→ كتاب المواريث (مسأله 1731 - 1735) | ابن حزم - المحلى كتاب المواريث (مسأله 1736 - 1738) ابن حزم |
كتاب المواريث (مسأله 1739 - 1746) ← |
كتاب المواريث
الآثار الواردة في الجد
1736 - مسألة: روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا معاوية بن صالح , ، ومحمد بن عيسى , وسليمان بن سلم البلخي , قال محمد بن عيسى ، هو ابن الطباع ، حدثنا هشيم , وقال معاوية : حدثني عبد الله بن سوار العنبري ، حدثنا وهيب ، هو ابن خالد ثم اتفق هشيم , ووهيب , كلاهما عن يونس ، هو ابن عبيد عن الحسن عن معقل بن يسار أن رسول الله ﷺ أعطى الجد السدس قال معاوية في حديثه : لا ندري مع من , وقال سليمان البلخي : أنا النضر ، هو ابن شميل أخبرني يونس يعني ابن أبي إسحاق عن أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون : أن عمر جمع أصحاب رسول الله ﷺ في شأن الجد فنشدهم : من سمع من رسول الله ﷺ في الجد شيئا فقال معقل بن يسار المزني : سمعت رسول الله ﷺ أتى بفريضة فيها جد , فأعطى ثلثا أو سدسا , فقال له عمر : ما الفريضة فقال : لا أدري وذكر الخبر.
ومن طريق أبي داود ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحصين أن رجلا أتى رسول الله ﷺ فقال : إن ابن ابني مات فما لي من ميراثه قال : السدس , فلما أدبر دعاه , فقال : لك سدس آخر , فلما أدبر دعاه , فقال : إن السدس الآخر طعمة.
قال أبو محمد : في سماع الحسن من عمران كلام وهذا يخرج أحسن خروج في ابنتين وجد : فللبنتين الثلثان فريضة مسماة , وللجد مع الولد عموما السدس فرضا مسمى , وله السدس الآخر بالتعصيب ; لأنه أولى رجل ذكر.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عيسى ، هو ابن عيسى الحناط عن الشعبي : أن عمر نشد الناس في الجد فقام رجل فقال : رأيت رسول الله ﷺ أعطاه الثلث , قال : من معه قال : لا أدري , فقال رجل : سمعت رسول الله ﷺ أعطاه السدس , قال : من معه قال : لا أدري.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا أبو معشر عن عيسى بن أبي عيسى الحناط أن عمر بن الخطاب سأل الناس : أيكم سمع رسول الله ﷺ قال في الجد شيئا فقال له رجل : أعطاه سدس ماله , وقال آخر : أعطاه ثلث ماله , وقال آخر : أعطاه نصف ماله , وقال آخر : أعطاه المال كله ليس منهم أحد يدري مع من من الورثة.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله ﷺ : أجرؤكم على قسم الجد أجرؤكم على النار.
قال أبو محمد : هذا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد القارئ من بني الهون بن خزيمة حليف لبني زهرة ثقة ابن ثقة ما نعلم الآن في الجد أثرا غير هذه وليس فيها إلا سدس , وثلث , ونصف , وكل , وبها نقول : فللجد مع الولد الذكر السدس , ومع البنات الثلث , ومع البنت النصف وإذا لم يكن ولد , ولا أم , ولا جدة , ولا زوج , ولا زوجة , ولا أب : فله الكل.
قال أبو محمد : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في حجة كل قول منها لنعلم الحق فنتبعه بحول الله تعالى ومنه , فوجدنا من توقف في ميراثه يمكن أن يحتج بمرسل سعيد الذي أوردنا قبل هذا المكان بثلاثة أسطار أو أربعة وهو لا حجة فيه ; لأنه مرسل , وحاش لله أن يكون رسوله المبعوث بالبيان لا يبين ما أمر ببيانه ثم يتوعد فيها بأنه جريء على النار , وما لم يبينه علينا فلا يلزمنا أصلا , وكل ما ألزمنا فقد بينه علينا , وإذا
قلنا ما بينه علينا فما اجترأنا على النار , بل سلكنا في طريق الجنة. ولا يخلو الجد من أن يكون له ميراث , أو لا يكون له ميراث , فإن كان لا ميراث له , فمانعه محسن , وإن كان له ميراث فإعطاؤه حقه فرض , لا يحل منعه منه , فالجرأة على أحدهما فرض واجب , ولا بد من إعطائه أو من منعه , فمن المحال أن تكون الجرأة في حكمه في الميراث فرضا , يعصي الله تعالى من تركها , ثم يتوعد على فعل ما افترض الله تعالى علينا بالنار , ولكن هذا عيب المرسل , والله قطعا ما قال رسول الله ﷺ قط هذا الكلام وهو يتلو كلام ربه تعالى : {اليوم أكملت لكم دينكم}. و قد تبين الرشد من الغي. ولكن سعيد إذ أضافه إلى النبي ﷺ أوهم , وإنما هو موقوف على علي وعن عمر , وصحيح ، عن ابن عمر كما أوردنا قبل , أو وهم من دون سعيد فأضافه إلى النبي ﷺ . وإنما المحفوظ من طريق سعيد : أنه عن عمر كما أوردنا قبل أو سمعه سعيد ممن وهم فيه , لا بد من أحدهما فسقط هذا القول. ثم نظرنا في قول زيد , وعبد الرحمن بن غنم اللذين منعاه الميراث مع الإخوة فوجدنا حجتهم أن قالوا : وجدنا ميراث الإخوة منصوصا في القرآن , ولم نجد للجد ميراثا في القرآن , ووجدنا الجد يدلي بولادته لأبي الميت , ووجدنا الإخوة يدلون بولادة أبي الميت : فهم أقرب منه. وقد
روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عيسى الحناط عن الشعبي : أن عمر سأل زيدا عن الجد فضرب له زيد مثلا : شجرة خرجت لها أغصان , قال الشعبي : فذكر شيئا لا أحفظه , فجعل له الثلث , قال سفيان : بلغني ، أنه قال : يا أمير المؤمنين شجرة أنبتت كالشعب منها غصن , فالشعب من الغصن غصنان , فما جعل الغصن الأول أولى من الغصن الثاني وقد خرج الغصنان جميعا من الغصن الأول ثم سأل عليا فضرب له مثلا : واديا سال فيه سيل , فجعله أخا فيما بينه وبين ستة : فأعطاه السدس.
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أن عمر بن الخطاب لما استشار في ميراث بين الجد والإخوة قال زيد : وكان رأيي يومئذ أن الإخوة أحق بميراث أخيهم من الجد وعمر يومئذ يرى الجد أولى بميراث ابن ابنه من إخوته فتحاورت أنا وعمر محاورة شديدة , فضربت له في ذلك مثلا , فقلت : لو أن شجرة تشعب من أصلها غصن , ثم تشعب من ذلك الغصن خوطان ذلك الغصن يجمع الخوطين دون الأصل ويغذوهما , ألا ترى يا أمير المؤمنين أن أحد الخوطين أقرب إلى أخيه منه إلى الأصل قال زيد : فأنا أعيد له , وأضرب له هذه الأمثال , وهو يأبى إلا أن الجد أولى من الإخوة ويقول : والله لو أني قضيته لبعضهم لقضيت به للجد كله , ولكني لعلي لا أخيب سهم أحد , ولعلهم أن يكونوا كلهم ذوي حق , وضرب علي بن أبي طالب , وابن عباس يومئذ لعمر مثلا , معناه : لو أن سيلا سال فخلج منه خليج , ثم خلج من ذلك الخليج شعبتان
قال أبو محمد : أما قول من قال : ميراث الإخوة منصوص في القرآن وليس ميراث الجد منصوصا في القرآن فباطل , بل ميراث الجد منصوص في القرآن بقوله تعالى : {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة} فجعلنا بنين لأدم عليه السلام وجعله أبا لنا وهو أبعد جد لنا فالجد أب ,
وقال تعالى : {ولأبويه لكل واحد منهما السدس وورثه أبواه فلأمه الثلث}.
وأما كون الجد يدلي بولادته لأبي الميت , وكون الإخوة يدلون بولادة أبي الميت لهم وللميت , فهم أقرب , فليست المواريث بالقرب ، ولا بالبعد , فهذا ابن البنت أقرب من ابن العم الذي لا يلتقي مع الميت إلا إلى أزيد من عشرين أبا , وهو لا يرث مع ابن العم المذكور شيئا , وهذه العمة أقرب من ابن العم , ولا ترث معه شيئا , فكيف والجد أقرب , لأن ولادته لأبي الميت كانت قبل ولادة أبي الميت لأخوة الميت , فولد الأبن هو بعض الجد , فالجد أقرب إليه من أخيه : فبطل هذا القول بيقين. وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : هذا التنظير , وهذا التشبيه , وهذا التمثيل , وهذا التعليل وهذا القياس به يحتج أهل القياس في إثبات القياس , فانظروا واعتبروا , وحاش لله أن يقول زيد , أو علي , أو ابن عباس ، رضي الله عنهم ، هذه الفضائح. وهل رأى قط ذو مسكة عقل أن غصنين تفرعا من غصن من شجرة , أو جدولين تشعبا من خليج من نهر يوجب حكما في ميراث الجد مع الإخوة بانفراده دونهم , أو بانفرادهم دونه , فكيف إن صرنا إلى إيجاب سدس , أو ربع , أو ثلث , أو معادة , أو مقاسمة , والله ما قال قط زيد , ولا علي , ولا ابن عباس : شيئا من هذه التخاليط , وهذا آفة المرسل , ورواية الضعفاء سفيان : أن زيدا , وعليا , قالا لعمر بالله إن هذه لطفرة واسعة , وعيسى الحناط , وعبد الرحمن بن أبي الزناد : هما والله المرءان يرغب عن روايتهما , ولا يقبلان إلا مع عدل وحسبنا الله ونعم الوكيل. ثم نظرنا في قول من قال : ليس للجد فرض معلوم , إنما هو على قدر ما يراه أمير المؤمنين على حسب قلة الإخوة وكثرتهم , فوجدناه في غاية الفساد ; لأنه إذا لم يكن للجد فرض لازم , فحرام أخذ مال الإخوة وإعطاؤه إياه , وقد يكون فيهم الصغير , والمجنون , والكاره , والغائب. وقد قال تعالى : {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}. وقال عليه الصلاة والسلام إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام.
وقال تعالى : {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}. فإذ لكل وارث نصيب مفروض مما قل أو كثر فحرام أخذ شيء منه وإعطاؤه لغيره بغير نص وارد في ذلك , ولم نجد لهذا القول حجة أصلا إلا التي سلفت قبل مما قد أبطلناه وبالله تعالى التوفيق.
ثم نظرنا في الأقوال الباقية من مقاسمة الجد الإخوة إلى اثني عشر , أو إلى ثمانية , أو إلى سبعة , أو إلى ستة , أو إلى ثلاثة : فوجدناها كلها عارية من الدليل , لا يوجب شيئا منها , لا قرآن , ولا سنة صحيحة , ولا رواية ضعيفة , ولا دليل إجماع , ولا نظر , ولا قياس. ثم وجدنا أكثرها لا يصح على ما نبين إن شاء الله تعالى. أما الرواية عن عمران , وأبي موسى رضي الله عنهما , فغير معروفة يعني في مقاسمة الجد اثني عشر أخا له سهم كسهم كل واحد منهم.
وأما الرواية عن علي رضي الله عنه: أنه يقاسمهم إلى سبعة فيكون له الثمن , ففيها قيس بن الربيع , وقد تكلم فيه.
وأما الرواية عن علي في المقاسمة بين الجد وستة إخوة فيكون له السبع فصحيحة إلى الشعبي , ثم لا يصح للشعبي سماع من علي أصلا , ولم يذكر من أخبره عن علي.
وأما الرواية عن عمر , وعلي , وابن مسعود في مقاسمة الجد الإخوة إلى خمسة , فيكون له السدس , فهي ثابتة عنهم من طريق إبراهيم عن عبيد بن نضلة عن عمر , وابن مسعود.
ومن طريق عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي.
وأما الرواية عن علي للجد الثلث على كل حال فلا تصح ; لأنها منقطعة عن قتادة : أن عليا , وقتادة : لم يولد إلا بعد موت علي رضي الله عنه.
وأما الرواية عن عمر , وعثمان , وابن مسعود : بمقاسمة الجد الإخوة إلى الثلث , فإنما جاءت من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري : أن عمر , وعثمان , وأن زيدا كتب إلى معاوية ولم يدرك يحيى أحدا من هؤلاء.
ومن طريق إبراهيم : أن عمر وهذا منقطع.
ومن طريق أبي المعلى العطار عن إبراهيم عن علقمة , وعبيد بن نضلة عن عمر , وابن مسعود.
ومن طريق الهيثم بن بدر عن شعبة بن التوأم ، عن ابن مسعود , وعمر , وعثمان.
ومن طريق إسرائيل عن جابر الجعفي عن الشعبي عن مسروق عن عمر وابن مسعود إسرائيل ضعيف وجابر ساقط والهيثم بن بدر مجهول.
وأما أبو المعلى العطار , فهو يحيى بن ميمون مصري : لا بأس به , فهي من طريق جيدة , وإليها رجع ابن مسعود , وعمر.
وأما الرواية بالتفصيل الطويل عن عمر , وزيد بن ثابت : فلا تصح ألبتة ; لأنه منقطع عن عمر , إنما هو سعيد بن المسيب , وقبيصة بن ذؤيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة : أن عمر ، ولا يصح سماع لعبيد الله ، ولا لقبيصة من عمر أصلا , ولا لسعيد عن عمر , إلا نعيه النعمان بن مقرن على المنبر فقط , مات عمر رضي الله عنه ولسعيد ثمان سنين.
ومن طريق زيد بن إبراهيم : أن زيدا ولم يلق إبراهيم قط زيد بن ثابت ، ولا أخبر ممن سمعه , أو عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه زيد وعبد الرحمن في غاية الضعف , والترك , ولا سبيل إلى أن يوجد عن زيد من غير هاتين الطريقين إلا من أسقط منهما إن وجدت ، ولا يصح عن زيد في هذا شيء , إلا قوله في أم , وجد , وأخت , فقط , لأنه عن الشعبي عنه , والشعبي قد لقيه. وقد
روينا عن الشعبي عن قبيصة بن ذؤيب أن زيدا لم يقل في " الأكدرية " شيئا. وقد
روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري , ومعمر , وهشام بن حسام , قال سفيان , ومعمر , كلاهما عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين , وقال هشام عن محمد بن سيرين , ثم اتفقوا كلهم , قال ابن سيرين : سألت عبيدة السلماني عن فريضة فيها جد فقال عبيدة لقد حفظت عن عمر بن الخطاب فيها مائة قضية مختلفة , قال ابن سيرين : فقلت لعبيدة عن عمر قال : عن عمر.
قال علي : لا سبيل إلى وجود إسناد أصح من هذا والعجب ممن يعترض عليه وينكره , ويقول : محال أن يقضي فيها مائة قضية , وما جعل الله تعالى قط هذا محالا , إذ قد يرجع من قول إلى قول , ثم إلى القول الأول , ثم يعود إلى الثاني مرارا , فهي كلها قضايا مختلفة , وإن لم تكن إلا قولين , ثم يصحح الباطل المحال الذي لا يعقل من إيجاب المقاسمة بين الجد والإخوة إلى ستة , أو إلى ثلاثة من أجل غصنين تشعبا من غصن من شجرة أو من أجل جدولين من خليج من نهر. فاعجبوا لهذه المصائب , ولهذه الإطلاقات على الصحابة ، رضي الله عنهم ، في الدين , واعجبوا لأنكار الحق , وتحقيق الباطل الذي لا خفاء به
قال أبو محمد : فإن ادعوا أن قول زيد منقول عنه نقل التواتر كذبوا , وإنما اشتهرت تلك المقالة لما اتفق أن قال بها مالك , وسفيان , والأوزاعي وأبو يوسف , ، ومحمد بن الحسن , والشافعي اشتهرت عند من قلدهم فانتشرت عن مقلديهم , وأصلها واه , ومخرجها ساقط , ومنبعها لا يصح أصلا , وإنما هؤلاء الذين أخذوا بهذه القولة كانوا يقولون بالمرسل , حاش الشافعي , فقد أقر أكثر أصحابه أنه فارق أصله في الفرائض , فقلد ما روي عن زيد , وأقواله تدل على أنه كان قليل البصر بالفرائض , وإلا فليأتونا عن أحد من التابعين قال بها كما وجدناها عن هؤلاء
قال أبو محمد : وموه بعضهم بأن قال : قد روي عن رسول الله ﷺ ، أنه قال : أفرض أمته : زيد بن ثابت
قلنا : هذه رواية لا تصح , إنما جاءت إما مرسلة ,
وأما مما حدثنا به أحمد بن عمر بن أنس العذري , قال : أنا علي بن مكي بن عيسون المرادي , وأبو الوفا عبد السلام بن محمد بن علي الشيرازي : قال مكي : ، حدثنا أحمد بن أبي عمران الهروي ، حدثنا أبو حامد أحمد بن علي بن حسنويه المقري بنيسابور ، حدثنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ، حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن داود بن عبد الرحمن العطار عن معمر عن قتادة عن أنس عن رسول الله ﷺ فذكره , وفيه : وأفرضهم زيد بن ثابت , وأقرؤهم أبي بن كعب. وقال أبو الوفا : أنا عبد الله بن محمد بن أحمد بن جعفر السقطي ، حدثنا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار ، حدثنا أحمد بن محمد بن غالب ، حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا بشر بن المفضل عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس عن النبي ﷺ فذكره , وفيه : وأقرؤهم أبي وأفرضهم زيد. قال إسماعيل بن محمد الصفار : وحدثنا الحسن بن الفضل بن السمح ، حدثنا محمد بن أبي غالب ، حدثنا هشيم عن الكوثر عن نافع ، عن ابن عمر عن النبي ﷺ فذكره , وفيه : وإن أقرأها لابي , وإن أفرضها لزيد , وإن أقضاها لعلي.
قال أبو محمد : هذه أسانيد مظلمة ; لأن أحمد بن أبي عمران , وأبا حامد بن حسنويه مجهولان وإسماعيل الصفار مثلهما , وأحمد بن محمد بن غالب إن كان غلام خليل فهو هالك متهم وإن كان غيره فهو مجهول. والحسن بن الفضل , ، ومحمد بن أبي غالب , والكوثر : مجهولون. ثم لو صحت لما كان لهم فيها حجة ; لأنه لا يوجب كونه أفرضهم أن يقلد قوله , كما لم يجب عندهم ما في هذه الأخبار من أن أبي بن كعب أقرؤهم , وعليا أقضاهم أن يقتصروا على قراءة أبي دون سائر القراءات , ولا على أقضية علي دون أقضية غيره وهم يقرون أن الصحابة خالفوا زيدا في هذه المسألة. ثم المالكيون قد خالفوه في فرائض الجدة , كما ذكرنا في روايتهم عن زيد بمثل هذه التي تعلقوا بها : أنه كان يورث ثلاث جدات , وهم لا يورثون إلا جدتين , فمرة يكون زيد حجة , ومرة لا يكون حجة هذا هو التلاعب بالدين.
وأيضا : فإن في تلك الروايات الواهيات التي تعلقوا بها بيانا جليا بأن زيدا إنما قال ذلك برأيه لا عن سنة عنده , فلو صحت عنه لما كان رأيه أولى من رأي غيره , وهم لا يقدرون على إنكار هذا أصلا , فكيف وقد جاء الأختلاف عن زيد كما أوردنا بأقوال عنه مختلفة , ويكفي من هذا كله أنها باطل , وأن قولتهم التي قلدوا فيها زيدا لا تصح عنه
قال أبو محمد : نعيذ الله زيدا وعمر من أن يقولا تلك القولة التي لا نعلم في الأقوال أشد تخاذلا منها ; لأن فيها : أن المرأة تموت وتترك : زوجا ,
وأما , وأختا شقيقة , وجدا : أن للزوج ثلاثة من ستة , وللأم اثنين من ستة , وللجد واحدا من ستة , ثم يعال للأخت بثلاثة من ستة : صارت تسعة فيأخذ الجد السدس الذي وجب له , ثم يضمه إلى النصف الذي وجب للأخت فيخلطانه , ثم يأخذ الجد ثلثي ما اجتمع , والأخت ثلث ما اجتمع. فيا للعجب إن كانت الأسهم الثلاثة التي عيل بها للأخت قد وجبت للأخت , فلم يعط الجد منها فلسا , وكيف ينتزع حق الأخت ويعطى لمن لا يجب له وهو الجد ولعلها صغيرة , أو مجنونة , أو غائبة , أو كارهة فهو ظلم وأكل مال بالباطل. وإن كانت الثلاثة الأسهم التي عيل بها للأخت لم تجب لها فلأي شيء أخذوها من يد الزوج والأم وقالوا : هذا سهم الأخت وهذا هو الكذب , فلا شك أن يقولوا : هو سهمها وليس هو سهمها وهذا ظلم للزوج وللأم , وأكل مال بالباطل. ثم يقولون في أخت شقيقة , وأخ لأب , وجد : أن الشقيقة تقول للجد : هذا أخي لا بد له من أن يقتسم المال معي ومعك , للذكر مثل حظ الأنثيين فيقول الجد : كلا , إنما هو أخ للميت لأب , لا يقاسمك أصلا , إما أنت ذات فرض مسمى فتقول له الأخت : ما عليك من هذا هو أخونا فيقسم المال على رغم أنف الجد , له الخمسان , وللأخ للأب الخمسان , وللأخت الشقيقة الخمس فإذا أخذ الجد سهمه وولى خاسئا قالت الأخت لأخيها : مكانك , خل يدك عن المال , إنما أقمتك لأزيل عن يد جدنا ما كان يحصل له , وأنا أولى بهذا منك فينتزع من يد الأخ مما أعطوه على أنه حظه من الميراث خمسا ونصف خمس , فتأخذه الأخت , فيحصل لها النصف , وللجد الخمسان , وللأخت للأب نصف الخمس , فإن كانتا أختين شقيقتين , وأخا لأب , وجدا فعلنا كذلك , فإذا ولي الجد انتزع ما بيد الأخت للأب كله , وأخذه الأختان. فانظروا في هذه الأعجوبة لئن كان للأخ للأب حق واجب فما يحل انتزاعه منه وإن كان لا حق له فما يحل أن يقام وليجة ليعطي بالأسم ما لا يأخذه في الحقيقة , وإنما يأخذه غيره. ثم يقولون في ابنتين , وزوج , وأختين شقيقتين أو أخت شقيقة , أو أخ شقيق , وجد : أن للبنتين الثلثين وللزوج الربع , وللجد السدس , يعال له به , ولا شيء للأخ , ولا للأخت , ولا للإخوة , ولا للأخوات. فمرة يحتاطون للجد فينتزعون من يد الأخت ما يقولون أنه فرضها , ويردون أكثره على الجد. ومرة يورثون الجد ويمنعون الإخوة جملة. ومرة يحتاطون للأخت فيقيمون وليجة يظهرون أنهم يورثونه وهم لا يورثونه , إنما يعطونه للأخت ويحرمون الجد. هذه مخاتلات قد نزه الله تعالى زيدا عنها , ونحن نشهد بشهادة الله عز وجل : أن زيدا ما قالها قط , ولا عمر , كان والله زيد , وعمر رضي الله عنهما أخوف لله تعالى وأعلم من أن يقولا هذا. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال علي : فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها بيقين لا إشكال فيه فلم يبق إلا قول من قال : إنه أب لا يرث معه من لا يرث مع الأب , وهو قول قد صح عن أبي بكر الصديق , وعن عمر , وابن عباس , وابن الزبير. وجاءت عن عثمان , وعلي , وابن مسعود بأسانيد إن لم تكن أحسن من أسانيد الأقوال المختلفة التي تعلقوا بها عن عمر , وعثمان , وعلي , وابن مسعود , وزيد : لم تكن دونها. فمن أعجب ممن ترك رواية صحت عن طائفة من الصحابة , ورويت عن جمهورهم , وجمهور التابعين لرواية فاسدة لم تصح قط عن أحد من الصحابة , وإنما جاءت عن بعضهم باختلاف عن الذي رويت عنه أيضا نفسه , ورجوع من قول إلى قول والعجب أنهم أصحاب تشنيع باتباع الجمهور , وهم هاهنا قد خالفوا الجمهور من الصحابة والتابعين وهم أصحاب قياس بزعمهم , وهم قد أجمعوا على أن يعطى الجد مع البنين الذكور , والبنات ما يعطى الأب معهم. وأجمعوا على توريث الجد مع البنين الذكور , وعلى أن الإخوة لا يرثون معه هنالك شيئا. وأجمعوا على أن لا يورثوا الإخوة للأم مع الجد شيئا , كما لا يرثون مع الأب وليس هذا إجماعا في الأصل , فقد جاء ، عن ابن عباس توريثهم مع الأب ومع الجد. وأجمعوا على أن لا يورثوا بني الأخ مع الجد , كما لا يورثونهم مع الأب وليس هذا إجماعا في الأصل : فقد جاء عن علي توريثهم مع الجد. وأجمعوا على أن لا يورثوا الأعمام مع الجد , كما لا يرثون مع الأب. وأجمعوا على ابن الأبن أنه يرث ميراث الأبن إذا لم يكن ابن , ولا يرث إخوة الجد منه شيئا معهم ثم لم يقيسوا على هذه الوجوه كلها توريث الجد من ابن ابنه دون إخوته , ولا قاسوه على الأب إذا لم يكن أب. وأجمعوا على أنه أب في تحريم ما نكح , وفي تحريم القرائب , فلا القياس أحسنوا , ولا التقليد اتبعوا , ولا النظر التزموا , ولا بالنص أخذوا
قال أبو محمد : والذي نعتمد عليه في هذا هو قول الله تعالى : {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس}.
وقوله تعالى : {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة}
فصح أن الجد أب , وأن ابن الأبن ابن , فله ميراث الأب ; لأنه أب , ولأبن الأبن ميراث الأبن ; لأنه ابن وكفى وإن العجب ليعظم ممن خفي عليه هذا وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال علي : وقد أتى بعضهم بآبدة , وهي أن قال : ليس ما روي من أن أبا بكر جعل الجد أبا : بيان أن ذلك في الميراث , قال :
ولو كان ذلك ما خالفه عمر على تعظيمه أبا بكر. وذكروا
ما روينا من طريق شعبة ، حدثنا عاصم الأحول عن الشعبي : أن أبا بكر قال في " الكلالة " أقضي فيها فإن يكن صوابا فمن الله , وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان , والله منه بريء : هو ما دون الولد والوالد فقال عمر : إني لاستحيي من الله أن أخالف أبا بكر
قال أبو محمد : هذا كله من المجاهرة القبيحة : أول ذلك : أن هذه رواية منقطعة , أين الشعبي من عمر والله ما ولد إلا بعد موت عمر بأزيد من عشرة أعوام ثم إنها رواية باطلة بلا شك , لأن مخالفة عمر لأبي بكر أشهر من الشمس , وليس تعظيمه إياه بموجب أن لا يخالفه : وأول ذلك : الخبر الذي أوردنا بأصح إسناد من طريق عثمان بن عفان رضي الله عنه ، أنه قال له عمر : إني قد رأيت في الجد رأيا , فقال له عثمان : إن نتبع رأيك فإنه رأي رشد , وإن نتبع رأي الشيخ قبلك , فنعم ذوي الرأي كان قال عثمان : وكان أبو بكر يجعله أبا فاعجبوا لهذا العمى , ولعبادة الهوى والمجاهرة بالكذب , وانظروا هل يحتمل هذا القول من عثمان شيئا غير أن أبا بكر كان يجعل الجد أبا في الميراث. وقد صح خلاف عمر لأبي بكر في " الكلالة " نفسها , وفي ترك الأستخلاف وفي قضايا كثيرة جدا نعوذ بالله من الخذلان. ثم لو صح ما قال لكان لم يخالفه عمر ; لأنه قد صح عن عمر : القول بأن الجد أب في الميراث كما أوردنا , فلم يخالف أبا بكر إذا وافقه في ذلك , بل هو آخر قول قاله وإليه رجع كما أوردنا , فهو أول أقوال عمر وآخر أقواله بإسناد صحيح لا داخلة فيه
قال أبو محمد : ومن براهيننا أيضا في هذه المسألة : أن الله تعالى لم يذكر في القرآن ميراث الإخوة ألبتة , ولا ميراث الأخوات إلا في آيتي " الكلالة " فوجب ضرورة بنص القرآن أن لا يرث أخ , ولا أخت , إلا في ميراث الكلالة , ووجب أن لا يؤخذ ميراث الكلالة , إلا من نص أو إجماع راجع إلى النص : فوجدنا من ورثه إخوة ذكور أو إناث , أو كلاهما أشقاء , أو لأب أو لأم ولم يكن للميت ولد ذكر , ولا ولد ولد ذكر , ولا ابنة , ولا أب , وجد لأب , فإنه إجماع مقطوع عليه من جميع الأمة , على أنه ميراث كلالة. ووجدنا السلف مختلفين إذا كان للميت أحد ممن ذكرنا فبعضهم يقول : هو ميراث كلالة , وبعضهم يقول : ليس ميراث كلالة , فوجب الأنقياد للإجماع المتيقن , وترك ما اختلف فيه , إذ لا نص عند المختلفين في ذلك , فوجب أن لا ميراث ألبتة لأخ , ، ولا لأخت ما دام للميت أحد ممن ذكرنا إلا أن يوجب ذلك نص فيستثنى من هذا النص الآخر , وليس ذلك إلا في الأخ الذكر الشقيق , أو للأب مع الأبنة والبنتين فصاعدا , وفي الأخت مع البنت والبنتين فصاعدا إذا لم يكن هنالك عاصب ذكر وبالله تعالى التوفيق
1737 - مسألة: قال أبو محمد : ومن مات وترك : أخا لأب , وابن أخ شقيق : فالأخ للأب أحق بالميراث بلا خلاف ; لأنه أولى رجل ذكر , وابن الأخ الشقيق أولى بالميراث من ابن الأخ للأب , لأنه أولى رجل ذكر بلا خلاف. فلو ترك : ابن عم , وعما , فالعم أولى من ابن العم , وابن العم الشقيق أولى من ابن العم للأب فإن ترك ابني عم , أحدهما : كان أبوه شقيق أبي الميت , والآخر : كان أبوه أخا أبي الميت لأبيه , إلا أن هذا هو أخو الميت لأمه , فالمال كله لأبن العم الذي هو أخ للأم.
وهو قول ابن مسعود , وشريح ; لأنهم قد أجمعوا في ابني عمين , أحدهما : ابن شقيق أبي الميت , والآخر : ابن أخي أبي الميت لأبيه : أن ابن شقيق أبي الميت أولى , لأستوائه مع أبي الميت في ولادة جد الميت , دون ابن العم الآخر , وبالحس يدري كل أحد أنهما قد استويا في ولادة جد الميت أبي أبيه , وانفرد أحدهما بولادة جد الميت لأبيه وأبي الميت , وانفرد الآخر بولادة أم الميت له , ولا يخيل على أحد أن ولادة الأم أقرب من ولادة الجدة , فهو أولى رجل ذكر فإن تركت : ابني عم , أحدهما : زوج , فالنصف للزوج بالزوجية , وما بقي فبين الأبني عم سواء.
1738 - مسألة: والرجل , والمرأة إذا أعتق أحدهما عبدا أو أمة : ورث مال المعتق إن مات ولم يكن له من يحط بميراثه , أو ما فضل عن ذوي السهام.
وكذلك يرث من تناسل منه من نسل الذكور من ولده , لقول رسول الله ﷺ : إنما الولاء لمن أعتق فعم عليه الصلاة والسلام ولم يخص. وأعتقت ابنة حمزة عبدا فمات وتخلف ابنة , فأعطى عليه الصلاة والسلام ابنته النصف , وبنت حمزة النصف
وكذلك يرث من أعتق من أعتقت وهكذا من سفل.