الرئيسيةبحث

الحديث النبوي ( Hadith )



الحديث النبوي هو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم. وهذا الجانب التشريعي يعرفه الأصوليون بأنه ما أثر عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير بعد البعثة. ويعتبر الحديث في اصطلاح عامة أهل الحديث مرادفًا للسنة النبوية، وتعريفه عندهم: ما أضيف إلى النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، ثبت عنه ص قبل البعثة أو بعدها.

علم مصطلح الحديث

يقسم المحدّثون علم الحديث النبوي إلى قسمين: علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية.

فعلم الحديث رواية يشتمل على النقل المجرد الدقيق لكل ما أضيف إلى النبي ﷺ ـ أو إلى الصحابة أو التابعين ـ من قول أو فعل أو تقرير، أو صفة خَلْقيّة أو خُلقيّة.

ويبحث علم الحديث دراية في أصول وقواعد يتوصل بها إلى معرفة معنى الصحيح والحسن والضعيف من الحديث، وأقسام كل منها، وما يتصل بذلك من معرفة معنى الرواية وشروطها وأقسامها، وأحوال الرواة وشروطهم، والجرح والتعديل، وتاريخ الرواة ومواليدهم ووفياتهم، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، ومختلف الحديث وغريبه، إلى غير ذلك من المباحث. فهو باختصار: معرفة القواعد المعرِّفة بحال الراوي والمروي كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني.

يعتبر علم مصطلح الحديث مدخلاً لعلم الحديث دراية، فهو يبحث في أحوال الراوي والمروي من حيث القبول أو الرد فقط. ولا يتعرض إلى كثير من المباحث التي سبق ذكرها وتعتبر من مجالات علم الحديث دراية.

تدوين علم مصطلح الحديث:

إذا عرفنا أن الغاية من هذا العلم صيانة حديث رسول الله ﷺ من الكذب والاختلاق، ومعرفة ما تصحّ نسبته إلى الرسول ﷺ ـ وما لا تصح ـ يمكن القول: إن بداية النظر في أحوال الراوي والمروي كانت متقدمة جدًا، حيث تنقل لنا المصادر أقوالاً عن الصحابة والتابعين تبين حرصهم ومحافظتهم على النصوص التي تنسب لرسول الله ﷺ وحمايتها من كل شائبة أو دخن.

يعتبر القاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامـهرمزيّ (ت360هـ، 970م) أول من ألف كتابًا ضمَّنه كثيرًا من قواعد المحدِّثين ومصطلحاتهم وسمى كتابه المحدث الفاصل بين الراوي والواعي. ثم تبعه الحاكم النيسابوري أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت 405هـ، 1014م). ثم أبو نعيم الأصبهاني أحمد بن عبدالله (ت 430هـ، 1038م). ثم الخطيب البغدادي أحمد بن علي (ت463هـ، 1072م) ثم القاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت 544هـ، 1149م) إلى أن جاء الحافظ تقي الدين عمرو بن عثمان بن الصلاح (ت 643هـ، 1245م) فألف كتابه المشهور علوم الحديث فكان كتابًا جامعًا مهذِّبًا لما سبقه من مصنفات، فلقي القبول من العلماء وأصبح أصلاً لأغلب ما كتب بعده ؛ فمن مختصر له أو شارح أو مُنْكت عليه (مُشير) أوناظم له. ومن أهم ما ألف بعد كتاب ابن الصلاح مستقلاً عنه رسالة مختصرة للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ، 1449م) سماها نخبة الفكر. ثم شرحها بشرح سماه نزهة النظر وشرح الشرح آخرون.

أنواع علوم الحديث:

تتعدد أنواع علوم الحديث تبعًا للزاوية التي يُنظر منها إلى الحديث ؛ فالحديث ينظر إليه من حيث موضوعه، ومن حيث نسبته إلى قائله، ومن حيث وصوله إلينا ومن حيث قبوله ورده. الحديث من حيث موضوعه. يقسم الحديث تبعًا لذلك إلى قسمين: السند والمتن. يريدون بالسند: الطريق الموصل للمتن. أو الرواة الذين رووا لفظه. ويريدون بالمتن: ألفاظ الحديث الدالة على معانيها والتي ينتهي إليها السند.

الحديث من حيث نسبته لقائله. يقسم الحديث هنا إلى ثلاثة أقسام: المرفوع والموقوف والمقطوع ؛ فالمرفوع هو ما أضيف إلى النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية، سواء كان الإسناد متصلاً أم غير متصل. والموقوف مثله إلا أنه ينسب إلى الصحابي، والمقطوع مثلهما إلا أنه ينسب إلى التابعي. وهذه الأقسام الثلاثة تشترك في الصحة والحسن والضعف. ويلحق الحديث القدسي بالحديث المرفوع، لأنه من قول الرسول ﷺ وهو يرويه عن الله عز وجل ★ تَصَفح: الحديث القدسي.

الحديث من حيث وصوله إلينا. يقسم الحديث بناءً على ذلك إلى قسمين: الحديث المتواتر وحديث الآحاد، أو أخبار الآحاد ؛ فالمتواتر هو ما رواه جمع عن جمع يمنع العقل والعادة تواطؤهم على الكذب، عن جمع في طبقات الإسناد كلها ويكون مستنده إلى الحسن. وهو إما متواتر بلفظه حيث يتفق جميع الرواة على اللفظ، أو متواتر بمعناه حيث تختلف ألفاظه إلا إنها تتفق في إفادة شيء واحد مثل رفع اليدين عند الدعاء حيث روي ذلك في وقائع كثيرة مختلفة كل واقعة منها لم تتواتر، لكن القدر المشترك بينها، وهو رفع اليدين عند الدعاء، تواتر باعتبار المجموع.

وأما خبر الآحاد فكل حديث لم تتوفر فيه شروط المتواتر. وهو يقسم إلى ثلاثة أقسام: مشهور وعزيز وغريب أما المشهور فهو الحديث الذي يرويه ثلاثة رواة فأكثر في كل طبقة من طبقات الإسناد المستفيض. وأما العزيز فهو الحديث الذي لا يقل عدد رواته عن اثنين في كل طبقة ويمكن أن يزيد عددهم في بعض الطبقات. وأما الغريب فهو الحديث الذي ينفرد بروايته راو واحد في كل الطبقات أو بعضها ويسمى الحديث الفرد أيضًا. والغرابة أو التفرد قد يقعان في أصل السند، وهو الطرف الذي فيه الصحابي، فيقال له عندئذ الغريب المطلق أو الفرد المطلق أو يكونان في أثناء السند فيقال له: الغريب النسبي أو الفرد النسبي.

الحديث من حيث قبوله ورده. لابد هنا من بيان أن الحديث المتواتر لا يعتبر من مباحث علم الإسناد لأنه مقبول قطعًا، وإنما ينصب بحث القبول والرد على أخبار الآحاد فقط ؛ فهي التي تقع عليها أقسام الحديث من حيث القبول والرد وهي ثلاثة: الحديث الصحيح والحديث الحسن والحديث الضعيف. فالحديث الصحيح هو الحديث المسند المتصل برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علّة. ويراد بالمسند ما اتصل سنده إلى النبي ﷺ، وقيل ما اتصل سنده إلى منتهاه فشمل المرفوع والموقوف والمقطوع. وقيل هو المروي عن النبي ﷺ سواء أكان متصلاً أم لا. ويراد بالمتصل ما اتصل سنده مرفوعًا كان أو موقوفًا أو مقطوعًا. ويقال له: الموصول أيضًا. ويراد بالعدل: المسلم البالغ العاقل الخالي من أسباب الفسق وما يخل بالمروءة يعني ما غالب حاله كذلك. ويراد بالضابط: الراوي المتقن ما يرويه بأن يكون متيقظًا لما يرويه، غير مغفل، وذلك بأن يكثر صوابه على خطئه وغفلته. والضبط إما ضبط صدر أي: أن يكون حافظًا إن حدث من حفظه. أو ضبط كتاب أي: أن يكون كتابه متقنًا محافظًا عليه إن حدث من كتابه. وسيأتي بيان المراد من الشذوذ والعلّة.

والحديث الصحيح بالتعريف المتقدم يقال له الصحيح لذاته. فالحديث الصحيح لذاته والصحيح لغيره، والحسن لذاته والحسن لغيره، كلها مقبولة يحتج بها، وأقواها درجة الصحيح لذاته، وهو أيضًا متفاوت فأقوى الصحيح ما رواه البخاري ومسلم، ويقال له: المتفق عليه أو رواه الشيخان.

يستعمل المحدّثون ألفاظًا أخرى للحديث المقبول، مثل: الحديث الجيّد والحديث القوي وهما مساويان لمرتبة الصحيح أو أن الجيد والقوي أعلى من الحسن ودون الصحيح وإلا لما عدل الناقد به عن وصف الصحة. فهما اتجاهان في تقويم الجيد والقوي بالنسبة للصحيح والحسن. ومثل الحديث المجوّد والحديث الثابت وهما يشملان الصحيح. ومثل الحديث الصالح فإنه يشمل أيضًا الصحيح والحسن، لصلاحيتهما للاحتجاج. وقد يقال لحديث إنه صالح يريدون به صلاحه للاعتبار ؛ فهو في هذه الحالة ضعيف ضعفًا يسيرًا لا يحتج به إلا إذا ورد ما يعضده ويقويه. ومثل الحديث المعروف وهو ما يقابل الحديث المنكر ومثل الحديث المحفوظ وهو ما يقابل الحديث الشاذ وسيأتي بيان المنكر والشاذ.

أنواع الأحاديث الضعيفة كثيرة تبعًا لأسبابها التي يمكن أن ترجع إلى ثلاثة أمور: 1- الانقطاع في الإسناد. 2- الطعن في الراوي. 3- المخالفة.

وقد يجتمع في الحديث الضعيف أكثر من سبب لتضعيفه، فالأحاديث الضعيفة بسبب الانقطاع ستة هى: المعلَّق، والمُرْسَل، والمُدلَّس، والمرسل الخفي، والمنقطع، والمعضل. فالحديث المعلق: ما حذف من مبتدأ إسناده راو واحد أو أكثر، ولو كان السند كله. والحديث المرسل ما عزاه التابعي كبيرًا كان أو صغيرًا إلى النبي ﷺ دون ذكر الصحابي.

وإذا روى الصحابي حديثًا لم يسمعه من رسول اللهص لصغر سنه أو غيره يسمى حديثه مرسل صحابي، وهو حديث صحيح عند جمهور المحدّثين.

والحديث المدلَّس قسمان: أولهما مدلّس الإسناد وهو أن يروي الراوي عمن عاصره ولقيه ما لم يسمعه منه بلفظ يوهم السماع. وهذا أشهر أنواع التدليس وينصرف المعنى إليه إذا أُطلق. وتتفرع منه ثلاثة أنواع من التدليس ؛ أولها تدليس التسوية، وهو أن يسقط الراوي غير شيخه لضعفه أو صغره، فيصير الحديث: ثقة عن ثقة، ويحكم له بالصحة وليس كذلك. ثانيها تدليس العطف بأن يذكر الراوي الحديث عن شيخين سمع الحديث من أحدهما ولم يسمعه من الآخر إلا بواسطة ؛ فيعطف الآخر منهما على الأول دون بيان لذلك. ثالثها تدليس السكوت وهو أن يقول الراوي: سمعت أو نحوها، ثم يسكت ويقطع كلامه ويتشاغل بأمر ثم يقول: فلان عن فلان. يوهم السامعين أنه أراد بسماعه من فلان هذا وليس كذلك والنوع الآخر من التدليس: تدليس الشيوخ ؛ وهو أن يروي الراوي عن شيخه حديثًا سمعه منه لكنه يسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يُعرف به تعمية لأمره. وهذا النوع من التدليس غير مرتبط بانقطاع السند. وأما الحديث المرسل الخفي فهو أن يروي الراوي عمن عاصره ولم يلقه بلفظ يوهم السماع منه. فالفرق بينه وبين التدليس ؛ أن الراوي في الحديث المدلَّس قد لقي شيخه وهو في المرسل الخفي لم يلقه. والحديث المنقطع: هو أن يُحذف من الإسناد راو واحد في موضع واحد أو أكثر على أن لا يكون سقوطه من مبتدأ الإسناد أو أعلاه، والحديث المعضل هو أن يسقط من الإسناد راويان فأكثر على التوالي.

أما الأحاديث التي تضعف بسبب الطعن في الراوي، فمرجعها إلى الطعن في عدالة الراوي أو إلى الطعن في ضبطه ويكون الطعن في عدالة الراوي لكذبه، أو لاتهامه به أو لفسقه أو لبدعته أو لجهالته. فهناك الحديث الموضوع وهو المختلق المكذوب على رسول الله ﷺ أو على الصحابة من بعده ويكون راويه كذابًا، والحديث المتروك وهو الذي يروى من جهة المتهم بالكذب ويكون مخالفًا للقواعد المعلومة من الشريعة، ونحوه الحديث المطروح وهو أسوأ درجات الحديث الضعيف بعد الموضوع. وأما الطعن في ضبط الراوي كفحش غلطه أو سوء حفظه أو غفلته أو كثرة أوهامه، فأحاديث هؤلاء جميعًا يقال لها: الضعيف.

أما ضعف الأحاديث بسبب المخالفة، فله عدة حالات تسمى الأحاديث بسببها بأسماء مختلفة وهي: الشاذ، والمنكر، والمضطرب، والمقلوب، والمدرج، والمزيد في متصل الأسانيد، والمصحَّف، والمحرَّف ؛ فالحديث الشاذ هو ما رواه الثقة مخالفًا من هو أوثق منه. والحديث المنكر هو ما فيه مخالفة رواية الضعيف لرواية الثقات، فيجتمع فيه أمران: ضعف الراوي والمخالفة. والحديث المضطرب هو الذي يختلف فيه الرواة فيرويه بعضهم على وجه، وآخرون على وجوه مختلفة من غير إمكان الترجيح. والمقلوب: هو الذي وقع تغيير في سنده أو متنه بإبدال أو بتقديم وتأخير ونحو ذلك. والمدرج هو الحديث الذي زيد فيه ماليس منه ؛ فيدمج قول الراوي بقول الرسول ﷺ. والمزيد في متصل الأسانيد أن يزيد راو في الإسناد رجلاً لم يذكره غيره. والمصحَّف والمحرَّف أن يتغير ما يرويه الراوي عما رواه غيره، فإن كان التغيير في النقط والحروف فهو المصحَّف، وإن كان في الشكل ؛ أي حركات الحروف من ضمة وكسرة وفتحة وسكون فهو المحرَّف.

ومن المخالفة أيضًا أن يزيد أحد الرواة في الإسناد الموقوف فيجعله مرفوعًا، أو في المرسل فيجعله متصلاً فهذا عند جمهور المحدثين ضعيف. وزيادة الثقة في المتن، مقبولة عند عامة المحدثين والفقهاء. ومن الأحاديث الضعيفة الحديث المعلّل، ولا تكاد أسبابه تنحصر. وهو الذي اطّلِع فيه على علة قادحة في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها. فالعلة هي السبب الخفي القادح في الصحة. ومتأخرو المحدّثين يعدّون أي سبب يؤدي إلى الضعف علّة، فيقولون: علته الإرسال، أو علّته وجود فلان وهو مشهور بالضعف. والأحاديث الضعيفة لا يحتج بها. ومن العلماء من قدّمها على الرأي لا سيما إذا كان ضعفها يسيرًا. أما الحديث الموضوع فلا تَحِلُّ روايته إلا مع بيان درجته.

هناك أسماء أُطلقت على أسانيد أو أحاديث تبعًا لصفات فيها لكن لا علاقة لها بالصحة أو الحسن أو الضعف ؛ فهناك الإسناد المعنعن وهو الذي يقال فيه: عن فلان ؛ وهناك الإسناد المؤنن: وهو الذي يقال فيه: حدّثنا فلان أن فلانًا قال كذا و، وهناك المسلسل: وهو الحديث المسند الخالي من التدليس الذي توارد فيه الرواة كلهم، واحدًا فواحدًا، على صفة واحدة أو حالة واحدة، للرواة تارة، وللرواية تارة أخرى. وهناك الحديث المدبَّج: وهو أن يروي قرينان كل منهما عن الآخر. وهناك مختلف الحديث: وهو أن توجد أيضًا أحاديث ظاهرها التعارض لكن الجمع بينها ممكن. وهناك الحديث المحكم: وهو الذي لا يوجد ما يعارضه في الظاهر. وهناك الناسخ والمنسوخ: وهي أحاديث متعارضة يعرف زمن كل منها ؛ فالمتأخِّر ناسخ للمتقدِّم فهو منسوخ. ويستخدم المحدّثون كلمة شاهد ويطلقونها على الحديث الذي يوافق حديثًا آخر بلفظه أو معناه إذا كان عن صحابي آخر. كما يستخدمون كلمة المتابعة، يريدون بها أن يشترك راويان في رواية حديث عن شيخ واحد، صحابيًا كان أو غير صحابي، فإن كانا يرويان الحديث عن شيخ لهما، فأحدهما يتابع الآخر متابعة تامة. وإن اختلف شيخاهما فهي متابعة قاصرة عندئذ. ويرد عند المحدِّثين اصطلاح الاعتبار، يريدون به البحث عن طرق الحديث والمرويات، ليتوصل بهذا البحث إلى معرفة الحديث، إن كانت له متابعات وشواهد أم أنه فرد غريب.

الجرح والتعديل

علم يُبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة، وعن مراتب تلك الألفاظ، وهو يستمد شرعيته من باب صون الشريعة قصدًا للنصيحة، وبيانًا لحال من يؤخذ عنه هذا العلم ؛ فإنه الدين لاطعنًا في الناس.

الجرح:

هو وصف الحافظ المتقن الراوي بما يقتضي رد روايته لعلّة قادحة فيه، أو في روايته من فسق أو تدليس أو كذب أو شذوذ أو سوء حفظ أو غفلة ونحوها.

التعديل:

وصف الراوي بما يقتضي قبول روايته. والعدالة: ملكة تحمل صاحبها على التقوى، واجتناب الأدناس غالبًا، وما يخلّ بالمروءة عند الناس. ويشترط لتحققها: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والسلامة من أسباب الفسق وخوارم المروءة. وتثبت العدالة للراوي بأمور منها: التنصيص عليها من قبل أئمة الجرح والتعديل، أو أحدهم أو الاستفاضة والشهرة.

تعارض الجرح والتعديل:

إذا تعارض الجرح والتعديل في راوٍ واحد ؛ بأن جرحه بعضهم وعدله غيرهم، فالجرح مقدم على التعديل بالشروط الآتية: 1- أن يكون الجرح مفسرًا مبينًا سببه. 2- أن لا يكون الجارح متعصبًا على المجروح أو مسرفًا في جرحه. 3- أن لايبين المعدل أن الجرح مدفوع عن الراوي، ويثبت ذلك بالدليل الصحيح، وإلا فليس كل جرح مقدمًا على التعديل.

أما إذا تعارض الجرح والتعديل من إمام واحد، وكان سبب التعارض غير اجتهاد ذلك الإمام في الحكم فيكون الحكم على الرواي بالآتي: 1- العمل بآخر القولين منه، إن علم المتأخر منهما. 2- التوقف إذا لم يعلم القول المتأخر منهما. 3- إعمال التعديل، وحمل الجرح على شيء بعينه.

أما إذا كان سبب التعارض ناشئًا عن اختلاف كيفية السؤال ؛ كأن يكون حكم الإمام على الراوي مقرونًا بغيره من الرواة على وفق ما وجه إليه من السؤال، فحكم عليه حكمًا نسبيًا، فلابد والحالة هذه من تتبع أقوال علماء الجرح والتعديل، وحكايتها ليتبين حال ذلك الراوي ومنزلته.

مراتب الجرح والتعديل:

لما كانت ألفاظ الجرح والتعديل التي يطلقها الأئمة النقاد على الرواة كثيرة ومتفاوتة بحسب أحوال الرواة ؛ فقد حاول بعض العلماء ترتيبها في مراتب. وأول من حاول ذلك هو الإمام ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل، فجعل كلاً من مراتب الجرح والتعديل أربعة أقسام، ثم زاد بعضهم بعض المراتب، إلى أن وصلت جميعها عند الحافظ ابن حجر وغيره إلى اثنتي عشرة مرتبة.

يمكن تلخيص مراتب التعديل وألفاظها بشكل عام بالآتي:1- ما دل على المبالغة في التوثيق، أو كان على وزن أفعل مثل ¸إليه المنتهى في التثبت، أو هو أثبت الناس· وهذه أرفع المراتب. 2- ما تأكد بصفة أو صفتين من صفات التوثيق كثقة ثقة، أو ثقة ثبت. 3- ما دل على التوثيق من غير توكيد كثقة أو حجة. 4- ما دل على التعديل من غير إشعار بالضبط كصدوق، أو لابأس به عند غير ابن معين ؛ لأن لابأس به عنده تساوي ثقة. 5- ما ليس فيه دلالة على التوثيق أو التجريح، مثل فلان شيخ أو روى عنه الناس. 6- ما كان قريبًا من التجريح مثل فلان صالح الحديث، أو يكتب حديثه.

والمراتب الثلاث الأول، يحتج بأهلها وإن كان بعضهم أقوى من بعض. والمرتبة الرابعة والخامسة يكتب حديث أصحابها ويختبر، والخامسة دون الرابعة. والمرتبة السادسة لايحتج بأهلها ويكتب حديثهم للاعتبار فقط، دون الاختبار ؛ وذلك لظهور أمرهم في عدم الضبط.

أما مراتب التجريح وألفاظها فهي: 1- ما دل على التليين، مثل: فلان ليِّن الحديث، أو فيه مقال. 2- ما صُرّح بعدم الاحتجاج به وشبهه مثل: فلان لايحتج به، أو ضعيف، أو له مناكير. 3- ما صُرّح بعدم كتابة أحاديثه ونحوه مثل: فلان لايكتب حديثه، أو ضعيف جدًا. 4- ما كان فيه اتهام بالكذب أو نحوه مثل: فلان متهم بالكذب، أو متهم بالوضع أو ساقط. 5- ما صُرّح بوصفه بالكذب ونحوه، مثل: كذّاب أو دجّال، أو وضّاع. 6- ما دل على المبالغة في الكذب مثل: فلان أكذب الناس، أو إليه المنتهى في الكذب، أو هو ركن الكذب.

أما حكم هذه المراتب: فأهل المرتبتين الأوليين، لايحتج بحديثهم، ولكن يكتب حديثهم للاعتبار فقط. وأما بقية المراتب فلا يحتج بحديثهم ولايكتب ولايعتبر به.

أطلق النقاد ألقابًا على المحدّثين بحسب منازلهم ودرجاتهم وحذقهم وإتقانهم واتساع معارفهم وشهرتهم وأحوالهم وهذه الألقاب أو الأوصاف هي:

المسند. هو من يروي الحديث بإسناده سواء أكان عنده علم به أم ليس له إلا مجرد روايته.

المحدث. وهو أرفع من المسند وهو من عرف الأسانيد والعلل وأسماء الرجال والعالي والنازل، وحفظ مع ذلك جملة مستكثرة من المتون، وسمع الكتب الستة ومسند أحمد وسنن البيهقي ومعجم الطبراني، وضم إلى هذا القدر ألف جزء من الأجزاء الحديثية، وهذا أقل درجات المحدث، وقيل: هو من اشتغل بالحديث رواية ودراية وجمع رواة، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتميز في ذلك حتى عرف فيه خطه واشتهر فيه ضبطه. فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه وشيوخ شيوخه طبقة بعد طبقة، بحيث يكون مايعرفه من كل طبقة أكثر مما يجهله منها، فهذا هو الحافظ.

الحافظ. هو من يكون عدد الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لايعرفهم ليكون الحكم للغالب. وقيل: هو من أحاط علمه بمائة ألف حديث متنـًا وإسنادًا وأحوال رواة جرحـًا وتعديلاً وتأريخـًا.

الحاكم. هو الذي أحاط علمه بجميع الأحاديث المروية متنـًا وإسنادًا وجرحـًا وتعديلاً وتأريخـًا.

الثقة. من ألفاظ التعديل يطلقها العلماء على من كان تام الضبط مكتمل العدالة. وهو بهذا يحتج بحديثه، ويدخل في الصحاح وإن تفرد به.

الضابط. هو أن يكون الراوي متيقظـًا غير مغفل، حافظـًا إن حدّث من حفظه، ضابطـًا لكتابه إن حدّث من كتابه، وإن كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالمـًا بما يحيل المعاني، ويعرف ضبط الراوي بموازنة رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وافقهم كان ضابطـًا. ولايضر مخالفته النادرة، فإذا كثرت مخالفته لهم كان ضبطه مختلاً، ولم يحتج بحديثه.

الصَّدوق. من ألفاظ التعديل، وهو من صيغ المبالغة. وقد يطلق على من كان تام الصدق لايتطرق إلى صدقه شك، وإنما الشك في قوة ضبطه لما يرويه. وقد يقال هذا اللفظ أيضـًا فيمن لايشك فيهم عدالةً وضبطـًا، كالشافعي ومحمد بن عمران، والصدوق حديثه يكون في الغالب حسنـًا، إن لم يكن ممن يخطئ أو يخالف فيشذ.

الصالح. إذا قيل: صالح الحديث بإضافة الحديث إلى صالح يكون تعديلاً للراوي. أما إذا قيل: ¸صالح· بدون إضافة الحديث إليه، فإنما يعنون به الصلاحية في دينه أي صلاحية الديانة ؛ أي صالح في نفسه، وقد لايكون مقبول الحديث.

المجهول. إذا أطلق لفظ ¸مجهول· عند غير أبي حاتم الرازي ومن تبعه كابنه والذهبي في ميزانه، فإنه إنما يعنى به مجهول العين. وهو كل راوٍ لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولاعرفه العلماء به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد. والمجهول ضعيف. وترتفع الجهالة برواية اثنين فأكثر أو بتزكية أحد النقاد المعتمدين أو بالشهرة بطلب علم الحديث رواية ودراية، وقد فرق بعض العلماء بين مجهولي القرون الأولى الفاضلة وبين من كان بعدهم.

المستور. هو مجهول الحال الذي روى عنه اثنان فأكثر، فارتفعت عنه جهالة العين، لكنه لم يعدل ولم يجرح من أحد من النقاد. فهو بهذا عدل في الظاهر، ولاتقبل روايته إلا في حالات نادرة.

المهمَل. اسم مفعول بمعنى ¸متروك·، كأن يترك الراوي الاسم بدون أن يميزه عن غيره. وفي الاصطلاح: هو أن يروي الراوي عن شخصين متفقين في الاسم فقط، أو مع اسم الأب أو نحو ذلك ولم يتميزا بما يخص كل واحد منهما. كأن يقول مثلاً: أحمد، ويوجد أكثر من واحد في نفس الطبقة، أو سليمان بن داود، ويوجد أكثر من واحد بهذا الاسم. والإهمال يضر إذا كان أحد الراويين ثقة والآخر ضعيفـًا. وأما إذا كانا ثقتين فلا يضر الإهمال، وممن ألف في المهمل، الخطيب البغدادي، وكتابه المكمل في بيان المهمل.

المبهم. اسم مفعول من الإبهام ضد الإيضاح، وفي الاصطلاح: هو من أُبْهِمَ اسمه في المتن أو الإسناد من الرواة، أو ممن له علاقة بالرواية. ويمكن معرفة المبهم بأحد أمرين: 1- بوروده مسمى في بعض الروايات الأخرى. 2- بتنصيص أحد العلماء عليه.

وقد صنف في المبهم عدد من العلماء منهم: عبدالغني ابن سعيد الأزدي، والخطيب البغدادي، والنووي، وولي الدين العراقي.

المبتدع. هو من فسق لمخالفته عقيدة السنة ؛ والبدعة قسمان ؛ مكفّرة، وغير مُكفّرة. فمن ثبت في حقه بدعة مكفّرة رُدَّ حديثه على الصحيح الراجح، وصاحب البدعة الذي لايُكَفَّر ببدعته قيل: يُرَدّ حديثه مطلقًا، وقيل: يُقبل حديثه إذا لم يكن ممن يَسْتَحِلّ الكذب في نصرة مذهبه سواء كان داعية إلى بدعته أو لم يكن.

وقال آخرون: تقبل روايته إذا لم يكن داعية إلى بدعته ولم يكن حديثه مؤيدًا لتلك البدعة، وهذا القول هو الأقرب والأشهر.

المختلِط. الاختلاط فساد العقل وعدم انتظام الأقوال والأفعال ؛ وذلك بسبب الخرف أو الهرم أو المرض، أو مصاب نزل بالراوي أو ذهاب بصره أو احتراق كتبه أو ذهابها ونحوه.

وقد ألف في المختلطين بعض العلماء منهم ؛ الحافظ العلائي، وابن الكيال، وكتابه الكواكب النيرات ؛ وذلك لتمييز المقبول من حديث المختلطين من غير المقبول. وقد توصل العلماء إلى أنه يقبل حديث المختلط إذا كان قد سمعه قبل اختلاطه، ولايقبل منه ماسمعه بعد الاختلاط، وكذا إذا اختلط حديثه السابق بما كان بعد الاختلاط، ولم يتميز فإنه يرد ولايقبل.

كتب الجرح والتعديل:

بذل علماء السنة جهودًا عظيمة للمحافظة على المصدر الثاني للتشريع الإسلامي (السنة الشريفة) ؛ فوضعوا قواعد للنقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات، كما وضعوا أنواع المصنفات في علم رجال الحديث. ومن تلك المصنفات مايلي:

كتب الثقات. صنف علماء الحديث كتبًا خاصة في الرجال الثقات من رواة الحديث، ميّزوهم عن غيرهم من رواة الأحاديث الضعيفة، والموضوعة، حيث لايعسر على أي باحث أو منقِب عن راو ثقة، أن يجده في هذه الكتب، فيطالع ترجمة وافية عن حياته، من ولادته حتى الوفاة.

وهذا الفن من أهم العلوم وأعلاها، وأنفعها ؛ إذ به تُعرف صحة سند الحديث من ضعفه. ومن أهم هذه المصنّفات التي أفردت ذكر الثقات فقط: كتاب الثقات للحافظ أبي حاتم بن حبان البستي، وهو مطبوع، والثقات للحافظ بن قطلوبغا، منه نسخة ناقصة.

كتب الضعفاء. كتب تقتصر على الضعفاء ولايشاركهم أحد من الثقات والوضاعين. فمن أراد البحث عن راو ضعيف من رواة الأحاديث ليس عليه إلا الرجوع لهذه المصنفات ليجد بغيته. وممن ألف في هذا الباب: البخاري، والنسائي، وابن حبان، والدارقطني، والعقيلي، وابن الجوزي، وابن عدي، وكتابه الكامل في الضعفاء أوفى الكتب في ذلك، وقد ذكر فيه كل من تكلّم فيه وإن كان من رجال الصحيحين، كما ذكر فيه بعض الأئمة المتبوعين، لأنّ بعض خصومهم في حياتهم تكلموا فيهم.

كتب الثقات والضعفاء. وهي كثيرة جدًا، من أشهرها: تواريخ البخاري: الكبير وهو مرتب على حروف المعجم، الأوسط والصغير وهما مرتبان على السنين. والطبقات الكبرى لابن سعد. ومن أجود الكتب في ذلك: التكميل في معرفة الثقات و الضعفاء والمجاهيل للحافظ ابن كثير، جمع فيه بين كتاب التهذيب للمزي، والميزان للذهبي، مع زيادات وتحرير في العبارات.

كتب التواريخ والرجال. من أبرز هذه الكتب: تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي. وكتاب التاريخ لإمام الجرح والتعديل أبي زكريا يحيى بن معين البغدادي، وهو مرتب على حروف المعجم، وكتاب التاريخ للحافظ العجلي والتاريخ للحافظ عثمان بن محمد ابن أبي شيبة الكوفي، والتاريخ لابن أبي خيثمة زهير بن حرب وتاريخ دمشق الكبير للحافظ أبي القاسم بن عساكر، وغيرها.

كتب تواريخ البلدان. ذكرت هذه الكتب مجموعة كبيرة من الرجال بين طياتها، ومن هذه الكتب: كتاب تاريخ أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني وتاريخ نيسابور لأبي عبدالله الحاكم، وتاريخ جرجان للحافظ السهمي، وتاريخ مصر، وقزوين، والمدينة، ومرو، وغيرها من المصنفات في هذا المجال.

كتب العلل. ذكرت هذه الكتب كثيرًا من الرجال المعلولين مع أحاديثهم، ومن هذه المصنفات: كتاب العلل للبخاري، والعلل الكبير والصغير للترمذي، والعلل للإمام أحمد، وكتاب في العلل لعلي بن المديني، ولأبي بكر الأثرم، ولأبي علي النيسابوري، ولابن أبي حاتم، وللحاكم، وللخلال. وللدارقطني كتاب في العلل وهو أجمع كتاب في العلل، مرتب على المسانيد، وقد حقق منه عشرة أجزاء، جمع هذا الكتاب تلميذ الدارقطني، أبوبكر البرقاني.

كتب علم رجال الحديث:

علم رجال الحديث علم يُعرف به رواة الحديث من حيث إنهم رواة، وأهم كتبه:

كتب الطبقات. وقد اختلف المصنفون في تسمية الطبقة كل حسب منهجه في التصنيف ؛ فمنهم من جعل الصحابة كلهم طبقة واحدة، ثم تلاهم التابعون. ومما يؤيد هذا الحديث الذي أخرجه البخاري ونصّه: (خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ). فخير القرون الصحابة، ثم التابعون، ثم أتباع التابعين.

ومن المصنّفين من يُقسم الصحابة إلى طبقات، وكذلك التابعين من بعدهم، بل ومنهم من يجعل كل قرن أربعين سنة.

ومن المصنفات في هذا الحقل كتاب الطبقات لخليفة ابن خياط، والطبقات الكبرى لمحمد بن سعد، والطبقات لمسلم بن الحجاج وغيرها.

وتسمية هذه الكتب بالطبقات، تدل على تأصل نظام الطبقة في تلك الفترة المبكرة من نظام التصنيف.

كتب عن الصحابة. الصحابي من رأى رسول الله ﷺ في حال إسلامه، وإن لم تطل صحبتُه له، وإن لم يرو عنه شيئا. وهذا قول جمهور العلماء.

ومن المؤلفات في هذا الفن: أُسْدُ الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري ؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ؛ تجريد أسماء الصحابة للذهبي ؛ الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني ؛ والكتاب الضخم معرفة الصحابة للحافظ أبي نعيم الأصبهاني. وقد اختلف المصنفون في هذا الحقل في منهج تقسيم الصحابة كل وفق ما ذهب إليه.

كتب عن التابعين. التابعي من صحِبَ الصحابي، كما قال الخطيب البغدادي. وفي كلام الحاكم ما يقتضي إطلاق التابعي على من لقي الصحابي وروى عنه، وإنْ لم يصحبه.

وهذا النوع من التصنيف يشتمل على علوم كثيرة، وهم على طبقات في الترتيب، فإن غفل الإنسان عن هذا العلم لم يفرق بين الصحابة والتابعين، ثم لم يُفرق أيضًا بين التابعين وأتباع التابعين.

وصنّف في هذا المجال كثيرون. وأكثرهم خلط بينهم وبين غيرهم من الرجال، سواء كانوا صحابة، أو غيرهم من فترة مابعد التابعين.

ومن المصنفات:

كتاب الثقات لابن حبان البستي، والطبقات لمسلم بن الحجاج، والطبقات الكبرى لابن سعد، وغيرهم كثير. وقد يتباين عدد طبقات كل من الصحابة، والتابعين، والأتباع في كتب الرجال، لأن ذلك يتصل بذوق المصنّف واجتهاده.

كتب الألقاب. لايخفى على ذي لبّ أهمية معرفة ألقاب الرجال والرواة لحديث رسول الله ص ؛ وذلك لأن كثيرًا منهم يُذكرون في الأسانيد بألقابهم دون أسمائهم، فيصعب معرفة حال السند لمن لايدري لقب الراوي، ويتوقف العمل بحديثه حتى يُعرف اسمه، حتى لايُظن أن هذا اللقب لغير صاحب الاسم. وإذا كان اللقب مكروهًا إلى صاحبه، فإنما يذكره أئمة الحديث على سبيل التعريف والتمييز، لاعلى وجه الذم واللمز.

صنّف في الألقاب جماعة من الأئمة منهم: أبو بكر الشيرازي، واختصر كتابه أبو الفضل بن طاهر المقدسي، ثم أبو الفضل بن الفلكي الحافظ، ومنهم أبو الوليد الفرضي محدث الأندلس، وأبو الفرج بن الجوزي، والخطيب البغدادي. وكان من أجمع ما ألف في هذا الباب كتاب نزهة الألباب في الألقاب للحافظ ابن حجر العسقلاني.

كتب الكُنى والأسماء. طريقة أصحابها في التصنيف أن يذكروا الكنية، وينبهوا على اسم صاحبها، ومنهم من لايُعرف اسمه، ومنهم من يُختلف فيه.

صنّف في هذا الفن جماعة من الأئمة الحفاظ، منهم: علي بن المديني، ومسلم، والنسائي، والدولابي، وابن مَنْدَه والحاكم أبو أحمد وغيرهم. كتب معرفة الإخوة والأخوات من الرواة.

قد صنّف في هذا الباب مجموعة من حفاظ الحديث، منهم على سبيل المثال: الحافظ أبو عبدالله، علي بن المديني، وأبو عبدالرحمن النسائي، والحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، وغيرهم.

كتب في رواية الأكابر عن الأصاغر. يقصد بهذا أنه قد يروي الكبير القدر أو السِنّ، عَمّن دونه.

ومن أبرز الأمثلة على هذا ماذكره رسول الله ﷺ في خطبته عن تميم الداريّ ممّا أخبره به عن رؤية الدجال في تلك الجزيرة التي في البحر. والحديث صحيح أخرجه مسلم. وكذلك في صحيح البخاري رواية معاوية بن أبي سفيان ـ وهو صحابي ـ عن مالك بن يُخامر ـ وهو تابعي كبير ـ عن معاذ، وهم بالشام، في حديث (لاتزال طائفة من أمتي ...) وقد روى العبادلة عن كعب الأحبار. وكذا قد روى الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، عن مالك، وهما من شيوخه.

والغاية الأساسية، المهمة في التصنيف في مثل هذا الفن هي معرفة الراوي من المروي عنه.

كتب رواية السابق واللاحق. وهذا القسم من التصنيف قد يُضمّ للذي قبله، وهو رواية الأكابر عن الأصاغر. ويكون هذا في رواية الكبير عن الصغير، ثم يروي عن المرويِّ عنه متأخرٌ. ومثال هذا رواية البخاري مثلاً عن محمد بن إسحاق السرّاج، وروى عن السرّاج أبو الحسن أحمد بن محمد الخفّاف النيسابوري، وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة، لأن البخاري توفيّ سنة ست وخمسين ومئتين، وتوفّي الخفّاف سنة أربع أو خمس وتسعين وثلاثمائة.

ومن أبرز من صنّف في هذا المجال، وملأ الفراغ الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه الجامع السابق واللاحق في تباعد مابين وفاة الراويين عن شيخ واحد.

كتب المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب. من الكتب المهمة التي استوعبت هذا الفن، ومن أبرز ما ألف في هذا الباب: كتاب الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي المسمى بالمتفق والمفترق.

كتب المدبج. هي رواية الأقران سنّا وسندًا، وقد تكلم عن هذا الحاكم أبو عبدالله في كتابه معرفة علوم الحديث، فمتى روى كل من الرواة عن الآخر سُميّ: مُدَبَّجًا كأبي هريرة وعائشة، والزهري وعمر بن عبد العزيز، ومالك والأوزاعي.

كتب رواية الأبناء عن الآباء. هذا الفن مما يحتاج إلى معرفته، فقد لايسمى الأب أو الجد في الرواية، ويخشى أن يلتبس على القارئ. وهي نوعان: رواية الرجل عن أبيه فقط، وهو كثير، ورواية الرجل عن أبيه عن جدّه،. وهذا مما يفخر به بحق، ويُغبط عليه الرواة. ومن الأمثلة على النوع الثاني: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو، عن أبيه، وهو شعيب، عن جدّه عبدالله بن عمرو ابن العاص.

من أشهر المؤلفات في هذا الميدان الكتاب الحافل للحافظ أبي نصر الوائلي، الذي زاد عليه بعض المتأخرين أشياء مهمة نفيسة.

كتب الأفراد. وهي أقسام وأنواع عديدة تطرّق إليها، وأوفى الحديث عنها الحافظ المقدسي في مقدمة كتابه: أطراف الأفراد والغرائب.

ومن أفضل من صنّف في هذا الباب الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه المسمّى: الأفراد والغرائب، الذي حوَى أكثر من 7,000 حديث، ويقع في مائة جزء. قال عنه الحافظ بن كثير: و"كتاب الأفراد الذي لايفهمه فضلاً عن أن ينظمه، إلاّمن هو من الحفاظ والأفراد، والأئمة النقاد، والجهابذة الجياد. وقال عنه أيضًا: "لم يُسبق إلى نظيره". لكن الكتاب فُقد كأمثاله من الكتب الثمينة التي فقدت من تراثنا الغالي. وقد رتب هذا الكتاب على شكل أطراف الحافظ محمد بن طاهر أبو الفضل المقدسي، المتوفى سنة 507هـ، فحفظ بهذا العمل أصل الحافظ الدارقطني مختصرًا.

كتب المؤتلف والمختلف وماشابه ذلك في الأسماء والأنساب. وهو ما تتفق في الخط صورته، وتفترق في اللفظ صيغته. وهو فن جليل يقبح جهله بأهل العلم، لاسيما أهل الحديث، ومن لم يعرفه يكثر خطؤه، ويفضح بين أهله. ومن الأمثلة على هذا الفن:

(سلام) بتشديد اللام، و(سلاَم) بتخفيفها. و(عُمارة) بضم العين، و(عِمارة) بكسرها، و(عَمَّارة) بفتح العين مع تشديد الميم. ومن المصنفات في هذا المجال: كتاب المؤتلف والمختلف للحافظ الدارقطني والإكمال في رفع عارض الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب لابن ماكولا الأمير والمؤتلف والمختلف للفَرَضي، والمؤتلف والمختلف لعبد الغني بن سعيد الأزدي، والمؤتلف والمختلف لابن الطحّان. ولابن الصلاح كتاب في هذا المجال، وكذا لابن النجار البغدادي وغيرهما. وهذا الفن إنما يُضبط بالحفظ محرَّرًا في مواضعه.

كتب في الوحدان. وهي معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد. ومن أنفع المصنفات في هذا الحقل كتاب الإمام مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح والمسمّى: المنفردات والوحدان وقد حقق. ومن أمثلته: تفردّ عامر الشعبي عن جماعة من الصحابة منهم: عامر بن شهَرْ، وعروة بن مضرِّس، ومحمد بن صفوان الأنصاري، ومحمد بن صيفي الأنصاري، وغيرهم. وقد تفرَّد مالك عن زُهاء عشرةٍ من شيوخ المدينة (لم يرو عنهم غيره).

كتب المسَلسل من الأسانيد. وهو نوع من السماع الظاهر الذي لاغبار عليه، وهي أنواع: فقد يكون التسلسل بلفظ معين عند التحديث في جميع رجال السند، كأن يقولوا جميعًا: (حدثنا) أو (سمعته يقول) أو (شهدت على فلان أنه قال). وقد يكون التسلسل بفعل معين يفعله كل شيخ مع تلميذه، كالحديث المسلسل بالمصافحة. ثم قد يتسلسل الحديث من أوله إلى آخره، وقد ينقطع بعضه من أوله أو آخره. ومن فوائد التسلسل بُعده عن التدليس والانقطاع. ومع هذا قلما يصح حديث بطريق مُسلسل، أي يكون الضعف في وصف التسلسل لافي أصل المتن، لأنه قد صحّت متون أحاديث كثيرة، ولم تصح روايتها بالتسلسل.

كتب المبهمات من أسماء الرجال والنساء. وهذا الفن من التصنيف إنما يُستفاد من رواية أخرى من طرق الحديث. وأهم مافيه مارفع إبهامًا في إسناد، كما إذا ورد في سند: عن فلان بن فلان، أو عن أبيه، أو عن عمه، أو عن أمّه: فوردت تسمية هذا المبهم من طرق أخرى، فإذا هو ثقة أو ضعيف، أو ممن ينظر في أمره. فهذا أنفع مافي هذا. وممن صنّف في هذا الباب جمع من الأئمة على رأسهم الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة وكذا الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي، وغيرهم.

مصنفات الحديث روايةً

الجوامع:

جمع الجامع، وهو كل كتاب حديثي يضم جميع أو معظم أبواب الحديث التي اصطلحوا عليها من العقائد، والأحكام، والآداب والتفسير والتاريخ، والسير، والفتن، والمناقب وغير ذلك، كالجامع الصحيح للبخاري، وليس شرطًا وجود جميع الأبواب، فقد يتخلف بعضها في بعض الجوامع بحسب استيعاب مصنفه.

المجاميع:

جمع المجمع، وهو الكتاب الذي يجمع بين بعض كتب الحديث، وقد تكون الأحاديث فيه مرتبة بحسب رواتها من الصحابة كما في الجمع بين الصحيحين للحميدي، أو على الكتب والأبواب الفقهية، كما في جامع الأصول لابن الأثير، أو على حروف الهجاء كما في الجمع بين الصحيحين للصاغاني والجامع الكبير و الصغير للسيوطي.

السنن:

هي الكتب الحديثية التي تضم غالبًا أحاديث الأحكام، مرتبة لها على الكتب والأبواب الفقهية، كالطهارة، فالصلاة، فالزكاة، وهكذا، وتقتصر على المرفوع في الغالب، ولا يوجد فيها الموقوف والمقطوع المرسل إلا نادرًا، كسنن أبي دواد والنسائي وابن ماجة.

يوجد في بعض كتب السنن ماهو زائد على أحاديث الأحكام، كالفضائل، والزهد وغير ذلك، وكذا الموقوف المقطوع والمرسل مع المرفوع المتصل، كسنن سعيد بن منصور والدارمي والبيهقي، فلا فرق بينها في هذه الحال وبين المصنفات والموطآت إلا في التسمية فقط.

المصنفات الفقهية:

هي الكتب الحديثية المرتبة على الكتب والأبواب الفقهية، وتضم معظم أبواب الدين، من العقـائد والأحكام والآداب، وغير ذلك من الأنواع المحتاج إليها، فهي شبيهة بالجوامع، إلا أنها تختلف عنها بكثرة وجود الموقوف والمقطوع والمرسل مع المرفوع المتصل، كمصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة.

الموطآت:

هي كالمصنفات تمامًا، وليس بينهما فرق من حيث أنواع الحديث الموجودة فيهما، غير أنه لا يوجد من الموطآت الآن سوى موطأ مالك، وهو يزيد بوجود فقه الإمام مالك في تعقيباته على الأحاديث والآثار التي يوردها.

المستخرجات:

المُسْتَخْرَج هو أن يعمد أحد المصنفين كأبي نعيم إلى كتاب من كتب الحديث كصحيح البخاري، فيخرِّج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معه في شيخه أو شيخ شيخه أو من فوقه، ولو في الصحابي، مع مراعاة ترتيبه، ومتونه، وطرق أسانيده، بشرط ألا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سندًا يوصله إلى شيخ أقرب، إلا لعذر، من علو إسناد، أو زيادة مهمة. وربما أسقط المستخِرج أحاديث لم يجد له بها سندًا يرتضيه، وربما ذكرها في طريق صاحب الكتاب.

المستدركات:

المُستدرَك كتاب حديثي يجمع فيه مؤلفه أحاديث استدركها على كتاب آخر مما فاته، فلم يذكره وهو على شرطه، كالمُستدرَك على الصحيحين. لأبي عبد الله الحاكم، ومثله في موضوعه مع اختلاف التسمية: كتاب الإلزامات للدارقطني، جمع فيه ما وجده على شرط البخاري ومسلم وليس بمذكور في كتابيهما، وألزمهما ذكره.

الزوائد:

هي الكتب الحديثية التي يجمع فيها مؤلفوها أحاديث زائدة في بعض كتب الحديث على أحاديث موجودة في كتب أخرى، وتكون في الغالب مرتبة على الأبواب، مثل مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة للبوصيري، جمع فيه الأحاديث التي زادها ابن ماجة على باقي الكتب الستة.

الأجزاء:

الجزء كتاب حديثي يجمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد أو باب من أبواب الدين، أو الأحاديث المروية عن أحد الرواة من الصحابة فمَن بعدهم، مثل: جزء القراءة خلف الإمام للبخاري، وجزء حديث أبي بكر رضي الله عنه، وجزء الحسن بن عرفة.

الفوائد:

هي الكتب الحديثية التي تجمع غرائب أحاديث الشيوخ ومفاريد مروياتهم، وتشتمل على الصحيح والضعيف، وهو الغالب على الغرائب، وهي نوعان: 1- ما جمع غرائب الأحاديث عامة، كفوائد تمام الرازي.2- ما اقتصر على غرائب أحاديث شيخ معين، كفوائد ابن نافع، لابن شاذان.

الأمالي:

الإملاء هو أن يقعد عالم وحوله تلاميذه، فيتكلم بما فتح الله عليه من العلم وهم يكتبون، فيكون كتابًا يسمونه: الإملاء، أو الأمالي، وذلك في كل فن من الفنون.

والإملاء عند المحدثين: أن يورد المملي بأسانيده أحاديث وآثارًا لا يلتزم فيها بترتيب معين، فليست أحاديثها مرتبة على الأبواب الفقهية كما في الجوامع والسنن، ولا على مسانيد الصحابة كما في المسانيد والمعاجم، وقد تكون أحيانًا متعلقة بموضوع واحد كأمالي الأذكار لابن حجر.

وقد يعمد المملي إلى تفسير غريب ما يملي، ويورد من الفوائد المتعلقة به ما يختاره ويتيسر له بإسناد أو بدون إسناد، لكن هذا ليس مطردًا في كل الأمالي.

الشروح:

الشرح هو الكتاب الذي يُعنى بالكلام على الحديث سندًا ومتنًا، لإيضاحه، وبيان مشكله، واستنباط أحكامه.

والشروح كثيرة ومتباينة، فمنها الشروح المطولة، ومنها المتوسطه، ومنها المختصرة. وأوفاها تلك الشروح التي تتناول الحديث بالدراسة، مبينة تناسبه مع الباب الذي أدرجه المصنف تحته، والكلام على إسناده، بالتعريف برجاله، وبيان حالهم، وذكر علله ـ إن وجدت ـ ودفع ما يمكن دفعه منها، وجمع طرقه وذكر من أخرجه، وبيان سبب وروده إن وجد، ثم تناول متنه ببيان غريبه، وإعراب ما يحتاج إلى إعراب، واستنباط ما تضمنه من أحكام، وإيراد ما في معناه من الأحاديث، وما عارضه والجمع بينها إن أمكن، أو بترجيح ما يمكن ترجيحه، وبيان مذاهب العلماء في ذلك، وذكر ما يستفاد من الحديث من فوائد.

الأطراف:

هي الكتب التي يقتصر فيها على ذكر طرف من متن الحديث يدل على بقيته، مع الجمع لأسانيده، إما على سبيل الاستيعاب، وإما على جهة التقيد بكتب مخصوصة، كأن تجمع أسانيد الحديث من الصحيحين، كما في أطراف الصحيحين لأبي مسعود الدمشقي، أو من السنن الأربع، كما في الإشراف على معرفة الأطراف لابن عساكر، أو من الكتب الستة، كما في تحفة الأشراف لجمال الدين المزي، أو مما عداها من الموطآت والمسانيد والصحاح والمستخرجات وغيرها كما في إتحاف المهرة بأطراف العشرة لابن حجر.

المسانيد:

المسند هو الكتاب الذي موضوعه جمع حديث كل صحابي على حدة غيرمرتب، فقد يورد المصنف حديثًا في النكاح، يليه حديث في الطهارة، وهكذا، سواء أكان الحديث صحيحًا، أم حسنًا، أم ضعيفًا. وقد يكون الصحابة مرتبين بحسب الأفضلية، والشرافة النسبية، والسابقة إلى الإسلام، وعلى البلدان، كما صنع الإمام أحمد في مسنده. وربما كانوا مرتبين على حروف الهجاء، وهذا أسهل تناولاً من سابقه.وقد يقتصر بعض المسانيد على أحاديث صحابي واحد كمسند أبي بكر، أو أحاديث جماعة منهم كالعشرة المبشرين بالجنة، أو طائفة مخصوصة جمعها وصف واحد كمسند المقلِّين.

قد يطلق المسند على الكتاب المرتبة أحاديثه على الأبواب، باعتبار أن أحاديثه مسندة، كصحيح البخاري، فإن اسمه: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننه وأيامه.

المعاجم:

المعجم في اصطلاح المحدِّثين: الكتاب الذي تذكر فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة، أو الشيوخ، أو البلدان، أو غير ذلك. والغالب ترتيبهم على حروف الهجاء، كمعجم الطبراني الكبير المؤلف على أسماء الصحابة، على حروف المعجم، فهو يشبه المسند، وكمعجميه الأوسط والصغير المؤلفين على أسماء الشيوخ مرتبين على حروف المعجم، فهذان وأمثالهما يشبهان المشيخات والفهارس والأثبات والبرامج.

أما المشيخات فهي الكتب المشتملة على ذكر الشيوخ الذين لقيهم المؤلف وأخذ عنهم وأجازوه، وإن لم يلقهم. والغالب أن يرتبهم على حروف المعجم، ويخرج بعض الأحاديث التي رواها عنهم، مثل: مشيخة ابن الجوزي، والغنية في مشيخة القاضي عياض.

وأما الثبت، فهو الفهرسة التي يجمع فيها المحدث مروياته وأشياخه ويثبت فيها أسانيده وقراءاته المصنفات على أشياخه. وأما الفهرس، فهو الكتاب الذي يجمع فيه الشيخ شيوخه وأسانيده وما يتعلق بذلك. وأما البرنامج، فيستعمله أهل الأندلس بمعنى الفهرست.

التَّحمل والأداء

التحمل هو نقل الحديث عن الغير (الشيخ). ويقصد بالأداء راوية الحديث (التلميذ) أو ما يعرف بطالب الحديث لغيره.

ولكل من التحمل والأداء شروط، فمن شروط التحمل: التمييز، والضبط لما يرى ويسمع، وأول زمن يصح فيه السماع للصغير ـ كما حدده المحدثون ـ خمس سنوات، وقيل: أقل وقيل: أكثر. والصحيح أن العبرة بالتمييز والضبط ؛ فقد يكون ابن أربع سنين، وهو مميز ضابط، وقد يكون ابن سبع سنين، وهو ليس كذلك. والصبي وإن جاز تحمّله، إلا أنه لايؤدي إلا بعد البلوغ، وكذا الكافر لايؤدي ماتحمّله إلا بعد الإسلام.

وأما شروط الأداء فهي: الإسلام والبلوغ والعقل والعدالة والضبط.

طرق التحمل:

للتحمل ثماني طرق، وعلى من تحمل بطريق من هذه الطرق، أن يعبر عن الأداء بصيغة تدل على ذلك الطريق، الذي تحمَّل به، ويسميها المحدثون صيغ الأداء.أما طرق التحمل والصيغ التي تدل عليها فهي:

السماع من لفظ الشيخ. سواء أكان يحدث من حفظه، أم من كتابه ومع إملاء أم غير إملاء. وهذا الطريق أعلى أنواع التحمل عند الجمهور سلفًا وخلفًا. وصيغ الأداء عن هذا الطريق: سمعت أو سمعنا، حدثني أو حدثنا، أخبرني أو أخبرنا سماعًا منه، أنبأني أو أنبأنا سماعًا منه.

القراءة على الشيخ. (العرض). يقرأ فيه أحد التلاميذ على الشيخ سواء قرأ من كتاب أم من حفظه، وسواء أكان الشيخ يحفظ مايقرأ عليه أو لا يحفظ، ولكن يمسك أصله هو أو ثقة غيره. وهذه رواية صحيحة بلا خلاف في جميع ذلك على الراجح، وهي تلي السماع. وصيغ الأداء عن هذا الطريق: قرأت على فلان، أو قرئ على فلان وأنا أسمع، أو أخبرني بقراءتي عليه، أو أخبرنا قراءة عليه، أو حدثني بقراءتي عليه، أو حدّثنا قراءة عليه وأنا أسمع، أو أنبأنا أو أنبأنا قراءة عليه.

الإجازة. هي إذن الشيخ للطالب في الرواية عنه، من غير سماع منه ولاقراءة عليه، فهي إخبار إجمالي بمروياته. وتكون إما بالتلفظ أو بالكتابة وهي أنواع منها:1- الإجازة لمعيَّن في معيَّن، كأجزتك أو أجزتكم كتاب كذا، وهو أعلى الأنواع. 2- الإجازة لمعيَّن في غير معيَّن كأجزتك أو أجزتكم جميع مسموعاتي أو مروياتي. والرواية بها جائزة، والعمل بما روي بها واجب بشرطه... إلخ.

وألفاظ الأداء عن الإجازة: أجازني أو أجازنا فلان، حدثني فلان أو حدثنا إجازة، أخبرني فلان أو أخبرنا إجازة. والذي عليه العمل، واستقر عليه الاصطلاح، أنها تؤدَّى بلفظ أنبأنا، ولايطلق فيها لفظ حدثنا أو أخبرنا.

المناولة. هي على نوعين، مناولة مقرونة بالإجازة، كأن يناول الشيخ الطالب كتابه ويقول: هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه عني. وهذه أعلى أنواع الإجازة، وهي مجمع على صحة الرواية بها، والنوع الآخر مناولة مجردة عن الإجازة، كأن يناول الشيخ التلميذ الكتاب مقتصرًا على قوله: هذا سماعي، أو هذا من حديثي، ولايقول له: اروه عني. وقد اختلف العلماء في قبولها وصحة الرواية بها.

تؤدَّى المناولة بصيغ منها: ناولني أو أجازني فلان، أو ناولني مع الإجازة، أو حدثني فلان بالمناولة والإجازة، أو أخبرني فلان بالإجازة والمناولة، أو أنبأني فلان بالإجازة والمناولة، أو إجازة ومناولة.

المكاتبة أو الكتابة. هي أن يكتب الشيخ مسموعاته أوشيئًا من حديثه لحاضر عنده أو غائب عنه، ويرسله إليه، سواء كتب بنفسه، أو أمر غيره بكتابته. ويكفي أن يعرف المكتوب له خط الكاتب، وهي قسمان: 1- أن تكون مقرونة بالإجازة. وهي في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة بالإجازة. 2- أن تكون مجردة من الإجازة. وهي جائزة معمول بها على الراجح.

وصيغ أداء المكاتبة هي: كتب إليَّ فلان، كاتبني فلان قال: حدثني فلان مثلاً، حدثني فلان بالمكاتبة والإجازة، أخبرني بالمكاتبة والإجازة، ولايجوز فيها ؛ حدثني ؛ وأخبرني على الإطلاق من غير تقييد.

الإعلام. هو إعلام الشيخ التلميذ بأن هذا الحديث، أو الكتاب سمعه من فلان من غير أن يأذن له في روايته عنه، والرواية بها جائزة على الراجح، وصيغ أدائها: أعلمني فلان، حدثني فلان بالإعلام، أخبرني بالإعلام، ونحو ذلك.

الوصية. هي أن يوصي الشيخ بكتاب من كتبه عند سفره أو موته لشخص، وهي قريبة من الإعلام، والرواية بها جائزة، وصيغ الأداء عنها: أوصى إلي فلان، حدثني فلان بالوصية، أخبرني فلان بالوصية، ونحوها.

الوِجادة. بكسر الواو، وهي أن يقف الراوي على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه، ولم يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه، أو سمع منه ـ عدا ما وجده ـ ولكن لايروي الواجد تلك الأحداث الخاصة بسماع أو قراءة أو إجازة.

وصيغ أداء الوجادة: وجدت، أو قرأت بخط فلان، أو في كتاب بخطه، حدثنا فلان ويسوق الإسناد والمتن، أو قرأت بخط فلان عن فلان، وقد قال عبدالله بن الإمام أحمد وابن عبد البر وغيرهما: وجدت بخط أبي في كتابه، ثم يسوق الحديث.

تدوين الحديث النبوي

ورد عن النبي ﷺ نصوص تأذن بكتابة الحديث النبوي. ونصوص معارضة فيها النهي عن كتابته. فمن النصوص التي تأذن قوله ﷺ (اكتبوا لأبي شاة ...) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما. وقوله ﷺ لعبد الله بن عمرو بن العاص عندما لامه بعض الصحابة على الكتابة في حال غضب الرسول ﷺ: (اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق ). أخرجه أحمد وابن سعد وغيرهما. ومن النصوص التي تنهى عن الكتابة قوله ﷺ في حديث أبي سعيد الخدري (لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ). أخرجه مسلم وأحمد وغيرهما. وقوله في حديث زيد ابن ثابت أنه دخل على معاوية فسأله عن حديث فأمر إنسانًا يكتبه. فقال له زيد: إن رسول الله ﷺ أمرنا أن لا نكتب شيئًا من حديثه فمحاه. أخرجه الخطيب البغدادي في كتاب تقييد العلم.

وفي كتاب تقييد العلم للبغدادي وكتاب دراسات في الحديث النبوي لمحمد مصطفى الأعظمي المزيد من النصوص في هذا القبيل. وفيهما أيضًا أقوال للعلماء في التوفيق بين هذه الأحاديث ودفع تعارضها الظاهري. من هذه الأقوال إن النهي منصب على كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة مخافة الاختلاط به، فإذا أمن ذلك فلا بأس من كتابته، ويؤيد ذلك أن نسخًا أو صحفًا حديثية عدة قد كتبت في زمن الصحابة كانت هي الأساس للتدوين فيما بعد. ويمكن القول: إن التدوين في هذا العصر كان تدوينًا خاصًا منبثقًا عن الاجتهاد الفردي، إلى أن كان زمن خلافة عمر بن عبد العزيز (99 -101هـ) حيث تذكر المصادر أنه كتب إلى عامله في المدينة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وإلى غيره من العمال وإلى أهل الآفاق يدعوهم لكتابة الحديث خوفًا من دروس العلم وذهاب أهله. وكان أول من استجاب له عالم المدينة محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري. ودوَّن له في ذلك كتابًا كان عمر يبعث إلى كل أرض دفترًا من دفاتره.

قبيل منتصف القرن الثاني الهجري وحتى نهايته، ظهرت مؤلفات ذات مناهج خاصة يصعب تحديد أولها تدوينًا، لكنها تشترك في تجميعها لأحاديث الرسول ﷺ، ولأقوال الصحابة والتابعين. ومن هذه المؤلفات ما عرف بالمصنفات أو الموطآت أو السنن أو الجوامع أو الأجزاء أو المسانيد وغيرها. ومع الزيادة الكبيرة في عدد المؤلفات الحديثية، خطا التدوين خطوة جديدة في القرن الثالث الهجري وهي ظهور أنواع من المصنفات خاصة بالأحاديث الصحيحة في شتى الموضوعات كصحيحي البخاري ومسلم. أو بالأحاديث التي اعتمد عليها الفقهاء في استدلالاتهم الفقهية بغض النظر عن الالتزام بصحة ما فيها من أحاديث كما في السنن الأربعة: وهي سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. وهذه الكتب الستة قدمت على غيرها لمزاياها الكثيرة واعتبرت أشهر دواوين الإسلام وأهمها. وإذا ما أضيف إليها مسند الإمام أحمد، وموطأ مالك، وهو متقدم عليها زمنًا وسنن الدارمي، فإنها تكاد تجمع أغلب الأحاديث النبوية. وتكاد المؤلفات الكثيرة التي كتبت بعد القرن الثالث الهجري ـ إلا النزر اليسير منها ـ تعتمد على ما سبقها من تخريج لها أو جمع بينها أو انتقاء منها أو دراسة أوشرح لها أو نحو ذلك.

منزلة الحديث في التشريع

تنص آيات كثيرة على وجوب اتباع رسول الله ﷺ منها قول الله عز وجل: ﴿ قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين﴾ آل عمران : 32 وقوله سبحانه: ﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ الحشر: 7 وقد وردت نصوص في الحديث النبوي توجب أيضًا اتباعه ﷺ منها ما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة المرفوع (من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى). ومنها ما أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما بإسناد حسن من حديث أبي رافع عن رسول الله ﷺ قال: (لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه). فهذه النصوص وما شابهها تثبت حجية السنة ولزوم الأخذ بها. وذهب عدد من العلماء كابن حزم والشاطبي إلى كفر من أنكر الأخذ بغير القرآن الكريم. يريدون بالغير هنا السنة النبوية.

وللعلماء بعد ذلك نظرتان إلى الحديث النبوي: نظرة باعتبار مرتبته فهو المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن، إذ هو الأصل والمصدر الأول. فالمجتهد يرجع أولاً إلى القرآن الكريم للنظر في الحكم فإن لم يجد رجع إلى السنة النبوية. ونظرة إلى الحديث باعتبار ما ورد فيه من أحكام فهو إما مقرر ومؤكد لحكم ورد في القرآن، أو مبين ومفصل لما ورد مجملاً أو منشئ لحكم ليس فيه نص من الكتاب.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية