→ كتاب المواريث | ابن حزم - المحلى كتاب المواريث (مسأله 1707 - 1717) ابن حزم |
كتاب المواريث (مسأله 1718 - 1726) ← |
كتاب المواريث
1707 - مسألة: أول ما يخرج من رأس المال : دين الغرماء , فإن فضل منه شيء كفن منه الميت , وإن لم يفضل منه شيء كان كفنه على من حضر من الغرماء أو غيرهم , لما قد ذكرنا في " كتاب الجنائز " من ديواننا هذا. وعمدة ذلك قوله تعالى : {من بعد وصية يوصي بها أو دين} ، وأن مصعب بن عمير رضي الله عنه لم يوجد له إلا ثوب واحد , فكفن فيه , ولأن تكليف الغرماء خاصة أن يكون الكفن ناقصا من حقوقهم : ظلم لهم وهذا واجب على كل من حضر من المسلمين والغرماء من جملتهم.
1708 - مسألة: فإن فضلت فضلة من المال : كانت الوصية في الثلث فما دونه , لا يتجاوز بها الثلث على ما نذكر في " كتاب الوصايا " من ديواننا هذا إن شاء الله عز وجل , وكان للورثة ما بقي لقول الله تعالى : {من بعد وصية يوصي بها أو دين}
1709 - مسألة: ولا يرث من الرجال إلا الأب , والجد أبو الأب , وأبو الجد المذكور , وهكذا ما وجد. ولا يرث مع الأب جد , ولا مع الجد أبو جد , ولا مع أبي الجد جد جد ، ولا يرث جد من قبل الأم , ولا جد من قبل جدة , ولا الأخ الشقيق أو للأب فقط , أو للأم فقط , وابن الأخ الشقيق , وابن الأخ للأب. ، ولا يرث ابن أخ لأم , والأبن , وابن الأبن , وابن ابن الأبن , وهكذا ما وجد , والعم شقيق الأب , وأخو الأب لأبيه. ولا يرث أخو الأب لأمه , وابن العم الشقيق , وابن العم أخو الأب لأبيه , وعم الأب الشقيق , أو الأب وهكذا ما علا , وأبناؤهم الذكور والزوج والمعتق ومعتق المعتق , وهكذا ما علا , لا يرث من الرجال غير من ذكرنا ،
ولا خلاف في أن هؤلاء يرثون. ولا يرث من النساء إلا الأم , والجدة , والأبنة , وابنة الأبن , وابنة ابن الأبن , وهكذا ما وجدت. ولا ترث ابنة ابنة , ولا ابن ابنة , والأخت الشقيقة , أو للأب , أو للأم , والزوجة , والمعتقة , ومعتقة المعتقة , وهكذا ما علا. ولا يرث ابن أخت , ولا بنت أخت , ولا ابنة أخ , ولا ابنة عم , ولا عمة , ولا خالة , ولا خال , ولا جد لأم , ولا ابنة ابنة , ولا ابن ابنة , ولا بنت أخ لأم , ولا ابن أخ لأم.
ولا خلاف في أن من ذكرنا لا يرث , ولا يرث مع الأب جد , ولا ترث مع الأم جدة , ولا يرث أخ , ولا أخت مع ابن ذكر , ولا مع أب. ولا يرث ابن أخ مع أخ شقيق , أو لأب , ولا يرث أخ لأم مع أب , ولا مع ابن , ولا مع ابنة , ولا مع جد. ولا يرث عم مع أب , ولا مع جد , ولا مع أخ شقيق , أو لأب , ولا مع ابن أخ شقيق , أو لأب وإن سفل.
برهان هذا كله. نصوص القرآن , وقول النبي ﷺ الذي رويناه من طريق وهيب عن طاووس ، عن ابن عباس عن رسول الله ﷺ : ألحقوا الفرائض بأصحابها , فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر وكل من ذكرنا أيضا : فلا اختلاف فيه أصلا , وأخرنا الذي فيه اختلاف لنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في أبوابه.
1710 - مسألة: أول ما يخرج مما تركه الميت إن ترك شيئا من المال , قل أو كثر : ديون الله تعالى , إن كان عليه منها شيء : كالحج , والزكاة , والكفارات , ونحو ذلك , ثم إن بقي شيء أخرج منه ديون الغرماء إن كان عليه دين فإن فضل شيء كفن منه الميت , وإن لم يفضل منه شيء كان كفنه على من حضر من الغرماء , أو غيرهم فإن فضل بعد الكفن شيء : نفذت وصية الميت في ثلث ما بقي , ويكون للورثة ما بقي بعد الوصية.
برهان ذلك قول الله تعالى في آيات المواريث : {من بعد وصية يوصي بها أو دين} , وقال رسول الله ﷺ : ( فدين الله أحق أن يقضى , اقضوا الله فهو أحق بالوفاء )
وقد ذكرنا ذلك بأسانيده في " كتاب الصيام , والزكاة , والحج " من ديواننا هذا , فأغنى عن إعادته فالآية تعم ديون الله تعالى وديون الخلق , والسنن الثابتة بينت أن دين الله تعالى مقدم على ديون الخلق.
وأما الكفن فقد ذكرناه في " كتاب الجنائز وصح " أن حمزة , والمصعب بن عمير رضي الله عنهما : لم يوجد لهما شيء , إلا شملة شملة فكفنا فيهما ". .
وقال قوم : الكفن مقدم على الديون.
قال أبو محمد : وهذا خطأ ; لأن النص جاء بتقديم الدين كما تلونا , فإذ قد صار المال كله للغرماء بنص القرآن فمن الظلم أن يخص الغرماء بإخراج الكفن من مالهم دون مال سائر من حضر , إذ لم يوجب ذلك قرآن , ولا سنة , ولا إجماع , ولا قياس , ولا نظر , ولا احتياط , لكن حكمه أنه لم يترك شيئا أصلا , ومن لم يترك شيئا فكفنه على كل من حضر من المسلمين , لأمر رسول الله ﷺ : من ولي كفن أخيه أن يحسنه فصار إحسان الكفن فرضا على كل من حضر الميت , فهذا عموم للغرماء وغيرهم ممن حضر.
ولا خلاف في أن الوصية لا تنفذ إلا بعد انتصاف الغرماء , لقول رسول الله ﷺ إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام فمال الميت قد صار في حقوق الله تعالى , أو للغرماء بموته كله أو بعضه فحرام عليه الحكم في مال غيره , وإنما ينفذ حكمه في ماله الذي يتخلف.
فصح بهذا أن الوصية فيما يبقى بعد الدين.
1711 - مسألة: ومن مات وترك أختين شقيقتين أو لأب , أو أكثر من أختين كذلك أيضا , ولم يترك ولدا , ولا أخا شقيقا , ولا لأب , ولا من يحطهن مما نذكر فلهما ثلثا ما ترك أو لهن على السواء.
وكذلك من ترك ابنتين فصاعدا ولم يترك ولدا ذكرا ، ولا من يحطهن : فلهما أو لهن ثلثا ما ترك أيضا.
برهان ذلك قول الله عز وجل : {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك}.
ومن طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا إسماعيل بن مسعود الجحدري ، حدثنا خالد بن الحارث هو الهجيمي ، حدثنا هشام هو الدستوائي ، حدثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال : " اشتكيت وعندي سبع أخوات لي فدخل علي رسول الله ﷺ فنفخ في وجهي فأفقت , فقلت : يا رسول الله , ألا أوصي لأخواتي بالثلثين ثم خرج وتركني , ثم رجع إلي فقال : إني لا أراك ميتا من وجعك هذا , وإن الله قد أنزل فبين الذي لأخواتك : فجعل لهن الثلثين فكان جابر يقول : أنزلت هذه الآية في : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة وهذا لا خلاف فيه.
وأما البنتان فلا خلاف في الثلاث فصاعدا , ولا ولد للميت ذكرا في أن لهن الثلثين إذا لم يكن هنالك من يحطهن ,
وهو قول الله تعالى, {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك}
وأما البنتان فقد روي ، عن ابن عباس أنه ليس لهما إلا النصف كما للواحدة والمرجوع إليه عند التنازع هو بيان رسول الله ﷺ .
كما روينا من طريق مسدد ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال : خرجنا مع رسول الله ﷺ حتى جئنا امرأة من الأنصار في الأسواق وهي جدة خارجة بن زيد بن ثابت فذكر حديثا وفيه : فجاءت المرأة بابنتين لها فقالت : يا رسول الله هاتان بنتا سعد بن الربيع , قتل معك يوم أحد وقد استقى عمهما مالهما فلم يدع لهما مالا إلا أخذه , فما ترى يا رسول الله فوالله لا ينكحان أبدا إلا ولهما مال فقال رسول الله ﷺ : يقضي الله في ذلك , قال : ونزلت سورة النساء يوصيكم الله في أولادكم الآية , فقال رسول الله ﷺ : ادعوا لي المرأة وصاحبها فقال لعمهما : أعطهما الثلثين وأعط أمهما الثمن , وما بقي فلك. وقد ثبت أنه ﷺ أعطى الأبنة النصف , وابنة الأبن السدس تكملة الثلثين وقد ادعى أصحاب القياس أن الثلثين إنما وجب للبنتين قياسا على الأختين , قالوا : والبنتان أولى بذلك من الأختين.
قال أبو محمد : وهذا باطل ; لأنه إن كان ذلك لأن البنتين أحق من الأختين فواجب أن يزيدوهما من أجل أنهما أولى وأقرب , فيخالفوا القرآن , أو يبطلوا قياسهم.
وأيضا فإنهم نعني هؤلاء المحتجين بهذا القياس لا يختلفون في عشر بنات وأخت لأب : أن للأخت الثلث كاملا , ولكل واحدة من البنات خمس الثلث فقد أعطوا الأخت الواحدة أكثر مما أعطوا أربع بنات , فأين قولهم : إن البنات أحق من الأخوات وهذا منهم تخليط في الدين , وليست المواريث على قدر التفاضل في القرابة , إنما هي كما جاءت النصوص فقط.
ولا خلاف فيمن ترك جده أبا أمه , وابن بنته , وبنت أخيه , وابن أخته , وخاله وخالته , وعمته وابن عم له لا يلتقي معه إلا إلى عشرين جدا : أن هذا المال كله لهذا الأبن العم البعيد , ولا شيء لكل من ذكرنا , وأين قرابته من قرابتهم وبالله تعالى التوفيق.
1712 - مسألة: فإن ترك أختا شقيقة , وأختا واحدة للأب أو اثنتين للأب أو أكثر من ذلك : فللشقيقة النصف , وللتي للأب , أو اللواتي , للأب : السدس فقط ; لأن الله عز وجل أعطى الأخت النصف , وأعطى الأختين فصاعدا الثلثين. فصح أنه ليس للأخوات اللواتي للأب , أو اللواتي للأب والأم وإن كثرن إلا الثلثان فقط , وإذا وجب للشقيقة النصف بالإجماع المتيقن في أن لا يشاركها فيه التي ليست شقيقة , فلم يبق إلا السدس , فهو للتي للأب , أو اللواتي للأب.
1713 - مسألة: ولا ترث أخت شقيقة ، ولا غير شقيقة مع ابن ذكر ، ولا مع ابنة أنثى , ولا مع ابن ابن وإن سفل , ولا مع بنت ابن وإن سفلت , والباقي بعد نصيب البنت وبنت الأبن للعصبة كالأخ , وابن الأخ , والعم , وابن العم , والمعتق وعصبته , إلا أن لا يكون للميت عاصب , فيكون حينئذ ما بقي للأخت الشقيقة , أو للتي للأب إن لم يكن هنالك شقيقة , وللأخوات كذلك
وهو قول إسحاق بن راهويه وبه نأخذ. وهنا قولان غير هذا. أحدهما أن الأخوات عصبة البنات , وأن الأخت المذكورة أو الأخوات المذكورات يأخذن ما فضل عن الأبنة , أو بنت الأبن , أو ما فضل عن البنتين أو بنتي الأبن فصاعدا
وهو قول مالك , وأبي حنيفة , والشافعي وأحمد وصح ، عن ابن مسعود وزيد , وابن الزبير في ذلك روايات لا متعلق لهم بها. وصح في الأخت والبنت عن معاذ , وأبي موسى , وسلمان وقد روي عن عمر كذلك أيضا.
والثاني أنه لا ترث أخت أصلا مع ابنة , ولا مع ابنة ابن وصح ، عن ابن عباس وهو أول قول ابن الزبير
وهو قول أبي سليمان.
واحتج من رأى الأخوات عصبة البنات بما روينا من طريق شعبة , وسفيان عن أبي قيس الأودي هو عبد الرحمن بن ثروان عن الهذيل بن شرحبيل قال : سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال : للأبنة النصف , وللأخت النصف فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال : لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين , أقضي فيها بما قضى النبي ﷺ للأبنة النصف , ولأبنة الأبن السدس تكملة الثلثين , وما بقي فللأخت.
قال أبو محمد : واحتج من لم يورث أختا مع ابنة ، ولا مع ابنة ابن بقول الله عز وجل : {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد} واسم الولد يقع على الأبنة , وبنت الأبن , كما يقع على الأبن وابن الأبن في اللغة وفي القرآن والعجب من مجاهرة بعض القائلين هاهنا : إنما عنى ولدا ذكرا وهذا إقدام على الله تعالى بالباطل , وقول عليه بما لا يعلم , بل بما يعلم أنه باطل. وليت شعري أي فرق بين قوله تعالى : {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت} وبين قوله تعالى : {ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم}
وقوله تعالى : {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن}
وقوله تعالى : {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس} فلم يختلفوا في جميع هذه الآيات : أن الولد سواء كان ذكرا أو أنثى , أو ولد الولد كذلك فالحكم واحد. ثم بدا لهم في ميراث الأخت أن الولد إنما أريد به الذكر و ستكتب شهادتهم ويسألون فإن شهدوا فلا تشهد معهم.
واحتج أيضا من لم يورث أختا مع ابنة , ولا مع ابنة ابن : بالثابت عن رسول الله ﷺ من طريق وهيب عن عبد الله بن طاووس عن أبيه ، عن ابن عباس : ألحقوا الفرائض بأصحابها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر.
قال أبو محمد : وهم مجمعون على أن توريثهم الأخت مع البنت , وبنت الأبن إنما هو بالتعصيب , لا بفرض مسمى , لأنهم يقولون في بنت , وزوج , وأم , وأخت شقيقة أو لأب , أو أخوات كذلك : إن للبنت النصف وللزوج الربع , وللأم السدس , وليس للأخت أو الأخوات إلا نصف السدس. فإن كانت المسألة بحالها , وكانت ابنتان : لم ترث الأخت ، ولا الأخوات شيئا :
وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : قيل لأبن عباس : من ترك ابنته , وأخته لأبيه , وأمه فقال ابن عباس : لأبنته النصف , وللأخت النصف , وليس لأخته شيء مما بقي , وهو لعصبته , فقال له السائل : إن عمر قضى بغير ذلك , جعل للأبنة النصف , وللأخت النصف فقال ابن عباس : أأنتم أعلم أم الله قال معمر : فذكرت ذلك لأبن طاووس قال لي ابن طاووس : أخبرني أبي أنه سمع ابن عباس يقول : قال الله تعالى : {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} قال ابن عباس : فقلتم أنتم : لها النصف وإن كان له ولد.
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا علي بن عبد الله ، هو ابن المديني حدثني سفيان ، هو ابن عيينة حدثني مصعب بن عبد الله بن الزبرقان ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس قال : أمر ليس في كتاب الله تعالى : ولا في قضاء رسول الله ﷺ وستجدونه في الناس كلهم : ميراث الأخت مع البنت
قال أبو محمد : هذا يريك أن ابن عباس لم ير ما فشا في الناس واشتهر فيهم حجة , وأنه لم ير القول به إذا لم يكن في القرآن , ولا في سنة رسول الله ﷺ وتكلم أصحابنا في أبي قيس.
قال علي : أبو قيس ثقة ما نعلم أحدا جرحه بجرحة يجب بها إسقاط روايته , فالواجب الأخذ بما روى وبحديث ابن عباس المسند الذي ذكرنا. فوجب بذلك إذا كان للميت عاصب أن يكون ما فضل عن فريضة الأبنة , أو البنتين , أو بنت الأبن , أو بنتي الأبن للعصبة ; لأنه أولى رجل ذكر , وليست الأخت هاهنا من أصحاب الفرائض الذين أمرنا بإلحاق فرائضهم بهم وهذا واضح لا إشكال فيه. فإن لم يكن للميت رجل عاصب أصلا أخذنا بحديث أبي قيس وجعلنا الأخت عصبة كما في نصه ولم نخالف شيئا من النصوص. والمعتق , ومن تناسل منه من الذكور أو عصبته من الذكور هم بلا شك من الرجال الذكور : فهم أولى من الأخوات إذا كان للميت ابنة أو ابنة ابن
قال علي : ليس في شيء من الروايات عن الصحابة المذكورين : أنهم ورثوا الأخت مع البنت مع وجود عاصب ذكر , فبطل أن يكون لهم متعلق في شيء منها وبالله تعالى التوفيق.
1714 - مسألة: والأم مع الولد الذكر أو الأنثى , أو ابن الابن , أو بنت الابن وإن سفل : السدس فقط ; لأنه نص القرآن , كما ذكرنا آنفا وبالله تعالى التوفيق.
1715 - مسألة: وإن كان للميت أخ , أو أخوان , أو أختان أو أخت , أو أخ , وأخت ، ولا ولد له ، ولا ولد ولد ذكر. فلأمه الثلث. فإن كان له ثلاثة من الإخوة ذكور أو إناث , أو بعضهم ذكر , وبعضهم أنثى : فلأمه السدس , لقول الله تعالى : {فإن كان له إخوة فلأمه السدس}
وهو قول ابن عباس. وقال غيره : باثنين من الإخوة ترد الأم إلى السدس ,
ولا خلاف في أنها لا ترد عن الثلث إلى السدس بأخ واحد , ولا بأخت واحدة , ولا في أنها ترد إلى السدس بثلاثة من الإخوة كما ذكرنا إنما الخلاف في ردها إلى السدس باثنين من الإخوة. حدثنا يوسف بن عبد الله النمري قال : ، حدثنا يوسف بن محمد بن عمر بن عمروس الأستجي عن أبي الطاهر محمد بن جعفر بن إبراهيم السعيدي ، حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف ، حدثنا أحمد بن صالح المصري ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، حدثنا الفقيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب هو أبو الحارث عن شعبة مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس : أنه دخل على عثمان بن عفان فقال له : إن الأخوين لا يردان الأم إلى السدس , إنما قال الله تعالى : {فإن كان له إخوة} والأخوان في لسان قومك ليسوا بإخوة فقال عثمان : لا أستطيع أن أنقض أمرا كان قبلي , توارثه الناس ومضى في الأمصار
قال أبو محمد : أما ابن عباس فقد وقف عثمان على القرآن واللغة , فلم ينكر عثمان ذلك أصلا , ولا شك في أنه لو كان عند عثمان في ذلك سنة عن النبي ﷺ أو حجة من اللغة لعارض ابن عباس بها ما فعل , بل تعلق بأمر كان قبله , توارثه الناس ومضى في الأمصار , فعثمان رأى هذا حجة , وابن عباس لم يره حجة , والمرجوع إليه عند التنازع هو القرآن , والسنة , ونصهما يشهد بصحة قول ابن عباس. وكم قضية خالفوا فيها عثمان , وعمر : كتقويمهما الدية بالبقر والغنم , والحلل , وإضعافها في الحرم والقضاء بولد الغارة رقيقا لسيد أمهم في كثير جدا.
ومن ادعى مثل هذا إجماعا ومخالف الإجماع عندهم كافر : فابن عباس على قولهم كافر , إذ خالف الإجماع ومعاذ الله من هذا , بل مكفره أحق بالكفر وأولى.
وأما الخطأ مع قصد الحق فلا يرفع عن أحد بعد رسول الله ﷺ .
وقال بعضهم : الأخوان يقع عليهما اسم إخوة
قال علي : وهذا خطأ ; لأن عثمان , وابن عباس : حجة في اللغة , وقد اجتمعا على خلاف هذا , وبنية اللغة مكذبة لهذا القول ; لأن بنية التثنية في اللغة العربية التي بها خاطبنا الله تعالى على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام غير بنية الجمع بالثلاثة فصاعدا , فلا يجوز لأحد أن يقول : الرجلان قاموا , ولا المرأتان قمن. واحتجوا في هذا بقوله تعالى : {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وهذا لا حجة لهم فيه ; لأن لكل واحد منهما يدين , والواجب قطعهما مرة بعد مرة. وذكروا قول الله تعالى : {فقد صغت قلوبكما} وهذا لا حجة لهم فيه ; لأن في لغة العرب إن كل اثنين من اثنين فإنه يخبر عنهما بلفظ الجمع , قال الراجز : ومهمهين قذفين مرتين ظهراهما مثل ظهور الترسين فهذا باب مضبوط لا يتعدى واحتجوا بقول الله تعالى : {نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض} إلى قوله تعالى : {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة} وهذا لا حجة لهم فيه , لأنه لا نكرة في دخولهما ومعهما غيرهما. وذكروا قول الله تعالى : {عسى الله أن يأتيني بهم جميعا} وهذا عليهم , لا لهم ; لأنهم كانوا ثلاثة : يوسف , وأخوه الأصغر المحتبس عن الصواع , وكبيرهم الذي قال : {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي}. وقد اتفقوا على أن من أقر لأخر بدراهم أنه يقضى عليه بثلاثة , لا بدرهمين وبالله تعالى التوفيق.
وقال بعضهم : قال الله تعالى : {وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين} قال : والحكم في الأخت , والأخ هكذا.فصح أن الأخ والأخت في قول الله تعالى : {فإن كان له إخوة فلأمه السدس} كذلك أيضا.
قال أبو محمد : أما الآيتان فحق , وأما هذا الأستدلال ففي غاية الفساد لأن الله تعالى قال : {فللذكر مثل حظ الأنثيين} وهذا جلي من النص في حكم الأخ , والأخت فقط. فإن أوجدنا مثل ذلك في حجب الأم فهو قوله , وإلا فهو مبطل مدعى بلا برهان.
وقال بعضهم : وجدنا كل ما يتغير فيه حكم الفرض فيما بعد الواحد يستوي فيه الأثنان , ما زاد عليهما كالبنتين ميراثهما كميراث الثلاث , وكالأختين ميراثهما كميراث الثلاث , وكالإخوة للأم إنما هو الثلث للأثنين كما هو للثلاث فوجب أن يكون حجب الأم بالاثنين كحجبها بالثلاث
قال علي : فقلنا : ما وجب هذا قط كما تقول , لأنه حكم منك لا من الله تعالى , وكل ما قال الله تعالى فحق , وكل ما قلت أنت مما لم يقله عز وجل فكذب , وباطل , فهات برهانا على صحة تشبيهك هذا وإلا فهو باطل وبالله تعالى التوفيق. وقد وجب للأم بنص القرآن : الثلث ولم يحطها الله تعالى إلى السدس إلا بولد للميت , أو بأن يكون له إخوة فلا يجوز منعها مما أوجبه الله تعالى لها , إلا بيقين من سنة واردة ، ولا سنة في ذلك ، ولا إجماع وبالله تعالى التوفيق.
1716 - مسألة: فإن كان الميت ترك زوجة وأبوين , أو ماتت امرأة وتركت زوجا وأبوين : فللزوج النصف , وللزوجة الربع , وللأم الثلث من رأس المال كاملا وللأب من ابنته السدس , ومن ابنه الثلث , وربع الثلث.
وقالت طائفة : ليس للأم في كلتيهما إلا ثلث ما بقي بعد ميراث الزوج , والزوجة
وهذا قول رويناه صحيحا عن عمر بن الخطاب , وعثمان , وابن مسعود في الزوجة والأبوين , والزوج والأبوين وصح عن زيد , ورويناه عن علي ولم يصح عنه
وهو قول الحارث الأعور , والحسن , وسفيان الثوري , ومالك , وأبي حنيفة , والشافعي , وأصحابهم
وهو قول إبراهيم النخعي.
وها هنا قول آخر رويناه من طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا أيوب السختياني : أن محمد بن سيرين قال في رجل ترك امرأته وأبويه : للمرأة الربع , وللأم ثلث جميع المال , وما بقي فللأب وقال في امرأة تركت زوجها وأبويها : للزوج النصف , وللأم ثلث ما بقي , وللأب ما بقي قال : إذا فضل الأب الأم بشيء فإن للأم الثلث.
وأما القول الذي قلنا به : فرويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عبد الله الأصبهاني عن عكرمة وعن ابن عباس : ، أنه قال في زوج وأبوين : للزوج النصف , وللأم الثلث من جميع المال.
ومن طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال : قال علي بن أبي طالب : للأم ثلث جميع المال. في امرأة وأبوين , وزوج وأبوين
وروي أيضا عن معاذ بن جبل
وهو قول شريح .
وبه يقول أبو سليمان.
قال أبو محمد : احتج أهل القول بأن للأم ثلث ما بقي بما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبيه عن المسيب بن رافع قال قال ابن مسعود : ما كان الله ليراني أفضل أما على أب. وب
ما روينا من طريق وكيع عن سفيان عن فضيل بن عمرو العقيمي عن إبراهيم النخعي قال : خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج , وأبوين. وقالوا : معنى قول الله عز وجل : {وورثه أبواه فلأمه الثلث أي مما يرثه أبواه}. ما نعلم لهم حجة غير هذا , وكل هذا لا حجة لهم فيه. أما قول ابن مسعود , فلا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ ولا نكرة في تفضيل الأم على الأب : فقد صح عن رسول الله ﷺ أن رجلا سأله فقال : يا رسول الله من أحق بحسن صحبتي فقال له رسول الله : أمك , قال : ثم من يا رسول الله قال : أمك , قال ثم من يا رسول الله قال : أمك , قال : ثم من يا رسول الله قال : ثم أبوك ففضل الأم عليه الصلاة والسلام على الأب في حسن الصحبة وقد سوى الله تعالى بين الأب والأم بإجماعنا وإجماعهم في الميراث إذا كان للميت ولد ف لأبويه لكل منهما السدس فمن أين تمنعون من تفضيلها عليه إذا أوجب ذلك نص. ثم إن هؤلاء المحتجين بقول ابن مسعود هذا أول مخالفين له في ذلك
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم النخعي , قال : كان عمر بن الخطاب , وعبد الله بن مسعود لا يفضلان أما على جد.
قال أبو محمد : والمموهون بقول ابن مسعود هذا يخالفونه , ويخالفون عمر , فيفضلون الأم على الجد , وهم يفضلون الأنثى على الذكر في بعض المواريث. فيقولون في امرأة ماتت وتركت زوجها , وأمها , وأخوين شقيقين , وأختها لأم : إن للأخت للأم السدس كاملا , وللذكرين الأخوين الشقيقين السدس بينهما , لكل واحد منهما نصف السدس. ويقولون بآرائهم في امرأة ماتت وتركت زوجها , أو أختها شقيقتها وأخا لأب : إن الأخ لا يرث شيئا فلو كان مكانه أخت : فلها السدس , يعال لها به , فهم لا ينكرون تفضيل الأنثى على الذكر ثم يموهون بتشنيع تفضيل الأم على الأب حيث أوجبه الله تعالى.
وأما قول إبراهيم : خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج وأبوين , فإن كان خلاف أهل الصلاة كفرا أو فسقا فلينظروا فيما يدخلون والمعرض بابن عباس في هذا أحق بهاتين الصفتين من ابن عباس. والعجب من هذه الرواية كيف يجوز أن يقول هذا إبراهيم وهو يروي عن علي بن أبي طالب. موافقة ابن عباس في ذلك كما أوردنا وما وجدنا قول المخالفين يصح عن أحد إلا عن زيد وحده ,
وروي عن علي , وابن مسعود ولم يصح عنهما وقد يمكن أن يخرج قول عمر , وعثمان , وابن مسعود على قول ابن سيرين وليس يقال في إضعاف هذه الروايات : خالف أهل الصلاة فبطل ما موهوا به من هذا ولله تعالى الحمد.
وأما قولهم في قول الله تعالى : {وورثه أبواه فلأمه الثلث} أي مما يرثه أبواه : فباطل , وزيادة في القرآن لا يجوز القول بها.
برهان ذلك ما رويناه من طريق محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة , قال : أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين فقال : للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي , فقال ابن عباس : أتقوله برأيك أم تجده في كتاب الله تعالى قال زيد : أقوله برأيي , ولا أفضل أما على أب.
قال علي : فلو كان لزيد بالآية متعلق ما قال : أقوله برأيي لا أفضل أما على أب , ولقال: بل أقوله بكتاب الله عز وجل
قال أبو محمد : ليس الرأي حجة , ونص القرآن يوجب صحة قول ابن عباس بقوله تعالى: {فلأمه الثلث} فهذا عموم لا يجوز تخصيصه. والعجب أنهم مجمعون معنا على قوله تعالى : {فإن كان له إخوة فلأمه السدس} أن ذلك من رأس المال , لا مما يرثه الأبوان , ثم يقولون هاهنا في قوله تعالى : {فلأمه الثلث} إن المراد به ما يرث الأبوان وهذا تحكم في القرآن وإقدام على تقويل الله تعالى ما لم يقل ونعوذ بالله من هذا.
وأما قول ابن سيرين : فأصاب في الواحدة وأخطأ في الأخرى ; لأنه فرق بين حكم النص في المسألتين , وإنما جاء النص مجيئا واحدا على كل حال وبالله تعالى التوفيق.
1717 - مسألة: وللزوج النصف إذا لم يكن للزوجة ولد ذكر أو أنثى ، ولا ولد ولد ذكر أو أنثى , من ولد ذكر وإن سفل سواء كان الولد من ذلك الزوج أو من غيره. فإن كان للمرأة ابن ذكر أو أنثى , أو ابن ابن ذكر , أو بنت ابن ذكر وإن سفل كما ذكرنا. فليس للزوج إلا الربع. وللزوجة الربع إن لم يكن للزوج ابن ذكر ، ولا أنثى , ولا ابن ابن ذكر أو بنت ابن ذكر , أو بنت ابن ابن ذكر وإن سفل من ذكرنا سواء من تلك الزوجة كان الولد المذكور , أو من غيرها. فإن كان للزوج ولد , أو ولد ولد ذكر كما ذكرنا فليس للزوجة إلا الثمن , وسواء كانت زوجة واحدة , أو اثنتان , أو ثلاث , أو أربع : هن شركاء في الربع , أو الثمن.
برهان ذلك نص القرآن المحفوظ , ولا خلاف في هذا أصلا , ولا حكم لولد البنات في شيء من ذلك , وبيقين يدري كل أحد أنه قد كان في عهد رسول الله ﷺ أموات تركوا بني بنات , فاتسق نقل الجميع عصرا بعد عصر أنهم لم يرثوا , ولا حجبوا , بل كأنهم لم يكونوا , بخلاف التحريم في عقد النكاح والوطء المنقول عصرا بعد عصر بلا خلاف أنه على العموم في بني البنات , وبني البنين , وبخلاف وجوب الحق , والعتق , والنفقة التي أوجبته النصوص.