الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الستون

كتاب المواريث

1718 - مسألة: ولا عول في شيء من مواريث الفرائض وهو أن يجتمع في الميراث ذوو فرائض مسماة لا يحتملها الميراث , مثل : زوج أو زوجة , وأخت شقيقة وأخت لأم , أو أختين شقيقتين أو لأب , وأخوين لأم , أو زوج أو زوجة وأبوين وابنة , أو ابنتين فإن هذه فرائض ظاهرها أنه يجب النصف والنصف والثلث , أو نصف ونصف وثلثان , أو نصف ونصف وسدس , ونحو هذا. فاختلف الناس. فقال بعضهم : يحط كل واحد من فرضه شيئا حتى ينقسم المال عليهم , ورتبوا ذلك على أن يجمعوا سهامهم كاملة , ثم يقسم المال بينهم على ما اجتمع , مثل : زوج وأم وأختين شقيقتين وأختين لأم , فهذه : ثلثان وثلث ونصف وسدس ، ولا يصح هذا في بنية العالم. قالوا : فيجعل للزوج النصف وهو ثلاثة من ستة , وللأم السدس وهو واحد من ستة , فهذه أربعة سهام , وللشقيقتين الثلثان , وهما أربعة من ستة , فهذه ثمانية , وللأختين للأم الثلث , وهو اثنان من ستة فهذه عشرة , يقسم المال بينهم على عشرة أسهم , فللزوج الذي له النصف ثلاثة من عشرة , فهو أقل من الثلث. وللأم التي لها السدس واحد من عشرة وهو العشر. وللشقيقتين اللتين لهما الثلثان أربعة من عشرة , فذلك خمسان. وللأختين للأم اللتين لهما الثلث اثنان من عشرة , فهو الخمس وهكذا في سائر هذه المسائل. وهو قول أول من قال به زيد بن ثابت , ووافقه عليه عمر بن الخطاب وصح عنه هذا , وروي عن علي , وابن مسعود غير مسند , وذكر عن العباس ولم يصح , وصح عن شريح , ونفر من التابعين يسير.

وبه يقول أبو حنيفة , ومالك , والشافعي , وأحمد , وأصحاب هؤلاء القوم إذا اجتمع رأيهم على شيء كان أسهل شيء عليهم دعوى الإجماع , فإن لم يمكنهم ذلك لم تكن عليهم مؤنة من دعوى : أنه قول الجمهور , وأن خلافه شذوذ , وأن خصومهم ليرثون لهم من تورطهم في هذه الدعاوى الكاذبة نعوذ بالله من مثلها. وأيم الله لا أقدم على أن ينسب إلى أحد قول لم يثبت عنده أن ذلك المرء قاله إلا مستسهل الكذب , مقدم عليه ساقط العدالة.

وأما نحن فإن صح عندنا عن إنسان ، أنه قال قولا نسبناه إليه , وإن رويناه ولم يصح عندنا ,

قلنا : روي عن فلان , فإن لم يرو لنا عنه قول لم ننسب إليه قولا لم يبلغنا عنه , ولا نتكثر بالكذب , ولم نذكره لا علينا ، ولا لنا. رويناه من طريق سعيد بن منصور ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه : أنه أول من عال في الفرائض , وأكثر ما بلغ بالعول مثل ثلثي رأس الفريضة.

قال أبو محمد : هذا يكفي من إبطال هذا القول أنه محدث لم تمض به سنة من رسول الله ﷺ وإنما هو احتياط ممن رآه من السلف رضوان الله عليهم , قصدوا به الخير. وقال بالقول الأول : عبد الله بن عباس

كما روينا من طريق وكيع ، حدثنا ابن جريج عن عطاء ، عن ابن عباس قال الفرائض لا تعول

ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا سفيان ، هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال : قال ابن عباس : لا تعول فريضة.

ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس قال : أترون الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا , إنما هو نصفان , وثلاثة أثلاث , وأربعة أرباع.

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا علي بن عبد الله ، هو ابن المديني ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : خرجت أنا , وزفر بن أوس إلى ابن عباس فتحدثنا عنده حتى عرض ذكر فرائض المواريث فقال ابن عباس : سبحان الله العظيم أترون الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا : النصفان قد ذهبا بالمال , أين موضع الثلث فقال له زفر : يا ابن العباس من أول من أعال الفرائض فقال : عمر بن الخطاب , لما التقت عنده الفرائض , ودافع بعضها بعضا , وكان امرأ ورعا , فقال : والله ما أدري أيكم قدم الله عز وجل ، ولا أيكم أخر , فما أجد شيئا هو أوسع من أن أقسم بينكم هذا المال بالحصص , فأدخل على كل ذي حق ما دخل عليه من العول. قال ابن عباس : وأيم الله لو قدم من قدم الله عز وجل ما عالت فريضة فقال له زفر : وأيها يا ابن عباس قدم الله عز وجل قال : كل فريضة لم يهبطها الله عز وجل عن فريضة إلا إلى فريضة , فهذا ما قدم ,

وأما ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي , فذلك الذي أخر.

فأما الذي قدم , فالزوج له النصف , فإن دخل عليه ما يزيله رجع إلى الربع لا يزايله عنه شيء. والزوجة لها الربع , فإن زالت عنه صارت إلى الثمن لا يزايلها عنه شيء. والأم لها الثلث فإن زالت عنه بشيء من الفرائض ودخل عليها صارت إلى السدس لا يزايلها عنه شيء , فهذه الفرائض التي قدم الله عز وجل. والتي أخر : فريضة الأخوات والبنات لهن النصف فما فوق ذلك , والثلثان , فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن إلا ما يبقى. فإذا اجتمع ما قدم الله عز وجل وما أخر : بدئ بمن قدم وأعطي حقه كملا , فإن بقي شيء كان لمن أخر , وإن لم يبق شيء فلا شيء له فقال له زفر : فما منعك يا ابن عباس أن تشير عليه بهذا الرأي قال ابن عباس : هبته. قال ابن شهاب : والله لولا أنه تقدمه إمام عادل لكان أمره على الورع فأمضى أمرا مضى ما اختلف على ابن عباس من أهل العلم اثنان فيما قال. وبقول ابن عباس هذا يقول عطاء ، ومحمد بن علي بن أبي طالب , ، ومحمد بن علي بن الحسين , وأبو سليمان , وجميع أصحابنا , وغيرهم.

قال أبو محمد : فنظرنا فيما احتج به من ذهب إلى العول فوجدنا ما ذكره عمر رضي الله عنه من أنه لم يعرف من قدم الله تعالى , ولا من أخر. زاد المتأخرون منهم أن قالوا : ليس بعضهم أولى بالحطيطة من بعض فالواجب أن يكونوا كالغرماء , والموصى لهم , يضيق المال عن حقوقهم , فالواجب أن يعموا بالحطيطة , وادعوا على من أبطل العول تناقضا في مسألة واحدة فقط ,

وقال بعضهم في مسألة أخرى فقط : ما لهم حجة أصلا غير ما ذكرنا , ولا حجة لهم في شيء منه. أما قول عمر رضي الله عنه " ما أدري أيهم قدم الله عز وجل ، ولا أيهم أخر " فصدق : , ومثله لم يدع ما لم يتبين له , إلا أننا على يقين وثلج من أن الله تعالى لم يكلفنا ما لم يتبين لنا , فإن كان خفي على عمر فلم يخف على ابن عباس , وليس مغيب الحكم عمن غاب عنه حجة على من علمه , وقد غاب عن عمر رضي الله عنه علم جواز كثرة الصداق , وموت رسول الله ﷺ , وما الكلالة , وأشياء كثيرة , فما كدح ذلك في علم من علمها.

وأما تشبيههم ذلك بالغرماء والموصى لهم , فباطل وتشبيه فاسد ; لأن المال لو اتسع على ما هولوا وسع الغرماء والموصى لهم , ولوجد بعد التحاص مال الغريم يقسم على الغرماء والموصى لهم أبدا , حتى يسعهم , وليس كذلك أمر العول , فإن كل ما خلق الله تعالى في الدنيا والجنة والنار والعرش لا يتسع لأكثر من : نصفين , أو ثلاثة أثلاث , أو أربعة أرباع , أو ستة أسداس , أو ثمانية أثمان , فمن الباطل أن يكلفنا الله عز وجل المحال وما ليس في الوسع , ومن الباطل أن يكلفنا من المخرج من ذلك والمخلص منه ما لم يبين عنا كيف نعمل فيه

وأما قولهم " ليس بعضهم أولى بالحطيطة من بعض " فكلام صحيح إن زيد فيه ما ينقص منه , وهو أن لا يوجب حط بعضهم دون بعض نص أو ضرورة. ويقال لهم هاهنا أيضا : ولا لكم أن تحطوا أحدا من الورثة مما جعل الله تعالى باحتياطك وظنك , لكن بنص أو ضرورة.

وأما دعواهم التناقض من المانعين بالعول في المسألة التي ذكروا فسنذكرها إن شاء الله تعالى ونرى أنهم لم يتناقضوا فيها أصلا. فإذ قد بطل كل ما شغبوا به فالواجب أن ننظر فيما احتج به المبطلون للعول. فوجدنا ابن عباس في الخبر الذي قد أوردنا من طريق عبيد الله بن عبد الله عنه قد انتظم بالحجة في ذلك بما لا يقدر أحد على الأعتراض فيه , وأول ذلك إخباره بأن عمر أول من عال الفرائض باعترافه ; أنه لم يعرف مراد الله تعالى في ذلك.

فصح أنه رأي لم يتقدمه سنة وهذا يكفي في رد هذا القول.

وأما ابن عباس : فإنه وصف أن قوله في ذلك هو نص القرآن , فهو الحق , وبين أن الكلام في العول لا يقع إلا في فريضة فيها أبوان وزوج وزوجة وأخوات وبنات فقط , أو بعضهم.

قال أبو محمد : ولا يشك ذو مسكة عقل في أن الله تعالى لم يرد قط إعطاء فرائض لا يسعها المال , ووجدنا ثلاث حجج قاطعة موجبة صحة قول ابن عباس. إحداها التي ذكر من تقديم من لم يحطه الله تعالى قط عن فرض مسمى , على من حطه عن الفرض المسمى إلى أن لا يكون له إلا ما بقي. والثانية أنه بضرورة العقل عرفنا أن تقديم من أوجب الله تعالى ميراثه على كل حال , ومن لا يمنعه من الميراث مانع أصلا , إذا كان هو والميت حرين على دين واحد , على من قد يرث وقد لا يرث ; لأن من لم يمنعه الله تعالى قط من الميراث لا يحل منعه مما جعل الله تعالى له , وكل من قد يرث وقد لا يرث , فبالضرورة ندري أنه لا يرث إلا بعد من يرث ، ولا بد. ووجدنا الزوجين والأبوين يرثون أبدا على كل حال. ووجدنا الأخوات قد يرثن وقد لا يرثن. ووجدنا البنات لا يرثن إلا بعد ميراث من يرث معهن. والثالثة أن ننظر فيمن ذكرنا فإن وجدنا المال يتسع لفرائضهن أيقنا أن الله عز وجل أرادهم في تلك الفريضة نفسها بما سمي لهم فيها في القرآن , وإن وجدنا المال لا يتسع لفرائضهم نظرنا فيهم واحدا واحدا , فمن وجدنا ممن ذكرنا قد اتفق جميع أهل الإسلام اتفاقا مقطوعا به معلوما بالضرورة على أنه ليس له في تلك الفريضة ما ذكر الله عز وجل في القرآن أيقنا قطعا أن الله تعالى لم يرده قط فيما نص عليه في القرآن فلم نعطه إلا ما اتفق له عليه فإن لم يتفق له على شيء لم نعطه شيئا , لأنه قد صح أن لا ميراث له في النصوص في القرآن. ومن وجدنا ممن ذكرنا قد اختلف المسلمون فيه. فقالت طائفة : له ما سمى الله تعالى له في القرآن.

وقالت طائفة : ليس له إلا بعض المسمى في القرآن , وجب ، ولا بد يقينا أن يقضى له بالمنصوص في القرآن , وأن لا يلتفت إلى قول من قال بخلاف النص , إذ لم يأت في تصحيح دعواه بنص آخر. وهذا غاية البيان , ولا سبيل إلى شذوذ شيء عن هذه القضية ; لأن الأبوين , والزوجين في مسائل العول كلها يقول المبطلون للعول : إن الواجب لهم ما سماه الله تعالى لهم في القرآن وقال القائلون بالعول : ليس لهم إلا بعضه , فوجب الأخذ بنص القرآن لا بقول من خالفه.

وأما الأخوات والبنات : فقد أجمع القائلون بالعول والمبطلون للعول , وليس في أهل الإسلام لهاتين الطائفتين ثالث لهما , ولا يمكن أن يوجد لهما ثالث , إذ ليس في الممكن إلا إثبات أو نفي : على أنه لا يجب في جميع مسائل العول لهن ما جاء في نص القرآن , لكن إما بعض ذلك ,

وأما لا شيء فكان إجماعهم حقا بلا شك , وكان ما اختلفوا فيه لا تقوم به حجة , إذ لم يأت به نص , فوجب إذ لا حق لهن بالنص أن لا يعطوا إلا ما صح الإجماع لهن به , فإن لم يجمع لهن على شيء وقد خرجن بالإجماع وبالضرورة عن النص , فلا يجوز أن يعطين شيئا بغير نص ، ولا إجماع وهذا بيان لا إشكال فيه وبالله تعالى التوفيق.

وأما المسألة التي ادعوا علينا فيها التناقض , فهي : زوج , وأم , وأختان لأب , وأختان لأم ومسألة أخرى ادعوا فيها التناقض على بعضنا دون بعض , وهي : زوج , وأم , وأختان لأم , فقالوا في هذه المسألة كل هؤلاء أولو فرض مسمى , لا يرث منهم أحد بغير الفرض المسمى في شيء من الفرائض , وليس هاهنا من يرث مرة بفرض مسمى فتقدموه , ومرة ما بقي فتسقطوه أو تؤخروه. وقالوا في الأم والأخوات الشقائق , أو للأب فقط , أو للأم فقط , ممن قد يرث وقد لا يرث شيئا : فمن أين لكم إسقاط بعض وإثبات بعض

قال أبو محمد : أما مسألة : الزوج , والأم , والأختين للأب , والأختين للأم. فلا تناقض فيها أصلا , لأن الأختين للأب قد يرثان بفرض مسمى مرة , وقد لا يرثان إلا ما بقي إن بقي شيء : فلا يعطيان ما لم يأت به نص لهما , ولا اتفاق. وليس للأم هاهنا إلا السدس ; لأن للميت إخوة , فوجب للزوج النصف بالنص , وللأم السدس بالنص , فذلك الثلثان , وللأختين للأم الثلث بالنص.

وأيضا : فهؤلاء كلهم مجمع على توريثهم في هذه الفريضة بلا خلاف من أحد , ومختلف في حطهم فوجب توريثهم بالنص والإجماع , وبطل حطهم بالدعوى المخالفة للنص , وصح بالإجماع المتيقن : أن الله تعالى لم يعط الأختين للأب في هذه الفريضة الثلثين , ولا نص لهما بغيره , ولم يجمع لهما على شيء يعطيانه , فإذ لا ميراث لهما بالنص ، ولا بالإجماع : فلا يجوز توريثهما أصلا.

وأما مسألة : الزوج , والأم , والأختين للأم : فإنها لا تلزم أبا سليمان ومن وافقه ممن يحط الأم إلى السدس بالاثنين من الإخوة.

وأما نحن ومن أخذ بقول ابن عباس في أن لا يحط إلى السدس إلا بثلاثة من الإخوة فصاعدا فجوابنا فيها وبالله تعالى التوفيق. أن الزوج والأم يرثان بكل وجه , وفي كل حال.

وأما الأختان للأم , فقد يرثان وقد لا يرثان , فلا يجوز منع من نحن على يقين من أن الله تعالى أوجب له الميراث في كل حال وأبدا , ولا يجوز توريث من قد يرث وقد لا يرث إلا بعد توريث من نحن على يقين من وجوب توريثه وبعد استيفائه ما نص الله تعالى له عليه , فإن فضل عنه شيء أخذه الذي قد لا يرث , وإن لم يفضل شيء لم يكن له شيء , إذ ليس في وسع المكلف إلا هذا , أو مخالفة القرآن بالدعوى بلا برهان : فللزوج النصف بالقرآن , وللأم الثلث بالقرآن , فلم يبق إلا السدس , فليس للإخوة للأم غيره , إذ لم يبق لهم سواه وبالله تعالى التوفيق.


1719 - مسألة: وإن مات وترك ولدا ذكرا أو أنثى , أو ولد ولد ذكر كذلك , أو ترك أبا أو جدا لأب , وترك أخا لأم , أو أختا لأم , أو أخا لأم , أو إخوة لأم : فلا ميراث لولد الأم أصلا , فإن لم يترك أحدا ممن ذكرنا : فللأخ للأم السدس فقط , وللأخت للأم السدس فقط , فإن كان أختا وأخا لأم : فلهما الثلث بينهما على السواء , لا يفضل الذكر على الأنثى ,

وكذلك إن كانوا جماعة : فالثلث بينهم شرعا سواء ,

وكذلك إن وجب لهم السدس في مسألة العول ، ولا فرق.

برهان ذلك قول الله تعالى : {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس} فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث. وهذا قولنا , وقول أبي حنيفة, ومالك , والشافعي , وأحمد , وأبي سليمان , وغيرهم , إلا روايتين رويتا ، عن ابن عباس. إحداهما : أن الإخوة للأم يقسمون الثلث للذكر مثل حظ الأنثيين. والثانية : أن الأخ للأم والأخت للأم يرثان مع الأب.

فأما المسألة الأولى : فلا نقول بها ; لأنها خلاف قول الله تعالى : {فهم شركاء في الثلث} ولقد كان يلزم القائلين بالقياس أن يقولوا بهذه القولة قياسا على ميراث الإخوة للأب , أو الأشقاء , وبالله لو صح شيء من القياس لكانت هذه المسألة أولى بالصحة من كل ما حكموا فيه بالقياس , وأين هذا القياس من قياسهم ميراث البنتين على ميراث الأختين , وسائر تلك المقاييس الفاسدة

وأما المسألة الثانية : فلم تصح ، عن ابن عباس إلا في السدس الذي حطه الإخوة من ميراث الأم فردوها إلى السدس عن الثلث فقط , والمشهور عنه خلافها ولم نقل بها : لأن الله تعالى سمى هذا التوريث " كلالة " فوجب أن تعرف ما " الكلالة " وما أراد الله تعالى بهذه اللفظة , ولا يجوز أن يخبر عن مراد الله عز وجل إلا بنص ثابت , أو إجماع متيقن , وإلا فهو افتراء على الله تعالى. فوجدنا : من يرثه إخوة أو أخوان أو أخ : إما شقيق ,

وأما لأب , وأما لأم ، ولا ولد له ، ولا ابنة , ولا ولد ابن ذكر وإن سفل ، ولا أب ، ولا جد لأب وإن علا فهو كلالة , ميراثه كلالة بإجماع مقطوع عليه من كل مسلم. ووجدنا أن من نقص من هذه الصفات شيء فقد اختلف فيه : أهو كلالة أم لا فلم يجز أن يقطع على مراد الله تعالى إلا بالإجماع المتيقن الثابت إذا لم نجد نصا مفسرا فوجب بهذا أن لا يرث الإخوة كيف كانوا , إلا حيث يعدم كل من ذكرنا , إلا أن يوجب ميراث بعضهم نص صحيح فيوقف عنده , وليس ذلك إلا في موضعين فقط : وهو الأخ الشقيق , أو للأب مع الأبنة فصاعدا , وأخت مثله معه فصاعدا , ما لم يستوف البنات الثلثين. والموضع الثاني : الأخت كذلك مع البنت , أو البنات حيث لا عاصب للميت فقط وبالله تعالى التوفيق.


1720 - مسألة: ومن ترك ابنا وابنة , أو ابنا وابنتين فصاعدا , أو ابنة وابنا فأكثر , أو اثنين وبنتين فأكثر : فللذكر سهمان , وللأنثى سهم. هذا نص القرآن , وإجماع متيقن.


1721 - مسألة: والأخ , والأخت الأشقاء أو للأب فقط فصاعدا كذلك أيضا للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا نص القرآن , وإجماع متيقن.


1722 - مسألة: فإن كان أخ شقيق واحد فأكثر , ومعه أخت شقيقة فأكثر , أو لا أخت معه : لم يرث هاهنا الأخ للأب , ولا الأخت للأب شيئا. وهذا نص قول رسول الله ﷺ : فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر وإجماع متيقن أيضا , والأقرب بالأم وقد استويا في الأب أولى ممن لم يقرب بالأم بضرورة الحس.


1723 - مسألة: ومن ترك أختا شقيقة , وأخا لأب , أو إخوة ذكورا لأب : فللشقيقة النصف , وللأخ للأب أو الإخوة من الأب : ما بقي وإن كثروا وهذا إجماع متيقن , ونص القرآن والسنة. فإن ترك أختين شقيقتين فصاعدا , أو أخا , أو إخوة لأب : فللشقيقتين فصاعدا الثلثان , وما بقي : فللأخ , أو الإخوة للأب , كما قلنا.


1724 - مسألة: فإن ترك أختا شقيقة , وأختا لأب , أو أخوات للأب : فللشقيقة النصف , وللتي للأب أو اللواتي للأب : السدس فقط وإن كثرن لقول الله تعالى : {فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك} فلم يجعل تعالى للأخوات وإن كثرن إلا الثلثين. فإن ترك أيضا أختا لأم : كان لها سدس خامس وكذلك لو كان أخا لأم.

فإن كان أخوان لأم , أو أختان لأم , أو أخا , أو أختا , أو إخوة كثيرا لأم : فالثلث الباقي لهما أو لهم أو لهن وهذا نص كما أوردنا , وإجماع متيقن. فإن ترك شقيقتين وأخوات لأب , وابن عم أو عما , فللشقيقتين : الثلثان " وللعم , أو لأبن العم ما بقي , ولا شيء للواتي للأب وهذا دليل النص وإجماع متيقن إلا شيئا ذكر عن الحسن البصري : أن الثلث الباقي للواتي للأب , ولم يقل ذلك حيث يوجد عاصب ذكر.

وكذلك لو ترك أختين شقيقتين , وأختين لأم , وأخوات أو أختا لأب , أو إخوة لأب , فللشقيقتين فصاعدا : الثلثان , وللبنتين للأم فصاعدا الثلث ، ولا شيء للأخت للأب , ولا للأخوات للأب , ولا للإخوة للأب وهذا دليل النص , كما ذكرنا , وإجماع متيقن مقطوع به.


1725 - مسألة: ولو ترك أختا شقيقة , وإخوة وأخوات للأب , فللشقيقة : النصف , وما بقي بين الإخوة والأخوات للأب , ما لم يتجاوز ما يجب للأخوات السدس ، ولا يزدن على السدس أصلا , ويكون الباقي للذكر وحده. فإن كانتا شقيقتين , وأختا أو أخوات لأب , وأخا لأب : فالثلثان للشقيقتين , والباقي للأخ الذكر , ولا شيء للأخت للأب , ولا للأخوات للأب.

روينا من طريق سعيد بن منصور ، حدثنا أبو شهاب عن الأعمش عن أبي الضحى هو مسلم بن صبيح عن مسروق بن الأجدع قال : كان ابن مسعود يقول في أخوات لأب وأم , وإخوة وأخوات لأب : للأخوات من الأب والأم : الثلثان , وسائر المال للذكور دون الإناث.

وبه إلى , سعيد ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن مسروق : أنه كان يأخذ بقول عبد الله في أخوات لأب وأم : فجعل ما بقي من الثلثين للذكور دون الإناث , فخرج إلى المدينة فجاء وهو يرى أن يشرك بينهم , فقال له علقمة : ما ردك عن قول عبد الله , ألقيت أحدا هو أثبت في نفسك منه قال : لا , ولكن لقيت زيد بن ثابت فوجدته في الراسخين في العلم.

ومن طريق وكيع ، حدثنا سفيان عن معبد بن خالد عن مسروق عن عبد الله بن مسعود : ، أنه قال في أختين لأب وأم , وإخوة وأخوات لأب : إن للتين للأب والأم : الثلثين , فما بقي فللذكور دون الإناث ، وأن عائشة شركت بينهم , فجعلت ما بقي بعد الثلثين للذكر مثل حظ الأنثيين.

ومن طريق وكيع عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم النخعي , قال : قال مسروق رأيت زيد بن ثابت وأهل المدينة يشركون بينهم , قال الأعمش : وكان ابن مسعود يقول في أخت لأب وأم , وإخوة لأب : لهذه النصف , ثم ينظر : فإن كان إذا قاسم بها الذكور أصابها أكثر من السدس لم يزدها على السدس , وإذا أصابها أقل من السدس : قاسم بها وكان غيره من أصحاب محمد ﷺ يقولون : لهذه النصف , وما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين.

ومن طريق وكيع ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن زيد بن ثابت ، أنه قال فيها : هذا من قضاء أهل الجاهلية : أن يرث الرجال دون النساء.

قال علي : بقول ابن مسعود يقول علقمة , وأبو ثور , واختلف فيه على أبي سليمان.

قال أبو محمد : احتج من خالف ابن مسعود بظاهر قول الله تعالى : {وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين} وبما ذكرنا من أنه قول سائر أصحاب محمد ﷺ وأنه من قضاء أهل الجاهلية.

قال علي : ليس قضاء أهل الجاهلية ما أوجبه القرآن , وقد صح الإجماع على توريث العم , وابن العم , وابن الأخ : دون العمة , وبنت العم , وبنت الأخ فهل هذا من قضاء أهل الجاهلية.

وأما قول الأعمش : إن سائر أصحاب محمد ﷺ على خلاف هذا. فنقول للمحتج بهذا : هبك صح لك ذلك وهو لا يصح عن ستة منهم , أهذا حجة عندك ; لأنه إجماع أم لماذا فإن قال : ليس إجماعا ,

قلنا له : فما ليس إجماعا ، ولا نصا : فلا حجة فيه , وإن كان هو إجماعا

قلنا : فمخالف الإجماع : كافر أو فاسق , فانظر فيم تدخل , وبماذا تصف ابن مسعود والله إن المعرض به في ذلك لهو المستحق لهاتين الصفتين , لا ابن مسعود المقطوع له بالجنة , والعلم , والدين , والإيمان.

وأما الآية : فهي حجة عليهم ; لأن الله تعالى إنما قال ذلك فيما يرثه الإخوة والأخوات بالتعصيب , لا فيما ورثه الأخوات بالفرض المسمى , والنص قد صح بأن لا يرث الأخوات بالفرض المسمى أكثر من الثلثين. وقد أجمع المخالفون لنا : على أن من ترك أختا شقيقة , وعشر أخوات لأب , وعما أو ابن عم , أو ابن أخ : فإنه ليس للأخوات للأب إلا السدس فقط , والباقي لمن ذكرنا. وأجمعوا على أنه لو ترك أختين شقيقتين , وعشر أخوات لأب , وعما أو ابن عم , أو ابن أخ : أن اللواتي للأب لا يرثن شيئا أصلا , فمن أين وجب أن يرثن مع الأخ , ولا يرثن مع العم , ولا مع ابن العم , ولا مع ابن الأخ

وقال رسول الله ﷺ : " ألحقوا الفرائض بأصحابها , فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر والفرائض في هذه المسألة إنما هو النصف للشقيقة , أو الثلثان للشقيقتين , أو النصف للشقيقة , والسدس للتي للأب أو اللواتي للأب فقط.فصح أن الباقي لأولى رجل ذكر , وهذا مما خالفوا فيه النص والقياس وبالله تعالى التوفيق.

1726 - مسألة: ولا يرث مع الابن الذكر أحد إلا البنات , والأب والأم , والجد والجدة , والزوج والزوجة , فقط. وولد الحرة والأمة سواء في الميراث إذا كانت أمه أم ولد أبيه , وكان الولد حرا , وإن كانت أمه أمة لغير أبيه , وهذا كله عموم القرآن وإجماع متيقن.