→ كتاب المواريث (مسأله 1736 - 1738) | ابن حزم - المحلى كتاب المواريث (مسأله 1739 - 1746) ابن حزم |
كتاب المواريث (مسأله 1747 - 1750) ← |
كتاب المواريث
الآثار الواردة في الجد
1739 - مسألة: وما أعتقت المرأة ثم ماتت , ولها بنون وعصبة من إخوة , أو بني إخوة وإن سفلوا أو أعمام , أو بني أعمام وإن بعدوا وسفلوا : فميراث من أعتقت لعصبتها لا لولدها , إلا أن يكون ولدها عصبتها , كأولاد أم الولد من سيدها , أو يكونوا من بني عمها لا أحد من بني جدها , ولا من بني أبيها : أقرب إليها منهم. وقال آخرون : بل الميراث لولدها , وهذا مكان اختلف الناس فيه : فروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي : أن علي بن أبي طالب , والزبير بن العوام : اختصما إلى عمر في مولى لصفية بنت عبد المطلب فقضى عمر بالعقل على علي , وبالميراث للزبير.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن عبد الله بن رباح عن عبد الله بن معقل عن علي بن أبي طالب قال : الولاء شعبة من النسب , من أحرز الولاء أحرز الميراث.
ومن طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين أنه كان يقول : أحقهم بالولاء أحقهم بالميراث.
قال علي : الأحق بالولاء هم عصبتها الذين إليهم ينتمي الموالي , فيقولون : نحن موالي بني أسد إن كانت هي أسدية , ولا ينتمون إلى بني تميم إن كان ولدها من تميم.
قال أبو محمد : بقول علي هاهنا نقول , وقال بقول عمر : الشعبي , وعطاء , وابن أبي ليلى , وأبو حنيفة , ومالك , والشافعي , وأصحابهم.
قال أبو محمد : برهان صحة قولنا : قول رسول الله ﷺ : مولى القوم منهم. وقال عليه الصلاة والسلام : ما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر وإذا كانت المرأة من مضر وبنوها من اليمن : فمواليها من مضر , بلا شك. ومن المحال أن يكون رجل يماني يرث مضريا بالتعصيب , بل يرثه الذي هو منهم , ومن المحال أن يكون رجل يماني أولى برجل مضري. والعجب أنهم يقولون : إن انقرض ولدها عاد ميراثهم إلى عصبة أمهم من مضر , لا إلى عصبة أبناء المعتقة , فهل سمع بأعجب من هذا وكيف يرثون عن أمهم ولاء لا يرثه عنهم عصبتهم , إن هذا المحال ظاهر , وإذا لم يورث عنهم آخرا فمن المحال أن يرثوه هم أولا. وما نعلم لهم شيئا شغبوا به أكثر من أن قالوا : كما يرثون مال أمهم كذلك يرثون ولاء مولاها الذي لو كانت حية لورثته هي.
قال علي : وهذا باطل ليس من يرث المال يرث الولاء , وهم لا يختلفون معنا في أن امرأة لو ماتت ولها مال وموال , وتركت : زوجها , وأختها , وبني عمها : فإن جميع ميراثها لزوجها وأختها , ولا حق لهما في ولاء مواليها , وأن ولاء مواليها لبني عمها الذين لا يأخذون من مالها شيئا.
وكذلك : امرأة ماتت وتركت : زوجا , وبنتين ,
وأما , وبني ابن : فإن المال كله للزوج والبنتين والأم , ولا يأخذ منه بنو الأبن شيئا , وأن ولاء مواليها عندهم لبني الأبن , ولا يرث منه الذين ورثوا المال شيئا : فظهر فساد احتجاجهم , وبطل قولهم , إذ عري من
برهان وبالله تعالى التوفيق. فإن موهوا بقضاء عمر : فقد قضى عمر في هذه المسألة نفسها بأن عصبة ولدها يرثون ولاء مواليها عن ولدها , ولا يرثه إخوتها : فقد خالفوا عمر في ذلك تحكما بالباطل وبالله تعالى التوفيق.
1740 - مسألة: وما ولد للمملوك من حرة فإنه لا يرثه من أعتق أباه بعد ذلك , وإنما يرث المرء ما نفخ فيه الروح من حمل بعد أن أعتق أباه.
برهان ذلك : قول رسول الله ﷺ : الولاء لمن أعتق وهذا المولود خلق حرا , ولا ولاء عليه لأحد , فلا يجوز أن يحدث عليه بعد حريته ولاء لمن لم يعتقه , ولا كان ذلك الولاء عليه قبل إلا بنص , ولا نص في ذلك.
وأما من نفخ فيه الروح بعد ثبات الولاء على أبيه فإنه لم يكن قط موجودا إلا والولاء عليه ثابت فميراثه لمولاه. وقد
روينا عن الشعبي : لا ولاء إلا لذي نعمة.
1741 - مسألة: وما ولد لمولى من مولاة لأخرين فولاؤه لمن أعتق , أباه , أو أجداده وهذا لا خلاف فيه. وما ولدت المولاة من عربي فلا ولاء عليه لموالي أمه , وهذا لا خلاف فيه. وما ولدت المولاة من زوج مملوك , أو من زنى , أو من إكراه , أو حربي , أو لاعنت عليه , فقد قال قوم : ولاؤه لموالي أمه ، ولا نقول بهذا , بل لا ولاء عليه لأحد ; لأنه لم يأت بإيجاب الولاء عليه نص , ولا إجماع , بل قد أجمعوا على كل ما ذكرنا من أنه لا حكم للولاء المنعقد على أمه إن كان أبوه مولى , أو عربيا فظهر تناقضهم وبالله تعالى التوفيق.
1742 - مسألة: والعبد لا يرث , ولا يورث : ماله كله لسيده , هذا ما لا خلاف فيه , وقد جاء به نص نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وروينا عن بعض الصحابة : أنه يباع فيعتق فيرث وهذا لا يوجبه قرآن ، ولا سنة , فلا يجوز القول به.
1743 - مسألة: والمكاتب إذا أدى شيئا من مكاتبته فمات , أو مات له مورث ورث منه ورثته بقدر ما أدى فقط , وورث هو أيضا بمقدار ما أدى فقط , ويكون ما فضل عما ورث لسائر الورثة , ويكون ما فضل عن ورثته لسيده. وهذا مكان اختلف الناس فيه ,
وقد ذكرنا في " كتاب المكاتب " وذكرنا ما صح عن النبي ﷺ في ذلك فأغنى عن إعادته. ومن مات وبعضه حر وبعضه عبد : فللذي له الولاء مما ترك بمقدار ما له فيه من الولاء والباقي للذي له الرق سواء كان يأخذ حصته من كسبه. في حياته أو لم يكن يأخذه لأن الباقي بعد ما كان يأخذ : ملك لجميع المكاتب يأكله , ويتزوج فيه , ويتسرى , ويقضي منه ديونه , ويتصدق به , فهو ماله وهو ما لم يأخذه الذي له فيه بقية فإذا مات فهو مال يخلفه , ليس للذي تمسك بالرق أن يأخذه الآن , إذ قد وجب فيه حق للذي له فيه بعض الولاء. وقد اختلف الناس في هذا : فقال مالك : ماله كله للذي له فيه شيء من الرق
وهو قول الزهري , وأحد قولي الشافعي. وقال قتادة : ميراثه كله للذي له فيه شعبة العتق.
وقال أبو حنيفة : يؤدي من ماله قيمة ما فيه من الرق ويرث الباقي ورثته وإن لم يرق بذلك : فماله كله للمتمسك بالرق. وقال بعض أصحاب الشافعي : ماله لبيت مال المسلمين.
وقال الشافعي في أحد أقواله : إنه يورث بمقدار ما فيه من العتق , ولا يرث هو بذلك المقدار. وقولنا في ذلك الذي ذكرنا هو قول علي بن أبي طالب , وابن مسعود , وإبراهيم النخعي , وعثمان البتي , والشعبي , وسفيان الثوري , وأحمد بن حنبل وداود , وجميع أصحابه , وأحد أقوال الشافعي.
1744 - مسألة: وولد الزنى يرث أمه , وترثه أمه , ولها عليه حق الأمومية من : البر , والنفقة , والتحريم , وسائر حكم الأمهات : ولا يرثه الذي تخلق من نطفته , ولا يرثه هو , ولا له عليه حق الأبوة لا في بر , ولا في نفقة , ولا في تحريم , ولا في غير ذلك , وهو منه أجنبي ، ولا نعلم في هذا خلافا إلا في التحريم فقط.
برهان صحة ما قلنا : قول رسول الله ﷺ : الولد للفراش وللعاهر الحجر وقوله عليه الصلاة والسلام أيضا الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر. فألحق الولد بالفراش وهي الأم وبصاحبه وهو الزوج , أو السيد ولم يجعل للعاهر إلا الحجر. ومن جعل تحريما بما لا حق له في الأبوة فقد ناقض وبالله تعالى التوفيق.
1745 - مسألة: والمولودون في أرض الشرك يتوارثون كما يتوارث من ولد في أرض الإسلام بالبينة أو بإقرارهم إن لم تكن بينة سواء أسلموا وأقروا مكانهم , أو تحملوا , أو سبوا فأعتقوا. وهذا مكان اختلف الناس فيه : فروينا عن عمر , وعثمان : أنه لا يرث أحد بولادة الشرك. وعن يحيى بن سعيد الأنصاري : أدركت الصالحين يذكرون : أن في السنة : أن ولادة العجم ممن ولد في أرض الشرك ثم تحمل : أن لا يتوارثوا. وعن عمر بن عبد العزيز , وعروة بن الزبير , وعمرو بن عثمان بن عفان , وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة , وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : لا يورث أحد بولادة الأعاجم إلا أحد ولد في العرب. ولا نعلم يصح عن عمر , وعثمان : شيء من هذا ; لأنها منقطعة عن مالك عن الثقة عن سعيد بن المسيب : أن عمر.. ومن طريق فيها علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وأبان بن عثمان : أن عمر ولم يدرك أبان عمر ، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان : أن عمر , وعثمان وهذا أبعد والزهري : أن عمر , وعثمان وما ورث عمر ولده عبد الله , وأم المؤمنين حفصة إلا بولادة الشرك.
وقالت طائفة : كما روينا من طريق عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن سفيان الثوري عن مجالد عن الشعبي عن شريح : أن عمر بن الخطاب كتب إليه : أن لا يورث الحميل إلا ببينة.
ومن طريق عبد الرزاق ، حدثنا معمر : أخبرني عاصم بن سليمان قال : كتب عمر بن عبد العزيز : أن لا يتوارث الحملاء في ولادة الكفر فعاب ذلك عليه الحسن , وابن سيرين , وقالوا : ما شأنهم أن لا يتوارثوا إذا عوفوا وقامت البينة.
ومن طريق حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد ، عن ابن سيرين , والحسن , قالا جميعا : إذا قامت البينة ورث الحميل.
ومن طريق حماد بن سلمة عن الحجاج , وحماد بن أبي سليمان , أو أحدهما عن الشعبي , والنخعي , قالا جميعا : لا يورث الحميل إلا ببينة
وهو قول الثوري , وأبي حنيفة , وأبي سليمان , وأصحابهما.
وقالت طائفة : يتوارث الحملاء بالبينة أو بالإقرار إن لم تكن بينة ,
كما روينا من طريق محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي , قال : قال عمر بن الخطاب : كل نسب يتواصل عليه في الإسلام فهو وارث موروث.
ومن طريق غندر عن شعبة عن الحكم بن عتيبة , وحماد بن أبي سليمان قالا جميعا : الحميل يورث.
ومن طريق غندر عن شعبة عن المغيرة بن مقسم الضبي عن إبراهيم النخعي ، أنه قال في الحميل : إذا قامت البينة أنه كان يصل منه ما يصل من أخيه , ويحرم منه ما يحرم من أخيه : ورثه.
ومن طريق أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش قال : كان أبي حميلا فورثه مسروق وعن عبد الرحمن بن أذينة أنه ورث حميلا بشهادة رجل وامرأة أنه كان أخاه وبشهادة امرأة أخرى أنها سمعته يقول : هو أخي.
ومن طريق عبد الرزاق عن إسرائيل بن يونس عن أشعث بن أبي الشعثاء : ، أنه قال : خاصمت إلى شريح في مولاة للحي ماتت عن مال كثير , فجاء رجل فخاصم مواليها , وجاء بالبينة أنها كانت تقول : أخي فورثه شريح.
وقال الشافعي : إذا قامت البينة ورث الحميل كان عليه ولاء أو لم يكن فإن لم يكن إلا إقرار فقط ورث به من لا ولاء عليه , ولا يورث به من عليه ولاء.
وقال مالك : لا يرث الحميل ببينة أصلا , إلا أن يكون أهل مدينة أسلموا فشهد بعضهم لبعض بما يوجب الميراث فإنهم يتوارثون بذلك.
قال أبو محمد : أما قول مالك , والشافعي فلا نعلم أحدا قبلهما قسم هذا التقسيم , وهما قولان مخالفان للقرآن , والسنن , والأصول , في إسقاط مالك الحكم ببينة العدل في ذلك , بخلاف جميع الأحكام. وتفريق الشافعي , ومالك بين من عليه ولاء وبين من لا ولاء عليه , وبين أهل المدينة يسلمون , أو يسبون فيسلموا , ووجدنا الإقرار بالمواليد الموجبة للمواريث : لا نعلم ألبتة صحة المواليد إلا به , فما تصح بنوة أحد إلا بإقرار الآباء أنه ولد , أو بإقرار أخوين يقدمان مسافرين ويجب ميراثهما. وبهذا الإقرار يتوارث أهل الكفر إذا أسلموا عندنا من أهل الذمة , فالتفريق بين كل ذلك لا وجه له , وبالإقرار توارث المهاجرون في عصر رسول الله ﷺ من أحياء العرب وغيرهم , فالتفريق بين ذلك خطأ لا خفاء به وبالله تعالى التوفيق.
1746 - مسألة: ولا يرث المسلم الكافر , ولا الكافر المسلم المرتد وغير المرتد سواء إلا أن المرتد مذ يرتد فكل ما ظفر به من ماله فلبيت مال المسلمين رجع إلى الإسلام أو مات مرتدا , أو قتل مرتدا , أو لحق بدار الحرب وكل من لم يظفر به من ماله حتى قتل أو مات مرتدا : فلورثته من الكفار , فإن رجع إلى الإسلام فهو له , أو لورثته من المسلمين إن مات مسلما.
روينا من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد عن النبي ﷺ قال : لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه شيء.
فإن قيل : إنكم تقولون : إن مات عبد نصراني , أو مجوسي , أو يهودي وسيده مسلم فماله لسيده
قلنا : نعم , لا بالميراث , لكن لأن للسيد أخذه في حياته فهو له بعد وفاته والعبد لا يورث بالخبر الذي جاء عن النبي ﷺ في ميراث المكاتب فلم يجعل للجزء المملوك ميراثا لا له ، ولا منه. واختلف الناس في بعض هذا : فروينا عن معاذ بن جبل , ومعاوية , ويحيى بن يعمر , وإبراهيم , ومسروق : توريث المسلم من الكافر , ولا يرث الكافر المسلم :
وهو قول إسحاق بن راهويه , وهو عن معاوية ثابت.
كما روينا من طريق حماد بن سلمة ، حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق أن معاوية كان يورث المسلم من الكافر , ولا يورث الكافر من المسلم. قال مسروق : ما حدث في الإسلام قضاء أعجب إلي منه
وقال أحمد بن حنبل : لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم إلا أن يكون مسلم أعتق كافرا فإنه يرثه
واحتج لهذا القول بما روينا من طريق ابن وهب عن محمد بن عمرو ، عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله ﷺ : لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته.
قال أبو محمد : أبو الزبير عن جابر ما لم يقل " سمعت , أو أنا , أو أرنا " تدليس , ولو صح فليس فيه : إلا عبده , أو أمته , ولا يسمى المعتق , ولا المعتقة : عبدا , ولا أمة. واختلفوا في ميراث المرتد : فصح عن علي بن أبي طالب : أنه لورثته من المسلمين :
كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي عمرو الشيباني : أن علي بن أبي طالب جعل ميراث المرتد لورثته من المسلمين
وروي مثله ، عن ابن مسعود , ولم يصح.
ومن طريق وكيع ، حدثنا سفيان الثوري عن موسى بن أبي كثير قال : سألت سعيد بن المسيب عن المرتد هل يرث المرتد بنوه فقال : نرثهم ، ولا يرثوننا , قال : وتعتد امرأته ثلاثة قروء , فإن قتل : فأربعة أشهر وعشرا.
ومن طريق سفيان الثوري عن عمرو بن عبيد عن الحسن قال : كان المسلمون يطيبون ميراث المرتد لأهله إذا قتل.
وروي توريث مال المقتول على الردة لورثته من المسلمين عن عمر بن عبد العزيز , والشعبي , والحكم بن عتيبة , والأوزاعي , وإسحاق بن راهويه. وقال سفيان الثوري : ما كان من ماله في ملكه إلى أن ارتد فلورثته من المسلمين , وما كسب بعد ردته فلجميع المسلمين
وقال أبو حنيفة : إن راجع الإسلام فماله فإن قتل على الردة أو لحق بدار الحرب فما كسب بعد الردة فلجميع المسلمين , وما كان له قبل الردة فلورثته من المسلمين , ويقضي القاضي بعتق مدبريه , وأمهات أولاده , فإن رجع إلى أرض الإسلام مسلما أخذ ما وجد من ماله بأيدي ورثته ; ، ولا يرجع عليهم بشيء مما أكلوه , أو أتلفوه , وكل ما حمل من ماله إلى أرض الحرب فهو لجميع المسلمين إذا ظفر به , لا لورثته , فلو رجع من أرض الحرب إلى أرض الإسلام فأخذ مالا من ماله فنهض به إلى أرض الحرب فظفر به , فهو لورثته من المسلمين , فلو كانت له أمتان إحداهما مسلمة , والأخرى كافرة , فولدتا منه لأكثر من ستة أشهر مذ ارتد فأقر بهما لحقا به جميعا , وورثه ابن المسلمة , ولم يرثه ابن الذمية. قال : ولا يرث المرتد مذ يرتد إلى أن يقتل أو يموت , أو يسلم أحد من ورثته المسلمين , ولا الكفار أصلا.
وقالت طائفة : ميراثه لبيت مال المسلمين :
كما روينا ، عن ابن وهب عن الثقة عنده عن عباد بن كثير عن أبي إسحاق الهمداني عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال : ميراث المرتد في بيت مال المسلمين.
وبه يقول ربيعة , وابن أبي ليلى , والشافعي , وأبو ثور.
وقال مالك : إن قتل , أو مات , أو لحق بدار الحرب , فهو في بيت مال المسلمين , فإن رجع إلى الإسلام فماله له , فإن ارتد عند موته , فإن اتهم : إنما ارتد ليمنع ورثته فماله لورثته هذا مع قوله : إن من ارتد عند موته لم ترثه امرأته ; لأنه لا يتهم أحد بأنه يرتد ليمنع أخذ الميراث. وقال أبو سليمان : ميراث المرتد إن قتل لورثته من الكفار. وقال أشهب : مال المرتد مذ يرتد لبيت مال المسلمين.
قال أبو محمد : أما قول مالك : فظاهر الأضطراب والتناقض كما ذكرنا , وحكم بالتهمة وهو الظن الكاذب الذي حرم القرآن والسنة الحكم به ,
وأما قول سفيان : فتقسيم فاسد لا دليل عليه من قرآن , ولا سنة , ولا قياس , ولا قول صاحب.
وأما قول أبي حنيفة فوساوس كثيرة فاحشة : منها : تفريقه بين المرتد وسائر الكفار. ومنها : توريثه ورثته على حكم المواريث وهو حي بعد. ومنها : قضاؤه له إن رجع بما وجد , لا بما استهلكوا ، ولا يخلو من أن يكون وجب للورثة ما قضوا لهم به , أو لم يجب لهم , ولا سبيل إلى ثالث. فإن كان وجب لهم فلأي شيء ينتزعه من أيديهم وهذا ظلم وباطل وجور. وإن كان لم يجب لهم فلأي شيء استحلوا أن يقضوا لهم به حتى أكلوه , وورث عنهم , وتحكموا فيه , ولئن كان رجع إلى المراجع إلى الإسلام فما الذي خص برجوعه إليه ما وجد دون ما لم يجد وإن كان لم يرجع إليه , فبأي شيء قضوا له به إن هذا لضلال لا خفاء به
وأعجب شيء اعتراض هؤلاء النوكى على رسول الله ﷺ في نكاحه أم المؤمنين صفية , وجعله عتقها صداقها بقولهم السخيف : لا يخلو من أن يكون تزوجها وهي أمة , فهذا لا يجوز , أو تزوجها وهي حرة معتقة فهذا نكاح بلا صداق , مع إجازتهم لأبي حنيفة هذه الحماقات , والمناقضات , وما تزوج رسول الله ﷺ صفية ، رضي الله عنها ، إلا وهي حرة معتقة بصداق قد صح لها وتم , وهو عتقه لها. ثم تفريق أبي حنيفة بين مال تركه في أرض الإسلام , أو مال حمله مع نفسه إلى أرض الكفر , ومال تركه ثم رجع فيه فحمله فهذا من المضاعف نسجه ونعوذ بالله من التخليط مع أن هذه الأحكام الفاسدة لا تحفظ عن أحد قبل أبي حنيفة , ولا عن أحد غيره قبل من ضل بتقليده.
وأما من قال من السلف : بأن ميراثه لورثته من المسلمين فلا حجة لهذا القول إلا التعلق بظاهر آيات المواريث , وأنه تعالى لم يخص مؤمنا من كافر فيقال لهم : لقد بينت السنة ذلك , وأنتم قد منعتم المكاتب من الميراث والقرآن يوجبه له , والسنة كذلك , ومنعتم القاتل برواية لا تصح , ومنعتم سائر الكفار من أن يرثهم المسلمون وقد قال بذلك بعض السلف وهذا تحكم لا وجه له , فبطل تعلقهم بالقرآن في ذلك.
قال أبو محمد : والذي نقول به فهو الذي ذكرنا قبل , برهاننا على ذلك : أن كل ما ظفر به من ماله فهو مال كافر , لا ذمة له , وقد قال تعالى : {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} ، ولا يحرم مال كافر إلا بالذمة , وهذا لا ذمة له , فإن رجع إلى الإسلام فلم يرجع إلا وقد بطل ملكه له , أو عنه , ووجب للمسلمين , فلا حق له فيه إلا كأحد المسلمين.
وأما ما لم يظفر به من ماله فهو باق على ما قد ثبت وصح من ملكه له [ فهو له ] ما لم يظفر المسلمون به , لا فرق بينه وبين سائر أهل الحرب الذين لا ذمة لهم في ذلك. فإن مات أو قتل فهو لورثته الكفار خاصة , لقول الله تعالى : {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} وآيات المواريث العامة للمسلمين والكفار , فلا يخرج عن حكمها إلا ما أخرجه نص سنة صحيح. فإن كانوا ذمة سلم إليهم من ظفر به ; لأنهم قد ملكوه بالميراث. وإن كانوا حربيين أخذ للمسلمين متى ظفر به. فإن أسلم فهو له يرثه عنه ورثته من المسلمين كسائر المسلمين. وهذا حكم القرآن والسنن , وموجب الإجماع والحمد لله رب العالمين.