الدعوة الإسلامية ( The Islamic Call )
الدعوة الإسلامية دعوة ربانية تقوم على هدي القرآن، كلام الله سبحانه وتعالى، وهدي رسوله ﷺ المتمثل في اتباع سنته في الدعوة. وتقوم هذه الدعوة على ركائز وأسس لا ينبغي الانحراف عنها مهما كانت الأسباب ويبدو ذلك في قوله تعالى: ﴿يا أيها الرسول بلِّغ ما أُنِزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلَّغت رسالته..﴾ المائدة: 67. ولما طلب المشركون في مرحلة من مراحل الدعوة الإسلامية الأولى من رسول الله ﷺ أن يستبدل لهم ببعض الآيات القرآنية التي تسفِّه آلهتهم التي زعموها من دون الله آيات أخرى، أخبرهم الرسول الكريم ﷺ بأنه لا يملك ذلك، فهو مبلغ عن الله تعالى كما جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿وإذا تُتْلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بَدٍّلهُ قل ما يكون لي أن أبدلّه من تلقاء نفسي إنْ أتبع إلا ما يوحى إليّ إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم﴾ يونس: 15. تلك هي الركيزة الأولى، أما الركيزة الثانية فقد جاءت لإثبات عقيدة التوحيد، وإخلاصها لله وحده، ونبذ الشرك والشركاء، فقد بعث الله نبيه محمدًا ﷺ في وقت كثر فيه الشرك وطمست معالم الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وأهمل العقل، فاتبع الناس ما وجدوا عليه الآباء والأجداد، في انحراف العقيدة، فقالوا لرسول الله ـ وهو يدعوهم إلى التوحيد ـ فيما حكاه عنهم القرآن: ﴿وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون﴾ البقرة: 170.
ولم تكن لهم حجة قط، تبرهن على صحة اتباعهم، سواء كانت حجة نقلية أو عقلية وإنما كانوا مُجرد مقلدين آباءهم وأسلافهم، ومن ثم فقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يُنزّل القرآن في الفترة الأولى من عمر الدعوة الإسلامية، أي الفترة الصعبة، لعلاج هذه القضية المهمة، قضية التوحيد، والتي تمثّل الأساس الذي يقوم عليه البناء، وبذلك يمكن القول: إنه إذا صحت العقيدة وكمُل إيمان المرء سهل عليه بعد ذلك تقبل الأحكام الشرعية والإذعان لها. تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الحديث الذي أخرجه البخاري:
"... إنما نزل أول ما نزل منه ـ أي من القرآن ـ سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء ¸لا تشربوا الخمر· لقالوا لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل ¸لا تزنوا· لقالوا لا ندع الزنا أبدًا، لقد نزل على محمد ﷺ وإني جارية ألعب ﴿بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمرّ﴾ القمر: 46.
وقد أُنزل القرآن في هذه الفترة لبيان قضية التوحيد، وعالجها بأساليب مختلفة من القصص، وضرب المثل، والترغيب والترهيب، وغير ذلك مما هو مبسوط في القرآن وكتب السنة والسيرة.
والركيزة الثالثة من ركائز الدعوة الإسلامية وأسسها هي أنها دعوة عالمية. فمنذ أن بعث الله نبيه محمدًا ﷺ برسالة الإسلام والدعوة قائمة، فلم تكن محدودة بزمان ولا مكان، بل هي دعوة للعالم أجمع. والآيات القرآنية الدالة على ذلك كثيرة لا يسمح المقام هنا بذكرها معًا، لكننا نورد بعضها الذي يؤكد ما ذهبنا إليه. من ذلك قول الله عز وجل مخاطبًا نبيه محمدًا:
﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ الأنبياء: 107. وقوله سبحانه: ﴿قل لا أسألكم عليه أجرًا إن هو إلا ذكرى للعالمين﴾ الأنعام: 90. ومنها قوله تعالى: ﴿تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا﴾ الفرقان:1. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا﴾ الأعراف: 158.
ومن ذلك ما جاء فيه أن الله تبارك وتعالى أخذ الميثاق على النبيين للإيمان بمحمد ﷺ:
﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين﴾ آل عمران: 81. وغير ذلك مما هو مذكور في القرآن الكريم والسنة النبوية، الأمر الذي يؤكد أن دعوة الإسلام دعوة عالمية، وشاملة غير مقصورة على شعب دون آخر، أو على إقليم دون غيره، وإنما هي للعالم كل العالم.
من أسس الدعوة الإسلامية البساطة وعدم التكلف. فالدين الإسلامي هو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فقول النبي ﷺ: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه ) يثبت لنا أن أي مولود يولد على فطرة الإسلام ما لم يتدخل عامل خارجي كالأبوين مثلا. ولذا فإن الدعوة الإسلامية تحمل هذا الأساس، فتخاطب في الإنسان فطرته من غير تكلّف ولاعنت ﴿قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين﴾ ص: 86 .
ويأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمدًا بدعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، كما جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين﴾ النحل: 125. ولذلك فإن ما ترمي إليه النصوص الشرعية هو الدعوة إلى الله بالحكمة، والنظر في أحوال المخاطبين وظروفهم، ومقدار وقت الخطب أو المواعظ، والنظر إلى مدى استعداد النفوس لتلقي الأوامر قبل أن يُشقَّ عليها بالتكاليف، إلى آخر ذلك من مقاصد الشريعة وخصائصها. ولا شك أن الموعظة الحسنة التي تدخل إلى القلوب برفق، وتتعمق في المشاعر بلطف، لها أثر طيب في النفوس، كثيرًا ما يهدي القلوب الحائرة، ويُليِّن العقول الجامدة، والقلوب النافرة. وما على الداعية، إلا أن يستوعب النصوص الشرعية التي وردت في القرآن والسنة، والتي تُبين يسر الدعوة الإسلامية وسهولتها، كما قال الله تعالى: ﴿لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت... ﴾ البقرة: 286.
وكما قال تعالى: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ الحج: 78.
وآخر ركائز الدعوة الإسلامية وأسسها ينصب على الداعية فهو الركن المهم في القيام بأمر الدعوة وبيان مفاهيمها، هو الداعية الذي آمن بالله ربّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﷺ نبيًا ورسولاً، ثم نهل من معين مصدري هذه الدعوة، وهما: كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وعمل بما فيهما من الأوامر والنواهي، والآداب والسلوك والأخلاق، فكتاب الله (القرآن الكريم) هو الذي ختم الله به الكتب السماوية، وهو كتاب هداية وإعجاز، فعلى الداعية أن يُقبل عليه تلاوة وتدبرًا، بتؤدة وروية. وقد ورد ذلك في القرآن ﴿وقرآنًا فَرَقنَاهُ لِتَقْرَأهُ على الناس على مُكْث ونزَّلناه تَنْزيلاً ﴾ الإسراء: 106. وعليه كذلك أن يكون على علم بسنة رسول الله ﷺ وسيرته ؛ لأن اله هو الذي أمرنا بالاقتداء به والسير على نهجه: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر...﴾ الأحزاب:21، وعليه أيضًا أن يكون قدوة في نفسه، حتى لا يأمر الآخرين بأمر ويتأخر هو عن القيام به، فيكون أمامه قوله تعالى: ﴿أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون﴾ البقرة: 44.
وعليه أخيرًا أن يتحلى بالصبر وسعة الصدر ورجاحة العقل والقناعة، ويحتسب كل ما يناله من أذىً عند الله تعالى.