الرئيسيةبحث

الكعبة المشرفة ( Kaaba )



الكعبة المشرفة بيت الله الحرام وقِبْلَة المسلمين، لها يتجهون وحولها يطوفون وإليها يأتون من كل فجٍّ عميق.
الكَعْـبَة بيت الله الحرام وقِبْلَة المسلمين ؛ إليها يتجهون وبها يطوفون، وإليها يأتون من كل فج عميق. وهي حرم آمن في بلد آمن. رفع قواعدها أبو الأنبياء إبراهيم في مكانها المعروف بقلب مكة المكرمة بأمر الله واختياره، وساعده في ذلك ابنه إسماعيل. وبعدها أمره الحق تبارك وتعالى، كما يحكي القرآن، أن ينادي في الناس ليحجوا هذا البيت ويزوروه ﴿وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فج عميق...﴾ إلى قوله تعالى ﴿... ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوفوا بالبيت العتيق﴾ الحج: 27 - 29.

والكعبة بناء مكعَّب الشكل، مبنيٌّ بالحجارة الصلبة. ويبلغ ارتفاعها 15م وطول ضلعها الذي فيه الميزاب والضلع الذي يقابله 10م و 10سم، وطول الضلع الذي فيه الباب والذي يقابله 12م.

وقد وصف المؤرخون الكعبة قديمًا بأنها بناية مكعبة، ولذلك أطلق على البيت الحرام اسم الكعبة. كانت الكعبة قبل الإسلام بخمسة أعوام صنمًا، أي حجارة وضعت بعضها على بعض من غير ملاط، فوق القامة، وقيل: كانت تسعة أذرع من عهد إسماعيل، ولم يكن لها سقف وكان لها باب ملتصق بالأرض. وكان أول من عمل لها غلقًا هو تبع، ثم صنع لها عبد المطلب بابًا من حديد حلاّه بالذهب. وهو أول ذهب حُليّت به الكعبة.

تاريخ الكعبة

الكعبة المشرَّفة قبل مائة عام تقريبًا.

بناء إبراهيم عليه السلام:

جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿إن أول بيت وضع للناس للذي ببكَّة مباركًا وهدى للعالمين﴾ آل عمران: 96. يعني أنه أول بيت للبركة والهدى، وقيل إنه كان محل الكعبة.

أما كيف اهتدى إبراهيم عليه السلام إلى مكان البيت، فقد وردت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿وإذْ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئًا وطهِّر بيتي للطائفين والقائمين والركّع السجود﴾ الحج : 26.

وأشارت الروايات إلى أن الله سبحانه هيأ لإبراهيم مكان البيت الذي كان دارسًا، قال بعضهم بوساطة سحابة ظهرت قبالة البيت في السماء، وقال آخرون بوساطة ريح أزالت ما كان من رواسب حول البيت حتى ظهر مكانه، ومن ثم وضع إبراهيم وإسماعيل أساس البيت. فلما بنيا الركن، قال إبراهيم لإسماعيل: اطلب لي حجرًا حسنًا أضعه ههنا، وكان قد أدرك إسماعيلَ التعبُ، فجاءه جبريل بالحجر الأسود فبنيا وهُما يدعوان: ﴿ربنا تقبَّل منا إنك أنت السميع العليم﴾ البقرة: 127. ★ تَصَفح: مكة المكرمة.

أبرهة الحبشي وهدم الكعبة:

كان أبرهة ملكًا من قبل نجاشي الحبشة على اليمن، وأراد أن يعظِّم شأن النصرانية التي يدين بها النجاشي، فبنى كنيسة عظيمة سماها القلَيْس باليمن ووعد نجاشي الحبشة بأن يصرف حج العرب عن كعبة مكة إلى قليس اليمن، فاغتاظ أحد نساك اليمن من فعل أبرهة هذا فأحدث بالقليس، فأقسم أبرهة ليحطِّمن كعبة مكة حجرًا حجرًا، كما تقول الرواية.

وفي رواية أخرى رجَّحها المؤرخون أن أبرهة جنَّد محمد بن خزاعي بن خزابة الذكواني ثم السلمي في حملة يدعو فيها الناس إلى حج القليس فسار محمد بن خزاعي، حتى نزل ببعض أرض بني كنانة، وقد بلغ خبره أهل تهامة، فبعثوا له رجلاً من هذيل فرماه بسهم فقتله، وهرب أخوه قيس ولحق بأبرهة وأخبره بقتل أخيه فغضب وحلف ليغزونَّ بني كنانة وليهدمنَّ البيت. ويقول المؤرخون في ترجيح هذه الرواية إن هدم الكعبة كان جزءًا من سياسة توسعية كبيرة، إذ أن أبرهة كان يرمي إلى فرض إرادته وإرادة الحبشة وحلفائهم على أهل مكة وبقية كنانة ومضر. ويقولون ربما كان الروم هم المحرضين لأبرهة على فتح مكة وغيرها حتى تكون القبائل العربية الغربية كلها تحت سلطان النصرانية فتتحقق لهم مآربهم في طرد سلطان الفرس من بلاد العرب.

وقد اندحر جيش أبرهة وهُزم هزيمة نكراء بمعجزة سماوية من الله، حيث رمته طير أبابيل بحجارة من سجيل فجعلته كعصـف مأكول، كـما يحـكي القـرآن عن هذا ﴿ألمْ تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ¦ ألم يجعل كيدهم في تضليل ¦ وأرسل عليهم طيرًا أبابيل ¦ ترميهم بحجارة من سجيل ¦ فجعلهم كعصف مأكول﴾ سورة الفيل. فكانت أعضاؤهم تتساقط عضوًا عضوًا. وهكذا مات أبرهة وسمي هذا العام (571م) عام الفيل لأن أبرهة جلب مع جيشه فيلاً ضخمًا وعددًا من الفيلة لهدم الكعبة، وكان قدوم أصحاب الفيل في السابع عشر من محرم وكانت هذه هي السنة التي وُلد فيها الرسول ﷺ. ولو تم له ما أراد لاتصل ملك الروم بملك حلفائهم وأنصارهم الحبش في اليمن، ولتحقق حُلْم الإسكندر الأكبر وأغسطس ومَنْ فكر في الاستيلاء على هذا الجزء المهم من العالم من بعدهما، ولتغير الوضع السياسي في الجزيرة العربية من غير شك، ولكن الله يفعل ما يريد.

قريش وبناء الكعبة:

وتمضي الأحداث وتمر السنون، فيقول الرواة: إن سيلاً دخل مكة فتصدع البيت فخافوا أن ينهدم، وكان قد سُرقت منه بعض الأموال الثمينة، فرأت قريش أن يهدموا الكعبة ويعيدوا بناءها. وكان الرسول ﷺ معهم وهو ابن خمس وثلاثين سنة.

قُسم البناء بين القبائل، فوقع لعبد مناف وزهرة ما بين الركن الأسود إلى ركن الحجر وجه البيت، ووقع لبني أسد ابن عبد العزّى وبني عبد الدار بن قصي ما بين ركن الحجر إلى الركن اليماني، ووقع لسهم وجُمح وعدي وعامر ابن لؤي ما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود، فبنوا، فلما وصلوا إلى مكان الركن حيث الحجر الأسود اختلفوا فيمن يضع الركن وقالت كل قبيلة نحن أحق بوضعه. ثم اتفقوا على أن يجعلوا ذلك لأول من يدخل من باب بني شيبة. فكان رسول الله ﷺ هو أول من دخل من باب بني شيبة، فقالوا رضينا بهذا الأمين فأمر ﷺ برداء منبسط ووضع الركن فيه، وعُيِّن من كل قبيلة من قريش رجل، وأخذوا بزوايا الثوب فرفعوه ثم وضع رسول الله ﷺ الركن في مكانه أي الحجر الأسود.

ويؤكّد أصحاب الحديث والسير والتاريخ عدة روايات مطولة ومختصرة في بناء قريش للكعبة ؛ فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة أم المؤمنين رضيالله عنها أنها قالت سألت رسول الله ﷺ عن الجدر أمن البيت هو؟ قال نعم، قلت فما لهم لم يدخلوه في البيت قال: ألم تري قومك قصرت بهم النفقة؟. وخلاصة ما ذكر الرواة أنه حدث بعض التعديل في بناء إبراهيم عليه السلام، إذ أن قريشًا عندما أعادت بناءها قصرَت بها عن قواعد إبراهيم من جهة الشمال مما يلي الشام على ما هي عليه إلى يومنا هذا. وقد كان الحجر داخل الكعبة، وهو الآن خارج الكعبة.

بناء عبدالله بن الزبير:

ورد خبربناء عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما في صحيح البخاري ومسلم وعند أصحاب السير والتاريخ. فقد روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: (يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين شرقيًا وغربيًا فبلغت به أساس إبراهيم ) فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه وإعادة بنائه. وقد رده عبدالله بن الزبير، بناء على حديث خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، إلى قواعد إبراهيم، وأخرجه عبد الملك بن مروان إلى ما هو عليه الآن.

أجزاء الكعبة

مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام
الحجر الأسود
باب الكعبة مصنوع من الفضة والذهب
بعض الحجاج والزوار يلتزمون بأستار الكعبة
السَّعْي بين الصفا والمروة من شعائر الحج والعمرة
إذا أطلق لفظ البيت الحرام أريد به الكعبة ومحتوياتها التي هي جزء منها كالحجر الأسود والحطيم والمقام الذي كان جزءًا منها، أو تلك التي تلاصقها كحجْر إسماعيل أو التي تقع قريبًا منها مثل بئر زمزم. وأجزاء البيت المشهورة هي:

المقام:

مقام إبراهيم جزء من البيت العتيق، قال الله تعالى: ﴿فيه آيات بينات مقام إبراهيم﴾ آل عمران: 97. ومقام إبراهيم هو الحجر الذي كان يقف عليه إبراهيم عليه السلام حين ارتفع البناء عن قامته. وكان المقام حجرًا ملصقًا بحائط الكعبة إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأخره عن البيت لئلا يشغل المصلين. وكان عمر بن الخطاب هو الذي أشار على الرسول ﷺ أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى فوافقه القرآن فأنزل الله تعالى قوله: ﴿واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى﴾ البقرة: 125. وقيل كانت آثار قدمي الخليل ظاهرة في الصخرة إلى أول الإسلام حتى قال أبوطالب في وصفهما:
مواطئ إبراهيم في الصخر رطبة على قدميه حافيًا غير ناعل

الحجر الأسود:

وفي الركن الجنوبي الشرقي للكعبة الحجر الأسود، ويقال الحجر الأسعد أيضًا. على ارتفاع متر وخمسين سنتيمترًا من أرض المطاف، وهو حجر صقيل بيضي الشكل، ولونه أسود ضارب إلى الحمرة، وفيه نقط حمراء وتعاريج صفراء، قطره نحو 30سم، يحيط به إطار من الفضّة عرضه 10سم.

وقد كان الناس ـ قبل الإسلام ـ يلمسون الحجر الأسود للتبرّك به، فلما جاء الإسلام، صار المسلمون يقبّلون الحجر الأسود، اقتداء برسول الله ﷺ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "والله إني أعلم أنّك حجر لا يضر ولا ينفع، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبّلك ما قبّلتك".

ويذكر الأزرقي أن عبدالله بن الزّبير رضي الله عنه ربط الركن الأسود بالفضّة، وكان أول من فعل ذلك، لمّا أصابه الحريق.

وفي العصر العباسي، عمد هارون الرشيد إلى الرّكن الأسود، فأجرى له ترميمًا، إذ أمر بالحجارة التي بينها الحجر الأسود أن تُنقب بالماس، فنُقبت بالماس من فوقها ومن تحتها، ثم أفرغ فيها الفضة.

الشاذروان:

وهو بناء لطيف ملصق بحائط الكعبة بأسفل جدارها مما يلي أرض المطاف من جهاتها الثلاث عدا جهة حجر إسماعيل. والشاذروان جزء من أصل جدار الكعبة وهو من قواعد الخليل إبراهيم التي رفعها.

الحطيم:

هو ما بين ركن الحجر الأسود وباب الكعبة وقيل هو حجر إسماعيل. ويقال لما بين الملتزم وباب الكعبة الحطيم أيضًا، وهو الجزء المخرج من الكعبة سمّي بذلك لأن البيت رفع وترك هو محطومًآ. وقيل لأن أهل الجاهلية كانوا يطرحون فيه ثيابهم التي طافوا بها. فبقي حتى حطم بطول الزمن.

الباب:

كان للكعبة بابان، شرقي وغربي. أما الغربي فقد فتحه عبدالله بن الزبير استنادًا إلى حديث عائشة رضي الله عنها. وهذا الباب الغربي بينه وبين الركن اليماني نحو ثلاثة أذرع، وقد سدّه الحجاج بن يوسف بأمر الخليفة عبدالملك بن مروان. أما الباب الشرقي فهو باب الكعبة الآن، ويقع بين الملتزم والحجر الأسود. ويرتفع الباب نحو مترين عن الأرض وهو مرصع بالذهب الخالص. ويصعد إليه بدرج كدرج المنابر وهو من الخشب المصفح بالفضة. ويوضع في مكانه حين يفتح البيت للزائرين في المناسبات.

الركن اليماني:

هو أشهر أركان الكعبة، أما أركانها الثلاثة الأخرى فهي ركن الحجر الأسود أو الركن الأسود، وركن الحجر وهو المتصل بحجر إسماعيل من وجه البيت، والركن الغربي وربما قيل الركن الشامي.

الملتزم:

وهو الجزء المحصور بين ركن الحجر وباب الكعبة. سمّي بذلك لأن الطائف يلتزمه في دعائه واستغاثته.

الميزاب:

هو مصب المطر، وميزاب الكعبة من الجهة الشمالية للبيت ومصبه على حجر إسماعيل. وقد كانت الكعبة بلا سقف فلما بنتها قريش جعلت لها سقفًا ووضعت له ميزابًا، وكذلك فعل عبدالله بن الزبير وجعل مصبه على حجر إسماعيل. وطول الميزاب أربعة أذرع وسعته ثماني أصابع وهو ملبس بصفائح من الذهب من داخله وخارجه.

باطن الكعبة:

أرض الكعبة مفروشة بالرخام، وفي وسطها ثلاثة أعمدة من الخشب القوي الثخين، طرأت عليها بعض التحسينات. ويعود تاريخ هذه الأعمدة إلى زمان عبدالله بن الزبير حين جدد بناء الكعبة. وجدرانها مؤزرة بالرخام وعليها ستائر. وقد تدلت من سقفها مجموعة من القناديل كثيرة قديمة العهد.

حجر إسماعيل:

هو الحائط الواقع شمال الكعبة المشرفة يكون على يسار الطائف بالبيت وهو على شكل نصف دائرة. قال الأزروقي: كان الحجر زربًا لغنم إسماعيل عليه السلام.

بئر زمزم:

توجد بالحرم بئر زمزم التي يرجع تاريخها إلى مقدم إبراهيم عليه السلام من الشام إلى مكة حيث ترك هاجر أم إسماعيل عند البيت، وقد نفد ما عندها من الماء، فجعلت تسعى بين الصفا والمروة. فعلت ذلك سبع مرات، فلما انتهت إلى المروة عادت إلى طفلها فإذا بالماءً ينبع حوله فحوطته بما استطاعت وزَّمْته أي قالت: زم زم (يعني لا تتبدَّد ولا تتسع) فسُمِّي البئر زمزم. ★ تَصَفح: مكة المكرمة.

كُسْوة الكعبة

نموذج من كسوة الكعبة
نموذج من كسوة الكعبة
تطريز الكُسْوة بخيوط الذهب
مشاهد من مصنع إعداد الكُسْوة في مكة المكرمة، حيث يتم إعداد الكسوة على مراحل منها ما يتم بوساطة الآلات المخصصة، وأخرى يدوية.
لم تكن كسوة الكعبة واحدة ولا من نسيج واحد، بل كانت أنطاعًا أي بُسُطًا من أدم وحَبَرة وبرودًا، وغيرها من عصب اليمن، وهي برود يمنية يصعب غزلها، ثم تصبغ وتنسج، وتأتي موشَّاة، وقيل هي برود مخططة. وذُكِر أن النبي ﷺ كساها الثياب اليمانية، وأن عمر وعثمان كسواها بالقباطي.

وذكر المؤرخون أن نتيلة بنت جناب بن كليب هي أول من كسا البيت بالحرير وهي من بني عامر، وكان أبوها من ملوك ربيعة. وكانت قد فقدت ابنها العباس بن عبدالمطلب، فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت حريرًا، فكسته بالحرير.

عندما قدم الرسول ﷺ إلى مكة فاتحًا منتصرًا عمد إلى الكعبة المشرفة فأزال منها الأصنام، ورفع من أرجائها كل آثار الجاهلية، إلا أنه ﷺ لم يقم بتغيير الكسوة التي كانت تغطي بناء الكعبة. ومضت الأيام على هذه الحال إلى أن تطايرت جمرة من يد امرأة كانت تقوم بتبخير الكعبة فأحرقت كسوتها. أمر رسول الله ﷺ على الفور بإعادة كسوة الكعبة بقماش يماني، وسار خلفاؤه الراشدون أبوبكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم على سنته فكانوا يقومون بكساء الكعبة المشرفة كل عام.

كما اهتم الخلفاء والأمراء وملوك المسلمين عبر الأزمان بكسوة الكعبة فكانوا يقومون بوضع الكسوة الجديدة على الكُسوة القديمة، وعلى مدى أعوام متعاقبة تراكمت الكسوات على بناء الكعبة المشرفة حتى أمر الخليفة العباسي (المهدي) بإزالة الكسوات القديمة والاكتفاء بوضع كسوة واحدة كل عام. ثم نافس الفاطميون العباسيين في ذلك حيث أمر الخليفة الفاطمي المُعِزْ لدين الله بعد فتحه مصر عام 362هـ، 972م بعمل كُسوة للكعبة سنويًا تتألف من ثماني ستائر من الحرير الأسود كُتب على كل شبر منها (لا إله إلا الله محمد رسول الله) طولها 15 م وعرضها خمسة أمتار وعدة سنتيمترات. وكانت هذه الكسوة تُصنع في مصر بدار فسيحة في حي الخُرنفش بالقاهرة، وكانت تُحمل إلى مكة في احتفال كبير يسمى المَحْمَل.

كُسوة الكعبة في العهد السعودي:

لما كان جلالة الملك عبدالعزيز، ـ يرحمه الله ـ مهتمًا برعاية الحرمين الشريفين، أمر جلالته في مستهل شهر محرم سنة 1346هـ بإنشاء دار خاصة لعمل كُسوة الكعبة ووُفِّر كل ما يحتاج إليه العمل، وافتتح مصنع كسوة الكعبة في منتصف العام نفسه واُنتِج أول كسوة للكعبة المشرفة في أم القرى ليصبح هذا الشرف العظيم للمملكة العربية السعودية، واستمر المصنع حتى عام 1357هـ ينتج كسوة الكعبة المشرفة.

ورغبة في إتقان هذا العمل وإظهاره بالصورة التي تتلاءم مع قدسية الكعبة المشرفة، صدر أمر جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ عام 1382هـ بتجديد مصنع الكسوة، وفي عام 1397هـ افتُتح المبنى الجديد بأم الجود بماكينات تحضير النسيج الآلية، واستحدث قسم النسيج الآلي مع الإبقاء على أسلوب الإنتاج اليدوي لما له من قيمة فنية عالية. ومازال المصنع يواكب عجلة التطور ويحيي التراث العريق في آن واحد لينتج كسوة البيت في أبهى صورها.

وصف كسوة الكعبة المشرفة:

تنسج الكسوة من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود ومنقوش عليها بطريقة الجاكاردا عبارات ¸لا إله إلا الله محمد رسول الله· ¸الله جل جلاله، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، يا حنان يا منان·. ويبلغ ارتفاع الثوب 14م، ويوجد في الثلث الأعلى منه حزام الكسوة بعرض 95سم، كتب عليه آيات قرآنية مختلفة بالخط الثلث المركب محاطة بإطار من الزخارف الإسلامية، ويطرز الحزام بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب، ويحيط الحزام بالكسوة كلها ويبلغ طوله 47م ويتألف من 16 قطعة. كما يوجد تحت الحزام على الأركان سورة الإخلاص مكتوبة داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية، وعلى الارتفاع نفسه وتحت الحزام أيضًا توجد ست آيات من القرآن الكريم مكتوب كل منها داخل إطار منفصل، وفي الفواصل بينها يوجد شكل قنديل كتب عليه ¸يا حي يا قيوم· أو ¸يا رحمن يا رحيم· أو ¸الحمد لله رب العالمين·.

وكل ما تحت الحزام مكتوب بالخط الثلث المركب ومطرز تطريزًا بارزًا ومغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب. أما ستارة باب الكعبة، ويطلق عليها البرقع، فمصنوعة من نفس القماش الحرير الأسود، وارتفاعها سبعة أمتار ونصف المتر، وعرضها أربعة أمتار مكتوب عليها آيات قرآنية وزخارف إسلامية مطرزة تطريزًا بارزًا مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب.

وتبطن الكسوة كلها بقماش خام متين بما في ذلك الستارة، وتتكون من خمس قطع، أربع منها تغطي كل واحدة منها وجهًا من وجوه الكعبة، والخامسة هي الستارة التي توضع على الباب، ويتم تجميع هذه القطع على الكعبة نفسها بعد خلع الثوب القديم.

وتبلغ التكلفة الإجمالية للكسوة الواحدة حوالي سبعة عشر مليون ريال سعودي تقريبًا بما في ذلك أجور القوى العاملة والمواد الخام، ويبلغ عدد القوى العاملة بالمصنع ما يقارب مائتي موظف ما بين إداريين وفنيين وعمال.


غسل الكعبة

خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية يطّلع على مجسَّم توسعة الحرم المكي الشريف.
جرت العادة بغسل داخل الكعبة وتطييبها من عهد بعيد، فقد روى الأزرقي عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: "طيبوا البيت فإن ذلك تطهيره. ولأن أطيب الكعبة أحب أليّ من أن أهدي لها ذهبًا وفضة. وكان أول من ابتدأ غسلها الرسول ﷺ وذلك يوم فتح مكة. ثم صار ذلك سنة وعادة متبعة. وكان يجري غسلها في العام مرتين مرة قبل الحج ومرة بعد سفر الحجاج وكانت تغسل وتطيب في مراسم يعد لها رئيس سدنة الكعبة ـ وهم من بني شيبة شرفهم الله بأن آلت لهم السدانة منذ زمن بعيد وحتى يوم الناس هذا

وفي الوقت الحاضر تُغسل الكعبة المشرفة في أول ذي الحجة كل عام من قبل خادم الحرمين الشريفين أو من ينيبه في احتفال رسمي يُدعى له الوزراء والقضاة ورؤساء الدوائر والبعثات الإسلامية، ثم توضع الكسوة عليها في الثامن من ذي الحجة من كل عام.

الكعبة قِبْلَة المسلمين

الكعبة اليوم ويحيط بها المسجد الحرام بعد التوسعة.
كان المسلمون في مبدأ الأمر يتجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس. واستمر الأمر على ذلك حتى بعد هجرة الرسول ﷺ إلى المدينة. وكان النبي ﷺ يتطلع إلى الصلاة إلى بيت الله الحرام، فأنزل الله عليه: ﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فولِ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون﴾ البقرة: 144. وكان اليهود يتساءلون عن تحول المسلمين عن بيت المقدس، فأنزل الله قوله تعالى: ﴿سيقول السفهاء من الناس ما ولاّهم عن قِبْلتهم التي كانوا عليها، قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾ البقرة: 142.

وقد ورد ذكر الكعـبة بالتخصيـص في قـولـه تعـالى: ﴿جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس﴾ المائدة: 97.

وذكر الرسول ﷺ الكعبة بالتخصيص والتأكيد أنها قِبْلَة المسلمين فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ¸لما دخل رسول الله ﷺ البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال: هذه القبلة وعند النسائي من حديث أسامة: هذه القبلة، هذه القبلة. وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ¸البيت قِبْلَة، وقِبْلَة البيت هذا الباب والركن والمقام وذاك الوجه·، ولهذا يتوجه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها إلى الكعبة بالصلاة والطواف والدعاء والحج والعمرة.

الطواف بالبيت

الكعبة والحجاج يطوفون حولها في الحج
كان العرب في الجاهلية يطوفون بالبيت عراة، وكانوا يقيمون الأصنام عند الكعبة. ولقد وصف الله حالهم بقوله تعالى: ﴿وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية﴾ الأنفال: 35. أي كانت صلاتهم صفيرًا وتصفيقًا. ولذلك كانت الصلاة في الإسلام، عكس ذلك تمامًا، سكينةً ووقارًا.

وقد دخل النبي ﷺ مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، فجعل يطعنها بعود كان بيده، ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا.

والطواف في الإسلام ركن من أركان الحج والعمرة، ولا يتم حج ولا عمرة إلا به. قال تعالى: ﴿ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوفوا بالبيت العتيق﴾ الحج: 29. واستدلوا بهذه الآية على أن الطواف يكون من وراء حِجْر إسماعيل الذي كان جزءًا من الكعبة عندما رفع إبراهيم قواعد البيت، إلا أن العرب قصرت به عن قواعد إبراهيم فجعلوه خارج البيت كما هو اليوم.

إختبر معلوماتك :

  1. كيف كانت الكعبة قبل إبراهيم عليه السلام؟
  2. لماذا حاول أبرهة هدم الكعبة؟ وماذا حدث له؟
  3. كيف اهتدى إبراهيم إلى مكان البيت؟ وكيف تم البناء؟
  4. ما دور الرسول ﷺ في إعادة بناء الكعبة قبل البعثة؟
  5. متى بدأ تقليد كسوة الكعبة؟ وكيف تُكسى الكعبة اليوم؟
  6. ما أهمية الكعبة للمسلمين
  7. الطواف ركن أساسي للحج فما شروطه وأركانه؟
المصدر: الموسوعة العربية العالمية