Cremona كريمونا ، مدينة إيطالية بإقليم لومبارديا شمال البلاد ، و عاصمة مقاطعة كريمونا عدد سكانها 70.883 نسمة . تقع على الضفة اليسرى لنهر بو .
ذكرت كريمونا لأول مرة في التاريخ كمستوطنة لقبيلة االسينومانيين الغالية (السلتية) التي وصلت إلى وادي بو حوالي سنة 400 قبل الميلاد . و مع ذلك فالأرجح أن اسم كريمونا قد أطلقه مستوطنون أقدم . في عام 218 ق.م حصـّنها الرومان كنقطة حدودية (مستعمرة) شمال البو . و قد تأسست كريمونا و بلاسنتيا القريبة (بياشنسا الحالية جنوب البو) في العام نفسه ، كقواعد إختراق في ما أصبح مقاطعة الألب الغالي الرومانية . نمت كريمونا بسرعة حتى صارت إحدى أكبر المدن في شمال إيطاليا و كانت على طريق بوستوميا الرئيسي الرابط بين جنوا و أكويليا . زوّدت يوليوس قيصر بالقوات و انتفعت من حكمه ، بيد أنها لاحقاً أيّدت ماركوس يونيوس بروتوس و مجلس الشيوخ في صراعهما مع أوغسطس الذي انتصر في عام 40 ق.م ، و صادر أراضي كريمونا و وزّعها على رجاله . و قد فقد الشاعر الشهير فيرجيل الذي ذهب إلى المدرسة في كريمونا مزرعته الموروثة ، و لكنه استعادها فيما بعد . استمر إزدهار المدينة المتزايد حتى عام 69 ، لـمّا دُمـّرت في معركة بدرياكوم الثانية من قبل قوات فيسباسيان الذي يقاتل ليكون إمبراطوراً ضد خصمه فيتيليوس . أعيد بناء كريمونا بمساعدة فيسباسيان نفسه ، و لكنها فيما يبدو فشلت في استعادة إزدهارها السابق فاختفت من التاريخ حتى القرن السادس ، عندما برزت من جديد كنقطة عسكرية حدودية لصالح الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) خلال الحرب القوطية .
لمّا غزا اللومبارديون أغلب الأراضي الإيطالية في النصف الثاني من القرن السادس ظلت كريمونا معقلاً بيزنطياً تابعاً لإكسرخسية رافينا . اتسعت المدينة نحو الشمال الغربي بإقامة معسكر مخندق كبير خارج الأسوار . ظفر بها ملك اللومبارديين أجيلولفو في عام 603 و دُمّرت مرة أخرى . و تم تقسيم أراضيها بين دُوقيتي بريشا و بيرغامو . و لكن زوجته الملكة تيودوليندا الكاثوليكية المتدينة و العازمة على تنصير شعبها ، أعادت بناء كريمونا في عام 615 و نـَصـّبَت أسقفاً عليها . أُحكمت شيئاً فشيئاً سيطرة الأساقفة على المدينة و الذين صاروا لاحقاً مـُقـْطـَعين من طرف الإمبراطورية الرومانية المقدسة بعد استيلاء شارلمان على إيطاليا . هكذا عززت كريمونا باطراد من قوتها و ازدهارها و لعب بعض أساقفتها أدواراً هامة بين القرنين العاشر و الحادي عشر . فقد كان الأسقف ليوتبراندو الكريموني عضواً في البلاط الإمبراطوري تحت حكم السلالة الساكسونية ، و تحصل الأسقف أولديريكو على امتيازات قوية لمدينته من الإمبراطور أوتو الثالث . انتعش اقتصادها بإنشاء ميناء نهري خارج الحصن البيزنطي السابق .
تنازعا الأسقفان لامبرتو و أوبالدو مع أهل المدينة . و حسم الإمبراطور كونراد الثاني الخلاف بدخوله كريمونا في عام 1037 مع البابا الشاب بينيدكتوس التاسع .
في عهد هنري الرابع ، رفضت كريمونا دفع الضرائب الجائرة التي طلبها الإمبراطور و الأسقف . و وفقا للأسطورة ، فإن غونفالونييري المدينة الأكبر جوفاني بالديزيو انتصر على الإمبراطور نفسه بالمبارزة فوفـّر على المدينة دفع كرة ذهبية يقارب وزنها ثلاثة كيلوغرامات كانت تقدمها سنويا للإمبراطور ، و قـُدمت بدلاً من ذلك هذا العام مهراً لزواجه من مخطوبته بيرتا . و بعد بضعة سنوات ، خلـّد شعار المدينة هذه الحادثة ، حيث ظهر ذراع بالديزيو حاملاً الكرة الذهبية الضريبة ، مع عبارة "قوتي في ذراعي" باللاتينية.
دخلت كريمونا تحالفاً عسكرياً معادياً للإمبراطورية تقوده الكونتيسا ماتيلدي التي لها العديد من مناطق النفوذ عبر وادي البو ، و ضمّ التحالف أيضاً لودي و ميلانو و بياتشنسا . و انتهى الصراع بأن أقسم الإمبراطور هنري الرابع على الطاعة للبابا أوربانوس الثاني سنة 1098 . و بـِوَهـب كريمونا المنطقة المحيط بمدينة كريما القريبة (Insula Fulcheria) كأراضٍ تتبعها ، أُعلنت كريمونا بلديةً حرة ، وأصبحت إحدى أغنى و أقوى و من أكثر المدن سكاناً شمال إيطاليا.
و منذ ذلك الحين ، تحاربت البلدية الجديدة مع المدن القريبة لتوسيع أراضيها . في عام 1107 استولت كريمونا على تورتونا ، و لكن جيشها هـُزم هزيمة كبيرة بعد أربع سنوات قرب بريسانورو . و كما حدث في العديد من المدن الإيطالية الشمالية ، انقسم الشعب ضمن الحزبين المتناحرين ، الغويلفيون الذين كانوا أقوى في المدينة الجديدة و الغيبلينيون الذين اتخذوا المدينة القديمة قاعدة له . كان الصراع محتدماً بين الفصيلين حتى أن الغويلفيين بنوا قصراً بلدياً آخر ، قصر تشيتانوفا (قصر المدينة الجديد) و الذي لا يزال قائماً .
عندما هبط فريدريك بربروسا إيطاليا لتأكيد سلطته ، وقفت كريمونا إلى جانبه طمعاً في مساندته ضد كريما و التي تمردت بمساعدة ميلانو . بعد الانتصار أكسبها موقفها الموالي للإمبراطور الحق في سك عملتها الخاصة عام 1154 .
في عام 1162 هاجمت قوات إمبراطورية و كريمونية ميلانو و دمـّرتها . و لكن المدينة غيرت موقفها و انضمت إلى الرابطة اللومباردية عام 1167 . و في يوم 29 مايو 1176 كان جنودها جزءاً من الجيش الذي هزم بربروسا في معركة لنيانو . غير أن الوضع لم يستمر على حاله . ففي سنة 1213 بكاستيليوني هزمت القوات الكريمونية رابطة ميلانو و لودي و كريما و نوفارا و كومو و بريشا . و تحالفت كريمونا عام 1232 مع الإمبراطور فريدريك الثاني الذي كان يحاول إعادة بسط سلطان الإمبراطورية على شمال إيطاليا . و كان الكريمونيون مع الفريق الفائز في معركة كورتينووفا . كثيراً ما كان فريديريك يعقد بلاطه في المدينة . و لكن الغيبلينيين تكبدوا هزيمة ثقيلة في معركة بارما و أُسر أكثر من ألفي كريموني . بعد عدة سنوات ثأرت كريمونا لنفسها بانتصارها على جيش بارما . و استولى جيشها بقيادة أومبيرتو بالافيتشينو على عربة بارما (الكاروتشو) و أبقوا سراويل العدو معلقة من سقف الكاتدرائية لعدة قرون كإشارة على إذلال الغريم .
أصبح التروبادور لوكيتو غاتيلوزيو في سنة 1301 بودستا كريمونا . وخلال هذه الفترة ازدهرت كريمونا و وصل عدد سكانها إلى 80000 ، مقابل 69000 عام 2001.
بطـرد باللافيتشينو من كريمونا في الأول من نوفمبر عام 1266 ، سقطت الحكومة الغيبلينية ، و تخلى خليفته الغيبليني بووزو دا دوفارا عن السلطة إلى جمعية السلام و الإيمان المتكونة من مواطنين ، و التي أمسكتها حتى 31 ديسمبر 1270 ، حين استحدث منصب زعيم الشعب (Capitano del Popolo) . في 1276 آلت السنيوريا (السيادة) إلى الماركيز كافالكابو كافالكابو و الذي خـَلـَفـَه ابنه غولييلمو كافالكابو في سنة 1305 و استمر ماسكاً للسلطة حتى عام 1310 . أُنشاءت خلال هذه الفترة العديد من المباني أو تم تجديدها بما في ذلك برج توراتسو و كنيسة سان فرانشيسكو الرومانسكية و أجنحة الكاتدرائية و إيوان ميليتي . كما أُعطيت الزراعة دفعة بشبكة قنوات جديدة .
ابتداء من عام 1311 تبادل آل كافالكابو السيادة مع سادة من عائلات غويلفية من خارج كريمونا . كان من بينهم الغيبليني هنري السابع في عام 1311 ، و جيلبرتو دا كوريدجو في عام 1312 ، و روبيرتو دي بوليا في عام 1313 . بانتهاء سيادة جاكومو كافاكابو في 29 نوفمبر 1322 ، دخلت على المشهد عائلة لومباردية أخرى ذات نفوذ و هي آل فيسكونتي من خلال غالياتسو الأول ، و قد أثرت هذه العائلة في تاريخ المدينة للمائة و الخمسين عاماً المقبلة.
انقطعت سيادة عائلة فيسكونتي من قبل : لودفيش البافاري في عام 1327 ، و يانغ كونت لوكسمبورغ في عام 1331 ، و عادت لآل كافالكابو عام 1403 . في 25 يوليو 1406 ، قـَتل كابرينو فوندولو قائد قوات أوغولينو كافالكابو بالخديعة ذكور أسرة كافالكابو ، و تولى السيادة على كريمونا . و لمّا ظهر أنه غير قادر على القيام بأمور السلطة ، تنازل عن كريمونا لآل فيسكونتي مقابل دفع 40،000 فلورين ذهبي ، و انسحب إلى كاستليوني .
و هكذا أقام فيليبو ماريا فيسكونتي سيادته الوراثية . أصبحت كريمونا جزءاً من دوقية ميلانو ، تابـِعةً مصيرها حتى توحيد إيطاليا . شهـِدت كريمونا تحت حـُكم آل فيسكونتي و ثم آل سفورزا تطوراً ثقافياً و دينياً عالياً . في سنة 1411 صار قصر تشيتانوفا مقراً لجامعة تجار الفستيان . أُختيرت في سنة 1441 للإحتفال بزفاف فرانشيسكو الأول سفورزا و بيانكا ماريا فيسكونتي في معبد بناه البنيدكتيون و الذي هو اليوم كنيسة سان سيجيسموندو التي بنيت بعد ذلك بقليل . و بتلك المناسبة ابتكرت حلوة جديدة و التي تحولت لاحقاً إلى حلوى التوروني الشهيرة . ساند لودوفيكو سفورزا إنشاء أعمال عديدة للكاتدرائية و كنيسة سانت أغاتا و القصر البلدي .
في عام 1446 طـُوِقت قوات الكوندوتييريين فرانشيسكو بيتشينينو و لويجي دال فيرمي كريمونا . و رفع الحصار بعد وصول سكاراموتشا دا فورلي من البندقية .
كانت كريمونا من عام 1499 إلى 1509 تحت سيطرة البنادقة . جعلها انتصار الرابطة الإيطالية في معركة أنياديلو تعود إلى دوقية ميلانو . بيد أن هذه الأخير سُلـّمت لإسبانيا بموجب معاهدة نويون (1513). و لم تسقط كريمونا في يد الحكام الجدد إلا في عام 1524 باستسلام قلعة سانتا كروشي . و أخيراً طـُرد الفرنسيون من الدوقية بعد عامين ، مع معاهدة مدريد ، و لاحقاً ظلت كريمونا طويلاً تحت السيطرة الأجنبية . و لم يمنع هذا من مواصلة التزيينات مثل إيوان سقيفة الكاتدرائية من قبل لورينزو تروتي (1550) أو كنيسة سان سيرو الجديدة من قبل أنطونيو جالديني (1614).
كان الحكم الإسباني متوسطاً . عجز عن مواجهة المجاعة عام 1628 و الطاعون عام 1630، و بعد احتلال فرنسي قصير الأمد في عام 1701 خلال حرب الخلافة الإسبانية ، انتقلت إلى النمسا يوم 10 أبريل 1707 و قد صادق صلح أوتريخت على الإستيلاء عام 1714 .