تأزم الوضع بين الفصائل الأفغانية المختلفة المحاربة ضد الغزو السوفيتي لأفغانستان في الثمانينات بعد النجاح في إخراج السوفييت. ثم انفجر الوضع مع بدء السباق إلى كابل عاصمة أفغانستان عام 1992 و سعي جميع الأطراف المتشاركة في الحكم إلى الإستئثار بكعكة السلطة.
من المخالف للواقع القول بأن الصراع الأفغاني كان وليد الخلافات الناشئة عن سقوط حكومة محمد نجيب الله و دخول أحمد شاه مسعود إلى كابل، و رغبة قلب الدين حكمتيار في فرض رؤيته للحكم، أو تشبث برهان الدين رباني بالسلطة، فهذا يدخل في باب تسطيح الأزمة، إذ أن الأزمة تضرب بجذروها بعيداً في الستينيات. و الصراع يضرب بجذوره في التاريخ.
و المشكلة العرقية في أفغانستان ليست شيئاً جديداً أو طارئاً، ففي بلد كأفغانستان تصبح الأزمة العرقية واقعاً حياتياً مُعاشاً.
في 1992 اقتتل المجاهدون، و قضوا بأيديهم على الشجرة التي غرسوها قبل أن تأتي بثمارها. و استمرت الحرب سجالاً بين الطرفين حتى جاءت حركة طالبان في 1996 لتفرض نفوذها على معظم البلاد. لتتحول الحرب الأهلية إلى مصادمات مسلحة متفرقة بين جماعة طالبان و جماعة تحالف الشمال.
فهرس
|
تقع أفغانستان في ملتقى الحضارات الفارسية و الهندية، كما أنها قريبة من التأثيرات التركية و المغولية، الأمر الذي أدى إلى كونها موطن أعراق متعددة.
الإثنية الأكبر عدداً في أفغانستان هي إثنية البشتون و هم قبائل محاربة من أصول فارسية غير أنهم عرق متميز يسكن أفغانستان و أجزاء من باكستان، و يتحدث اللغة البشتونية.
و كانت مدينة قندهار الأفغانية عبر التاريخ حاضرة مدن البشتون.
و العرقية التالية للعرقية البشتونية تعداداً و نفوذاً هي العرق الطاجيكي، و هؤلاء فرس يتحدثون الفارسية الدارية، و يُعد وادي بانشير قطبهم التاريخي.
و يُضم إليهم خطأ عرق آخر يعيش في أفغانستان و هم الفاراسون.
يليهم الأوزبك و هم عرق تركي يشترك في أصوله الإثنية مع سكان أوزباكستان المجاورة أفغانستان، و الهزارة و هم عرق يتحدر من أصول مغولية، و الأيمق و هم من الأعراق الفارسية.
و تقليدياً كان الحكم بيد الملوك البشتون يعاونهم في ذلك مجلس اللوياجيركة أو المجلس القبلي الكبير و الذي تسيطر عليه الإثنية البشتونية. فيما أتجهت الأقليات الأخرى إلى مزاولة أعمال أقل تأثيراً في شؤون الحكم و السلطان.
إلا أن سيطرة الملوك البشتون لم ثابتة في أفغانستان فالغزو البريطاني لأفغانستان تسبب في ظهور زعامات أخرى بين الأقليات الإثنية، و أضعف القبضة المسيطرة للملوك البشتون. و في ستينيات القرن العشرين أصبح للأقليات دور كبير، و لم تعد تقبل البقاء خارج معادلة السلطة، فظهرت بينها زعامات دينية مثل برهان الدين رباني الطاجيكي، و كانت الزعامات الدينية في أفغانستان على إتفاق كبير ضمن الجمعية الإسلامية التي أسسها نيازي عبد الرحيم.
ثم جاءت سنوات الجهاد الأفغاني ضد الغزو السوفيتي لأفغانستان فتسببت في قلب معادلات الأقلية و الأغلبية؛ إذ انسحبت نسبة كبيرة من البشتون إلى خارج أفغانستان بينما تمترست أقليات كـ الطاجيك داخلها.
و إضافة إلى التقسيم الإثني المعقد لأفغانستان فهناك أيضاً التقسيم المذهبي، و غالبية الأفغان سنة إلا أن عرقية الهزارة شيعة، و ما نسبته عشرة بالمائة من الطاجيك هم كذلك أيضاً.
كما توجد في أفغانستان طوائف إسماعيلية، و فيها نسبة من السيخ.
تحولت أفغانستان إلى الشيوعية في 1973 بسبب انقلاب السردار محمد داؤد خان رئيس الوزراء على ابن عمه الملك محمد ظاهر شاه و إعلانه الحكم الشيوعي في البلاد.
و لم يلق هذا التحول قبولاً كبيراً عند السواد الأعظم من الأفغان الذين يفتقرون إلى التعليم، و يدينون بالولاء للقبيلة لا الدولة. كما لم يحظ بقبول واسع بين الطلاب في كابول آنذاك و الذين انخرطوا في نشاطات معادية للنظام.
و كان الحكم الشيوعي في أفغانستان ممثلاً بالحزب الحاكم، حزب الشعب الماركسي الديموقراطي الذي انقسم إلى حزبي خلق (الشعب) بزعامة نور محمد طرقي و حفيظ الله أمين و بارشام (الراية) بزعامة بابراك كارمل، و انقسمت البلاد بالخلافات بين الحزبين.و لم يكن مستقراً بسبب الإنتفاضات الشعبية و الطلابية الكثيرة ضد نظام الحكم رغم اشتداده في مطاردة المتمردين. و أكبر هذه الإنتفاضات كان في نورستان.
و بعد قتل نور محمد طرقي و استيلاء حفيظ الله أمين على السلطة في 1973 لم يمر وقت طويل حتى دخل بابراك كارمل كابل على متن دبابة سوفيتية ليبدأ الغزو السوفيتي لأفغانستان و ينطلق الجهاد الأفغاني ضد هذا الإحتلال.
و كانت الجمعية الإسلامية قد انقسمت بدورها إلى الحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار و الجمعية الإسلامية بزعامة برهان الدين رباني على خلفية خلافات إثنية و سياسية.
لم يدخل الأفغان الجهاد كلحمة واحدة، و فصيل واحد، بل قاتلوا ضد السوفييت في جماعات مختلفة تتبع أحزاباً سبعة كبرى، و أحزاباً أخرى صغيرة.
و لم تكن جهود هذه الجماعات مركزة ضد السوفييت و الحكومة الشيوعية في كابل فقط، بل إن كل فصيل كان يضرب الفصيل الآخر ضربات موجعة ليضعفه. و مع دخول وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في الصراع، كان حتمياً توسع شق الخلاف بين الإخوة الأعداء.
و حين اقترب خروج السوفييت من أفغانستان أطاحت مذبحة فرخار بحكومة المجاهدين، و أعادت المفاوضات بينهم إلى نقطة الصفر.
خرج السوفييت من أفغانستان في 1989 لكنهم تركوا حكومة شيوعية قوية يقودها سياسي محنك هو محمد نجيب الله فبقي الطريق إلى كابل غير ممهد أمام المجاهدين، إذ أن الرئيس السابق للشرطة السرية خاد كان مناوراً بارعاً أقر مجموعة من القوانين لإسترضاء المجاهدين، فأعلن أن أفغانستان دولة مسلمة تخضع لقوانين الإسلام، و أمر بإيقاف مظاهر التغريب و العداء للدين و الرموز الدينية.
كما فاوض المجاهدين مستغلاً خلافاتهم الداخلية المستعرة، و لاعباً على عدة محاور في الوقت عينه، إذ أنه استفاد من الخلافات الإثنية، و المذهبية، كما حاول اغتيال بعض قادة المجاهدين، و عرض عليهم التسوية.
بقي نجيب الله يناور حتى 1992، و مع قيام الأمم المتحدة بإرسال مبعوث لها هو بينون سيفان للتوفيق بين المجاهدين و الحكومة في صيغة تقاسم للسلطة، فإن نظامه حصل على دعم إضافي، غير أن تمرد أحد جنرالاته و هو الجنرال عبد المؤمن و استيلائه على سامنغان و قيامه بقطع الإمدادات عن كابل أدى إلى قلب المقاييس؛ إذ أن أحمد شاه مسعود استغل هذه الفرصة و قام بدعم تمرد الجنرال عبد المؤمن، كما واصل اتصالاته داخل النظام، و استفاد أيضاً من تمرد الجنرال عبد الرشيد دوستم الأمر الذي مهد له وحده الطريق إلى كابل.
غير أن مسعود لم يكن صاحب الإتصالات الوحيد داخل النظام فقلب الدين حكمتيار كانت له حساباته أيضاً، و الولايات المتحدة الأمريكية و باكستان لهم حساباتهم الخاصة.
و أخيراً، اتفق المجاهدون على صيغة لدخول كابل فيكون صبغة الله مجددي رئيساً لمدة شهرين، يليه في الرئاسة برهان الدين رباني أربعة أشهر، و تذهب رئاسة الوزراء إلى قلب الدين حكمتيار و وزارة الدفاع إلى أحمد شاه مسعود.
دخل المجاهدون كابل أخيراً، و احتل المسلحون العاصمة الأفغانية التي كانت حاضرة التمدن، و تضخمت الخلافات بين أطراف الحكومة مع تمسك برهان الدين رباني بالسلطة، و رفض قلب الدين حكمتيار الدخول إلى كابل و قبول صيغة التراضي، كما تضخمت خلافاته مع أحمد شاه مسعود بشأن تسليح الفصائل، و سيطرة وزارة الدفاع على كابل.
وصلت الخلافات إلى نقطة مسدودة، فبدأ قلب الدين حكمتيار يعاونه عبد الرشيد دستم في قصف كابل الأمر الذي أدى إلى تدميرها، و ردت عليهم قوات أحمد شاه مسعود فانفجرت الحرب الأهلية الأفغانية مخلفة الدمار الهائل الذي لا تزال أفغانستان تعاني منه إلى اليوم، و التمزق العرقي الشديد غير القابل للرفو.
كان طلاب العلوم الدينية البشتون القادمون من قندهار إحدى الجماعات التي قاتلت ضد السوفييت في أفغانستان، و مع انفلات البلاد الأمني، و غياب القانون في ظل الحرب بين الإخوة الأعداء استولى رجال طالبان على ولاية قندهار و فرضوا فيها قوانينهم الأصولية، ثم واصلوا زحفهم باتجاه كابل للإستيلاء عليها.
حاول أحمد شاه مسعود التفاوض معهم بعد بروزهم كقوة سياسية و عسكرية كبرى مدعومة من باكستان و السعودية و خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن طالبان اتهمته بالغدر برجالها، و اتهمها هو بمحاولة قتله. و من البديهي أن تلك المفاوضات فشلت لاختلاف الأرضية الفكرية بين الفريقين، و كذلك للخلافات العرقية.
دعم قلب الدين حكمتيار و عبد الرشيد دوستم حركة طالبان في البداية، لكن طالبان سرعان ما انقلبت على رفاقها، فطاردتهم، و حاولت اغتيالهم، الأمر الذي أدى بحكمتيار إلى التحالف مع مسعود في اللحظة الأخيرة. التحالف الذي فشل، و انتهى بهروب حكمتيار إلى إيران، و عبد الرشيد دوستم إلى أوزباكستان، و بقية قادة المجاهدين إلى الخارج، و إنسحاب أحمد شاه مسعود إلى وادي بانشير حيث تحصن ضد طالبان ليبدأ قتاله ضدها.
لم يكن إستيلاء طالبان على السلطة في 1996 نهاية معاناة الأفغان من الحرب الأهلية، فنظام طالبان الأصولي المتطرف نكل بالمواطنين تحت سيطرته، و استعدى المجتمع الدولي، كما زاد من الخلافات الإثنية.
و لم يهدأ أعداء طالبان فبعد عودة عبد الرشيد دوستم، و خروج إسماعيل خان من السجن، و استقرار برهان الدين رباني و عبد رب الرسول سياف، عقد القادة المنفيون حلف الجبهة المتحدة أو تحالف الشمال، و استمروا في قتال طالبان التي بدأت بخسارة حلفائها واحداً واحداً.
و لم يساهم استقرار تنظيم القاعدة في أفغانستان في التخفيف من حدة الحرب الأهلية، بل جعل ذلك الأفغان العرب جزءاً من هذه الحرب البشعة و المدمرة.
انتهت الحرب الأهلية الأفغانية رسمياً بـ الغزو الأمريكي لأفغانستان على خلفية أحداث 11 سبتمبر، و مجيء حكومة جديدة بتدخل أمريكي مباشر في 2001، لكن شأفة طالبان و الخلافات الإثنية في أفغانستان لم تُستأصل.
أحمد شاه مسعود قُتل، ملا عمر مفقود، قلب الدين حكمتيار مفقود، قادة المجاهدين بين شريد و قتيل، و الأهم من ذلك، الشعب الأفغاني الذي لم يستعد حياته الطبيعية إلى الآن، و لا زال يرزح بين قتيل و شريد بعد خمس سنوات من حكم الديموقراطية الأمريكية التي لم تستطع إبعاد شبح طالبان و المواجهات الدامية بين الأفغان، كما أبقت أفغانستان رهن تجاذبات اللاعبين الكبار في السياسة الدولية.
الجهاد الأفغاني
الجمعية الإسلامية
الحزب الإسلامي
حركة طالبان
الغزو السوفيتي لأفغانستان
الغزو الأمريكي لأفغانستان
صبغة الله مجددي
برهان الدين رباني
قلب الدين حكمتيار
أحمد شاه مسعود
عبد الرشيد دوستم