حرب الفلاحين (بالألمانية der Deutsche Bauernkrieg) كانت ثورة شعبية عارمة للفلاحين (ثورة الفلاحين) في الإمبراطورية الرومانية المقدسة نتيجة للاضطهاد القاسي الذي تعرضوا له والأوضاع المعيشية السيئة التي عاشوها. وتوجت هذه الإنتفاضة بحرب الفلاحين التي رافقتها أعمال عنف وانتقام واسعة النطاق خلال الفترة من 1524 إلى 1526 .
تعتبر على غرار الحركة بوندشو و الحرب الهوسية السابقتين سلسلة من الثورات الإقتصادية و الدينية .
الصراع وقع معظمه في جنوب وغرب و وسط ألمانيا الحالية و تضررت أيضا المناطق المجاورة في سويسرا و النمسا الحاليتين ، شارك فيها عند ذروتها في ربيع و صيف 1525 ما يقدر ب 300.000 من الفلاحين المتمردين : و تخبرنا تقديرات معاصرة بمقتل 100.000 . كانت أكبر انتفاضة شعبية أوروبية على نطاق واسع قبل الثورة الفرنسية عام 1789 .
فهرس |
كانت الحرب من ناحية تعبيرا عن الثوران الديني الذي عرف باسم الإصلاح ، و الذي من خلاله تحدى معارضي الكنيسة الكاثوليكية الرومانية سيادتها الدينية والنظام السياسي.
و أشار عدد من المؤرخون إلى مناهضة للكليروسية الاقتصادية بالتزامن مع بدايات حرب الفلاحين الألمانية 1524-1525.
و لكنها أيضا عكس لعمق السخط الإجتماعي . و لفهم أسباب حرب الفلاحين لابد من دراسة تغير هيكل الطبقات الاجتماعية في ألمانيا و علاقتها مع بعضها البعض . هذه الطبقات كانت الأمراء و النبلاء الأقل و رجال الدين و الارستقراطيون و المواطنون و العامة و الفلاحين .
مثّل الأمراء رأس الهرم على أراضيهم ، و كانوا فيها بمثابة الحاكم المطلق في ممالكهم و بالكاد يعترفون بأي سلطة تحاول أي طبقة أخرى فرضها . كان للأمراء الحق في فرض الضرائب و اقتراض الأموال بحسب حاجتهم . اضطر تزايد تكاليف الإدارة و الصيانة العسكرية الأمراء إلى رفع تكاليف المعيشة على الرعاية باستمرار . كانت طبقتا النبلاء الأقل و رجال الدين لا تدفعان أي ضرائب و كانوا في غالبا يدعمون الأمير . و تمتعت العديد من المدن بامتيازات حمتها من الضرائب ، و بناءا على ذلك فإن الجزء الأكبر من العبء وقع على الفلاحين . لطالما ما حاول الأمراء إجبار الفلاحين الأحرار على الدخول في نظام القنانة بزيادة الضرائب و عن طريق القانون المدني الروماني . كان القانون المدني الروماني أكثر من مواتي للأمراء لتوطيد سلطتهم حيث إنه خصص جميع الأراضي إلى ملكيتهم الخاصة و أزال من مفهوم إقطاعية الارض كونها الثقة بين المالك و الفلاحين و تنطوي على حقوق الانسان كما إلتزاماته . أعطى حفظ بقايا هذا القانون القديم الأمراء قوتهم الشرعية التي لم تقتصر على زيادة أموالهم و مكانتهم داخل الإمبراطورية (من خلال مصادرة جميع الممتلكات والايرادات) ولكن أيضا الهيمنة على أمور الفلاحين . بموجب هذا القانون القديم لم يمكن للفلاحين فعل أكثر من المقاومة السلبية . و حتى في ذلك الحين كان للأمير السيطرة المطلقة على كل أقنانه و ممتلكاتهم . حتى رفض توماس مونتسر وغيره من الراديكاليين أمثاله العوامل المشرعة للقانون القديم و توظيف "القانون الإلاهي" كوسيلة لتحريض الناس ، بيد أن الانتفاضات بقيت معزولة و مفتقرة للدعم و سهلة الإخماد .
كان تقدم الصناعة في أواخر العصور الوسطى كافيا لتهميش نبالة الفرسان الأقل . فقد تقدمت العلوم العسكرية و تنامت أهمية البارود و المشاة على حساب سلاح الفرسان الثقيل كما قلت أهمية قلاعهم الإستراتيجية . استنزف أسلوب حياتهم الفاخر دخلهم الضئيل مع الإرتفاع المستمر في الأسعار ، و مارسوا حقهم القديم لانتزاع ما يسيطعون من ريف أراضيهم عبر السلب و النهب و الابتزاز . شعر الفرسان بالمرارة لفقرهم المتزايد و لوضعِهِم الدائم و المتزايد تحت سلطان الأمراء ، لذا كانت الطبقتان في صراع مستمر . كما اعتبر الفرسانُ رجالَ الدينِ طبقة متغطرسة و تجب إزاحتها ، كانوا يحسدونهم على الإمتيازات و الثروات الهائلة المضمونة بموجب قوانين الكنيسة . و إضافة إلى ذلك تصاعد خلاف الفرسان مع إرستقراطيي المدن ، و غالبا ما كانوا مدينين للمدن ، و نهب الفرسان أراضيهم و سلبوا تجارهم و احتفظوا بسجناء في حصونهم لقاء فدية .
أخذت طبقة رجال الدين تفقد مكانتها بوصفها السلطة الفكرية في جميع القضايا داخل الدولة . ساهم تقدم الطباعة و تمدد التجارة فضلا عن انتشار النهضة الإنسانية في زيادة التعليم في جميع أنحاء الامبراطورية . فكسر بذلك الإحتكار الكاثوليكي للتعليم العالي . انتشر الفساد بمرور الوقت في المؤسسات الإقليمية الكاثوليكية . فتفشى الجهل الاكليركي و السيمونية و التعددية (الإيمان بوجود أكثر من حقيقة مطلقة واحدة) . كما أنهم بمختلف مراتبهم استغلوا رعيتهم بنفس قساوة أمراء الأقاليم . و استخدمت المؤسسات الكاثوليكية سلطتها الدينية كوسيلة رئيسية لابتزاز ثروات الشعب ، إضافة إلى بيع صكوك الغفران و فبركة المعجزات ، يبنون المصليات و مباشرة يفرضون الضرائب على الشعب . و دفع السخط الكبير على فساد الكنيسة في نهاية المطاف الراهب الكاثوليكي مارتن لوثر لوضع القضايا الخمسة و التسعين على أبواب كاتدرائية فيتنبيرغ عام 1517 دافعا الإصلاحيين الأخرين إلى اعادة التفكير بصورة جذرية في العقيدة و مؤسسة الكنيسة .
مع نمو النقابات و زيادة عدد السكان الحضر ، واجه ارستقراطو المدن معارضة دائمة و متزايدة . كانت الأسر الارستقراطيون ثرية تجلس لوحدها في مجالس المدن و يتولون جميع الوظائف الإدارية العليا ، لذا كانوا يأخذون كافة القرارات الإدارية و يستخدمون المال لمصلحتهم . و كسلطة الأمراء كانوا يأخذون الإيرادات من فلاحيهم بأي طريقة ممكنة . توضع رسوم تعسفية على طرق و جسور و البوابات متى أرادوا . ألغوا تدريجيا الأراضي العامة لإعطاءها بشكل غير مشروع لفلاح يقوم إما بصيد السمك أو لقطع الأخشاب في الأرض كان يحوزها الجميع . ضرائب النقابة كانت تؤخذ عنوة . كل الإيرادات المحصلة لم تكن تدار بشكل رسمي و الحسابات في سجلات المدينة كانت مهملة . و بالتالي كان الاختلاس و الاحتيال ممارسة شائعة والطبقة الارستقراطية الملزمة بالروابط العائلية أصبحت أغنى باستمرار و أكثر استغلالية من أي وقت مضى .
أصبح أرستقراطيو المدن تدريجيا أكثر عرضة للإنتقاد من طبقة المواطنين المتنامية . كان المواطنون طبقة تتألف من مدنيين من الطبقة متوسطة ميسورة الذين غالبا ما تولوا مناصب إدارية في النقابات أو يعملون كتجار ، و بالنسبة لهم كانت ثروتهم الجيدة و المتنامية سببا كافيا لتطلعهم إلى حق السيطرة على إدارة المدينة . فطالبوا علنا بمجلس بلدي من الارستقراطيون و المواطنين أو على الأقل تقييدا للسيمونية مع تخصيص عدة مقاعد للمواطنين . عارض المواطنون رجال الدين أيضا ، الذين شعروا بأنهم قد تجاوزوا حدودهم و متهاونون بواجباتهم الدينية. و زاد ثراء و امتيازات رجال الدين من سخط المواطنين ، فطالبوا بوضع حد للامتيازاتهم خاصة الإعفاء من الضرائب و خفض أعدادهم . عدل المواطنون النقابات : من نظام تلمذة حرفية و عملية إلى إدارة رأس مال و الطبقة العاملة. كان المواطن "الحرفي الأستاذ" يمتلك كحله و أدوات العمل . و يسمح للمبتدئ باستخدام المحل و الادوات مع توفير المواد اللازمة من أجل إنجاز المنتج في مقابل أجر يعتمد على طول فترة العمل ، فضلا عن نوعية و كمية الإنتاج . و لم يكن للعمال الحرفيون فرصة للترتفع في صفوف النقابة ، و ظلوا محرومين من الحقوق المدنية .
العامة هم طبقة العمال الحضريين و الحرفيين والصعاليك الجديدة . و حتى المواطنين الصغار المحطمين صنفوا من ضمنهم . يشبه العمال الحضريين و الحرفيين الطبقة العاملة الحديثة و التي لا بد أن تأخذ شكلا في أي نظام رأسمالي . على الرغم من أن الحرفيين عمليا يفترض أن يكونوا مواطنين ، لكنهم حرموا من المناصب العليا من قبل العائلات الراسمالية الغنية التي التي أدارتها . أصبح وضعهم "المؤقت" خارج نطاق الحقوق المدنية حالة أكثر ديمومة في بدايات الإنتاج الصناعي الحديث . و لم يكن للعامة حتى ممتلكات خاصة كمثل التي عند المواطنين المحطمين أو لدى الفلاحين . كانوا مقيمين لا يملكون أرضاً و لا حقوقاً و شاهدين على اضمحلال المجتمع الإقطاعي . أعطت الثورة المندلعة في تورنغن بقيادة توماس مونتسر فصيل عمال العامة حق التعبير الكامل عن مطالبهم ، و المتمثلة في المساواة الاجتماعية كاملة و هو ما بدؤوا يؤمنون به بمساعدة مونتسر ، فهم من يقود إلى ازدهار المجتمع من الأسفل و ليس العكس . سارعت السلطة الهرمية في ذلك العصر إلى وأد مثل تلك المثاليات الثورية و التي شكلت التهديد الرئيسي لسلطتهم التقليدية .
بقي الفلاحون أدنى طبقات المجتمع . ساعد الفلاح جميع طبقات المجتمع الأخرى ليس فقط من خلال الضرائب المباشرة و إنما أيضا من خلال الإنتاج الزراعي و تربية الماشية . كان الفلاح ملكا لأي كان يعمل عنده . سواء كان مطرانا أو أميرا أو مدينة أو نبيلا ، كان الفلاح و جميع الأمور المرتبطة به تخضع لأهواءه . فرض ما لا يحصى من الضرائب على الفلاحين أجبرهم أكثر و أكثر على قضاء عمرهم في خدمة في حيازة صاحب العمل . معظم ما ينتج يأخذ في شكل عُشر أو بعض الضرائب الأخرى . لم يكن للفلاح الصيد لا الحيونات و لا الأسماك أو قطع الخشب بحرية في أوائل القرن السادس عشر لاتخاذ اللوردات مؤخرا للأراضي المشاع لأهدافهم الخاصة . كان للسيد الحق في استخدام أرض الفلاح حسب رغبته ؛ غالبا لم يحرك الفلاحون ساكنا متفرجين كما حدث في دمار محاصيلهم بلعبة البرية و بفروسية صيد النبلاء . إن رغب الفلاح في الزواج يضطر لأخذ إذن السيد إضطراره لدفع الضرائب ، و إن توفي يحق للسيد أخذ أفضل ماشيته و أفضل كساءه و أفضل عدته . لم ينصف النظام القضائي المكون إمّا من رجال الدين أو المواطنين الأغنياء أو الأرستقراطيين الفلاحين ؛ فقد كانت الطبقات العليا تعيش عل استغلال طبقتي الفلاحين و العامة و ترى الخطر في منحهم نوعا من المساواة أو العدالة الحقيقية . أبقت أجيال العبودية و الطابع المستقل للمقاطعات إنتفاضات الفلاحين في نطاقها المحلي . و تمثل أمل الفلاحين الوحيد في توحيد المُثل العابرة لحدود المقاطعات . آمن مونتسر أن ضعف الهيكل الطبقي في الآونة الاخيرة منح ثورة الطبقات السفلى من المجتمع قوة شرعية أكبر ، و كذلك مساحة أكبر لتحقيق مكاسب سياسية و إجتماعية - إقتصادية.
كانت الطبقات الأحدث و مصالحها كافية للتخفيف من سلطة النظام الإقطاعي القديم . فتقدم الصناعة و التجارة الدولية لم ينافسا الأمراء بتنامي مصالح تجار الطبقة الراسمالية فحسب و لكنهما وسعا قاعدة مصالح الطبقات الدنيا (الفلاحين والآن عمال الحضر أيضا) كذلك . أضعف التقاطع بين طبقتي المواطنين و العامة الضرورية السلطة الإقطاعية ، حيث عارضتا أهل القمة و هما بطبيعة الحال متعارضتان في نفس الوقت . عزز تقدم طبقة العامة مصالح الطبقات الدنيا بعدة طرق . فبينما كانت طبقة الفلاحين المظلوم الوحيد و مستعبدة تقليديا أضاف العامة بعدا جديدا مثّل مصالح الطبقات المشابهة دون تاريخ من الجور الكامل .
و بالمثل أنتج هدوء الصراع الطبقي معارضة شرسة للمؤسسة الكاثوليكية من كل طبقة في هرمية أواخر القرون الوسطى الجديدة . فقد آمنت الطبقات السفلى (سواء العامة أو الفلاحين) بأن رجال الدين هم أكبر مسؤول عن الاستغلال الذي يُعانونه من الطبقات العليا و لم يعودوا تستطيعون الوقوف مكتوفي الأيدي حياله . و احتقر المواطنون و النبلاء بلادة و كسل حياة رجال الدين . فكونهم من الطبقات الأرقى منهم إما عن طريق الإلتزام أو التقاليد ، أشعرهم أن رجال الدين كانوا يجنون فوائد (مثل الاعفاء الضريبي الأعشار الكنسية) لا يستحقونها . حالما يسمح الوضع حتى الأمير مستعد لللتخلي عن الكاثوليكية للحصول على استقلال سياسي و مالي و تعزيز السلطة داخل أراضيه .
بعد تقديم الطبقات الدنيا الآلاف من عرائض الشكاوى في العديد من المدن و القرى دون جدوى ، اندلعت الثورة . انقسمت الأطراف إلى ثلاث مجموعات مميزة و وثيقة الصلة بالبناء الطبقي . المعسكر الكاثوليكي يتكون من رجال الدين و الارستقراطيون و الأمراء الذين رفضوا أي معارضة لأوامر الكثلكة . طرف الإصلاحيين المعتدلين يتألف أساسا من المواطنين و الأمراء : رأى المواطنون الفرصة مواتية للوصول إلى سلطة المجالس الحضرية كما كانت مقترحات لوثر الاصلاحية مركزية جدا داخل المدن و أدانت ممارسة الارستقراطيين للمحسوبية و التي بها أمسكوا بالبيروقراطية بقوة ، و بالمثل فإنه أمكن للأمراء اكتساب المزيد من الإستقلالية ليس فقط عن الإمبراطور الكاثوليكي شارل الخامس و لكن أيضا عن الكنيسة الكاثوليكية في روما . كون العامة و الفلاحين و أولئك المتعاطفين مع قضيتهم المعسكر الثالث للثورة و يقوده خطباء مثل توماس مونتسر ، أمَل هذا المعسكر في كسر أغلال مجتمع أواخر العصور الوسطى و إقامة آخر جديد .
حدد الفلاحون و العامة في ألمانيا شكواهم في بيانات . بيانات الغابة السوداء الإثني عشر (Zwölf Artikel) الشهيرة اعتمدت كمطالب نهائية . شمولها للمظالم الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية في ظل الشعبية متزايدة للسلك البروتستانتي وحّدت السكان في انتفاضة ضخمة اندلعت بدايةً في شفابيا السفلى عام 1524 و سرعان ما امتدت إلى مناطق أخرى من ألمانيا .
فشلت حركة الفلاحين في نهاية المطاف بإتفاق المدن و النبلاء على صلح خاص بهم مع الجيوش الأميرية التي أعادت النظام القديم و بطريقة أكثر قساوة غالبا ، إسميا لحساب الإمبراطور الروماني المقدس شارل الخامس ، مثله في الشؤون الألمانية شقيقه الأصغر فرديناند .
المنشق الديني مارتن لوثر و الذي سبقت أدانته بالهرطقة في مؤتمر فورمس عام 1521 ، أتهم في ذلك الوقت بإثارة الصراع و رفض مطالب المتمردين و تأييده حق حكام ألمانيا بقمع الانتفاضة . و لكن تابعه السابق توماس مونتسر برز كمحرض راديكالي في تورنغن.