ بلدان القصيم إلى دولته. فقابل سرية لابن رشيد بقيادة حسين بن جراد في نفود السر قرب الفيضة، فانهزمت قوات ابن رشيد وقتل ابن جراد وكثير من أتباعه وكان ذلك عام 1321هـ، الموافق 1904م، وتعد هذه الوقعة على الرغم من صغرها، وقعة في صالح عبدالعزيز آل سعود لأنها مهدت الطريق أمامه لتوحيد بلدان منطقة القصيم وضمها إلى دولته الناشئة.

عزم عبدالعزيز آل سعود عام 1321هـ، 1904م على إنهاء الوجود الرشيدي في منطقة القصيم، وقد أعد العدة لذلك بمساعدة الأسر التي كانت تحكم البلاد قبل استيلاء آل رشيد عليها. فتوجه بقواته صوب عنيزة ودخل القصر المعروف بقصر الحميدية، وهو يبعد عن عنيزة مسافة أربع ساعات مشياً على الأقدام أو ركوباً على الإبل. وبعد ذلك حاصر حامية ابن رشيد في عنيزة، وكانت تحت قيادة فهيد السبهان، ولما رفض فهيد السبهان الاستسلام هاجمت قوات عبدالعزيز آل سعود حاميته، وقتلته ودخلت قوات عبدالعزيز آل سعود عنيزة في 5 محرم عام 1322هـ، الموافق 13 مارس 1904م. ثم هاجم عبدالعزيز آل سعود حامية ابن رشيد في بريدة التي رفضت الاستسلام في مطلع الأمر، ولكنها اضطرت إليه في ربيع الأول عام 1322هـ، الموافق مارس 1904م.

لم يقف عبدالعزيز آل رشيد موقف المتفرج على ما أحرزه عبدالعزيز آل سعود من انتصارات في القصيم. فجهز قواته مدعوماً بقوات عثمانية تركية وعتاد تركي ومعونات مالية تركية وقابل القوات السعودية في سهل البكيرية في بلدة البكيريّة من بلدان القصيم. ونشبت المعركة بين الطرفين في ليلة الأول من ربيع الآخر عام 1322هـ، (ليلة 15 يونيو عام 1904م). ولظروف فنية وتخطيطية ضاعت بعض القوات السعودية وأخطأت هدفها وخطتها العسكرية في الهجوم على القوات العثمانية التركية، ووجدت نفسها وراء خيام شمّر، ودارت بينهم وبين قوات ابن رشيد اشتباكات، مما أربك ؛ موقف عبدالعزيز آل سعود الذي انسل من الوقعة مع بعض فرسانه بعد أن أصيب بشظايا قنبلة، فانهزمت القوات السعودية وقتل منها في تلك الوقعة حوالي 1,000 رجل، وقتل من الجند العثمانيّ النظامي حوالي 1,000 رجل، وقتل من الشمرّيين حوالي 300 رجل بينهم اثنان من آل رشيد حكام الجبل. ولكن عبدالعزيز آل سعود على الرغم من تشتت شمل قواته، وضياع فريق منها، تمكن من جمع قوات سعودية قدرت بعشرة آلاف مقاتل في غضون عشرة أيام فقط، وزحف صوب قوات ابن رشيد لقتالها، وكانت تلك القوات في بلدة الشنانة. فتقدم عبدالعزيز آل سعود بقواته إلى بلدة الرس، ومنها أخذ يهاجم قوات ابن رشيد على شكل متقطع لمعرفة مدى قوتها وتحصينها وإعدادها، وهو أسلوب من أساليب إضعاف العدو مادام هذا العدو في وضع المدافع، وقد طالت تلك المناوشات دون أن يلتقي الجيشان في وقعة مباشرة كبيرة.

قرر ابن رشيد التراجع إلى المواقع الخلفية ففاجأته القوات السعودية بكل إمكاناتها، فانتصرت عليه في وقعة الشنانة في 18 رجب عام 1322هـ ، الموافق 29 سبتمبر 1904م. وتعد وقعة الشنانة من المعارك الحاسمة والفاصلة بين القوات السعودية والقوات الرشيدية، إذ تمكن عبدالعزيز آل سعود من تركيز سلطته في بلاد نجد، وأظهر للجميع أنه الحاكم الفعلي لنجد، خاصة بالنسبة للدولة العثمانية التركية التي فتحت باب المحادثات معه، والدولة البريطانية التي ظلت تراقب الحوادث في قلب الجزيرة العربية وهي في الوقت نفسه تعرف تاريخ الدولة السعودية ولها معها أكثر من اتصال حول مسائل كثيرة تهم المناطق الخليجية.

وتعد وقعة الشنانة بداية النهاية للوجود العسكري العثماني التركي في نجد. كما تُعد بداية النهاية للإمارة الرشيدية في نجد، إذ بعد هذه الوقعة امتدت الدولة السعودية الثالثة لتشمل كل بلدان القصيم، وتراجعت قوات ابن رشيد باتجاه جبل شمّر، فتكون بذلك قد انحصرت في منطقة محدودة الاتساع والسكان والطاقات الاقتصادية.

الدولة السعودية الثالثة تثبت أركانها:

استغل ابن رشيد فرصة غياب عبدالعزيز آل سعود عن القصيم، وذهابه إلى قطر لنجدة شيخها قاسم بن ثاني ضد خصومه، فزحف بجيشه نحو بريدة يريد استرجاعها، فاستنجد أهلها بعبدالعزيز آل سعود، فجاء بسرعة وفاجأ قوات ابن رشيد في روضة مهنا بالقرب من بلدة بريدة في 18 صفر 1324هـ، الموافق 14 أبريل عام 1906م، وانتصر عليها، وقتل في هذه الواقعة عبدالعزيز بن متعب آل رشيد أمير إمارة آل رشيد، فخلفه في حكم الإمارة ابنه متعب بن عبدالعزيز آل رشيد الذي عقد صلحاً مع عبدالعزيز آل سعود تنازل بموجبه عن جميع بلاد القصيم وسائر مناطق نجد مقابل الاعتراف له بالإمارة على جبل شمّر ومركزه حائل. وبعد هذه الموقعة انسحب الجند العثماني تمامًا من بلاد نجد، وقد كفل عبدالعزيز آل سعود للجند العثماني انسحاباً مشرفاً، فأرسل إليه السلطان عبدالحميد الثاني رسالة شكر على معاملته الطيبة للجند العثماني في القصيم خلال انسحابه من البلاد.

وهكذا يكون نفوذ آل رشيد قد انحسر تماماً، وتكون الدولة السعودية الثالثة قد امتدت حدودها لتشمل جميع منطقة القصيم التي توحدت مع باقي مناطق نجد، وانضمت إلى الدولة السعودية الحديثة. وأصبح وضع الإمارة الرشيديه وضعاً صعباً ومهلهلاً جداً، وأصبح بإمكان عبدالعزيز آل سعود القضاء على هذه الإمارة مستغلاً عوامل الضعف فيها، ومقومات القوة التي لازمت بناء الدولة السعودية الثالثة. وما المسألة الرشيدية إلا مسألة وقت فقط، خاصة بعد انتهاء الوجود الرسمي العثماني من نجد في أعقاب وقعة روضة مهنا.

قلعة أعيرف إحدى القلاع الشهيرة في حائل.

مواصلة مشروع توحيد نجد:

نكث الأمير سلطان بن حمود آل رشيد بشروط الصلح التي وقع عليها متعب آل رشيد في أعقاب وقعة روضة مهنا. وكان سلطان بن حمود قد تولى إمارة آل رشيد في جبل شمر بعد مقتل الأمير متعب بن عبدالعزيز آل رشيد الذي قتله بعض أبناء عمومته، ولم يتقيد هذا بصلح متعب، وأبلغ أمير القصيم التابع لعبدالعزيز آل سعود بأن الصلح الذي وقعه الأمير متعب مع عبدالعزيز آل سعود أصبح لاغياً ومنقوضاً، ممًا أوجد فرصة كبيرة لعبدالعزيز آل سعود للانقضاض على ماتبقى من بلاد مازالت تابعة للإمارة الرشيدية. وساعدت الظروف العامة والخاصة عبدالعزيز آل سعود في تحقيق مشروعه الرامي إلى ضم كل البلاد النجدية إلى دولته. فدبت خلافات بين أسرة آل رشيد، وقامت حركة من حركات التمرد والاضطراب والقتل والاغتيالات بين زعماء هذه الأسرة. وعلى الرغم من أن عبدالعزيز آل سعود قد تعرض لعدد من المشكلات الداخلية التي ظهرت نتيجة لمشروعات التوحيد هذه في الفترة بين عامي 1325و1331هـ، 1907 و1912م، وبالإضافة إلى هذه المشكلات كانت هناك الظروف الاقتصادية والجوع الذي عم بلاد نجد عام 1327هـ، الموافق 1908م ـ فإن كل هذه الحوادث لم تمنع عبدالعزيز آل سعود من اتخاذ التدابير اللازمة لايقاف نشاط آل رشيد وتحرشاتهم بالقصيم مستغلين الظروف الداخلية فيه.

اشتبك عبدالعزيز آل سعود مع قوات سلطان بن حمود وانصاره من أهل بريدة وبادية الدويش الذين هاجموا الجيش السعودي في الطرفية ليلة 5 من شعبان 1325هـ، المصادف 14 سبتمبر 1907م وانتصر ابن سعود في هذه المعركة انتصارًا ساحقًا، وانهزم سلطان بن حمود الرشيد وفرّ إلى حائل، فعاب عليه أهله انهزامه فجهز جيشًا زحف به من الجبل لملاقاة ابن سعود الذي زحف بجيشه لصده، فتوسط بينهما برغش بن طواله من رؤساء شمر فجددت المعاهدة السابقة التي خرقها سلطان، وما أن عاد إلى حائل حتى قتله أخوه سعود بن عبيد، فثارت الفتنة في حائل وقتل سعود بعد سنة وشهرين، فتولى آل سبهان الحكم فيها باسم سعود بن عبدالعزيز المتعب فلم يحترموا المعاهدة فأغاروا على إحدى القبائل التابعة لابن سعود، فهب لنجدتهم ودارت بينه وبين قوات آل رشيد معركة انتصر فيها ابن سعود انتصارًا مبينًا ـ كما يقول الريحاني ـ وكان تاريخ هذه الواقعة 5 ربيع الأول عام 1327هـ المصادف 29/3/1909م، وتسمّى وقعة الأشعلي.

ازداد اتصال آل رشيد بالعثمانيين الأتراك من أجل دعم موقفهم ضد عبدالعزيز آل سعود، وأخذ العثمانيون الأتراك يمدون سعود بن رشيد بالسلاح والذخيرة، وكانت الدولة العثمانية التركية تعمل جاهدة لضرب النفوذ السعودي عن طريق آل رشيد لعدائها الشديد عبر الحقب التاريخية لآل سعود، ومحاربة للدعوة السلفية. وقرر آل رشيد خوض مجابهة جديدة مع عبدالعزيز آل سعود. والتقى الطرفان في موضع يعرف بماء جراب شرقي بلدة الزلفي وشمالي الأرطاويّة، وهي أول هجرة منظمة أنشئت لتوطين البدو في نجد، وكان ذلك في 7 ربيع الأول عام 1333هـ، الموافق 24 يناير عام 1915م. وكان للبدو في تلك الوقعة دور كبير في أحداثها ونهايتها. فانسحب العجمان وتركوا عبدالعزيز آل سعود، وفروا من الوقعة من أجل خذلانه والإمعان في انكساره. وهجم بدو شمر على خيام عبدالعزيز آل سعود وأمعنوا في نهبها. وهجم بدو مطير على خيام ابن رشيد ونهبوها أيضاً. وماكان على عبدالعزيز آل سعود وابن رشيد إلا أن يطاردا البدو ويمعنا قتلاً فيهم من أجل أن يستردا منهم مانهبوه من خيامهما، فاختل بذلك نظام الوقعة وانشغل الطرفان كل في أموره وترتيباته، وتفرقا دون أن يحرز أي منهما انتصاراً على الآخر، وفاز البدو بالغنائم والأسلاب من كلا الجانبين.

تعد الفترة الواقعة بين موقعة جراب 1333هـ، 1915م ومقتل سعود بن عبدالعزيز المتعب آل رشيد، عام 1338هـ، 1919م بيد ابن عم أبيه عبدالله بن طلال، في المغواة وهما خارجان للنزهة ـ تعد هذه المدة فترة صلح وهدنة بين أمير حائل والسلطان عبدالعزيز آل سعود رغم محاولة الشريف حسين بن علي تحريض آل رشيد على نقض الصلح.

وفي اليوم نفسه الذي قتل فيه سعود، قتل القاتل بيد أحد عبيد سعود بن رشيد فتولى الإمارة ابن أخي سعود عبدالله بن متعب بن عبدالعزيز، وحاول تجديد الصلح مع السلطان عبدالعزيز فاشترط أن تكون شؤون حائل الخارجية إليه، فرفض شرطه وأعلنت الحرب، فسير السلطان عبدالعزيز جيشًا إلى حائل مكونًا من حوالي عشرة آلاف مقاتل وعهد إلى أخيه الأمير محمد بن عبدالرحمن حصارها، ووكّل إلى ابنه الأمير سعود مهاجمة شمّر، ورابط هو في القصيم ليكون قريبًا من موقع الأحداث، فجاءه وفد من حائل بقبول ما اشترطه في العام الماضي من أن تكون شؤون حائل الخارجية إليه، فرد عليهم السلطان عبدالعزيز بعدم قبوله ذلك، وأن عليهم أن يدخلوا فيما دخل فيه أهالي نجد، ليريحوه ويريحوا انفسهم من ويلات الحروب، وشروطه الآن أن يسلموا إليه شوكة الحرب وآل رشيد، وعند هذا (يكون لكم مالنا وعليكم ما علينا) وبعد أن عاد الوفد إلى حائل رفضت الشروط وشدد الحصار الذي قاده الأمير سعود مدة شهرين.

في هذه الأثناء وصل إلى حائل محمد بن طلال بن عبدالله آل رشيد قادمًا من الجوف، ففر أمير حائل عبدالله ابن متعب بن عبدالعزيز آل رشيد من وجهه والتجأ إلى الأمير سعود بن عبدالعزيز آل سعود ففك الحصار عن حائل وعاد بأميرها عبدالله بن متعب فتولى إمارة حائل محمد بن طلال وقاد حملة على قرى حائل التي كان أهلها موالين لابن سعود وفتك بهم وفعل بهم قريبًا مما فعله ابن عمه عبدالعزيز المتعب آل رشيد بأهل القصيم بعد وقعة الصريف من البطش والتنكيل، مما اضطر السلطان عبدالعزيز إلى التحرك السريع لحسم الموقف، فأمر قواته القريبة من منطقة حائل بالتوجه فورًا إلى حائل لحصارها حتى يوافيهم هناك، حيث تحرك السلطان عبدالعزيز بالقوات الرئيسية في 11/12/1339هـ، 16/8/1921م، ووصل ساحة المعارك في 4/1/1340، 8/9/1921م بالجثامية، حيث كان ابن طلال في حرب مع القوات الأولى وكادت الهزيمة تحل بها نتيجة خدعة من ابن طلال، فهاجمه الجيش الرئيسي فهزمه وانسحب إلى حصون مدينة حائل، فحاصره فيها الجيش السعودي، وكتب إليهم ابن سعود يقول : (سلموا تسلموا) فاشترطوا بقاء إمرة ابن طلال فرفض ذلك السلطان عبدالعزيز، ولما طال أمد الحصار كتب يقول : (قد طال أمد الحصار وأقبل الشتاء، فليعذرنا الأهالي إذا أنذرناهم، لهم ثلاثة أيام ليسلموا المدينة وعائلة الرشيد، وإلا فنحن إلى غرضنا مسرعون بالرصاص والنار).

وهذا أحد المواقف الإنسانية التي عرف بها الملك عبدالعزيز، التي تتجلى فيها رأفته وشفقته على من سيصبحون من رعيته، وفي الوقت نفسه برهان على حزمه وعبقريته العسكرية.

وقد جاءه الجواب بأن الأهالي يتخلون عن ابن طلال وبيت الرشيد وأنهم على استعداد لتسليم الحصون المحيطة بالمدينة إذا جاءتهم قوات ابن سعود، فأرسل السلطان ألفين من رجاله ففتحت لهم الحصون المحيطة بحائل، ثم أمّن الناس على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، فخرجوا إليه أفواجًا يبايعونه وهم يشكرون الله.

أما ابن طلال فتحصن في قصر برزان فأمنه ابن سعود إذا هو سلم ففعل وهكذا عادت حائل إلى حكم آل سعود، وتوحدت نجد كلها تحت حكم السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وكان ذلك في اليوم التاسع والعشرين من شهر صفر عام 1340هـ المصادف 1 نوفمبر 1921م.

يقول أمين الريحاني: "ولكن حائل كانت في حال الحرب أكثر من سنة قبل ذلك، وكانت القوافل من الكويت والعراق منقطعة عنها، فشمل أهلها الضيق، وكان السلطان عالمًا بشدة حالهم فجاءهم متأهبًا لتخفيفها ـ جاء بالمؤن وجاء بالثياب والمال ـ فأجزل للناس العطاء، ووزع ألوفًا من أكياس الرز، وألوفًا من الكسوات. قال لي أحد الذين سلموا : "كنا ليلة الحصار الأخيرة على آخر رمق، نرى شبح المجاعة والموت، فأمسينا ليلة التسليم الأولى وكلنا شبعانون، مكسيون، مطمئنون".

وهذا من المواقف التي هي غاية في النبل والرحمة والإنسانية من الملك عبدالعزيز مما لا نحتاج معه إلى تعليق.

استرداد المنطقة الشرقية

حصون المنطقة الشرقية استعادها الملك عبد العزيز بحلول عام 1339هـ، 1920م.

التخطيط لاسترجاع الأحساء:

كان العثمانيون قد استردوا حكم الأحساء، وهي المنطقة التي تعرف اليوم بالمنطقة الشرقية، في عهد ولاية مدحت باشا على العراق عام 1288هـ، 1871م على أثر الفتنة التي نشبت في البيت السعودي بين عبدالله بن فيصل وأخيه سعود بن فيصل في عهد الدولة السعودية الثانية.

اهتم عبدالعزيز آل سعود بأمر المنطقة الشرقية، وأخذ يخطط لاسترجاعها من يد العثمانيين الأتراك، فكانت المنطقة تابعة للدولتين السعوديتين: الأولى والثانية ولآل سعود جذور تاريخية فيها، وها هو عبدالعزيز آل سعود يحاول أن يفك الحصار الشرقي عن دولته عن طريق إخراج العثمانيين الأتراك، حتى يكون لدولته منفذ بحري يسهم في إنعاش اقتصاد البلاد، وبوابة تطل منها الدولة السعودية الثالثة، ويجعل إتصالها بالكويت ومشيخات الخليج أقوى وأكثر سهولة، ويتيح لها أن تقوم بدور أساسي في منطقة الساحل الخليجي، وتصبح مجاورة للنفوذ البريطاني صاحب الثقل السياسي والعسكري في منطقة الخليج، كما تستطيع الدولة السعودية الثالثة من هذا المركز القضاء على حركات التمرد وقطع الطريق التي تعيث فسادًا في الأجزاء الشرقية من الجزيرة العربية. وخلال الفترة التي سبقت قيام الحرب العالمية الأولى كانت الأحوال العامة في الأحساء تخدم أهداف عبدالعزيز آل سعود وموقفه، وأهم العوامل التي هيأت الجو ليقوم عبدالعزيز بمغامرته في استعادة الأحساء هي:

أ - أن الاستراتيجية التي اتبعتها الدولة العثمانية في منطقة الأحساء، تفضيل المنافع الشخصية على المنافع العامة مما جعل أسلوب الحكم العثماني يتسم بالظلم والاستبداد، ويعتمد في بقائه على القوة العسكرية.

ب- أن بريطانيا كانت تعمل على إضعاف العثمانيين خاصة أن الدولة العثمانية بدأت تميل في علاقاتها إلى دول الوسط لاسيما ألمانيا، وهو أمر يقلق بريطانيا، لأنه يخل بمبدأ المحافظة على التوازن الدولي.

ج- انشغال الدولة العثمانية بإخماد الثورات والتمرد اللذين اجتاحا بعض مناطق الدولة وخاصة انشغالها بحرب البلقان.

حائط قلعة الهفوف. الحائط الذي تسلقه جلالة الملك عبدالعزيز غفر الله له ورفاقه عام 1331هـ، 1913م باستعمال سلالم صنعوها من جذوع النخيل والحبال. وقد تم لهم فتح القلعة وإجلاء الجند العثمانيين منها.

اتصالات سرية:

حاول عبدالعزيز آل سعود إجراء اتصالات سرية مع بريطانيا عن طريق ممثليها في كل من الكويت والبحرين، لضمان تأييدها لمشروعه الرامي إلى استرجاع الأحساء من العثمانيين، ومع أن بريطانيا لم توافق عبدالعزيز آل سعود على التدخل في شؤون الأحساء قبيل نشوب الحرب العالمية الأولى،ولم تقدم له أي دعم ضد العثمانيين الأتراك في الأحساء، إلا أنه أخذ على عاتقه مغامرة استرداد الأحساء من العثمانيين معتمداً على قوته الذاتية، وقواته النجدية وإمكاناته المحدودة.

زحف عبدالعزيز آل سعود بقواته صوب الأحساء، وأحاط تحركاته العسكرية بالسرية التامة، ولما وصل إلى بعد كيلومترين من السور الغربي لمدينة الهفوف، وضع خطة حربية شاملة لدخول المدينة وإجلاء الحامية العثمانية التركية منها. فقسم قواته إلى ثلاثة أقسام، وعمل السلالم من جذوع النخيل والحبال ليتسلق الجند السعودي بها الأسوار ليلاً. وهنا نلحظ الطرق الحربية البدائية التي كانت تسلكها القوات السعودية في حروبها وقتذاك، فالسلاح تقليدي، وأسلوب القتال تقليدي بسيط يعتمد في المقام الأول على عامل المفاجأة أكثر من اعتماده على نوع السلاح والخطط العسكرية. وبالمقابل فإن الحامية العثمانية التركية في الأحساء كانت أيضا قليلة العدد، وأسلحتها محدودة، ولم تكن في وفاق مع أهالي المنطقة، وكان يعتريها الملل، وهي في حالة نفسية سيئة ومتدهورة، على الرغم من أن الجند العثماني كان يخضع لنظام الخدمة المحدودة في المنطقة، إذ كان الجند العثماني يبدل كل سنتين.

نجح الجند السعودي في تسلق الأسوار، ودخلوا مدينة الهفوف، وتدفقوا صوب الحصون والقلاع التي يقيم فيها الجند العثماني، ونادى المنادي: "الملك للّه ثم لابن سعود، من أراد السلامة فليلزم مكانه". وقد قاوم الجند العثماني مقاومة محدودة لكنهم شعروا بعدم جدواها، فاستسلموا ورحلهم عبدالعزيز آل سعود بعد أن أمنهم على أرواحهم وأسلحتهم، وقدم لهم الركائب، وساعدهم على الجلاء مع عائلاتهم وأمتعتهم إلى ميناء العقير ومنه إلى البحرين ثم إلى البصرة في العراق، وتم ذلك عام 1331هـ، 1913م.

أرسل عبدالعزيز آل سعود حامية سعودية تحت قيادة عبدالرحمن بن سويلم إلى القطيف، فدخلتها دون مقاومة تذكر من قبل حاميتها العثمانية التي استسلمت ورحل أفرادها إلى البحرين ولحقوا بالجند العثماني الذي رحل عن الهفوف. وبذلك عادت منطقة الأحساء إلى الدولة السعودية الثالثة. ويعدّ استرداد الأحساء من قبل عبدالعزيز آل سعود وتوحيده مع أجزاء الدولة السعودية الحديثة بداية لقيام علاقات جديدة بين الدولة السعودية وبين كل من الدولة العثمانية وبريطانيا، لأن الدولة السعودية الحديثة أصبحت دولة محلية قوية تطل على الخليج ولها ساحل طويل عليه.

استرداد عسير

حصون أبها المنيعة. ضمتها إلى المملكة الفتية، حملة سعودية أرسلها الملك عبدالعزيز تحت قيادة ابنه الأمير فيصل (الملك فيما بعد) وذلك عام 1340هـ، 1921م.
كانت عسير في الفترة التي كان الملك عبدالعزيز يواصل كفاحه لتوحيد البلاد قسمين سياسيين: الشمالي منهما تحت إمرة آل عائض وقاعدته أبها. والجنوبي تحت إمرة الأدارسة وقاعدته جازان.

وأثناء قيام أئمة آل سعود في الدولة بنشر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية أقبل سكان المنطقة على اعتناقها وانضوت عسير السراة تحت لواء الدولة السعودية الأولى عام 1215هـ، فكان ولاءهم السياسي وتبعيتهم لآل سعود.

ولما زحفت قوات محمد علي على عسير أبلى أهلها بلاءً حسنًا في الدفاع عنها وحمل لواء الجهاد طامي بن شعيب، لكن قواته هُزمت وأُسر هو فأرسله محمد علي إلى مصر مقيدًا بالحديد ومنها إلى اسطنبول حيث أعدم هناك ـ رحمه الله ـ.

وفي عهد الأمير عائض بن مرعي من آل يزيد الذين ينتسبون إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان زحفت القوات العثمانية ومعها الشريف محمد بن عون فحمل عائض لواء المقاومة وبعد عدة معارك انتصر عليهم عام 1250- 1251هـ.

ولمّا توفي عائض في الوباء الذي اجتاح البلاد عام 1273هـ تولى الإمارة من بعده ابنه محمد فعمل على بسط نفوذه في ما حوله من بلاد حتى وصل حدود الحجاز شمالاً وبيشة شرقًا، إلا أنه صادف في تلك الفترة أن العثمانيين انتهجوا سياسة تقوية قبضتهم على البلاد العربية، فأرسلوا حملة قوية بقيادة رديف باشا عام 1288هـ، 1871م، حاصرت أبها فاستسلم محمد بن عائض على شرط الأمان، لكن القائد العثماني أحمد مختار باشا غدر به وقتله واحتلوا البلاد وجعلوها ولاية عثمانية، وأبعدوا آل عائض عن الحكم إلا أنهم اضطروا إلى الاستعانة بالأمير حسن بن علي بن محمد آل عائض عام 1330هـ، 1912م عندما حاربهم الإدريسي، ومنذ ذلك الوقت ظل الأمير حسن معاونًا للمتصرف العثماني سليمان شفيق باشا.

ولما قامت الحرب العالمية الأولى وانسحب الاتراك من عسير استقل بها حسن آل عائض، ولكنه لم يحسن السيرة بل ظلم الرعية واستبد، فنفرت منه القبائل وبعثوا رسلهم إلى الإمام عبدالعزيز يشكون تسلط أميرهم وظلمه ويناشدون أن يحميهم فأوفد إلى أبها ستة من العلماء وكتابًا إلى الأمير حسن، فناشدوه العمل بالكتاب والسنة والعودة إلى ما كان عليه آباؤه، فعدَّ ذلك تدخلاً من ابن سعود في شؤونه الخاصة ومساسًا باستقلاله فهدد باحتلال بيشة.

الحملة الأولى:

في شعبان عام 1338هـ، مايو 1920م، أرسل الإمام عبدالعزيز ابن عمه عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود على رأس قوة مكونة من ألفين من المحاربين فالتقى بجند ابن عائض عند حجلة بين أبها وخميس مشيط، فهزم ابن عائض وتقدم إلى أبها وفتحها، فاستسلم ابن عائض وأسرته لابن مساعد فأرسلهم إلى الرياض، وأكرمهم ابن سعود ورغب في ردهم إلى إمارتهم على أن يكونوا تابعين له، لكنهم آثروا التخلي عن الإمارة نهائيًا فرتب لهم المشاهرات والمقررات السخية، وعادوا إلى ديارهم راضين، فأقام محمد في أبها، وانتقل حسن بن عائض إلى بلدتهم حرملة.

الحملة الثانية:

نقض حسن بن عائض عهده الذي أعطاه لابن سعود وحرض القبائل ضده وأمده الشريف حسين بن علي بالمال والسلاح فهاجم أبها وحاصر حاميتها حتى استسلمت، فأسر أفرادها مع أمير البلد فهد العقيلي، واستمرت هذه الفتنة بضعة شهور، لأن السلطان عبدالعزيز كان مشغولاً باستعادة منطقة حائل وتنظيم أوضاعها، فلما انتهى من شأنها التفت إلى عسير.

جهز السلطان عبدالعزيز قوة مكونة من حوالي عشرة آلاف رجل، ووكل إلى ابنه الأمير فيصل قيادتها، وفي شوال عام 1340هـ، يونيو 1922م وصل الأمير بقوته إلى بيشة، فوجد فيها قوة من خصومه فقاتلهم حتى هزمهم وشتتهم، ولما بلغت أخبار الهزيمة ابن عائض وقدوم القوات السعودية أخلى أمامها خميس مشيط وحجلة وتحصن في أبها، فهاجمها الأمير فيصل فأخلاها آل عائض وتحصنوا في حرملة، وجاءهم مدد من الشريف حسين بقيادة الشريف عبدالله بن حمزة الفعر وحمدي بك فأرسل الأمير فيصل قوة من جيشه للسيطرة على حرملة فنجحت في مهمتها، وكان الشريف حسين قد أرسل قوة هائلة لنجدتهم، فكلف الأمير فيصل قوة من المجاهدين فهزموا الجيش الحجازي هزيمة منكرة فتقهقرت فلوله المنهزمة إلى القنفذة، وقضى بذلك على فتنة آل عائض، وتوحدت عسير مع الأقاليم الأخرى في الدولة السعودية الثالثة (المملكة العربية السعودية) وأمر فيها الأمير فيصل سعد بن عفيصان، ولما توفي عين السلطان عبدالعزيز بن سعود عبدالعزيز بن ابراهيم، أميرًا على منطقة عسير، وكان رجلاً حازمًا قوي الشكيمة، معروفًا بالدهاء والكرم وحسن التصرف، رحمهم الله جميعًا.

استرداد إمارة الأدارسة

ينتسب الأدارسة الذين شكلوا إمارة الأدارسة في منطقة جازان ونجران، أو مايعرف في نطاق ضيق بمنطقة المخلاف السيلماني، إلى عالم فقيه من متصوفة المغرب اسمه أحمد بن إدريس من أهل فاس بالمغرب، وكان هذا العالم قد جاور المسجد الحرام بمكة نحو ثلاثين عامًا. ونزل بصبيا عام 1246هـ 1830م، فالتف حوله مريدوه وتلقوا طريقته الأحمدية، وهي على نمط الطريقة الشاذلية وأصبح له أتباع في مكة وأتباع في صبيا. وبعد وفاته عام 1253هـ 1837م، خلفه ابنه محمد بن أحمد الذي بدأ يؤسس إمارة صغيرة، وأيده الأهالي تكريمًا لوالده ودوره في ريادتهم. وتزوج محمد بن أحمد بسودانية ولدت له ابنًا اسمه علي، وتزوج علي بهندية أنجبت له ولدا اسمه محمد عام 1293هـ، 1876م، فكان محمد بن علي من أهم أفراد أسرة الأدارسة وأدهاهم.

حاول محمد بن علي الإدريسي أن يقوي إمارته، فاتصل بالإيطاليين ضد العثمانيين في فترة الحرب الإيطالية العثمانية في ليبيا (الحرب الطرابلسية)، وساعده الأسطول الإيطالي في البحر الأحمر. وتكمن مشكلة إمارة الأدارسة في أن كلاً من الشريف حسين بن علي ـ شريف مكة ـ والإمام يحيى حميد الدين ـ إمام اليمن ـ يعدّ أرض الإمارة الإدريسية جزءاً من بلاده، وكي يحافظ السيد محمد بن علي الإدريسي على إمارته من الضياع اتصل بعبد العزيز آل سعود، سلطان نجد وملحقاته، وطلب منه العون والدعم خاصة وأن سلطان نجد وملحقاته على علاقة سيئة مع كل من شريف الحجاز وإمام اليمن، وهو وقتها حاكم منطقة عسير الداخلية، ويهمه أمر المنطقة الإدريسية المجاورة لحدوده. وبالفعل دعم سلطان نجد وملحقاته مركز السيد محمد بن علي الإدريسي ضد مطالب الشريف ومطالب إمام اليمن، واستمر الإدريسي منيع الجانب حتى وفاته عام 1341هـ، 1923م.

اضطربت الإمارة الإدريسية بعد وفاة السيد محمد بن علي الإدريسي، خاصة بعد أن خلفه ابنه علي بن محمد الإدريسي الذي كان ضعيفاً، فثار عليه الأهالي وخلعوه، وبايعوا عمه الحسن بن علي الإدريسي الذي حاول قدر استطاعته أن يوازن بين القوى السياسية في المنطقة، ففاوض الإيطاليين في مصوَّع من أجل دعمه. وفاوض البريطانيين من أجل مساعدته أيضًا، وحتى يوازن بين قوتين دوليتين لهما نفوذ قوي في المنطقة. وأرسل ابن عمه مرغني الإدريسي إلى مكة المكرمة ليفاوض الملك عبدالعزيز آل سعود بعد دخوله منطقة الحجاز، ووقع مرغني الإدريسي معاهدة مع الملك عبدالعزيز آل سعود عام 1345هـ، 1926م، عرفت باسم معاهدة الحماية الخاصة بالإمارة الإدريسية، وضع بمقتضاها الإمارة الإدريسية تحت حماية الدولة السعودية الثالثة، ويدير الملك عبدالعزيز آل سعود بموجبها الشؤون الخارجية، وتبقى إدارة الإمارة داخلياً بيد السيد الحسن الإدريسيّ، يساعده في الإدارة عامل سعودي يعينه الملك عبدالعزيز آل سعود.

ولما عجز الإدريسي عن إدارة الشؤون المحلية لإمارته، مثل المحافظة على ضبط الأمن، والإدارة ، والجباية، وغيرها من الأمور الداخلية في الإمارة، أبرق الحسن الإدريسي إلى الملك عبدالعزيز آل سعود في 17جمادى الأولى 1349هـ، 1930م يقول: ¸ تقرر بموافقتنا ورضانا إسناد إدارة بلادنا وماليتنا إلى عُهدة جلالتكم·.

وأمر الملك عبدالعزيز آل سعود بتأليف مجلس شورى خاص بالمقاطعة الإدريسية يتكون من أهلها ولاتكون قراراته نافذة إلا بعد موافقة السيد الحسن الإدريسي، وكانت وظيفة هذا المجلس النظر في الأمور الداخلية للمقاطعة التي ضمت وتوحدت مع البلاد السعودية. وظل الحسن الإدريسي وكأنه رئيس لحكومة محلية في الإمارة الإدريسية، وكانت كل الأوامر الداخلية تصدر عن الحسن الإدريسي نيابة عن الملك عبدالعزيز آل سعود في كل الشؤون الداخلية للمقاطعة. ولكن دسائس ومؤامرات حزب الأحرار الذي يتزعمه الشريف عبدالله بن الحسين دفعت الحسن الإدريسي إلى التهور، مما عجل بنهاية نفوذه في المنطقة، فقد تمرد على حكم الملك عبدالعزيز، وتعاون مع أعدائه، وحبس الأمير السعودي فهد بن زُعير وجماعته من الموظفين السعوديين في المقاطعة الإدريسية، فأرسل الملك عبدالعزيز قوات كثيفة العدد والعدة إلى صبيا براً وبحراً قضت على مقاومة الحسن الإدريسي، فهرب الإدريسي إلى صنعاء حيث كان الإمام يحيى يدعمه ويشجعه على الثورة. وظل الحسن الإدريسي والأدارسة في اليمن حتى معاهدة الطائف التي أنهت الحرب بين السعودية واليمن عام 1353هـ، 1934م، عندها سلم إمام اليمن الحسن الإدريسي ومن معه من الأدارسة إلى الملك عبدالعزيز آل سعود بموجب أحد شروط اتفاقية الصلح بين الطرفين الذي ينص بشكل صريح على تسليم الأدارسة للملك عبدالعزبز آل سعود. وهكذا زالت الإمارة الإدريسية وانتهى دور الأدارسة، في مجال سياسة مناطق الجزيرة العربية، وزال نفوذهم، واختفت تطلعاتهم تجاه السيادة والسلطة.

ضم المنطقة الغربية (الحجاز)

آخر التحصينات التي فتحها الملك عبدالعزيز في الحجاز.
ساد جو عدم الثِّقة بين عبدالعزيز آل سعود والشريف حسين بن علي، شريف الحجاز قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، تدل على هذا حادثة أسر الشريف حسين بن علي لسعد بن عبدالرحمن آل سعود أخي عبد العزيز آل سعود الذي كان في بادية عتيبة يستنفر رجالها بأمر من أخيه عبدالعزيز آل سعود. وقد عد عبدالعزيز آل سعود هذا التصرف بمثابة اعتداء صريح عليه من الشريف حسين. وفهم عبدالعزيز آل سعود من هذا الحادث أنه أسلوب يتبعه الشريف حسين بن علي للمساومة. ولهذا صار يتنقل من ماء إلى ماء لا يريد المواجهة مع عبد العزيز فقد كتب إلى عبدالعزيز يقول: (إذا هجمت علينا تركنا لك المعسكر والخيام وعدنا بأخيك سعد إلى مكة، فيبقى عندنا إلى أن تطلب الصلح)، وكان يرافق الشريف حسين الشريف خالد بن لؤي، وكان أهل بلده ممن اعتنق دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وانضم إلى الدولة السعودية الأولى وسار هو وأسرته على هذا المنهج، فتوسط بين الشريف حسين وعبدالعزيز بن سعود حيث أخبره أن الشريف ليست له غاية سيئة ولكنه يريد (أن يبيض وجهه مع الترك) فاكتب له ورقة تنفعه عند الترك ولا تضرك وأنا أتكفل برجوع سعد، فقبل عبدالعزيز وساطة خالد بن لؤي وكتب له (قصاصة ورق) تنفع الشريف عند الترك ولا تضر كاتبها، وتعهد فيها أن تدفع بلاد نجد ستة آلاف مجيدي كل سنة أ. هـ، ولم تكن سوى قصاصة من ورق.

وتوترت العلاقة بين عبدالعزيز آل سعود والشريف حسين بن علي، أثناء الحرب العالمية الأولى وفي أعقابها بسبب حوادث النزاع حول ترسيم الحدود بين نجد والحجاز، وتردّت العلاقة بين الطرفين عندما منع الشريف حسين النجديين من دخول الحجاز لأداء فريضة الحج. وساءت الأمور كثيرا بسبب ثورة الشريف حسين بن علي على الأتراك العثمانيين وتطلعاته الرامية إلى قيادة العالم العربي وزعامته، وقد تطور هذا الأمر عندما أعلن الشريف حسين بن علي أنه خليفة المسلمين. وقد دعم الشريف حسين آل رشيد ضد ابن سعود، ودعم أيضا آل عائض في عسير بالإضافة إلى الخلافات الأخرى، التي كانت تنشب بين الطرفين بسبب تبعية القبائل البدوية، والمشكلات التي كانت تحدثها القبائل من جهة أخرى.

وقد أدى النزاع على الحدود بين نجد والحجاز، خاصة حول واحتي تربة والخرمة إلى وقوع الحرب بين الطرفين في وقعة تربة في 25 شعبان عام 1337هـ، أوائل عام 1919م، أثناء فترة انعقاد مؤتمر السلام في باريس في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وقد انتصر فيها الجيش السعودي، على جيش الشريف حسين الذي كان يقوده الأمير عبدالله. وكان الانتصار كبيراً، حيث إن الجيش الهاشميّ المنظم قد شتت شمله. لذا تعد وقعة تربة بداية المشوار في ضعف الهاشميين في الحجاز، ثم سقوط دولتهم فيه. وتعد وقعة تربة أيضًا فاتحة ضم مناطق الحجاز وتوحيدها ضمن بلاد الدولة السعودية الحديثة ؛ لأن تربة هي بوابة بلدان الحجاز من الداخل.

شن الجيش السعودي هجوما على قوات الشريف حسين في الطائف، فدارت وقعة في الحوية قرب الطائف تراجع فيها الجيش الهاشمي أمام القوات السعودية، ثم هجم السعوديون على الطائف فدخلوها عنوة في 7 صفر عام 1343هـ ، 1924م ودارت وقعة فاصلة في الهدا، بين القوات السعودية وقوات الأمير علي بن الحسين، انتصرت فيها القوات السعودية واستولت على معسكر الأمير علي بن الحسين في الهدا، واضطرت القوات الهاشمية إلى التراجع باتجاه مكة المكرمة، وقع ذلك في ليلة 27 صفر من العام نفسه. وفي صباح اليوم الخامس من شهر ربيع الأول عام 1343هـ، 1924م، اضطر الشريف حسين بن علي إلى قبول التنحي والاعتزال عن حكم الحجاز، ونودي بابنه الأمير علي بن الحسين ملكاً على الحجاز، وقد أخلى الملك علي مكة المكرمة في ليلة 16 من ربيع الأول 1343هـ، 1924م، ودخلها السعوديون في 17 من ربيع الأول من العام نفسه وهم محرمون للعمرة، لأن علماء الرياض أفتوا بأنه لايجوز دخول الحرم بنية القتال.

دخل سلطان نجد وملحقاتها مكة المكرمة وبايعه علماؤها وشيوخها ووجهاؤها. وأخذ يعد العدة لضم كل ماتبقى من مدن الحجاز وبلدانه. فأمر قواته بحصار مدينة جدة في 7 جمادى الآخرة عام 1343هـ، الموافق 3 يناير 1925م. وتولى سلطان نجد وملحقاتها قيادة جيشه بنفسه، فعسكر في الوزيرية ثم في الرغامة، وأخذ يضيق الخناق على المدينة. ووجه بعض السرايا إلى كل من القنفذة، ورابغ، وينبع، والعلا، والليث، واستطاعت تلك القوات دخولها. وكان سلطان نجد وملحقاتها يمعن في حصار جدة، وكان يخطط أيضًا لأن تكون جميع موانئ الحجاز ومناطق عبوره البحرية بيد قواته. وكان سلطان نجد وملحقاتها قد وجه فيصل الدويش لدخول المدينة المنورة، ورفض أهلها الاستسلام إلا عندما يحضر أحد أبناء السلطان عبدالعزيز، وأخيراً استسلمت إلى الأمير محمد بن عبدالعزيز آل سعود في 19 جمادى الأولي عام 1344هـ، 1925م بعد أن أمن الضباط والجند والأهالي على أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم، وأصدر أمراً بالعفو العام.

أما مكة شرفها الله، فبعد أن هزم الجيش السعودي الجيش الهاشمي، ودخل الطائف منتصرا ساءت الأحوال في مكة، وشحت الأقوات، وانتشرت الفوضى، واختل الأمن، مما دفع أهل الحل والعقد، أن يعقدوا مؤتمرا في جدة لبحث إيجاد أسلوب لتخليص الحجاز من حكم الأشراف، وكانت الخطوة الأولى أن يطلبوا من الشريف حسين التنازل عن الحكم لابنه علي، فأرسلوا في الرابع من ربيع الأول عام 1343 هـ، المصادف للثالث من أكتوبر عام 1924م، برقية يطلبون منه ذلك، وقد وقع البرقية مائة وأربعون من العلماء والأعيان والتجار، وبعد جدال ومحاورة بين الحسين والأعيان تنازل لابنه في الخامس من الشهر نفسه.

بعد ذلك دارت مراسلات ومفاوضات بين ممثلي أهل الحجاز والقادة السعوديين في مكة، وكان نتيجتها أن قرر رئيس الحزب الوطني حله وانتهاء مهماته، مما كان سببا في إلقاء القبض على بعض أعضائه وسجنهم بتهمة موالاة السعوديين وتيسير مهمة ضم الحجاز إلى الدولة السعودية الثالثة.

أما الملك علي فقد تحصن في جدة مما اضطر الملك عبدالعزيز أن يفرض حصارا مشددا على البلد قاده بنفسه، واستمر أكثر من عام مع أن الفرصة كانت مواتية للنصر واقتحام جدة، ولكن الملك عبدالعزيز آثر التريث حفاظا على جيشه وعلى الأجانب المقيمين فيها، وأملا في تسليم الملك علي دون قتال، وقد تم له ما أراد، فبعد مراسلات وواسطات عرض الملك علي التسليم والخروج من البلاد بشروط وتوصل الطرفان إلى صيغة الصلح وشروطه، ووقعه كل من سلطان نجد وملحقاتها والملك علي بن الحسين في غرة جماد الآخرة 1344هـ، الموافق 17 ديسمبر 1925م، وأتت بنوده كما يلي:

1) يغادر الملك علي مدينة جدة قبل مساء يوم الثلاثاء 6 جمادى الآخرة 1344هـ، وله أن يأخذ جميع أمتعته الشخصية بما في ذلك سيارته وخيوله.

2) لا يحق للملك علي أن يخرج شيئا من المعدات الحربية، وما لحكومته من بواخر وقوارب وسنابيك.

3) يؤمن سلطان نجد وملحقاتها سلامة الموظفين العاملين في الحكومة الهاشمية من مدنيين وعسكريين وكذلك جميع أهالي المدينة من حضر وبدو، وأن يمنح الجميع العفو العام، ويتعهد بترحيل جميع الضباط والجند الهاشميين، الذين لا يرغبون البقاء في جدة إلى بلادهم ويوزع على الموجودين منهم بجدة خمسة آلاف جنيه ذهبي.

وهكذا انتهى الحكم الهاشمي في الحجاز، وأصبحت الدولة السعودية الثالثة تضم جميع البلاد التي كانت تتبع الدولة السعودية الأولى في فترة عصرها الذهبي. وبذلك تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود من توحيد جميع المناطق في دولة قوية موحدة هي المملكة العربية السعودية. وقد صرف الملك عبدالعزيز جهداً كبيراً في سبيل تحقيق ذلك، ودام هذا العمل الشاق والصعب مدة تصل إلى حوالي ربع قرن من الزمن، قضاها الملك عبدالعزيز آل سعود محارباً في سبيل توحيد البلاد وإعادة مجد البيت السعودي وتاريخه الطويل.

ويُعد توحيد البلاد العربية السعودية من أهم الإنجازات السياسية التي حققها الملك عبدالعزيز، وتتضح هذه الحقيقة من قوة الدولة التي يتمتع فيها المواطن بالاستقرار والراحة والهدوء، وينعم بالأمن في ظل حكومة مركزية قوية تحمي رعاياها وتكفل لهم العزة والكرامة في وطن آمن مستقر، وهي أمور يرجوها المواطن في كل مكان وزمان. وتتضح هذه الحقيقة الثابتة إذا قارنا الوضع المستقر والآمن بحال الفوضى والاضطراب التي كان يعيشها المواطن في مناطق الجزيرة العربية قبل التوحيد السياسي، وفي غياب الدولة المركزية القوية.

بناء الدولة السعودية الحديثة

اعتمد بناء الدولة السعودية الحديثة في كل المجالات على كل مقومات الدولة الحديثة المنظمة في العصر الحديث، وهي مجالات السياسة والدبلوماسية والدستور والأنظمة واللوائح التنظيمية الإدارية والمجالات العسكرية والأمنية، ومجالات التعليم والبناء الاجتماعي والحضاري، ومجالات الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها.

بوابة دخنة من خارج السور وأحد أبراجه، في الجهة الجنوبية الغربية وكانت تعرف باسم الدروازة الجنوبية أو الدروازة الكبيرة، وتمثل المدخل الجنوبي للرياض 1356هـ، 1937م.

أسماء الدولة وألقاب حكامها:

الدولة السعودية الثالثة هي بطبيعة الحال وريثة الدولتين السعوديتين: الأولى والثانية في كل الاعتبارات. وكان حكام الدولتين السعوديتين الأولى والثانية قد لقبوا بالإمام وهو لقب معروف في الدولة الإسلامية، وللإمامة حقوق وواجبات في الطاعة والأحكام. وتذكر المصادر التاريخية أن لقب الإمام كان من أحب الألقاب إلى نفس الملك عبدالعزيز آل سعود. وكان الملك عبدالعزيز قد لقب بالإمام رسميًا بعد وفاة أبيه عبدالرحمن بن فيصل عام 1346هـ، 1928م.

في مطلع تكوين الدولة السعودية الحديثة سارت السلطة والسيادة منذ أول عهدها باتجاه مفهوم الدولة الحديثة، لأنها قائمة على أساس تجربة الدولة السعودية السابقة. وكان حاكمها عبدالعزيز آل سعود قد لقب رسميًا في المخاطبات الرسميّة والمكاتبات، ولدى الحكومات والبعثات السياسية والدبلوماسية، بأمير نجد.

عقد مؤتمر في الرياض عام 1339هـ، 1921م حضره علماء البلاد ورؤساؤها، وقرر المؤتمر أن يكون لقب حاكم البلاد سلطان، وأصبحت الكتب والرسائل والمخاطبات تحمل النعت واللقب صاحب العظمة سلطان نجد. ولما توحدت كل من منطقة عسير وجبل شمّر في بوتقة الدولة السعودية الثالثة عام 1340هـ، 1922م، أصبح لقب السلطان هو عظمة سلطان نجد وملحقاتها وسميت الدولة السعودية الثالثة وقتذاك بسلطنة نجد وملحقاتها.

وبعد دخول سلطان نجد وملحقاتها مدينة جدّة عام 1345هـ، 1926م، وإنهاء حكم الأشراف في كل إقليم الحجاز، اجتمع رؤساء بلدان الحجاز وأعيانها وبايعوا السلطان عبدالعزيز ملكًا على الحجاز وأصبح لقب عبدالعزيز الجديد هو جلالة ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها وأصبحت كل المكاتبات والمراسلات منذ ذلك الحين تحمل هذا اللقب، وأصبح اسم الدولة مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، واعترفت بذلك الدول العربية والأجنبية. وفي 25 رجب عام 1345هـ، الموافق 19 يناير 1927م، بايعه أهل نجد في الرياض ملكًا على نجد، فأصبح لقبه هو جلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها. وأصبح اسم الدولة هو مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها.

وفي 17 جمادى الأولى عام 1351هـ، 1932م، صدر مرسوم ملكي في الرياض بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة في اسم واحد هو المملكة العربية السعودية، وملكها صاحب الجلالة ملك المملكة العربية السعودية، وجرى تنفيذ ذلك ابتداء من يوم الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351هـ، الموافق 22 سبتمبر 1932م. واتخذ الملك فهد بن عبدالعزيز لقبًا جديدًا هو خادم الحرمين الشريفين في 24 من صفر عام 1407هـ، أكتوبر 1986م.

تنظيمات الدولة:

اختارت الدولة السعودية الثالثة في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود شكل شعار الدولة وعلمها. فأصبح شعار الدولة مؤلفًا من سيفين متقاطعين، في وسطهما نخلة. أما علم الدولة فأصبح لونه أخضر، وفي وسطه لا إله إلاّ الله محمد رسول الله باللون الأبيض، وبسيف أبيض واحد يكون مستطيلاً.

دستور الدولة:

دستور الدولة السعودية الثالثة يقوم على الأساس نفسه الذي قام عليه دستور الدولتين السعوديتين الأولى والثانية. فدستور الدولة السعودية الثالثة كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ويقوم الحاكم بتطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق التوحيد، وهي في أحكامها تستند إلى ما جاء في القرآن الكريم والسنة، وما أجمع عليه الأئمة الأربعة. فالحكم السعودي والحاكم السعودي مقيدان بشكل كامل بأحكام الشرع الإسلامي.

ميدان الصفاة حيث يظهر قصر الحكم ببوابته الرئيسية، كما يظهر ممر المالية الموصل إلى قصر الضيافة 1362هـ، 1943م.
ميدان الصفاة بعد إعادة تجديده وعمارته 1994م.

التعليمات الأساسية للدولة:

صدرت التعليمات الأساسية للدولة السعودية الثالثة في الجريدة الرسمية يوم 21 صفر 1345هـ، الموافق 31 أغسطس 1926م، وهي أنظمة وقوانين ولوائح تُعرِّف بالدولة السعودية الحديثة، وشكلها ودستورها وتنظيماتها الإدارية، وهي أول نظام وضع لتنظيم الدولة في أعقاب اتخاذ الدولة السعودية الحديثة اسم مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها. وأهم التعليمات هي: 1ـ إن المملكة مرتبطة ببعضها ارتباطًا لا يقبل التجزئة. 2ـ المملكة دولة ملكّية، شورية، إسلامية، مستقلة. 3ـ لغة الدولة اللغة العربية وهي اللغة الرسمية للبلاد. 4ـ إدارة الدولة بيد الملك، وهو مقيد بأحكام الشرع الإسلامي.5ـ أحكام الدولة مطابقة لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح. 6ـ ينوب النائب العام عن الملك في الحجاز. 7ـ تنظيم الإدارة وإنشاء مجلس الشورى، والمجلس الإداري، ومجالس النواحي ومجالس القرى.

وأعقب ذلك تكوين الوزارات في البلاد السعودية، إذ قبل ذلك كان هناك الديوان الملكي وهو وحده الذي يتولى تصريف الشؤون الداخلية والمحلية، ومرجعه الأول الملك مباشرة. وأنشئت بعد ذلك وزارات مسؤولة عن تصريف أمور الدولة تحت إشراف الملك مباشرة. فأنشئت وزارة الشؤون الخارجية في رجب 1349هـ، أواخر عام 1930م، وعين الأمير فيصل بن عبدالعزيز أول وزير لها. وأُسس مجلس الوكلاء عام 1350هـ، 1931م. وتلا ذلك تكوين وزارة المالية عام 1351هـ، 1932م، العام الذي تسمّت فيه الدولة باسم المملكة العربية السعودية، وأصبح عبد الله السليمان أول وزير لها. وتوالى بعد ذلك تأسيس الوزارات في الدولة السعودية الحديثة على شكل متعاقب وتدريجي حسب الحاجة والمتطلبات وافتتح أول مجلس وزراء سنويّ في 3 ذي الحجة 1372هـ، الموافق 20 يوليو 1953م، في العام الأخير من حياة الملك عبدالعزيز آل سعود. ثم صدر مرسوم ملكي موقع من قبل الملك عبدالعزيز يقضي بجعل مجلس الوزراء تحت رئاسة ولي العهد، في 3 من صفر 1373هـ الموافق 11/10/1953م.

وبعد ضم الحجاز إلى الدولة السعودية الثالثة، نشأ في البلاد السعودية تنظيم خاص للعلاقات الدولية أقيم على قواعد المعاملة بالمثل والتبادل الدبلوماسي المتكافئ، والصداقة المتبادلة القائمة أساسًا على الأعراف الدوليّة المتَّبعة في التعامل الدبلوماسيّ بين دول العالم. فأقامتالدولة السعودية الحديثة علاقات دبلوماسية مع دول العالم، وعينت السفراء والقناصل والوزراء المفوضين لهذه الغاية، ومرجعهم في ذلك وزارة الخارجية السعودية. وتكون الدولة السعودية الحديثة هي الدولة السعودية الأولى من بين الدول السعودية المتعاقبة التي عرفت التمثيل السياسي والدبلوماسي المنظم.

ويُعدُّ صدور التنظيمات الأساسية بداية البناء الإداري في الدولة السعودية الحديثة، وبدأ هذا البناء الإداري أولاً في مملكة الحجاز التي كان سكانها قد تعودوا على الأنماط الإدارية المنظمة في العهدين: العثماني والهاشميّ قبل توحيد الحجاز وضمه إلى الدولة السعودية الثالثة.

ظلت التعليمات والأنظمة الإدارية واللوائح التنظيمية السعودية تصدر تباعًا وبشكل تدريجي وحسب الظروف والحاجة إليها، وذلك من أجل الإصلاح والتحسين والتعديل اللازم والضروري، وكلها من متطلبات البناء الحضاري الحديث. فاستحدثت الدولة المجالس الإدارية المختلفة، وأنشأت النيابة العامة في الحجاز عام 1345هـ، 1926م، وأقرت أنظمة المقاطعات الإدارية، وأنظمة المجالس الإدارية الملحقة بالمقاطعات. ونظمت الشؤون القضائية والمالية وغيرها من الشؤون التي تتطلب التنظيم.

صدر في 27 شعبان عام 1412هـ، الموافق 1 مارس 1992م المرسوم الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في شأن إقرار أنظمة الحكم والشورى والمناطق في المملكة العربية السعودية ممّا اعتبر نقلة نوعية متميزة في البناء والتأسيس. وجاءت تلك الأنظمة على هدي من القرآن الكريم والسنة النبوية، وهي مع ذلك وليدة التجربة السياسية والإدارية التي طبقت فعليًا في البلاد السعودية منذ استحداث الأنظمة السياسية والإدارية في الدولة السعودية الثالثة في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الحديثة.

توطين البدو:

يعاني البدو في البادية من مشكلات قد تكون أعمق وأعقد من مشكلات الجماعات الحضرية المستقرة. ومن بين تلك المشكلات تأتي مشكلة التنقل الدائم والترحال المستمر داخل البادية من جهة وخارجها من جهة أخرى. وعلى الرغم من تلك المشكلة فقد ظل البدوي يفتخر بحياة الترحال والتنقل وعدم الاستقرار، وظل يرى في قرارة نفسه أنه الأنموذج الاجتماعي المثالي لبني البشر أينما كانوا، وأينما حلوا.

إن نظام التنقل والغزو الدائم في بيئة البادية قد أدّيا بالفعل إلى انقطاع حبل الأمن، وأوجدا أنواعًا من عدم الاستقرار السياسي. وأحدثا شرخًا في العلاقات القائمة بين مجتمع البادية وبين الجماعات الحضرية، وبين مجتمع البادية والسلطة المركزية القائمة على أساس سيادة الحضر، وقد تعدى ذلك ليحدث نزاعات بين السلطات المتجاورة، خاصة حول موضوع تبعية تلك القبائل المترحلة.

وأصَّل نظام الغزو في مجتمع البادية مبدأ الأخذ بالثأر، وأوجد نوعًا من التحامل القبلي الذي يحتاج إلى وقت طويل كي ينتهي ويتلاشى. كما أن الجهل عند البدو يُعدُّ مشكلة اجتماعية حقيقية، فالبدوي بعيد كل البعد عن التعليم وعن التيارات الثقافية المتوافرة في الحضر ولدى الجماعات البشرية المستقرة.

ومن خلال هذا كله رأى الملك عبدالعزيز آل سعود ضرورة السيطرة على النزعة البدوية والإفادة من إيجابياتها، وهو ذكاء خارق من الملك عبدالعزيز يوضح مدى عمق فكره السياسي والاجتماعي، ويبين مدى سعة أفقه. ويعكس ذلك توجُّهًا، يقوم على أفكار اجتماعية، ودينية، وتعليمية، واقتصادية، وعسكرية. ومن هنا ظهر مشروع توطين البدو الذي خطط له الملك عبدالعزيز وهيأ له السبل والوسائل التي عملت على إنجاحه. فاختار الملك عبدالعزيز لهذا المشروع جماعة قادرة على الإفادة من بساطة البدوي وعاطفته وفطرته. وجند له عددًا من العلماء والمرشدين والمطاوعة، وخصص له الأموال وكميات من الأرز والشاي والبن وغيرها من متطلبات حياة البدوي. وحاول الملك قدر استطاعته أن تكون أنظمة المشروع وقوانينه مرنة كي يستطيع من خلال ذلك أن ينفذ مشروعه في جو يكون فيه البدوي المعنيّ أكثر قناعة، وتقبُّلا لمشروع يعدّ ظاهرة فريدة في الجزيرة العربية وفي خارجها خاصة في الوطن العربي الذي يكثر فيه البدو ومجتمعات البادية.

أهداف مشروع التوطين. يعد مشروع توطين البدو الذي نفذه الملك عبدالعزيز، ظاهرة متقدمة في مجال البناء الاجتماعي في الجزيرة العربية، وهو مشروع رائد من المشروعات الاجتماعية المهمة في المنطقة العربية برمتها. فقد رأى الملك عبدالعزيز بثاقب بصيرته وبعد نظره السياسي والحضاري أن يوطن البدو في هجر وقرى مستقرة تحقق غايات دينية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية. فخطط الملك عبدالعزيز بأن يجمع القبائل المتنقلة والمتفرقة في دولته ويوحدها في إطار نوع من الاستقرار ضمن الدولة الأم مدفوعًا بمبادئ دينية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية. فركز الملك على أن يجعل البدوي يشعر بمسؤولية المواطنة، وحرص قدر إمكانه على أن يغرس فيه مبدأ حب الاستقرار، والإقامة الثابتة، والاستيطان المستقر. يقول الملك عبدالعزيز : "...إنني أريد تطوير نزعة البدو الفطريّة إلى الحرب، حتى يشعروا بأنهم أعضاء في جماعة واحدة، إنه عمل شاق، ولا أنكر ذلك، ولكن الجانب الكبير منه سيتحقق عندما تبدأ وحدات جيشي تشعر أن الهجر التي نشأت هي بمثابة وطن صغير لها في وسط الوطن الكبير القاحل".

حاول الملك عبدالعزيز أن يعلم البدو، بوساطة العلماء، مبادئ الدين الإسلامي وأحكامه حتى لا يظلوا في جهل من أمر دينهم ودنياهم. إنه مشروع يجدد مبادئ الدعوة السلفية بين البدو، ويعودهم على طاعة السلطة المركزية، ويعودهم أيضًا على الولاء للدولة أكثر من ولائهم للقبيلة. إنه يجعل البدو يشعرون بروابط الانتماء إلى الوطن والمواطنة في نطاق وطن أرحب وأوسع من نطاق ديارهم والأرض التي يتنقلون عليها ويرتحلون إليها. إنه مشروع يجمع أكبر قوة عسكرية محاربة يكون أفرادها من البدو الذين استقروا وهجروا حياة الترحال والتنقل، ممّا يعود البدوي على تقبل مبدأ الطاعة والانقياد. إنه مشروع يعلم البدو الزراعة ويعمل على ربط البدوي بالأرض فتتغير بذلك وظيفته الاقتصادية حين ينتقل من وظيفة الرعي إلى وظيفة العمل بالزراعة والفلاحة، وحين يصبح عسكريًّا يقوم بمتطلبات الجندية حتى وإن كانت جندية مؤقتة وغير ثابتة في الظرف الراهن. إنه مشروع حضاري جيد في حال نجاحه وتحقيق أهدافه الكبرى.

نتائج مشروع التوطين. على الرغم من السلبيات والمشكلات التي تعرض لها مشروع الملك عبدالعزيز لتوطين البدو، وما قام به بعض الجماعات الموطنة من عصيان وتمرد، إلاّ أن المشروع حقق الكثير من النتائج الإيجابية، من أهمها : 1ـ قبول البدوي لمبدأ التوطين والاستقرار، وقد انتشر هذا المبدأ بسرعة كبيرة في البادية، وأصبحت الهجرة الواحدة أحيانًا يسكنها حوالي عشرة آلاف نسمة. 2ـ قلل المشروع من نسبة البداوة في الدولة السعودية الحديثة، وزاد معه نسبة السكان الحضر وفتح الباب أمام تحول اجتماعي كبير، واكبه تحول اقتصادي وثقافي. 3ـ أصبح البدوي يتقبل مفهوم المواطنة بعد أن وُطِّن في الهجر، وابتعد إلى حد ما عن عهد الترحال وظروفه ومتطلباته. وانخرط البدوي في مجتمع الدولة، وأصبح أكثر طاعة وولاء للسلطة المركزية عما كان عليه في السابق. 4ـ عم الأمن والسلام وساد بشكل أوسع، وغدت طرق القوافل وطرق الحجيج آمنة أكثر مما كانت عليه وانعكس أثر ذلك على الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد. 5ـ تعرف البدو إلى حد ما على مفهوم الدولة المنظمة، وقد حل هذا محل سيادة القبيلة. وبذلك يكون التوطين قد نقل البدويّ من حالة الفوضى وعدم الخضوع للنظام إلى حالة من الاستقرار والعيش الهادئ في جو الأمن والطمأنينة والسلام. 6ـ أوجدت حركة التوطين هذه نوعًا من التعليم القائم في أساسه على الجانب الديني. 7ـ أوجدت حركة التوطين قوة عسكرية غير منظمة، لكنها جاهزة تمامًا للخدمة وقت إعلان النفير العام، ووقت الحرب. وأصبحت هذه القوة العسكرية البدوية تشكل أقوى قوة عسكرية في المنطقة، وقد أفاد منها الملك عبدالعزيز إفادة كبيرة أثناء مشروع توحيد البلاد السعودية. 8ـ حطم مشروع التوطين الفردية والفوضوية التي ظلت تسود مجتمعات القبائل المتناحرة والمتنافرة، ووظفت طاقة القتال هذه في خدمة القضايا المشتركة والدفاع المشترك عن الأمة والدولة والدين والوطن. وعندما توطد مبدأ الشعور بالمواطنة سهَّل ذلك عملية توحيد مقاطعات الدولة. 9ـ أوجد مشروع توطين البدو مسؤوليات جديدة للجماعات البدوية، وأوجد أيضًا قيمًا جديدة ممّا جعل البدوي ينظر الى الحياة من خلال نظرة أعمق وأشمل.

الفناء الداخلي لقصر الأمير فيصل بن عبدالعزيز خارج سور الرياض القديمة، ويعرف بقصر أم قبيس، تحول فيما بعد إلى قصر للضيافة، ثم مقر للمعهد العلمي، أقيمت على أنقاضه المكتبة الوطنية والمدرسة المتوسطة في شارع الملك فيصل.
قصر الملك عبدالعزيز الذي تم بناؤه عام 1936م. بعد إجراء الصيانة له تم تحويله إلى متحف وطني.

البناء التعليمي:

ظل التعليم يسير على النمط التقليدي المتوارث طيلة فترة توحيد البلاد العربية السعودية، فلم يظهر التعليم الحديث المنظم إلى حيز الوجود إلاّ في أواخر العشرينيات من القرن العشرين الميلاديّ بعد أن تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود من إتمام عملية توحيد أقاليم الدولة السعودية في إطار الدولة القوية، الموحدة، إذ نهج الملك عبدالعزيز سبل الإصلاح والتجديد والبناء في كافة البلاد السعودية.

زاد التعليم تطورًا وحداثة بعد ازدياد مخصصاته المالية ضمن ميزانية الدولة بعد اكتشاف النفط كسلعة تجارية مهمة جلبت للدولة السعودية أموالاً طائلة. فأخذ التعليم يتطور في عدد مدارسه ومادته التعليمية وأسلوبه ومنهجه، مبتعدًا تدريجيًا عن أساليب التعليم القديم، وظل في حالة تطور مستمر، وتكفَّلت بجميع ميزانيته الحكومة السعودية، بالإضافة إلى منح الطالب مكافأة شهرية تشجيعًا على طلب العلم. أسس الملك عبدالعزيز آل سعود مديرية المعارف العامة عام 1344هـ، 1926م، وارتبطت بالنائب العام، ويصرّف أعمالها مدير معارف عام، ويعاونه معاون المدير، واقتصر اختصاصها على ما يتعلق بشؤون التربية والتعليم. ولقلة المدرسين استقدمت الحكومة السعودية المعلمين من الخارج، من البلاد العربية المجاورة وعلى رأسها مصر. وأسست الدولة المعهد العلمي ومهمته إعداد المعلمين لمرحلتي الابتدائي والأولي. وقامت الحكومة السعودية بإرسال البعثات التعليمية إلى خارج البلاد خاصة إلى مصر، وقد أرسلت أول بعثة تعليمية للطلاب السعوديين إلى الخارج عام 1346هـ، 1927م.

أنشأت الحكومة السعودية مدرسة تحضير البعثات عام 1354هـ، 1935م، ووضع لها منهج استمد من منهج الدراسة في مصر، واقتصر اختصاصها على تهيئة الطالب السعودي للالتحاق بالمعاهد العليا والكليات الجامعية في مصر وغيرها. وتجسيدا لعناية الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ بالعلوم الشرعية والعربية، أمر بافتتاح دار التوحيد في الطائف لتتولى تدريس هذه العلوم حسب الطرق التربوية الحديثة ـ في ذاك الوقت ـ واختير لها نخبة من علماء الأزهر، إضافة إلى العلماء من السعوديين، وفي عام 1369هـ، 1949م، افتتحت كلية الشريعة بمكة، وتعد أولى المراحل الجامعية في المملكة.

وفي العام نفسه تذاكر جلالة الملك عبدالعزيز مع سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ ـ رئيس القضاة والمفتي الأكبر في المملكة ـ رحمهما الله ـ في أمر حلق تدريس العلوم الشرعية والعربية التي كانت منتشرة آنذاك وتنظيمها لتواكب الأساليب العلمية والتربوية الحديثة، وتنسجم مع أنظمة الشهادات التي بدأ منحها لمن ينهي مرحلة من مراحل التعليم، واستقر الرأي على إنشاء معهد الرياض العلمي وافتتح في شهر ذي الحجة عام 1370هـ، 1950م ثم افتتحت كلية العلوم الشرعية ـ بالرياض ـ عام 1373هـ، 1953م وهذا المعهد وتلك الكلية هما نواة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

لم يقتصر التعليم على المدن بل امتد إلى القرى والهجر، فتعلم الطلاب في الهجر القرآن الكريم، وأركان الإسلام، والعبادات، ومبادئ القراءة والكتابة، وكان يقوم بالتعليم في القرى والهجر بعض طلبة العلم، ويسمى الواحد منهم (مطوع) وجمعها (مطاوعة) وكان التعليم في البداية يتم إما في منزل المطوع وهو الأعم، وأحيانا في المساجد، ومستواه العلمي محدود جدا، وهي أشبه بالكتاتيب في بداية أمرها، ولما استقرت الأوضاع العامة في المملكة تطورت وازدهرت عن ذي قبل، ونظمت بحيث تكون مدارس نظامية تشبه مثيلاتها في المدن، وترتبط بمديرية المعارف العمومية.

أنشأ الملك عبدالعزيز مدارس خاصة بالأمراء، كانت في قصره لتعليم صغار الأمراء من أبنائه وأبناء الأسرة السعوديّة، وقد سميت بمعهد الأنجال لأنها في البداية كانت مقصورة عليهم. وأنشأ الأمير فيصل بن عبدالعزيز، النائب العام مدرسة في الطائف سميت بالمدرسة النموذجية يتعلم فيها أبناء الأمراء وغيرهم، ثم نقلت المدرسة من الطائف إلى جدة، وأصبحت بعد ذلك تسمى مدارس الثغر النموذجية بعد أن ضمت إلى وزارة المعارف السعودية.

اهتمت الحكومة السعودية بتعليم الكبار ففتحت المدارس الليلية لهم، ضمن مشروع عام لمكافحة الأمية المنتشرة بكثرة في ربوع البلاد. وشكلت لجنة لترعى شؤون المدارس الليلية سميت لجنة تشجيع المدارس الليلية، ولها فروع في مكة المكرمة والمدينة المنورة والهفوف والرياض وغيرها. وفتحت الحكومة السعودية إلى جانب مدارسالكبار الليلية مدارس لتعليم استخدام الآلة الكاتبة، ومدارس أخرى لتعليم اللغة الإنجليزية.

قفز التعليم في البلاد السعودية قفزة كبيرة حينما أنشئت في البلاد وزارة المعارف السعودية سنة 1373هـ، 1953م. وكان أول وزير للمعارف خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز. وفي عهد هذه الوزارة خطت البلاد السعودية خطوات واسعة جدًا في مجال التعليم في مراحله المختلفة: الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية، والجامعية. كما تقدم التعليم في مجال التعليم الفني (المهني) ؛ مثل المدارس الصناعية والكليات التقنية وكذلك التجارية والزراعية من أجل إعداد جيل من أهل البلاد يعمل في الحقل المهني.

أما عن مدارس تعليم البنات، فقد توسعت وتقدمت وتطورت كثيرًا بعد أن أشرفت عليها الجهة المختصة بها، وهي الرئاسة العامة لتعليم البنات ؛ إذ كان تعليم البنات في أول أمره محدودًا ومقصورًا على منطقة دون الأخرى، قبل ظهور التعليم المنظم للفتاة السعودية في ظل الرئاسة العامة لتعليم البنات. وكان تعليم الفتاة السعودية قبل ذلك يقتصر على قراءة القرآن ومبادئ الكتابة والحساب.

خصصت الدولة ميزانية كبيرة لتعليم البنات، مما أدى إلى توسيع دائرة التعليم في هذا المجال في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية للبنات. وفتحت كليات للبنات فيها كل التخصصات الأدبية والعلمية.

وعُني بتدريس العلوم الشرعية في المعاهد العلمية الدينية، أمّا التعليم العسكري فاختصَّت به العسكرية. ومن أبرز معالم التقدم العلمي في المملكة العربية السعودية، أن أصبح فيها اليوم سبع جامعات تضم كل التخصصات العلمية والتطبيقية والنظرية.

قامت شركة النفط العربية الأمريكية، أرامكو بفتح مدارس نموذجية تدرس المناهج السعودية على غرار مدارس الحكومة، وقد خصصت تلك المدارس لأبناء العاملين في الشركة في المنطقة الشرقية من البلاد. وهي مدارس تنفق عليها الشركة المذكورة إسهامًا في خدمة أبناء العاملين فيها. بالإضافة إلى مشروع تعليم الموظفين السعوديين وتثقيفهم.

الصحراء القاحلة تحولت إلى أراض زراعية خصبة. أخذ الملك عبدالعزيز يهتم تدريجيًا بأمر المياه والزراعة فاستقدم الخبراء الزراعيين من أجل تطوير الزراعة في البلاد، خاصة بعد اكتشاف النفط وتصديره.

البناء في مجال الزراعة:

لم يكن للزراعة، في مطلع عهد التنظيمات والإصلاح في الدولة السعودية الثالثة، حظ كبير من العناية والاهتمام، وذلك لأن البلاد في معظمها أشبه بمناطق بادية وصحراء، والمياه فيها قليلة، والأمطار قليلة وأحيانًا نادرة، بالإضافة إلى صعوبة المواصلات في بلاد واسعة الأرجاء، فيها الصحاري والجبال الشاهقة والوديان، وغير ذلك من معوقات اتساع نطاق الزراعة في ظل وضع عام كانت تسير فيه البلاد بشكل بطيء باتجاه الآلة والأساليب الحديثة. ومما لاشك فيه أن هناك واحات منتشرة هنا وهناك في البلاد السعودية، لكن نظام الزراعة وطرقه ظلت بدائية وقاصرة عن مجاراة الزراعة الحديثة والمتطورة. ولعب ضعف الاقتصاد، وواردات الدولة البسيطة دورًا في هذه المسألة.

فأخذ الملك عبدالعزيز يهتم تدريجيًا بأمر المياه والزراعة، فاستقدم الخبراء الزراعيين والجيولوجيين من أجل تطوير الزراعة في البلاد والبحث عن مواطن المياه فيها، خاصة بعد اكتشاف النفط وتصديره، مما ساهم في ازدياد حجم الميزانية السعودية، خاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. فوصلت إلى البلاد بعثات زراعية من العراق ومصر وسوريا. ووصلت بعثة أمريكية عام 1361هـ، 1942م، قامت بدراسة واسعة لمعرفة حجم الأراضي الزراعية في المملكة، ومدى قابليتها للزراعة، ونوع المزروعات التي تلائمها. وقد وجدت البعثة في البلاد السعودية أرضًا زراعية واسعة، ومياهًا ذات مخزون كبير، خاصة المياه المتوافرة في الواحات.

مشروعات السدود من المشاريع التي أولتها الدولة الحديثة عنايتها لتوفير المياه للزراعة ومنها سد جباجب في الطائف.
أنشأ الملك عبدالعزيز جهازًا إداريًا خاصًا بالزراعة سُمي مديرية الزراعة في رجب عام 1367هـ، أبريل 1948م، وكان مركزها مدينة جدّة. وقد تولاها محمد صالح القزاز. وقامت هذه المديرية بواجباتها ضمن اختصاصاتها، فاستوردت آلات الري والزراعة، وآلات الحفر الخاصة بالآبار الارتوازية، والجرارات الخاصة بالحرث. واستوردت كذلك بعض الأشجار. وعندما تطورت الزراعة تدريجيًا في المملكة، أصبح من الضروري إنشاء وزارة زراعة، وقد شرقي جدة، واستوردت الدولة العثمانية كذلك آلة تقطير، واشترت الحكومة السعودية في عهد الملك عبدالعزيز آلة تقطير أخرى. وظل الوضع في جدّة كذلك إلى أن مدت الحكومة السعودية أنابيب مياه جلبت الماء العذب النقي عام 1367هـ، 1947م، وقد جاءت به الدولة السعودية من عيون وادي فاطمة، وسمي المشروع بمشروع عين العزيزية نسبة الى الملك عبدالعزيز، وقد كلف هذا المشروع حوالي ستة ملايين ريال. أخذت المياه الواردة إلى جدّة تزداد شيئًا فشيئًا. وأنشئ خزان ماء كبير قرب مدينة جدّة يسع مليون جالون ماء. ويُسقى أهل المدينة المنورة من عين الزرقاء. وجلب الماء إلى مدينة الرياض من وادي الباطن، ومن السويدي ثم من الحائر، وحفرت الآبار الأرتوازية الجديدة، وقد تم كل ذلك في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود.

واهتمت الحكومة السعودية لاحقًا بأمر تحلية مياه البحر في المنطقتين: الشرقية والغربية. فأقيمت محطة تحلية في جدّة، تنتج خمسة ملايين جالون من المياه يوميًا وهي قابلة للزيادة، بالإضافة إلى خمسين ألف كيلوواط من الطاقة الكهربائية. وأقيمت محطة للتحلية في مدينة الوجه وأخرى في ضبا الواقعتين على البحر الأحمر، تنتج كل واحدة منهما ستين ألف جالون ماء يوميًا. وأقيمت محطة تحلية في الخفجي تنتج مائة وعشرين ألف جالون يوميًا. ويوجد في مدينة الخبر محطة تحلية تنتج سبعة ملايين ونصف المليون جالون ماء يوميًا، أضف إلى هذا كله ما تنتجه محطة الجبيل من مياه محلاة. وتنتج هذه المحطات طاقات كهربائية هائلة، وبناء عليه فإن التحلية يمكن أن تكون في المستقبل المصدر الرئيسي للمياه بالنسبة للمدن والمنشآت الصناعية على الساحلين: الشرقي والغربي للمملكة.

حل مشكلة المياه:

مما لا شك فيه أن أخصب بلاد المملكة وأغزرها أمطارًا هي بلاد عسير. وهناك واحات خصبة، تتوافر فيها مياه العيون والآبار، مثل الأحساء، والخرج، والأفلاج، والقصيم وغيرها. ويأتي الحجاز في قائمة المناطق الأولى التي تقل فيها المياه. فتوجد في مكة عين زبيدة، يستقي منها سكان مكة والحجاج والمعتمرون. وأما جدّة فمياهها قليلة جدًّا، وقد مدت الدولة العثمانية الأنابيب لجلب المياه من عين الوزيرية الحليّ وصناعات الجلود ودباغة وصناعة الأحذية والقرب، وصناعة الأدوات الحديدية وغير ذلك من الصناعات اليدوية القديمة.

وظلت الصناعات القديمة المتوارثة في البلاد السعودية حتى اكتشاف النفط، وبعد اكتشافه بفترة ليست بطويلة. فقد وفر النفط للمملكة العربية السعودية عوائد مالية ضخمة رفعت من مستوى القوة الشرائية للسكان، ووفرت العملات الأجنبية للدولة، فزاد مستوى الاستيراد من السلع الأجنبية، مما ساعد على قيام نوع من التحدي الوطني في مجال الصناعات المحلية، فتشجع عدد من الأغنياء والممولين السعوديين ففتحوا المصانع بعد أن استقدموا الآلات والخبرة من الخارج، وظهرت بذلك الحركة الصناعية الوطنية منذ منتصف القرن العشرين الميلادي، وأخذت تلك الصناعات تنمو وتزدهر تدريجيًا، آخذة في الازدياد والتنوع لسد حاجة السوق المحلي بعد ازدياد الطلب على السلع الاستهلاكية بسبب ارتفاع دخل الفرد. وقد تطورت الصناعات المحلية وأصبح في مقدورها منافسة الصناعات الخارجية. وظهرت صناعات متطورة في المملكة مثل: صناعة الألبان، طحن الغلال والبن، وصنع المشروبات الغازية والثلج، وصنع الأثاث الخشبي والمعدني، وصنع البلاط والسيراميك والرخام والجرانيت وأنابيب الأسمنت والأدوات الصحية والنحاسية، وأعمال الميكانيكا والخراطة والحدادة، وصياغة الذهب والفضة وغيرها.

وفي عام 1384هـ، 1964م صدر في المملكة نظام حماية الصناعات الوطنية وتشجيعها الذي يقضي بتقديم الحماية والتشجيع والحوافز لرجال الأعمال السعوديين على الاستثمار في المشروعات الصناعية، ودعم المشروعات الصناعية القائمة وقتذاك. وقدمت الدولة القروض بدون فوائد لرجال الأعمال المستثمرين السعوديين عن طريق صندوق التنمية الصناعية، وإعفاء الآلات الصناعية المستوردة من الرسوم الجمركية، وتخفيض سعر الكهرباء والماء، وتأجير الأراضي التي تقام عليها المصانع بأسعار رمزية. فزادت المشروعات الصناعية زيادة كبيرة، وقد اهتمت الدولة بالمشروعات الصناعية ذات القطاع الخاص من أجل تنويع مصادر الدخل الوطني، وتخفيف الاعتماد على النفط وصناعته كمصدر أساسي للدخل الوطني السعودي.

وأسست الدولة مؤسسة بترومين عام 1382هـ، 1962م التي تعرف الآن باسم سابك من أجل تطوير استغلال البترول والثروة المعدنية في البلاد السعودية، وهي تابعة لوزارة البترول والثروة المعدنية، ووظيفتها توزيع المنتجات النفطية داخل المملكة. ساهمت بترومين في كثير من الشركات الوطنية ذات القطاع الخاص، مثل شركة مصفاة جدّة، وشركة مصفاة الرياض. وأنشأت مصانع للأسمدة (سافكو) في الدمام وأبقيق. وأنشأت شركة بترومين لزيوت التشحيم (بترولوب) وغيرها من الشركات والأعمال ذات الصلة بالنفط.

وشجعت الدولة رأس المال الأجنبي للاستثمار في داخل المملكة، وصدر نظام الاستثمار الأجنبي عام 1384هـ،1964م وذلك بإعطاء رأس المال الأجنبي المزايا التي يتمتع بها رأس المال الوطني، وإعفائه من الضرائب مدة خمس سنوات إذا ساهم فيه رأس المال الوطني بنسبة 25% من رأس المال الكلي.

وشهدت المملكة خلال الخطة الخمسية الثانية 1395-1400هـ، 1975-1980م نشاطًا كبيرًا في مجال الصناعات الوطنية، وازدياد عدد الشركات الوطنية، وازدياد تدفق رأس المال الأجنبي، وازدياد العاملين في نطاق الصناعة والتصنيع، وازدياد كميات السلع المنتجة محليًا، وازدياد الإقبال على شراء السلع الوطنية التي أخذت تنافس السلع الخارجية المستوردة.وظلت الصناعة في المملكة تتوسع بشكل كبير.

أهم الصناعات الحالية في المملكة هي: صناعة توليد الطاقة الكهربائية، وصناعة الإسمنت، وصناعة تحلية مياه البحر، وصناعة الحديد والصلب، وصناعة النفط مثل تكرير الزيت، وتصنيع جميع المنتجات النفطية المتعددة والمتنوعة، وصناعة المعادن، وصناعة الأسمدة، وصناعة المنتجات الغذائية، والصناعات الكيميائية. وأصبحت صناعات المملكة في مجالات المواد الاستهلاكية والنفطية تسد حاجة السوق المحلي وتصدر إلى الخارج.

ويمكن القول بأن الصناعة في المملكة العربية السعودية أخذت تتطور تدريجيًا من صناعة يدوية تقليدية متوارثة إلى صناعة حديثة متقدمة ومتطورة. وقد اتضح هذا التطور من خلال ما وصلت إليه الصناعة المحلية في فترات الخطط الخمسية المتعاقبة إذ أن الخطة الخمسية الأولى بدأت بعام 1390- 1391، 1395- 1396هـ (1970- 1975م).

سوق الحراج والجامع الكبير والأسواق والمحلات المحيطة 1368هـ، 1949م، بالرياض.

البناء في مجال الصناعة والتعدين:

منح اللّه البلاد السعودية معادن كثيرة ومتنوعة، مثل: الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والزنك والكروم والمغنسيوم والفلورايت والفوسفات والجبس والملح الصخري ومواد الأسمنت التي تتكون من الكلس والسيلكا والألومنيا والصلصال والرمل الزجاجي والكبريت والأسبستوس والرخام والزيت (النفط) والغاز الطبيعي. ويأتي النفط في مقدمتها كمية وقيمة.

ومن المعروف أن البلاد السعودية ظلت تقوم بالصناعات اليدوية لسد حاجة الاستهلاك المحلي من منسوجات المشالح والبسط والسجاد، وصناعة الأواني الفخارية وعمل طواحين الغلال الحجرية، وصناعة السلال والمراوح والأقفاص والحبال، وصناعة الخشب، وصناعة أُنشئت تلك الوزارة بعد حوالي شهر واحد من وفاة الملك عبدالعزيز، وكان ذلك في عام 1373هـ، 24 ديسمبر 1953م، وعُيِّن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز أول وزير لها في 18 ربيع الثاني عام 1373هـ الموافق 24/12/1953م.

وتشير الإحصاءات إلى أن نمو الإنتاج الزراعي في المملكة حقق معدلاً مرتفعًا نسبيًا بلغ 10% في الفترة بين 1962-1970م، بفضل دخل الدولة المتزايد الذي انعكس على المشروعات الزراعية في المياه، وانعكس كذلك على دخل الفرد السعودي.

ظلت الحكومة السعودية ممثلة بوزارة الزراعة تعمل على وضع سياسة زراعية بعيدة المدى، بعد أن أوكلت الدولة لتلك الوزارة مهمة تنمية موارد الأراضي ومصادر المياه في المملكة. فقامت الوزارة باستقدام خبراء المسح الزراعي والمائي، وتعاونت مع خبراء منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) واهتمت الوزارة أيضًا بمشروعات التوسع الزراعي الحديث المتطور الذي يعتمد إلى حد كبير على أساليب التقنية الحديثة، فوفرت مياه الري، وتوسعت في تنويع المحاصيل الزراعية من الخضار والحبوب والفواكه والأعلاف، واهتمت بتطوير زراعة النخيل مما أسهم في ازدياد معدل إنتاج التمور.

ونهجت الدولة السعودية سبلا أسهمت في رفع الإنتاج الزراعي مثل مشروعات توزيع الأراضي البور الصالحة للزراعة، ومشروعات استخدام الآلات الزراعية الحديثة، ومشروعات مساعدة المزارعين ومدهم بالآلات الزراعية، وحفر الآبار، والبذور الزراعية، وشراء القمح من المزارع السعودي، وغيرها من المشروعات الحكومية التي تعمل على تطوير العمل الزراعي والإنتاج الزراعي.

السيارة الأولى التي وصلت الجزيرة العربية في تاريخ 1326هـ، 1908م، وكان مالكها إنجليزيًا يدعى وليم شكسبير.

الطرق ووسائل النقل الحديثة:

كانت الطرق في البلاد السعودية، قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، طرقًا قديمة وليست معبدة. وتعدّ الطرق التي أنشأتها أرامكو هي أول طرق معبدة وحديثة في البلاد السعودية، إذ عبدت الشركة طرقًا في المنطقة الشرقية بين مراكز الشركة الإدارية ومراكز العمل النفطي بين الظهران والدمام والخبر وأبقيق وبين آبار الزيت وحقوله المختلفة.

وفي مطلع السبعينيات من القرن الرابع عشر الهجري (الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي) بدأت الحكومة السعودية تعمل على تعبيد الطرق في المنطقة الشرقية والوسطى والغربية، خاصة طرق الحج. واستمرت الدولة في شق الطرق المعبدة بين المدن الرئيسية ثم بينها وبين البلدان والقرى، علمًا بأن الطرق المعبدة تساهم بقدر كبير في نمو الحركة الاقتصادية والحضارية في البلاد. وقد تطورت المواصلات البرية وطرقها كثيرًا في البلاد السعودية على مدى الخطط الخمسية المطبقة في المملكة العربية السعودية، وأصبحت مدن المملكة وبلدانها وقراها ترتبط معًا بشبكة مواصلات بريّة عظيمة، وعمت البلاد الطرق المعبدة الواسعة والجسور والأنفاق. وارتبطت مع البلاد العربية بشبكة مواصلات بريّة سهلة وممتازة.

خط السكك الحديدية، بدأ العمل به في عام 1366هـ، 1947م ليربط بين الدمام وأبقيق عن طريق الظهران. ووصل الخط الحديدي إلى مدينة الهفوف عام 1369هـ، 1949م ثم إلى حرض والخرج عام 1370هـ، 1950م ووصل الرياض عام 1371هـ، 1952م.
وبدأ العمل بمد خط سكة حديد يربط بين مدينة الدمام وأبقيق عن طريق الظهران، وذلك في ذي القعدة عام 1366هـ، 1947م. ووصل الخط الحديدي إلى مدينة الهفوف عام 1369هـ، 1949م، ثم مد الخط إلى حرض في العام نفسه، ثم إلى الخرج عام 1370هـ، 1950م، ثم وصل الرياض عام 1371هـ، 1952م. وهو الخط الحديدي الوحيد في المملكة العربية السعودية، ويستخدم لنقل الركاب والبضائع.

أما عن الطرق البحرية فهناك ميناء رأس تنورة على ساحل الخليج، وهو أهم ميناء لتصدير النفط في المملكة العربية السعودية. وميناء رأس الخفجي الذي أنشأته شركة الزيت العربية (اليابان). وميناء سعود في المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية، وهذان الميناءان يصدر منهما النفط المستخرج من المنطقتين المذكورتين. وميناء الدمام وهو منفذ بحري مهم على ساحل الخليج في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وهو ميناء يستقبل كل البضائع التي تصل إلى المملكة من الخارج عن طريق الخليج العربي، ومنه تصدر المملكة البضائع الوطنية. وهناك ميناء جدة الإسلامي على البحر الأحمر، وهو يستقبل كل البضائع المستوردة والتي تصل إلى المملكة عن طريق البحر الأحمر، وهو أيضًا يستقبل الحجاج القادمين من الخارج، ومنه يعودون إلى بلادهم بحرًا. كما أن جميع البضائع المحلية المصدرة عن طريق البحر الأحمر يتم تصديرها عبره. وهناك ميناء ينبع على البحر الأحمر، وميناء جازان، بالإضافة إلى ميناء الجبيل وهو مرفأ صغير نسبيًا يقع على ساحل الخليج العربي.

أما عن الطرق الجوية فهناك مطارات دولية مثل مطار الملك خالد الدولي، ومطار الملك عبدالعزيز الدولي، ومطار الظهران الدولي. بالإضافة إلى عدد كبير من المطارات المحلية الموزعة على مدن المملكة. وحركة النقل الجوي في المملكة حركة دؤوبة.

ظاهرة الأمن في المملكة:

إن ظاهرة الأمن في البلاد العربية السعودية ظاهرة فريدة ومميزة، فالأمن في السعودية كان ومازال مضرب المثل. وقد استطاع الملك عبدالعزيز أن يرسي قواعد الأمن لا في الحاضرة فقط، وإنما في البادية أيضًا. وظل الأمن الذي أرسى دعائمه الملك عبدالعزيز مستتبًا في ظل الحكومات السعودية التي تعاقبت على الحكم من بعده. وقد تطورت أجهزة الأمن تطورًا عظيمًا في ظل وزارة الداخلية السعودية، فاطمأن المواطن والمقيم. وسهرت إدارات الأمن العام، والدفاع المدني، والمرور والنجدة، وسلاح الحدود على راحة الأهالي وأمنهم وسلامتهم. وقد تطورت تلك الأجهزة الأمنية، وتطور معها رجل الأمن من خلال التدريب الجيد، والدراسات ذات الصلة بالأمن، ومن خلال فتح المؤسسات الأمنية والكليات المختصة مثل كلية الملك فهد الأمنية، والمعاهد ذات الاختصاص بشؤون الأمن وغيرها.

هذا وقد تطورت أجهزة الدفاع البري والجوي والبحري في ظل وزارة الدفاع والطيران. وأصبح الجندي السعودي مدربًا تدريبًا جيدًا على أساليب القتال، وعلى الأسلحة الحديثة والمتطورة. وقامت وزارة الدفاع والطيران السعودية بفتح عدد كبير من المدارس الحربية والكليات العسكرية البرية والجوية والبحرية، مثل كلية الملك عبدالعزيز الحربية، وكلية الملك فيصل الجوية، بالإضافة إلى البعثات العسكرية التي ترسلها وزارة الدفاع والطيران إلى أنحاء العالم لتدريب أفراد القوات العربية السعودية في مجالات العسكرية المختلفة. كما أنشأت الوزارة عددًا كبيرًا من المستشفيات العسكرية لعلاج أفراد القوات العربية السعودية.

المملكة في المؤسسات الدولية:

المملكة العربية السعودية عضو في جامعة الدولة العربية منذ قيامها عام 1364هـ، 1945م، وهي عضو في هيئة الأمم المتحدة منذ تأسيسها عام 1364هـ، 1945م، وهي عضو أيضا في منظمة المؤتمر الإسلامي وفي أغلب المؤسسات الدولية ذات الأغراض الإنسانية. وهي عضو في الأوبك والأوابك. وتساهم المملكة بقدر كبير في المجالات الدولية، وفي القضايا المعاصرة خاصة القضايا الإسلامية منها، مثل: القضية الفلسطينية، والقضية الأفغانية، وقضايا المسلمين في المناطق التي كانت تشكل الاتحاد السوفييتي (السابق)، وقضية البوسنة والهرسك، وقضايا المسلمين في كل مكان، والمملكة عضو أساسي في رابطة العالم الإسلامي، وهي التي تحتضن مؤسساتها وترعاها وتدعمها بالمال والرعاية والاهتمام.

★ تَصَفح أيضًا: المقالات الواردة في الموسوعة عن المملكة العربية السعودية وكل منطقة من مناطقها الإدارية.

إختبر معلوماتك :

  1. بيّن كيف كانت نهاية الدولة السعودية الثانية.
  2. صف حال آل سعود وهم في الكويت قبل قيام الدولة السعودية الثالثة.
  3. تحدث عن علاقة الكويت وآل سعود بآل رشيد حكام نجد وقتذاك.
  4. وضح الخبرة التي اكتسبها الملك عبدالعزيز أثناء إقامته مع أسرته في الكويت.
  5. بيّن كيف دخل الملك عبدالعزيز الرياض عام 1319هـ، (1902م) واذكر نتائج هذا الحدث التاريخي.
  6. كيف وحّد الملك عبدالعزيز آل سعود البلاد النجدية ؟
  7. صف كيف دخل الملك عبدالعزيز الأحساء مستردًا إياها من الحكم العثماني التركيّ.
  8. بيّن أهمية المنطقة الشرقية بالنسبة لبلاد نجد.
المصدر: الموسوعة العربية العالمية