الرئيسيةبحث

تاريخ القاهرة

تعد مدينة القاهرة من أكثر مدن الشرق التي استأثرت بالكتابة والتأريخ حيث أطلق عليها لقب " جوهرة الشرق " ، نظرا لأن عمر القاهرة يزيد على الألف عام بكثير .

لوحة للقاهرة من رسم جيروم
لوحة للقاهرة من رسم جيروم

فقد عرفت أجزاء من القاهرة الحالية في العصر الفرعوني باسم من نفر أى المدينة الجميلة وضاحيتها مدينة الشمس ( بالهيروغليفية : أون ). وتعتبر عاصمة مصر الموحدة منذ أن وحدها الملك نارمر منذ 3200 سنة ق.م.

فهرس

حصن بابليون

فشواهد التاريخ تؤكد أن مكان هذه المدينة كان عاصمة لمصر في أغلب فترات تاريخها ، ففي تاريخ مصر الممتد عبر حوالي 50 قرنا كانت القاهرة بمعناها الواسع هي عاصمة مصر، إذ يرجع البعض اتخاذ القاهرة عاصمة إلى سنة 98 ميلادية عندما بني حصن بابليون الذي ما تزال بقاياه موجودة حتى الآن ، حيث أقيم هذا الحصن للدفاع عن الوجهين القبلي والبحري .

بقايا حصن بابليون
بقايا حصن بابليون

الفسطاط

وعندما جاء عمرو بن العاص لفتح مصر أقام عاصمته الإسلامية الجديدة الفسطاط بالقرب من ذلك الحصن ، والتي كانت تعرف بمدينة مصر ، والمعروف أن نشأة الفسطاط كان على غرار المدن التي ينشئها سكان البادية ، فكانت أشبه بالحضر البدوي وكانت تشبه إلى حد كبير تخطيط المدينة المنورة ، حيث حدد مخططوها - الذين لم يكن بينهم مهندس - مواقع لكل قبيلة من تلك القبائل التي شاركت في الفتح.

وكان تنسيق الفسطاط يقوم على إعطاء كل قبيلة قطعة من الأرض تقيم فيها مساكنها ويفصل بينها وبين غيرها مساحة من الأرض الفضاء التي طواها فيما بعد التوسع العمراني الذي زحف على هذه الفراغات ، ويلاحظ أن العرب المسلمين الفاتحين تركوا مساحة بينهم وبين النهر كانت تسرح فيها دوابهم ، كانت تسمى ( المراغة ) ، يقول مؤرخ مصر الكبير ابن عبد الحكم ، "وقد كان المسلمون حين اختطوا تركوا بينهم وبين البحر ( النيل ) والحصن ( بابليون ) فضاء لتفريق دوابهم وتأديبها" ، وظلت الفسطاط حتى أحرقها الوزير الفاطمي شاور عند قدوم حملة أموري الصليبية.

تعتبر مدينة الفسطاط وجامع عمرو أول أثرين إسلاميين بمصر وأفريقيا ويرمزان لمرحلة محورية بل بداية عصر بكامله هو العصر الإسلامي. وكانت الإسكندرية عاصمة مصر منذ بناها الإسكندر الأكبر عام ( 332 ق.م ) مرورا بالإغريق البطالمة والرومان والبيزنطيين الروم. و كان عمرو بن العاص بين أمرين هما لو أبقي علي الإسكندرية كعاصمة فوجوده بها سيجعله معرضا من البحر لأي غزو وهذا ماحدث فعلا عندما غزا البيزنطيون المدينة من البحر بإسطولهم عام (646 م) . والأمر الثاني الذي جعله يختار مكان الفسطاط أنه بالإسكندرية سيكون بعيدا عن المدينة المنورة عاصمة الخلافة الإسلامية مما يصعب نجدته. وكان قرار الخليفة عمر لعمرو بعدم عزل القوات بمانع مائي وهو الفيضان والنيل وعدم سكناها المدن حتي لايتقاعسوا عن مواصلة الفتح. لهذا إختار ابن العاص هذا المكان الصحراوي الذي يعتبر عسكريا موقعا إستراتيجيا شمال حصن بابليون وأقام فيه مدينة الفسطاط عام ( 21هـ – 641 م ) فوق عدة تلال يحدها جبل المقطم شرقاوخلفه الصحراء التي يجيد فيها العرب الكر والفر والحرب والنيل غربا ومخاضة بركة الحبش جنوبا وهما مانعان طبيعيان. شيد عمرو بن العاص مدينة الفسطاط كمدينة-حصن وبها حصن بابليون لتكون مدينة للجند وأقام بها المسجد الجامع مسجد عمرو بن العاص أول مسجد أقيم بمصر الإسلامية وبجواره دار الإمارة.

العسكر

ثم تطورت هذه العاصمة بإنشاء مدينة العسكر التي يعد موقعها الحالي منطقة ( زينهم ) التي أقامها صالح بن علي أول وال للعباسيين في مصر سنة ( 133 هـ - 750 م ) وكانت في البداية مقصورة على الجنود العباسيين ، ولعل هذا السبب الذي جعل الناس يطلقون عليها العسكر ، واستمر ذلك الحال حتى جاء السري بن الحكم واليا على مصر عام (201 هـ - 816 م ) فأذن للناس بالبناء فتهافت الناس على البناء بالقرب من مقر الحكم ونمت المدينة حتى اتصلت بالفسطاط.

صورة لمنطقة القلعة في القاهرة
صورة لمنطقة القلعة في القاهرة

القطائع

ثم نشأت القطائع التي ابتناها أحمد بن طولون سنة ( 256 هـ - 869 م ) مؤسس الدولة الطولونية التي استمرت 38 عاما ، وسميت بهذا الاسم لأن "ابن طولون" قطع الأراضي فيها ومنح كل قطيعة ( وهي تشبه الشارع أو الحارة في عصرنا الحالي ) إلى طائفة من القوم ، فكانت هناك "قطيعة النوبة" و"الروم" وغيرهما ، وازدهرت "القطائع" في عهد "ابن طولون" وابنه "خمارويه"، وأقام فيها "ابن طولون" جامعه الشهير الذي ما زال قائما حتى الآن، ثم تعرضت المدينة للتخريب بعد هزيمة "الطولونيين" أمام العباسيين عند "تنيس" سنة ( 292 هـ - 904 م ) ، وذكر بعض المؤرخين أنه أحرق بها حوالي مائة ألف بيت ، يقول المقريزي "إن القطائع قد زالت آثارها ولم يبق لها رسم يعرف".

انشاء القاهرة في العصر الفاطمي

القلعة كما تبدو من القاهرة القديمة
القلعة كما تبدو من القاهرة القديمة

ولم تطل الحياة بالمعز في القاهرة ليشهد ثمار ما أنجزته يداه، وكان أول خليفة فاطمي يحكم دولته من القاهرة، عاصمته الجديدة.

وقد قامت القاهرة بعد ذلك بدورها القيادي حتى بعد سقوط الدولة الفاطمية في الوقوف أمام المد الصليبي وهجمات المغول.

أما القاهرة فهي المدينة التي أنشأها القائد الفاطمي جوهر الصقلي سنة ( 358 هـ - 969 م ) شمالي مدينة الفسطاط وبناها في ثلاث سنوات وأطلق عليها اسم "المنصورية" ثم جاء الخليفة المعز لدين الله الفاطمي في 7 رمضان 362هـ= 11 يونيو 972م، وجعلها عاصمة لدولته، وسماها "القاهرة" وهو اسمها الحالي ، و أقام في القصر الذي بناه جوهر، وفي اليوم الثاني خرج لاستقبال مهنئيه وأصبحت القاهرة منذ ذلك الحين مقرا للخلافة الفاطمية، وانقطعت تبعيتها للخلافة العباسية و شهدت القاهرة أزهي أوقاتها أنذاك من الازدهار بحكم كونها عاصمة للدولة الفاطمية و كانت مساحتها على حوالي 340 فدانا،و شرع في تأسيس الجامع الأزهر وأحيطت العاصمة بسور من الطوب اللبن وجعل له أبوابا في جهاته المختلفة من أشهرها باب زويلة وباب النصر وباب الفتوح.

وفي نهاية حكم الفاطميين شهدت مدينة الفسطاط الحريق علي أيدي الصليبيين أيام الخليفة العاضد عندما بلغوها بمراكبهم بالنيل وأسروا ونهبوا بقيادة الملك عموري ( أمالوريك ) عام ( 564 هـ – 1168 م ) ، فقد أمر وزيره بجمع العبيد وإحراق مدينة الفسطاط. ونزح الأهالي للقاهرة خوفا وهلعاونزلوا بالحمامات والأزقة والمساجد. وظل الحريق بالفسطاط طيلة 45 يوما . واصبحت الفسطاط بعد الحريق مدينة أشباح خاوية علي عروشها عدة قرون وفقدت أهميتها كعاصمة للمال والتجارة والصناعة ولم يبق منها سوي مسجد عمرو بن العاص والذي أنقذ من الحريق بإعجوبة. أو كما يقول المقريزي "أصبحت كيمان".

وعندما انتهت "الدولة الفاطمية" على يد صلاح الدين الأيوبي سنة ( 567 هـ - 1171 م )، وأقام مكانها الدولة الأيوبية التي استمرت 82 عاما حتى عام ( 648 هـ - 1250 م ) أنشأ فيها أبنية جديدة فزادت اتساعا، ولعل أهم ما أنشأه كان "قلعة الجبل" لتكون حصنا له يعتصم به من أعدائه الداخليين والخارجيين، وقد وكل عمارتها إلى بهاء الدين قراقوش، كما بنى سورا جديدا للقاهرة سنة ( 572 هـ - 1176 م ) ، وبنى قناطر الجيزة، غير أنه توفي قبل أن يكمل بعض هذه المباني الضخمة، وقد استخدم "قراقوش" الصليبين في بناء القلعة والسور، وأول خريطة يعتد بها للقلعة جاءت مع "الحملة الفرنسية" أي بعد بناء القلعة بحوالي ستمائة عام.

مسجد الحكيم في القاهرة
مسجد الحكيم في القاهرة


أما "الدولة المملوكية" التي بدأت سنة (648 هـ - 1250 م ) فقد شهدت اتساعا في "القاهرة" فأنشأت عددا من الآثار والتي ما تزال قائمة حتى الآن ، وأنشأت بعض المناطق الجديدة مثل ما يسمى حاليا باب اللوق التي سكنها عدد من فرسان التتر الذين أسلموا وبني عدد من المساجد والأسبلة، إلا أن عهد السلطان محمد بن قلاوون كان الأبرز في العمارة المملوكية.

قامت الفسطاط لتكون عاصمة ولاية تابعة للمدينة المنورة وقامت مدينة العسكر لتكون عاصمة إقطاعية مصر التابعة لبغداد وقامت مدينة القطائع لتكون عاصمة دولة مصر الطولونية. لكن قاهرة المعز قامت لتكون عاصمة خلافة مستقلة هي الخلافة الفاطمية. وهذه العواصم الأربعة قامت غرب المقطم بشرق النيل.


باب زويلة في القاهرة القديمة

ضريح من القاهرة المملوكية

القاهرة في فترة الاحتلال العثماني

أما "القاهرة" في الدولة العثمانية التي بدأت في مصر بعد هزيمة المماليك في معركة الريدانية سنة ( 923 هـ - 1517 م ) فقد بدأت تشهد عصرا جديدا، كذلك الحملة الفرنسية على مصر سنة ( 1213 هـ - 1798 م ) التي استمرت ثلاث سنوات والتي رسمت خرائط مهمة للقاهرة إضافة إلى عدد كبير من الرسوم التي تصور الحياة في تلك المدينة، والتي ضمها كتاب " وصف مصر " .

القاهرة في عصر أسرة محمد علي

وتأتي القاهرة في عصر أسرة محمد علي لتشكل ملمحا جديدا ما زال كثير من آثاره باقية حتى الآن ، والذي بدأ من سنة ( 1220 هـ - 1805 م ) حتى قيام حركة الضباط في يوليو 1952 م حيث بلغت درجة كبيرة في الاتساع في عهد الخديوي إسماعيل ووصلت مساحتها إلى ألف فدان كما يذكر علي مبارك في خططه ، حيث أضيف إلى المدينة حي الإسماعيلية ( التحرير حاليا )، وفي سنة ( 1265 هـ - 1849 م) بدأت المدينة تشهد بعض مشاريع البنية الأساسية ، مثل مشروع توزيع المياه باستعمال المواسير وتوزيعها داخل البلد ، وبعض مشاريع الإضاءة ، ويعد محمد علي باشا أول من أدخل العمارة الغربية إلى "القاهرة" ، فأحضر بعض المهندسين الغربيين وبنوا له سراي القلعة وسراي شبرا وسراي الأزبكية ، ثم بنى ابنه إبراهيم باشا قصر القبة، وفي عهد الخديوي إسماعيل أنشئ كوبري قصر النيل، وأنشئت حديقة الحيوان على مساحة 30 فدانا، وعدد من السرايات منها سراي عابدين ، كما رصفت بعض الطرق ومدت خطوط السكك الحديدية والهاتف وأنشئت المدارس الحديثة.

قاهرة القرن العشرين

أما القاهرة في عهد الثورة وما جاء بعدها حتى الآن فقد شهدت تطورات كبيرة ، فزادت مساحتها بدرجة كبيرة وأضيفت إليها أحياء ومدن جديدة تزيد مساحة بعض هذه المدن عن 400 كيلومتر مثل مدينة السادس من أكتوبر ، كما شهدت زيادة كبيرة في عدد الكباري ، و ازدياد خطوط مترو الأنفاق ، وازداد عدد سكانها. وما زال التاريخ يسجل أحداث القاهرة في الزمان والمكان. [1]



مصادر