الحمد لك اللهم لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد فإن الإسلام امتاز على أنظمة الدين والدنيا جميعا بكماله، ووفائه بحاجة المجتمع الإنساني ليكون به سعيدا في كل زمان ومكان، كما أمتاز بحفظ الله له – في أصليه الأصيلين: القرآن الحكيم والحديث النبوي – بما لم يسبق له نظير في كل هداية عرفها البشر.
والمسلمون الأولون – الذين تولى الهادي الأعظم ﷺ تربيتهم وتوجيههم وإعدادهم للاضطلاع بمهمة الإسلام العظمى – كانوا المثل الكامل للعمل بالإسلام: في إيمانهم، وطاعتهم لله، وأخلاقهم الكريمة، وسياستهم الحكيمة، وفتوحهم الرحيمة، وتكوينهم المجتمع الإسلامي الصالح، والدولة الإنسانية المثاليّة. وقد كافأهم الله على ذلك بانتشار رسالته على أيديهم، وذيوع دعوته بين الأمم اقتداء بهم، واتباعا لهم.
ولما تخطت رسالة الإسلام حدود الجزيرة العربية المباركة – فدخلت العراق وإيران شرقا، والشام شمالا، ومصر وإفريقية غربا – كان ذلك سعادةً للخيار من أهل البلاد المفتوحة، وغذاء لعقولهم، وبهجةً وحبورا تطمئن بهما قلوبهم. وشجى للأشرار منهم، وغصةً في حلوقهم، ومبعث إحنةٍ وغلٍّ تسمّمت بهما دماؤهم وأرواحهم.
إن الأخيار من طبقات سالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، فالحسن البصري، وعبد الله بن المبارك، فمحمد بن إسماعيل البخاري، وأبي حاتم الرازي، وابنه عبد الرحمن، وأندادهم وتلاميذهم، استقبلوا هداية الإسلام السليمة الأصلية بأرواحهم وعقولهم، وفتحوا لها أبوابهم وصدورهم، وأحلوا لغتها محلَّ لغاتهم، وعملوا بسننها بدلا من سننهم، ونسخوا بإيمانها كل ما كانوا – أو كان آباؤهم – عليه من قبل. فساهموا في حفظ كتاب الله وسنة رسوله الأعظم، وحرصوا على فهمها كما كان يفهمها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل ومن ائتم بهم وسار على منهاجهم، حتى صاروا بنعمة الله إخوانا للمسلمين كصالحي المسلمين، وأئمة المسلمين كسائر أئمة المسلمين.
وإن الأشرار من طبقة الهُرمُزان، وعبد الله بن سَبَأ، وعبد الله بن يسار، وأبي بكر الكرُّوس، ورُشيد الهجريّ، ومحمد بن أبي زينب، والأحول الخبيث شيطان الطاق، وجهم بن صفوان، وتلميذه هشام بن الحكم الذي كان غلاما لأبي شاكر الديصاني، وهشام الآخر وهو ابن سالم الجواليقي وكان يقول إن الله جسم ذو أبعاد ثلاثة، والأحوص أحمد ابن إسحاق القمي الذي اخترع لشيعة عصره عيد بابا شجاع الدين، [1] وبنو أعين: زرارة وبكير وحمران وعيسى وعبد الجبار، والمفضل بن عمر الذي وصفه جعفر الصادق بأنه كافر ومشرك وعده قدماء الشيعة من الغلاة، ثم جاء شيعة عصرنا ينافحون عنه ويعتذرون له بأن ما كان يعده قدماؤهم غلوا أصبح اليوم من ضروريات التشيع في شكله الحاضر ( انظر كتابهم تنقيح المقال للمامقاني 3: 240 – 241 ) وهذا اعتراف علمي في أهم كتبهم في الجرح والتعديل بأنهم الآن كلهم غلاة كما كان المفضل بن عمر الذي وصفه جعفر الصادق بالكفر والإشراك، وإعلان منهم بأن المذهب الشيعي استقر الآن على ذلك الغلو، وكل ما كان يعد في السابق غلوا فهو اليوم من ضروريات المذهب.
إن الأشرار ممن سمينا، وألوفا كثيرة من أمثالهم، قد أبغضوا من صميم قلوبهم أصحاب محمد ﷺ وأحبابه وأعوانه على الحق، لأنهم أطفأوا نار المجوسية إلى الأبد، وأدخلوا إيران في نطاق دولة الإسلام، وأقاموا المسجد الأقصى على أنقاض الهيكل. فهذا ( الذنب ) الذي ارتكبه نحو المجوسية واليهودية أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وأبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص ويزيد ومعاوية ابنا أبي سفيان، وسائر إخوانهم من الفاتحين والصالحين، لن ينساه لهم مبغضوهم من اليهود والمجوس. وقد قاوم أسلافهم زحف الإسلام وامتداد رسالته بأسلحتهم ودسائسهم جيشا لجيش، وجهادا لجهاد، ومعركة بعد معركة، حتى هزمهم الله في كل موقف، وخذلهم في كل ملحمة. فباتوا ينتظرون الفرص السانحة، ويترقبون للمسلمين الأولين ما يترقبه المبطلون لأهل الحق في كل زمان ومكان. فلما لم ينالوا منهم شيئا، وطالت عليهم خلافة أمير المؤمنين عمر، واتسعت الفتوح في زمنه، وانتشرت كلمة الإسلام في آفاق مترامية الأطراف، تآمروا حينئذ على سفك دم عمر وهو حمو رسول الله أبو أم المؤمنين حفصة، وصهر علي بن أبي طالب زوج بنته أم كلثوم الكبرى التي ولدت له ابنه زيدا وبنته رقية، وأم كلثوم بنت علي هي التي كانت في بيت أمير المؤمنين عمر لما تآمر على قتله الهرمزان وأبو لؤلؤة وغيرهما. ولا يزال الشيعة إلى اليوم مسرورين بما ساء عليا وبنته أم كلثوم وسائر أهل البيت من سفك دم أعدل من حكم في الأرض بعد محمد ﷺ وصاحبه في الغار المجاور لهما في المدفن النبوي الطاهر جوارا لا ينقطع في الدنيا ولا الآخرة. وقد ظن المجوس الذين قتلوا عمر أنهم قد قتلوا الإسلام بقتله، ولكنهم ما لبثوا أن علموا أنهم باءوا من هذه بمثل الذي باءوا به من تلك، وحفظ الله رسالته، وحاط دعوة الحق بعين عنايته وجميل رعايته، وعادت جيوش الإسلام في خلافة ذي النورين توغل فيما وراء إيران، وتفتح لكلمة الله آفاقا أخرى متجاوزة الحد المنيع الذي كانوا يسمونه « باب الأبواب »، فلم تكن على وج الأرض يومئذ – ولا في العصر التالية إلى يوم القيامة – رايات تخفق بالنصر والعدل والرحمة كهذه الرايات النيرة الظافرة.
حينئذ أيقن المجوس واليهود أن الإسلام إذا كان إسلاما محمديا صحيحا لا يمكن أن يحارب وجها لوجه في معارك شريفة سافرة، ولا سبيل إلى سحقه باغتيال أئمته وعظمائه. فأزمعوا الرأي أن يظاهروا بالإسلام، وأن ينخرطوا في سلكه، وأن يكونوا ( الطابور الخامس ) في قلعته. ومن ذلك الحين رسموا خطتهم على أن يحتموا بحائط يقاتلون من ورائه الرسالة المحمدية وأهلها الأولين، فتخيروا اسم « علي » ليتخذوه ردءا لهم. وأول من اختار ذلك لهم يهوديٌّ ابن يهودي من أخبث من ولدتهم نساء اليهود منذ عبدوا العجل في زمن موسى إلى أن اخترعوا الفكرة الصهيونية في الزمن الأخير.
نقل المامقاني في كتابهم تنقيح المقال ( 2: 184 ) عن الكشي رأس علمائهم في الجرح والتعديل ما نصه: « وذكر أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا، وكان يقول – وهو على يهوديته – في يوشع بن نون ( وصي موسى )، فقال في إسلامه في علي مثل ذلك وكان ( أي عبد الله بن سبأ ) أول من شهر القول بإمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه ( ومراد الكشي من أعداء علي إخوانه وأحبابه أصحاب رسول الله ﷺ )، وكاشف مخالفيه وكفرهم. فمن هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهود ». انتهى كلام الكشى إمام الشيعة في الجرح والتعديل ومؤرخ الرواية والرواة في نحلتهم، وما ينبئك مثل خبير.
وعبد الله بن سبأ كان ملعونا على لسان علي بن أبي طالب سلام الله عليه، ودعوته كانت مرذولة فيما كان يدين الله به كرم الله وجهه، وقد طارد هذا الملعون وحرق بالنار من وصلت إليهم يده من أصحابه ودعاته، وهذا هو المنتظر من إمام صالح راشد طالما خطب على منبر الكوفة فقال على رؤوس الأشهاد: « خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر » روي ذلك عنه من ثمانين وجها ورواه البخاري وغيره، وكان كرم الله وجهه يقول « لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري ». ولما بلغت الجرأة والفجور باثنين من المتسممين بسموم عبد الله بن سبأ – ويقال لهما عجل وسعد ابنا عبد الله – فنالا من أم المؤمنين عائشة سلام الله عليها، أمر علي القعقاع بن عمرو «رضي الله ع» بأن يجلد كل واحد منهما مائة جلدة، وأن يجردهما من ثيابهما ففعل. وكان ذلك بعد وقعة الجمل.
هذا هو علي في صورته التاريخية الثابتة عنه بأوثق ما ثبتت حقائق الماضي، وهو غير علي في صورته الوهمية الكاذبة التي يصوره بها الشيعة على أنه مراءٍ جبان يمدح إخوانه الصحابة تقيةً ونفاقا ويضمر لهم البغضاء حسدا وأنانية. إن عليا أسمى من ذلك وأكرم عند الله. وصورته الصادقة هي التي ثبتت برواية الصادقين عن الصادقين من رواة أئمة السنة الأعلام الذين يخافون الله واليوم الآخر ويحبون عليا وآله حبا معقولا سليما من الآفات، ويحفظون لهم كل كرامة وفضيلة. والصورة التي يصوره بها كذبا مجوس هذه الأمة وتلاميذ اليهودي عبد الله بن سبأ صورة متناقضة جمعت بين تأليه علي ونعته بأحط النعوت وأسوإها. ولم يكن كل شيعة علي في زمن علي من هذا الطراز، بل كان فيهم كرام الصحابة وصالحو المؤمنون، والتحق بهم واندس في صفوفهم الكفرة والحمقى والغلاة وضعاف العقول والكاذبون في إسلامهم، ومنهم أُتي رضوان الله عليه، وهؤلاء هم الذين عاقوا هذا الإمام الأعظم عن أن يكون كما يحبه لنفسه وما يحبه الله له من نشر دعوة الله في آفاق أخرى لم تصل إليها دعوة الإسلام، وشغلوه بحمايتهم قتلة عثمان، وإن كان طالما أعلن لعنتهم على مسمع منهم وهم في كتائب جيشه، أو في صفوف المصلين تحت منبره في مسجد الكوفة.
إن هذا الطراز الضال المريب من شيعة علي في زمن علي كثيرون وكثيرون، وهم الذين كان علي يشكوهم ويتبرأ منهم، وكتاب نهج البلاغة ملئ بذمهم والزراية عليهم. وإن موقفهم من ابنه الحسن معروف في التاريخ، حتى لقد تجرأوا على إسالة دمه من جسمه الشريف بغيا عليه ونذالة منهم وكفرا، وهم الذين أغروا أخاه الحسين ودعوه من بلده إلى بلدهم، ثم تولوا بأيديهم سفك دمه الطاهر، وبعد مقتله خرجوا يستقبلون آله بعيون باكية.
نقل علامة الشيعة في هذا العصر الشيخ هبة الدين الشهرستاني ما رواه الجاحظ عن خزيمة السدي قال: دخلت الكوفة فصادفت منصرف علي بن الحسين بالذرية من كربلاء إلى ابن زياد، ورأيت نساء الكوفة يومئذٍ قياما يندبن متهتكات الجيوب، وسمعت علي بن الحسين وهو يقول بصوت ضئيل – وقد نحل من شدة المرض –:
« يا أهل الكوفة، إنكم تبكون علينا، فمن قتلنا غيركم؟ »
ورأيت زينب بنت علي "عليه السلام"، فلم أرَ والله خفرة أنطق منها بيانا، قالت: « يا أهل الكوفة، يا أهل الختر والخذل! فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الرنة. إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم. ألا وهل فيكم إلا الصلف والشنف، وملق الإماء وغمز الأعداء؟ وهل أنتم إلا كمرعي على دمنة، أو كغضة على ملحودة؟ ألا ساء ما قدمت أنفسكم. أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون. أتبكون؟ أي والله فابكوا، وإنكم والله أحرياء بالبكاء. فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فلقد فزتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا ».
ونقل عالمهم المامقاني في تنقيح المقال ( 1: 38 ) عن إمامهم الكشي بسندٍ رجاله كلهم من الشيعة أن بريدا العجلي قال: كنت أنا وأبو الصباح الكناني عند أبي عبد الله ( أي جعفر الصادق ) فقال: « كان أصحاب أبي خيرا منكم، كان أصحاب أبي ورقا لا شوك فيه، وأنتم شوك لا ورق فيه ». فقال أبو الصباح: جعلت فداك، فنحن أصحاب أبيك! قال: « كنتم يومئذ خيرا منكم اليوم ».
وبعده في الكتاب نفسه خبر آخر بأن أبا الصباح هذا الذي كان من كبار شيعة الصادق وأبيه الباقر قد عبث بثدي جارية ناهد خرجت له من منزل إمامه الباقر، فأنبّه على ذلك …
ونقل المامقاني ( 2: 8 ) في ترجمة سدير بن حكيم الصيرفي عن آخر كتاب الروضة من ( الكافي ) عن المعلى قال: ذهبت بكتاب عبد السليم بن نعيم وسدير وغير واحد ( أي وغير واحد من شيعة جعفر الصادق ) إلى أبي عبد الله ( وهو جعفر الصادق ) … فضرب بالكتاب الأرض ثم قال: « أف، أف، ما أنا لهؤلاء بإمام ».
وفي ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي ( 10: 347 ) أن جعفر الصادق قال لابن السماك: « إن زرارة بن أعين من أهل النار ». وزرارة بن أعين هذا ممن يروي عنهم الكليني في الكافي نصيبا كبيرا من الأحاديث التي يكذبونها على آل بيت رسول الله ﷺ ويعتبرونها دينا.
ومن أعلامهم أبو بصير الذي كذب على جعفر الصادق فادعى أنه سمع منه قوله « وإن عندنا لمصحف فاطمة، مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم هذا حرف واحد ». ومع أن طائفة كبيرة من دينهم وأحاديث بُخاريهم الذي يسمونه ( الكافي ) مروية عن أبي بصير هذا فإن علماءهم معترفون بأن أبا بصير مطعون في دينه، لكنهم قالوا: « إنه ثقة، والطعن في دينه لايوجب الطعن!» وعلماء الجرح والتعديل عند الشيعة إذا قالوا في رجل منهم « إنه ثقة » لا يريدون من هذا الوصف أنه صادق من أهل العدالة، بقدر ما يريدون منه أنه معتصب لاتجاهاتهم، مبغض للصحابة، مجتهد في النيل منهم، والافتراء عليهم.
وإذا تتبعت تراجم أعلام الشيعة في زمن أئمتهم رأيتهم بين كذابين، وملاحدة، وشعوبيين، وفاسدي العقيدة، ومذمومين من أمتهم، أو عابثين بأثداء جواري أئمتهم، وكل ما يخطر ببالك من نقائص. وسبب ذلك أن دينهم من أصله فاسد، وهل يثمر الدين الفاسد إلا الفساد؟.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ( 1: 3 ): « إن أصل هذا المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم في حياته علي بن أبي طالب «رضي الله ع»، فحرق منهم طائفة بالنار وطلب قتل بعضهم ففروا من سيفه البتار، وتوعد بالجلد طائفة مغيرية فيما عرف عنه من الأخبار ».
وأخرج الحافظ ابن عساكر ( 4: 165 ) أن الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم قال لرجل من الرافضة: « والله لئن أمكننا منكم لنقطعن أيديكم وأرجلكم، ثم لا نقبل منكم توبة ». فقال له رجل: لم لا تقبل منهم توبة؟ قال: « نحن أعلم بهؤلاء منكم. إن هؤلاء إن شاءوا صدقوكم، وإن شاءوا كذبوكم وزعموا أن ذلك يستقيم لهم في ( التقية ). ويلك! إن التقية هي باب رخصة للمسلم، إذا اضطر إليها وخاف من ذي سلطان أعطاه غير ما في نفسه يدرأ عن ذمة الله. وليست باب فضل، وإنما الفضل في القيام بأمر الله وقول الحق. وأيم الله ما بلغ من التقية أن يجعل بها لعبد من عباد الله أن يضل عباد الله ».
بل إن جعفرا الصادق دمغهم بكلمته المشهورة التي رواها عنه محمد بن بابويه القمي في كتاب التوحيد، وهي قوله « القدرية مجوس هذه الأمة: أرادوا أن يصفوا الله بعدله، فأخرجوه عن سلطانه ». وكم له "عليه السلام" من كلمات فيهم كوى بها أجسادهم لو أن في أجسادهم حياة وشعورا.
والإمام زيد بن علي زين العابدين ابن الحسين ( عم جعفر الصادق ) من كبار علماء آل البيت وصلحائهم، رُوي عنه في كتاب ( الحور العين ) لنشوان الحميري ص 185 أن الشيعة لما قالوا له في أبي بكر وعمر « إن برئت منهما وإلا رفضناك » فقال لهم «رضي الله ع»: الله أكبر، حدثني أبي أن رسول الله ( قال لعلي "عليه السلام": « إنه سيكون قوم يدّعون حبنا، لهم نبز يعرفون به، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإنهم مشركون ». اذهبوا فأنتم ( الرافضة )!.
إن الشيعة كاذبون في مودة علي وأهل البيت، وقد تبرأ منهم علي وبنوه في مواقف لا تحصى. وإن الصالحين من أهل البيت الذين تبغضهم الشيعة وتذمهم أكثر عددا من الذين تتظاهر بحبهم وبالتشيع الكاذب لهم. ومن صالحي آل البيت الذين يبغضون الشيعة وتبغضهم الشيعة سيدنا الإمام زيد بن علي زين العابدين ابن الحسين السبط «رضي الله ع» وعن آبائه. أما أهل السنة فيرون من السنة أن يحبوا آل البيت جميعا إلا من انحرف منهم عن سنة جدهم ﷺ، ويتحرون الأخبار الصادقة عنهم، ويعرفون لأصحاب النبي ﷺ أقدارهم، ويضعون الناس كلهم في المواضع التي أمر الله أن يكونوا فيها، فلا يرفعونهم فوق بشريتهم، ولا يزعمون لأطفال مولودين يتبولون في حجور أمهاتهم أنهم أعلم من علماء الصحابة وهم في سن الكمال.
وهنالك ميزانان: يستعمل الشيعة أحدهما، ويستعمل أهل السنة المحمدية الميزان الآخر.
فالشيعة أبغضوا أصحاب رسول الله الذين قام الإسلام على أكتافهم، لأن الإسلام قام على أكتافهم، واخترعوا عداوة كاذبة لا أصل لها بين علي وإخوانه في الله. وافتروا على الفريقين حكايات في ذلك سودوا بها صفحات السوء من أسفارهم. وبنوا دعوتهم على أن الحب والبغض في الإسلام ليس لرسالة الإسلام نفسها، بل لأشخاص اخترعوا لهم شخصيات وهمية لا يعرفها التاريخ. ورووا – بألسنة ناس معروفين بالكذب – أقوالا وضعوها على ألسنة أولئك النفر من آل البيت لا صحة لها، ولم تصدر عنهم، وإن العقل والمنطق يكذبانها. ونقضوا قول علي كرم الله وجهه « اعرف الرجال بالحق، ولا تعرف الحق بالرجال » فسنوا قاعدة « اعرف الحق بما رواه الكذبة عن رجال مخصوصين، ولا تنقد ما نسب إليهم كذبا بعرضه على ميزان الحق وقواعد المنطق ». ولما انتهوا من دعوى أنهم شيعة هذا النفر القليل من آل البيت المكذوب عليهم، اخترعوا عداوة جديدة بين آل البيت أنفسهم، فتجاهلوا رقية وأم كلثوم بنتي رسول الله ﷺ لأنهما كانتا زوجتي أمير المؤمنين عثمان الذي بشره النبي ﷺ بالشهادة وشهد له بالجنة. وزعموا أن بعض آل البيت أعداء لبعض، إلى أن أسقطوا جميع آل البيت إلا ذلك النفر القليل الذي ثبت حتى في كتب الشيعة أنه كان يلعنهم ويتبرأ منهم. فميزان الشيعة ميزان ( شخصيات وهمية ) زعموا لها ما ليس للبشر من صفات، وتعصبوا لما اخترعوه هم من مبادئ وعقائد تخالف مبادئ الإسلام وعقائده، رغبة منهم في تبديله والقضاء على رسالة الإسلام.
أما ميزان أهل السنة فهو قول الله عز وجل { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }. فاتباع الرسول فيما جاء به هو الميزان عندهم وعند الأئمة الصالحين من أهل البيت أيضا، فيه يعرفون عدالة المسلم وصحة إيمانه، وكلما كان المسلم أصدق اتباعا لرسول الله فيما جاء به من الله كان أصح إيمانا وأصدق إسلاما. ومقياس الاتباع عندهم اتباع كتاب الله على ما فهمه الصحابة من رسول الله، واتباع سنته الصحيحة التي لم يمحص البشر أقوال رجلٍ في التاريخ وأعماله كما محص أهل السنة أحاديث هذا النبي الكريم وراقبوا أعماله. ولم يتناول التحقيق الإنساني صدق رواة الخبار أو كذبهم، وأهليتهم لحمل هذه الأمانة أو عدم أهليتهم لذلك، كما حقق ذلك أعلام السنة المحمدية.
هذا ميزان أهل السنة، وذاك ميزان الشيعة. والتشيع معناه العصبية لأشخاص، وأقبح العصبيات العصبية لأشخاص موهومين مكذوبٍ عليهم ومخترعة لهم شخصياتٌ لا تلائم دينهم وأخلاقهم وتقواهم لله عز وجل. وأصل هذا الكتاب ( أعني التحفة الاثني عشرية ) ألف لعرض هذين الميزانين وبيان حقيقتهما للشيعة وأهل السنة وللناس جميعا. وقد ألفه باللغة الفارسية عند انتهاء القرن الثاني عشر الهجري كبير علماء الهند في عصره شاه عبد العزيز الدهلوي ( 1159 – 1239 ) أكبر أنجال الإمام الصالح الناصح شاه ولي الله الدهلوي ( 1114 – 1176 ) وكان شاه عبد العزيز يُعد خليفة أبيه ووارث علومه. وكان رحمه الله مطلعا على كتب الشيعة متبحرا فيها وقد اختار لهذا الكتاب مع اسمه لقبا هو ( نصيحة المؤمنين، وفضيحة الشياطين )، وذكر غرضه من هذا التأليف فقال:
« هذه رسالة في كشف حال الشيعة، وبيان أصول مذهبهم، ومآخذه، وطريق دعوتهم الآخرين إلى مذهبهم. وفي بيان أسلافهم، ورواة أخبارهم، وأحاديثهم، وبيان قليل من عقائدهم في الإلهيات، والنبوات، والإمامة، والمعاد ».
وقال: « إن البلاد التي نحن بها ساكنون راج فيها مذهب الاثنى عشرية حتى قل بيت من أمصارها لم يتمذهب بهذا المذهب. وأكثرهم جهلة في علم التاريخ، غافلون عن أصولهم وما كان عليه أسلافهم الكرام ». ثم قال: « وقد التزمت في هذه الرسالة أن لا أنقل شيئا من حال مذهب الشيعة وبيان أصولهم والإلزامات الموجهة إليهم إلا من كتبهم الشهيرة المعتبرة، أو الموافقة لما فيها، لأحملهم على أن تكون الإلزامات التي يوردونها يزعمهم على أهل السنة والجماعة مطابقة لما في الكتب المعتبرة عند أهل السنة وموافقة لرواياتهم الصحيحة، وبذلك تنتفي عنا وعنهم تهمة التعصب ».
وقال المترجم من الفارسية إلى العربية: « إن المؤلف حيثما أطلق الكلام جعله على طريقة الشيعة ومذهبهم. [2] وما أورده عن أهل السنة قيده بهم وعزاه إليهم. ومن هذا القبيل ما ذكره في باب الإمامة ( ص 124 ) عن اجتهاد معاوية، فقد أورده بلسان الشيعة وطريقتهم تنزلا ليقيم عليهم الحجة فيما بعد. فأصل الكلام في هذه الرسالة على قواعد الشيعة وأصولهم ورواياتهم، لتقوم الحجة عليهم بذلك »
وبعد نحو ربع قرن من تأليف الكتاب بالفارسية وانتشاره في أقطار الهند وغيرها، شعر مسلمو الهند بحاجتهم إلى ترجمته بالعربية، وأول من اقترح ذلك الحافظ محمد حيدر، وقد كاشف في ذلك عمدة الأعيان الأمير محمد عبد الغفار خان بهادر ثابت جنك ابن محمد علي خان، واختاروا لترجمته الحافظ الشيخ غلام محمد الأسلمي لتمكنه من مؤلفات الشيعة ومعرفته بموضوع الكتاب، فضلا عن إجادته اللغة الفارسية، غير أن بيانه العربي لا يزيد على ما ينتظر من مثله. وهو يقول في مقدمة ترجمته العربية: « كان البدء بها في عهد عظيم الدولة بهادر أمير الهند والا جاه ». وقال في خاتمتها: « اختتمت ( الترجمة العبقرية، والصولة الحيدرية ) عشاء ليلة الجمعة الخامسة من شهر شعبان سنة 1227 للهجرة في بندر مدراس ). ثم شكا من الناسخ الذي عهد إليه تبييض الترجمة بأنه « لم يكن يميز السين من الشين، فمسخها، ثم ألزمني تصحيحها بواسطة من لا يسعني أن أخالف له أمرا، مستعجلا فيه غاية الاستعجال، فأديته كأنه وبال »
وبقي الأصل الفارسي وترجمته العربية مخطوطين يتناقلهما الناسخون بالقلم، ومع ذلك عم انتشارها في مختلف البلاد، وقد تفضل العالم السلفي الوجيه الكريم الشيخ محمد نصيف عين أعيان جدة فأرسل إلي بالطائرة نسخة مخطوطة من ترجمة الأسلمي، وهي في مجلد ضخم بلغ 1051 صفحة في كل صفحة 19 سطرا، ومع أنها كثيرة الأخطاء فضلا عن عجمة مترجمها فقد نفعتني كثيرا في تصحيح هذا المختصر الذي قام به – في ختام القرن الثالث عشر الهجري – علامة العراق السيد محمود شكري الآلوسي، وقد أرخ ذلك السيد شهاب الدين الموصلي بقوله:
لله تحفة ذي فضل مؤلفها ** ما بين أبحاثها قد أثبت الإلفه
واليوم شكري بحمد الله أوجزها ** ملخصا فضلها من غير ما كلفه
إيجازها كان وعدا، ثم أرخه ** نقدا بإيجازه قد أتحف التحفه
ثم في سنة 1315 طبع هذا المختصر طبعا سقيما على الحجر في المطبعة المجتبائية بمدينة بومباي بالهند، فجاء كثير الأخطاء. وقد اقترح علي تحقيق هذا المختصر والعناية به والتعليق عليه صديقي العلامة السلفي الشيخ محمد نصيف – بارك الله في حياته – فقمت من ذلك بما ساعدني عليه الوقت، مستعينا بالله، ومتقربا إليه بهذا العمل الذي أرجو الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم.
ولما علم أخي مؤرخ العراق الأستاذ السيد عباس العزاوي المحامي في بغداد بقيامي على خدمة هذا المختصر للسيد محمود شكري الآلوسي رحمه الله كتب إلي يقول:
إن كثيرا من علمائنا الأفاضل « رحمهم الله تعالى » ألفوا في كشف حقيقة التشيع بعد شيخ الإسلام ابن تيمية، وأذكر منهم الآن القاضي فضل بن روز بهان فإنه ألف في الرد على ( منهاج الكرامة ) لابن مطهر الحلي الذي هدمه شيخ الإسلام ابن تيمية بكتابه الشهير ( منهاج السنة النبوية ).
ومنهم ميرزا مخدوم مؤلف ( النواقض ).
واختصره السيد البرزنجي بكتاب ( نواقض الروافض ).
والشيخ علي الهيتي بكتابه ( السيف الباتر ).
ولأبي الثناء الشهاب الآلوسي الكبير كتاب ( الأجوبة العراقية، على الأسئلة الإيرانية [3] ) وهو يحتوي الأجوبة السديدة على ثلاثين مسألة مهمة في مختلف العلوم وردت من إيران فدمغها الشهاب الآلوسي بهذه الأجوبة، وقد وصف شاعر العراق السيد عبد البقي العمري الأسئلة والأجوبة بقوله:
إن السؤال والجواب مثلما ** قد قيل في التمثيل: أنثى وذكر
وللآلوسي الكبير أيضا كتاب ( نهج السلامة إلى مباحث الإمامة [4] ).
وله أيضا ( الأجوبة العراقية، عن الأسئلة اللاهورية [5] ) ذب فيه عن أصحاب رسول الله ﷺ وأجازه عليه السلطان محمود العثماني بجائزة عظيمة.
وللبندنيجي ( الأجوبة على الأسئلة اللاهورية ) أيضا، ومثلها للحيدري.
ومن الكتب الجيدة في هذا الباب ( الصارم الحديد في الرد على ابن أبي الحديد [6] ).
ورد الشيخ علي السويدي العباسي على الشيعة.
وللشيخ عثمان بن سند كتاب ( الصارم القرضاب في نحر من سب أكابر الأصحاب ) [7]
ومن الكتب في هذا الباب ( حديقة السرائر وشرحها ) لعبد الله البيتوشي الملقب بسيبويه الثاني، وهو من كبار علماء الأكراد.
أما السيد محمود شكري الآلوسي فله في الرد على الشيعة غير ( مختصر التحفة الاثني عشرية ) رسالة عنوانها ( سعادة الدارين، في شرح حديث الثقلين ). وهذه أيضا كان أصلها باللغة الفارسية وهي لمؤلف التحفة الاثني عشرية شاه عبد العزيز الدهلوي رحمه الله، وقد عربها السيد محمود شكرى وضم إليها فوائد متعلقة بحديث الثقلين، ورتبها على مقدمة ومقصد وخاتمة، فجاءت في 40 صفحة.
وله أيضا ( السيوف المشرقة، مختصر الصواعق المحرقة )، وأصله للشيخ محمد خوجه نصر الله الحسيني الصديق الهندي ثم المكي، اختصره السيد محمود شكري الآلوسي سنة 1303 بعد اختصار التحفة الاثنى عشرية، وهو أكبر منها حجما بنحو الثلث.
وله أيضا كتاب ( صب العذاب على من سب الأصحاب ) ردًّ به على محمد الطباطبائي المتستر باسم أحمد الفاطمي في أرجوزة له تعرض فيها لأبي الثناء الشهاب الآلوسي الكبير في أجوبته على الأسئلة اللاهورية، فانتصر له حفيده السيد محمود شكري بهذا الكتاب وهو في 115 صفحة.
وبعد فإن الساهرين على حراسة التشيع لن يضروا الله شيئا، فقد تولى الله حفظ هذا الدين، وادخره لسعادة الإنسانية يوم تنشد الإنسانية سعادتها من أقرب الطرق وأسلمها، فلا تجد ذلك إلا فيما كان عليه تلاميذ رسول الله ﷺ، وتابعوهم، وتابعو التابعين لهم بإحسان. أما نشاط القوم فيما يصدرونه من كتب بذيئة ككتاب السقيفة والرد على رد السقيفة فستكون له فائدة واحدة وهي تفرغ طبقة من شباب الإسلام في أنحاء الوطن الإسلامي الأكبر لدراسة أصل التشيع وتطوره ومقاصده وأهدافه، وبراءة أهل البيت منه ومن طواغيته، إلى أن تنجلي الأمور على حقيقتها، ويبوء الكذب والباطل وأهلهما بما هم أهل له. والله ولي الصالحين.
وكتب في دار الفتح
بجزيرة الروضة * تجاه الفسطاط
في يوم الاثنين العاشر من صفر سنة 1373
محب الدين الخطيب
هامش
- ↑ هو لقب لقبوا به أبا لؤلؤة اللعين قاتل أمير المؤمنين عمر.
- ↑ وقد نبهنا على ذلك في حواشي بعض الصفحات.
- ↑ طبع سنة 1317ه في القسطنطينية بمطبعة مكتب الصائع.
- ↑ نقل عنه السيد محمود شكرى الآلوسي في أوائل هذا الكتاب ( مختصر التحفة الاثني عشرية ). قال الأستاذ الكبير السيد محمد بهجة الأثري في ( أعلام العراق ): كتب منه الشهاب الآلوسي وهو مريض نحو عشرين كراسة وعاجلته المنية قبل أن يتمه.
- ↑ طبع سنة 1301 ه بالمطبعة الحميدية في بغداد.
- ↑ انظر لابن أبي الحديد ص 9 من هذا الكتاب ( مختصر التحفة الاثني عشرية ).
- ↑ عثمان بن سند هو مؤلف ( مطالع السعود ) في تاريخ العراق مدة حياة داود باشا. أما كتابه ( الصارم القرضاب ) فقد قال عنه الأستاذ السيد محمد بهجة الأثري في ترجمة ابن سند المنشورة في أول مختصر مطالع السعود: هو كتاب في نحو ألفي بيت أو أكثر من الشعر الجزل الرائع ناقض به عبلا الخزاعي الشاعر الهجاء ( وكان دعبل من شعراء الرافضة ) فكال له الصاع صاعين في الدفاع عن حياض سادات المسلمين.