تفاعل بيلـوزوڤ-زابوتينسكـي Belousov-Zhabotinsky reaction، المعروف اختصارا بـBZ reaction، هو نوع من أنواع التفاعلات الكيميائية التي تحدث خارج حالة التوازن في التحريك الحراري Non-equilibrium thermodynamics. و هي تنتج عن متأرجح كيميائي لا خطي Nonlinear chemical oscillator، أي أن تركيز المواد الوسيطة و المحفزات الداخلة في النظام الكيميائي تقوم بالتأرجح بصفة دورية Periodic oscillation خلال المكان و الزمن قبل الدخول في حالة التوازن النهائية (و هو ما يعبر عنه في الرياضيات بالتَشَعُب Bifurcation).
التفاعل الأساسي، و الذي يحمل اسم هذه الظاهرة، هو تأكسد حمض المالونيك Malonic acid من قبل البرومات -BrO3 محفزا بزوج أيونات السيريوم + Ce4 + / Ce3 في وسط مائي [1]. يكتسي تفسير هذا التفاعل المعقد نسبيا، أهمية نظرية في مجالي الكيمياء و علم الأحياء، حيث يقدم نموذجا للنظم البعيدة عن التوازن مثل ضهور الأشكال ذاتية التعضية Self-Organization و ظاهرة التفاعل و الإنتشار Reaction-diffusion الشائعة في البنى الأحيائية الفضائية [2] .
فهرس
|
في الخمسينات من القرن الماضي، كان الكيميائي الروسي بوريس باڤلوڤيتش بيلوزوڤ Boris Pawlowitsch Beloussow مهتما بـدورة حمض الستريك الأحيائية Citric acid cycle، و هي مجموعة تفاعلات كيميائية مركزية في الإستقلاب الخلوي، و كان يدرس خاصة دور حمض الستريك الذي يشكل نقطة الرجوع في هذه الدورة، حيث يتأكسد هذا الأخير بواسطة تحفيز إنزيمي لينتج وسيط الايزو-سيترات Isocitrate. في إطار ذلك أراد بيلوزوڤ تقدير كمية حمض الستريك في وسط عضوي باستعمال عامل مؤكسد ألا وهو برومات البوتاسيوم KBrO3. و بما أن التفاعل كان بطيئا جدا أضاف كمية من كبريتات السيريوم Cerium(IV) sulfate، كمحفز فلزي، لتسريع العملية. و هنا لاحظ بالصدفة أن الوسط التفاعلي يتغير لونه بصفة دورية و مستمرة. قرر بيلوزوڤ توجيه مجهوداته لدراسة هذه الظاهرة، بتسوية كمون الهيدرجين pH و ذلك بمحلول ضعيف التركيز من حمض الكبريتيك و إضافة الحديدين Ferroïn كمؤشر لوني لتغير تركيز البرومات [3] . و تحصل بذلك على محلول يتغير لونه بصفة دورية و على منوال متتابع من اللون الأحمر إلى اللون الأزرق، بفاصل زمني يقدر بحوالي 75 ثانية. فشل بيلوزوڤ في نشر بحوثه لعدم إقتناع الممتحنين بوجود تأرجح كيميائي، لأنه يخرق بذلك القانون الثانـي للتحريك الحراري و الذي ينص على أن تطور أي نظام كيميائي تلقائي يترافق مع إرتفاع في إنتروبية الكـون. و من المعروف، في أي تفاعل كيميائـي كلاسيكي، أن تركيز المتفاعلات Reactants ينخفظ بصفة متصلة بينما يرتفع عكسيا تركيز المنتجات Products للوصول إلى حالة التوازن النهائية. و أمام هذا الرفض عدل بيلوزوڤ عن هذه الدراسة و ذلك بعد أن نشر مقالة مختصرة في دورية روسية عادية تحت عنوان التفاعلات الدورية و آلياتها [4].
وفي سنة 1961، أثارت دراسة بيلوزوڤ إهتمام عالم الفيزياء الحيوية الروسي أناتولي ماركوڤيتش زابوتينسكي Anatoli Markowitsch Zhabotinsky، فقام باعادة التفاعل مع تغيير حمض الستريك بحمض المالونيك بناء على نصيحة أستاذه. و بالإحتفاظ بنفس الضروف الأخرى، توصل زابوتينسكي لتحقيق تأرجح كيميائي زمني أفضل و أكثر وضوحا من سابقه. و خلال سكبه للمحلول على شكل غشاء رقيق لا يتعدى سمكه 1 ميليمتر لاحظ زابوتينسكي تكون تشكيلات معقدة في شكل أمواج مستديرة مشتركة المركز أو حلزونية ملتفة [5].
ضل تفاعل بيلوزوڤ-زابوتينسكي في تلك الفترة مجرد ظاهرة عجيبة و مثيرة للتساؤلات. وفي سنة 1972، توصل ثلاثة باحثين، من جامعة أوريغون، وهم فيلد R. J. Field و نوييس R. M. Noyes و كوروس E. Körös إلى تفسير آلية التفاعل بواسطة نموذج معقد مكون من 18 تفاعلا متسلسلا يتدخل فيها 21 نوعا كيميائيا مختلفا. إضافة إلى ذلك، إقترح ثلاثتهم شكلا نظريا مبسطا للتفاعل مكون من خمس مراحل سمي "الأوريغوناتور" Oregonator، على اسم الجامعة التي ينتمون إليها [6].
وكانت كتاب الأسس الكيميائية للتشكل الحيوي The chemical basis of morphogenesis الذي نشره الرياضي الشهير آلان تورنج سنة 1952، يتنبأ بإمكانية ضهور البنى المعقدة عند التشكل الجنيني بواسطة مواد كيميائية، سماها تورنج بالمشكلات Morphogens، تنتشر و تتفاعل لتغير خاصية الفضاء الأحيائي المحيط بها [7].
إسترعى نموذج تورنج الرياضي إنتباه إيليا بريغوجين Ilya Prigogine و غريغوار نيكوليس Gregoire Nicolis، من جامعة بروكسل الحرة، اللذان قاما بتعديله ليضهر أن بعض التفاعلات الكيميائية البعيدة عن حالة التوازن في التحريك الحراري، مثل تفاعل بيلوزوڤ-زابوتينسكي، يمكن أن تنتج نظما فضائية معقدة ذاتية التعضية [8]. و سمي هذا النموذج بنفس الطريقة "البروكسيلاتور" Bruxellator.
واصل زابوتينسكي و معاونوه في جامعة بوسطن، أبحاثهم حول التشكيلات الفضائية المعقدة التي يضهرها التفاعل، و تبين أنها موجات كيميائية Chemical waves تتصرف فيزيائيا مثل موجات الصوت أو الضوء من خلال الإنعكاس و الإنكسار على وسط غروي [9].
يمكن الحصول على تفاعل بيلوزوڤ-زابوتينسكي بالطريقة التالية : [10]