→ كتاب الشهادات (مسأله 1789) | ابن حزم - المحلى كتاب الشهادات (مسأله 1790) ابن حزم |
كتاب الشهادات (مسأله 1791 - 1792) ← |
كتاب الشهادات
1790 - مسألة: ولا يجوز أن يقبل في الزنى أقل من أربعة رجال عدول مسلمين , أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان , فيكون ذلك ثلاثة رجال وامرأتين , أو رجلين وأربع نسوة , أو رجلا واحدا وست نسوة , أو ثمان نسوة فقط. ولا يقبل في سائر الحقوق كلها من الحدود والدماء , وما فيه القصاص والنكاح , والطلاق , والرجعة , والأموال , إلا رجلان مسلمان عدلان ; أو رجلان وامرأتان كذلك , أو أربع نسوة كذلك ويقبل في كل ذلك حاشا الحدود رجل واحد عدل أو امرأتان كذلك مع يمين الطالب. ويقبل في الرضاع وحده امرأة واحدة عدلة أو رجل واحد عدل.
فأما وجوب قبول أربعة في الزنى فبنص القرآن ,
ولا خلاف فيه , قال تعالى : {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة}.
وأما قبول رجلين في سائر الحقوق كلها , أو رجل وامرأتين في الديون المؤجلة , فإن الله تعالى قال : {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} إلى قوله {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء}
وقال تعالى : {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} إلى قوله : {فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم}.
وادعى قوم : أن قبول عدلين من الرجال في سائر الأحكام قياسا على نص الله تعالى في الطلاق والرجعة. واختلفوا في قبول شهادة النساء منفردات في شيء من الأشياء , وفي قبولهن مع رجل فيما عدا الديون المؤجلة. واختلف القائلون بقبولهن منفردات في كم يقبل منهن في ذلك. واختلفوا أيضا في الشاهد ويمين الطالب فقال زفر صاحب أبي حنيفة : لا يجوز قبول النساء منفردات دون رجل في شيء أصلا , لا في ولادة ، ولا في رضاع , ولا في عيوب النساء , ولا في غير ذلك وأجازهن مع رجل في الطلاق , والنكاح , والعتق.
ومن طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن برد عن مكحول قال : لا تجوز شهادة النساء إلا في الدين.
وروينا ضد هذا عن الشعبي
كما روينا من طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا ابن أبي زائدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : من الشهادات شهادة لا يجوز فيها إلا شهادات النساء.
ومن طريق الزهري قال : مضت السنة أن تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن
وروينا من طريق ابن أبي سبرة عن موسى بن عقبة عن القعقاع ، عن ابن عمر : لا تجوز شهادة النساء وحدهن إلا على ما لا يطلع عليه غيرهن من عورات النساء وحملهن وحيضهن.
ومن طريق إبراهيم بن أبي يحيى ، عن ابن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي : لا تجوز شهادة النساء بحتا حتى يكون معهن رجل. وعن عطاء مثل هذا وعن عمر بن عبد العزيز مثله صح عنهما. وعن سعيد بن المسيب , وعبد الله بن عتبة : لا تقبل النساء إلا فيما لا يطلع عليه غيرهن.
وروينا من طريق الحسن بن عمارة عن الزهري , والحكم بن عتيبة , قال الزهري : عن سعيد بن المسيب عن عمر , وقال الحكم : عن علي , ثم اتفق عمر , وعلي : على أنه لا تجوز شهادة النساء في الطلاق ; ، ولا في النكاح , ولا في الدماء , ولا الحدود.
ومن طريق ابن وهب عن إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن أرطاة عن الزهري : مضت السنة من رسول الله ﷺ والخليفتين بعده : أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود , والنكاح , والطلاق. وصح عن إبراهيم النخعي : أنه لا تجوز شهادة النساء في الطلاق , ولا في النكاح , ولا في الحدود وأجاز شهادة امرأتين مع رجل في العتق , والوصية , والدين. وصح عن الحسن البصري : لا تجوز شهادة النساء في الحدود , ولا في جراح العمد , ولا في الطلاق , ولا في النكاح , ولا مع رجل ، ولا دونه , وأنها جائزة في جراح الخطأ , وفي الوصايا , وفي الديون مع رجل , وفيما لا بد منه. وعن ابن المسيب لا تجوز شهادة النساء : في قتل , ولا في حد , ولا في طلاق , ولا نكاح. وعن قتادة : لا تجوز شهادة النساء : في طلاق , ولا في نكاح. وعن الزهري لا تقبل شهادة النساء : في حد , ولا طلاق , ولا نكاح ، ولا عتق وأجازها : في الوصايا في الديون , وفي القتل. وعن عمر بن عبد العزيز : لا تجوز شهادة النساء في الطلاق. وعن ربيعة : لا تجوز شهادة النساء في طلاق , ولا نكاح , ولا حد , ولا عتق وتجوز في البيوع , وفي كل حق يتراضون فيه , ويتعاطون المعروف عليه. وعن محمد بن الحنفية : تجوز شهادة النساء في الدية. وصح عن شريح : أنه أجاز شهادة امرأتين في عتاقة مع رجل. وصح عن الشعبي : قبول شهادة رجل وامرأتين في الطلاق , وجراح الخطأ , ولم يجز شهادة النساء في جراح عمد , ولا في حد. وصح عن أبي الشعثاء جابر بن زيد : قبول النساء مع رجل في الطلاق والنكاح. وصح عن إياس بن معاوية : قبول امرأتين في الطلاق. وعن حماد بن أبي سليمان : لا تقبل النساء في الحدود.
ومن طريق الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين : أن شريحا أجاز شهادة أربع نسوة على رجل في صداق امرأة.
ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن هشام بن حجير عمن يرضى كأنه يريد طاووسا قال : تجوز شهادة النساء في كل شيء مع الرجال , إلا الزنى من أجل أنه لا ينبغي أن ينظرن إلى ذلك.
ومن طريق أبي عبيد ، حدثنا يزيد ، هو ابن هارون عن جرير بن حازم عن الزبير بن الخريت عن أبي لبيد قال : إن سكران طلق امرأته ثلاثا , فشهد عليه أربع نسوة , فرفع إلى عمر بن الخطاب , فأجاز شهادة النسوة , وفرق بينهما.
ومن طريق محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حراش بن مالك الجهضمي ، حدثنا يحيى بن عبيد عن أبيه : أن رجلا من عمان تملأ من الشراب فطلق امرأته ثلاثا , فشهد عليه نسوة , فكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب فأجاز شهادة النسوة , وأبت عليه الطلاق.
ومن طريق محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثنا أبو طلق عن امرأة : أن امرأة وطئت صبيا فقتلته , فشهد عليها أربع نسوة , فأجاز علي بن أبي طالب شهادتهن.
ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص بن غياث عن أبي طلق عن أخته هند بنت طلق قالت : كنت في نسوة وصبي مسجى , فقامت امرأة فمرت فوطئته , فقالت أم الصبي : قتلته والله , فشهد عند علي عشر نسوة أنا عاشرتهن فقضى علي عليها بالدية وأعانها بألفين.
ومن طريق أبي عبيد ، حدثنا هشيم عن حجاج بن أرطاة عن عطاء قال : أجاز عمر بن الخطاب شهادة النساء مع الرجال : في الطلاق , والنكاح.
ومن طريق أبي عبيد ، حدثنا يزيد عن حجاج عن عطاء بن أبي رباح : أنه أجاز شهادة النساء في النكاح.
ومن طريق محمد بن المثنى ، حدثنا أبو معاوية وهو محمد بن خازم الضرير عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح قال : لو شهد عندي ثماني نسوة على امرأة بالزنى لرجمتها.ومن طريق عبد الرزاق ، حدثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال : تجوز شهادة النساء مع الرجال في كل شيء وتجوز على الزنى امرأتان وثلاثة رجال.
ومن طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا إسماعيل ابن علية عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين : أن رجلا ادعى متاع البيت , فجاء أربع نسوة يشهدن فقلن : دفعنا إليه الصداق وقلنا : جهزها فقضى شريح عليه بالمتاع وقال له : إن عقرها من مالك هذا في غاية الصحة.
وأما المتأخرون : فإن سفيان الثوري قال في أحد قوليه : تقبل المرأتان مع رجل في القصاص , وفي الطلاق , والنكاح , وكل شيء حاش الحدود ويقبلن منفردات فيما لا يطلع عليه إلا النساء. وقال عثمان البتي , وسفيان في أحد قوليه : يقبلن مع رجل في الطلاق , والنكاح , وكل شيء حاش الحدود والقصاص ويقبلن منفردات فيما لا يطلع عليه إلا النساء , ولا يقبل في الرضاع إلا رجل وامرأتان. وقال الحسن بن حي : لا تجوز شهادة النساء مع رجل في الحدود , وتصدق المرأة وحدها في الولادة : أنها ولدت هذا الولد , ويلحق نسبه وإن لم يشهد لها بذلك أحد سواها. وقال ابن أبي ليلى : يقبلن منفردات في عيوب النساء , وما لا يطلع عليه إلا النساء , ولا يقبل في الرضاع إلا رجل وامرأتان أو رجلان. وقال الليث بن سعد : يقبلن منفردات فيما لا يطلع عليه الرجال , ولا يقبلن مع رجل : لا في قصاص , ولا حد , ولا طلاق , ولا نكاح وتجوز شهادة امرأتين ورجل في العتق والوصية.
وقال أبو حنيفة : تقبل شهادة امرأتين , ورجل في جميع الأحكام أولها عن آخرها , حاش القصاص والحدود ويقبلن في الطلاق والنكاح والرجعة مع رجل ، ولا يقبلن منفردات : لا في الرضاع , ولا في انقضاء العدة بالولادة , ولا في الأستهلال لكن مع رجل ويقبلن في الولادة المطلقة , وعيوب النساء منفردات. قال أبو يوسف , ، ومحمد بن الحسن : ويقبلن منفردات في انقضاء العدة بالولادة , وفي الأستهلال.
وقال مالك : لا تقبل النساء مع رجل ، ولا دونه : في قصاص , ولا حد , ولا طلاق , ولا نكاح , ولا رجعة , ولا عتق , ولا نسب , ولا ولاء , ولا إحصان. وتجوز شهادتهن مع رجل في الديون , والأموال , والوكالة , والوصية التي لا عتق فيها ويقبلن منفردات : في عيوب النساء , والولادة , والرضاع والأستهلال وحيث يقبل شاهد ويمين الطالب , فإنه يقضى فيه بشهادة امرأتين ويمين الطالب , ويقضى بامرأتين مع أيمان المدعي في القسامة.
وقال الشافعي : تقبل شهادة امرأتين مع رجل في الأموال كلها , وفي العتق ; لأنه مال , وفي قتل الخطأ , وفي الوصية لأنسان بمال ، ولا يقبلن في أصل الوصية لا مع رجل ، ولا دونه ويقبلن منفردات فيما لا يطلع عليه إلا النساء. وقال أبو عبيد : لا تقبل النساء مع رجل إلا في الأموال خاصة. وقال أبو سليمان : لا يقبلن مع رجل إلا في الأموال خاصة.
وأما اختلافهم في عدد ما يقبل منهن حيث يقبلن منفردات. فروينا عن عمر بن الخطاب كما ذكرنا أن مكان كل شاهد رجل امرأتان فلا يقبل فيما يقبل فيه رجلان إلا أربع نسوة. وعن علي بن أبي طالب مثل ذلك
وهو قول الشعبي , والنخعي في أحد قوليهما , وعطاء , وقتادة في قوله جملة , وابن شبرمة , والشافعي , وأصحابه , وأبي سليمان وأصحابه , إلا أنهم قالوا : تقبل في الرضاع امرأة واحدة. وقال عثمان البتي : لا يقبل فيما يقبل فيه النساء منفردات إلا ثلاث نسوة لا أقل.
وقالت طائفة : تقبل امرأتان في كل ما يقبل فيه النساء منفردات
وهو قول الزهري إلا في الأستهلال خاصة , فإنه يقبل فيه القابلة وحدها. وقال الحكم بن عتيبة : يقبل في ذلك كله امرأتان
وهو قول ابن أبي ليلى ومالك وأصحابه , وأبي عبيد
وقالت طائفة : تقبل امرأة واحدة.
روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه أجاز شهادة القابلة وحدها
وروينا ذلك عن أبي بكر , وعمر رضي الله عنهما في الأستهلال , وأن عمر ورث بذلك
وهو قول الزهري , والنخعي , والشعبي في أحد قوليهما
وهو قول الحسن البصري , وشريح , وأبي الزناد , ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة , وحماد بن أبي سليمان قال : وإن كانت يهودية كل ذلك قالوه في الأستهلال , إلا الشعبي , وحمادا فقالا : في كل ما لا يطلع عليه إلا النساء
وهو قول الليث بن سعد. وقال سفيان الثوري : يقبل في عيوب النساء , وما لا يطلع عليه إلا النساء امرأة واحدة
وهو قول أبي حنيفة , وأصحابه وصح ، عن ابن عباس ,
وروي عن عثمان , وعلي أميري المؤمنين ، وابن عمر , والحسن البصري , والزهري
وروي عن ربيعة , ويحيى بن سعيد وأبي الزناد , والنخعي , وشريح , وطاووس , والشعبي : الحكم في الرضاع بشهادة امرأة واحدة. وأن عثمان فرق بشهادتهما بين الرجال ونسائهم وذكر الزهري أن الناس على ذلك وذكر الشعبي ذلك عن القضاء جملة
وروي ، عن ابن عباس أنها تستحلف مع ذلك. وصح عن معاوية : أنه قضى في دار بشهادة أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها ولم يشهد بذلك غيرها.
وروينا عن عمر , وعلي , والمغيرة بن شعبة , وابن عباس : أنهم لم يفرقوا بشهادة امرأة واحدة في الرضاع
وهو قول أبي عبيد , قال : أفتي في ذلك بالفرقة ، ولا أقضي بها.
وروينا عن عمر : ، أنه قال : لو فتحنا هذا الباب لم تشأ امرأة أن تفرق بين رجل وامرأته إلا فعلت. وقال الأوزاعي : أقضي بشهادة امرأة واحدة , قبل النكاح , وأمنع من النكاح , ولا أفرق بشهادتهما بعد النكاح.
قال أبو محمد : فكان من حجة من لم ير قبول النساء منفردات , ولا قبول امرأة مع رجل إلا في الديون المؤجلة فقط , أن قالوا : أمر الله تعالى في الزنى بقبول أربعة , وفي الديون المؤجلة برجلين , أو رجل وامرأتين , وفي الوصية في السفر باثنين من المسلمين , أو باثنين من غير المسلمين يحلفان مع شهادتهما , وفي الطلاق والرجعة بذوي عدل منا.
وقال رسول الله ﷺ في التداعي في أرض شاهداك أو يمينه , ليس لك إلا ذلك فلم يذكر الله تعالى ، ولا رسوله عليه الصلاة والسلام عدد الشهود وصفتهم إلا في هذه النصوص فقط , فوجب الوقوف عندها , وأن لا تتعدى , وأن لا يقبل فيما عدا ذلك إلا ما اتفق المسلمون على قبوله.
قال أبو محمد : ما نعلم أحدا ممن يخالفنا اتبع في أقواله في الشهادات النصوص الثابتة من القرآن , ولا من السنن , ولا من الإجماع , ولا من القياس , ولا من الأحتياط , ولا من قول الصحابة ، رضي الله عنهم ، فكل أقوال كانت هكذا فهي متخاذلة متناقضة باطل , لا يحل القول بها في دين الله تعالى , ولا يجوز الحكم بها , في دماء المسلمين , وفروجهم , وأبشارهم , وأموالهم , وذلك أننا هبك أمسكنا الآن عن الأعتراض على احتجاجهم بالنصوص المذكورة , لكن لنريهم بحول الله تعالى وقوته مخالفتهم لها جهارا : أما أبو حنيفة : فأجاز شهادة النساء في النكاح , والطلاق , والرجعة مع رجل , وليس هذا في شيء من الآيات , بل فيها : فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم. فمن أعجب شأنا ممن يرى خبر اليمين مع الشاهد خلافا لقول الله تعالى : {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} ، ولا يرى قوله بإجازة امرأتين مع رجل خلافا لقوله تعالى : {وأشهدوا ذوي عدل منكم}.
فإن قالوا : إن امرأة عدلة ورجلا عدلا يقع عليهما ذوي عدل منا
قلنا : وشهادة ثلاثة رجال وامرأتين في الزنى يقع عليهم وعلى واحدة منهما أربعة شهداء ، ولا فرق. ثم قبلوا شهادة امرأة واحدة حيث تقبل النساء منفردات ولم يقبلوها في الرضاع حيث جاءت السنة بقبولها وبه قال جمهور السلف.
فإن قالوا : قسنا ذلك على الديون المؤجلة
قلنا : فقيسوا الحدود في ذلك والقصاص على الديون المؤجلة ، ولا فرق فإن ادعوا إجماعا على أن لا يقبلن في الحدود أكذبهم عطاء.
فإن قالوا : خالف جمهور العلماء :
قلنا : وأنتم خالفتم في أن لا يقبلن النساء منفردات في الرضاع جمهور العلماء.
وأما مالك : فقاس بعض الأموال على الديون المؤجلة ولم يقس عليها العتق وقبل امرأتين لا رجل معهما مع يمين الطالب في الأموال والقسامة وما نعلم له سلفا في هذا روي عنه هذا القول. وخالف جمهور العلماء في رد شهادة امرأة واحدة في الأستهلال. وفي قبول امرأتين تقبل النساء منفردات.
وأما الشافعي : فقاس الأموال على الديون المؤجلة فيقال له : هلا قست سائر الأحكام على ذلك وما الفرق بين من قال : أقيس على ذلك كل حكم , لأنه حكم وحكم , وبين قولك أقيس على ذلك الأموال كلها ; لأنه مال ومال , وهل هاهنا إلا التحكم فهذا خلافهم للنصوص , وللقياس , ولقول السلف , وليس منهم أحد راعى الإجماع ; لأننا قد ذكرنا عن زفر أنه لا يقبل النساء منفردات في شيء من الأشياء.
وقد حدثنا يونس بن عبد الله ، حدثنا أبو بكر بن أحمد بن خالد ، حدثنا أبي ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو عبيد ، حدثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال : الشهادة على القتل أربعة كالشهادة على الزنى. وليت شعري من أين قاسوا القتل , والقصاص , والحدود على ما يقبل فيه رجلان فقط دون أن يقيسوها على الزنى الذي هو أشبه بها ; لأنه حد وحد , ودم ودم أو على ما يقبل فيه رجل وامرأتان ; لأنه حكم وحكم , وشهادة وشهادة فظهر فساد قولهم بيقين. فإذا قد سقطت الأقوال المذكورة فإن وجه الكلام والصدع بالحق : هو أن الله تعالى أمرنا عند التبايع بالإشهاد , فقال تعالى : {وأشهدوا إذا تبايعتم}. وأمرنا إذا تداينا بدين مؤجل أن نكتبه , وأن نشهد شهيدين من رجالنا , أو رجلا وامرأتين مرضيتين. وأمرنا عند الطلاق والمراجعة بإشهاد ذوي عدل منا. وليس في شيء من هذه النصوص ذكر ما نحكم به عند التنازع في ذلك والخصام من عدد الشهود , إذ قد يموت الشاهدان أو أحدهما , أو ينسيان أو أحدهما , أو يتغيران أو أحدهما. فمن أعجب شأنا أو أضل سبيلا ممن خالف أمر الله تعالى في الآيات المذكورة جهارا فقال : إذا تبايعتم فليس عليكم أن تشهدوا وإذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فلا تكتبوه إن شئتم. ولا تشهدوا عليه أحدا إن أردتم ثم أراد التمويه بالنص المذكور فيما ليس فيه منه شيء فخالف الآية فيما فيها وادعى عليها ما ليس فيها نعوذ بالله من البلاء. فسقط تعلقهم بالنصوص المذكورة.
وأما قول رسول الله ﷺ : شاهداك أو يمينه , ليس لك إلا ذلك فإن الحنفيين , والمالكيين , والشافعيين أول من يضم إلى هذا النص ما ليس فيه , فيجيزون في الأموال كلها رجلا وامرأتين , وليس ذلك في القرآن إلا في الديون المؤجلة فقط , فقد زادوا على ما في هذا الخبر بقياسهم الفاسد.
وأما نحن : فطريقنا في ذلك غير طريقهم , لكن نقول وبالله تعالى نستعين : قد صح عنه عليه الصلاة والسلام : ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر , والأعمش , كلاهما عن أبي وائل أن الأشعث دخل على عبد الله بن مسعود وهو يحدثهم بنزول قول الله تعالى : {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} فقال الأشعث : في نزلت , وفي رجل خاصمته في بئر فقال النبي ﷺ : ألك بينة قلت : لا , قال : فليحلف. فوجدناه عليه الصلاة والسلام قد كلف المدعي مرة شاهدين ; ومرة بينة مطلقة , فوجب أن تكون البينة كل ما قال قائل من المسلمين إنه بينة. ووجدنا الشاهدين العدلين يقع عليهما اسم بينة , فوجب قبولهما في كل شيء , حاش حيث ألزم الله تعالى أربعة فقط. ووجدناه عليه الصلاة والسلام قال : ما رويناه من طريق مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن رمح ، حدثنا الليث ، هو ابن سعد ، عن ابن الهادي عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عن رسول الله ﷺ ، أنه قال في حديث فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل.
ومن طريق البخاري ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر أخبرني زيد ، هو ابن أسلم عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري , " أن رسول الله ﷺ قال في حديث : (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل قلنا : بلى يا رسول الله) فقطع عليه الصلاة والسلام بأن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل , فوجب ضرورة : أنه لا يقبل حيث يقبل رجل لو شهد إلا امرأتان , وهكذا ما زاد.
فإن قيل : فهلا قبلتم بهذا الأستدلال رجلا واحدا , فقد صح ذلك عن شريح , ومطرف بن مازن , وزرارة بن أوفى , أو شهادة امرأة واحدة , فقد قبلها معاوية
قلنا : منعنا من ذلك حكم رسول الله ﷺ باليمين مع الشاهد , فلو جاز قبول واحد حيث لم يقبله رسول الله ﷺ لكانت اليمين فضولا , وحاش له من ذلك.
فصح : أنه لا يجوز قبول رجل واحد , ولا امرأة واحدة إلا في الهلال كما ذكرنا في " كتاب الصيام " فقط وفي الرضاع. ل
ما روينا من طريق عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن أبان البلخي , ويعقوب بن إبراهيم , قالا جميعا : ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، هو ابن علية عن أيوب السختياني ، عن ابن أبي مليكة حدثني عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث قال ابن أبي مليكة : وقد سمعته من عقبة بن الحارث , ولكني لحديث عبيد أحفظ , قال : تزوجت امرأة فجاءت امرأة سوداء فقالت : إني قد أرضعتكما فأتيت رسول الله ﷺ فقلت : يا رسول الله إني تزوجت امرأة , فجاءت امرأة سوداء فقالت إني قد أرضعتكما وهي كاذبة فأعرض عني , فأتيته من قبل وجهه فقلت : إنها كاذبة , فقال : كيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما دعها عنك.
قال أبو محمد : فنهي النبي ﷺ تحريم ,
وروينا من طريق الحذافي ، حدثنا عبد الرزاق قال : ، حدثنا ابن جريج قال " قال ابن شهاب : جاءت امرأة سوداء إلى أهل ثلاثة أبيات تناكحوا فقالت : هم بني وبناتي , ففرق عثمان رضي الله عنه بينهم.
وروينا عن الزهري ، أنه قال : فالناس يأخذون اليوم بذلك من قول عثمان في المرضعات إذا لم يتهمن.
ومن طريق قتادة عن جابر بن زيد أبي الشعثاء ، عن ابن عباس قال : تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع.
قال أبو محمد :
وأما الخبر الذي صدرنا به من قول الزهري مضت السنة من النبي ﷺ ومن أبي بكر , وعمر : أن لا تجوز شهادة النساء في الطلاق , ولا في النكاح , ولا في الحدود : فبلية ; لأنه منقطع من طريق إسماعيل بن عياش وهو ضعيف عن الحجاج بن أرطاة وهو هالك.
وأما الرواية عن عمر " لو فتحنا هذا الباب لم تشأ امرأة أن تفرق بين رجل وامرأته إلا فعلت ذلك " فهو عن الحارث الغنوي وهو مجهول أن عمر.
وأيضا فإن هذا كلام بعيد عن عمر قول مثله ; لأنه لا فرق بين هذا وبين أن لا يشاء رجلان قتل رجل وإعطاء ماله لأخر , وتفريق امرأته عنه إلا قدرا على ذلك , بأن يشهدا عليه بذلك. وبضرورة العقل يدري كل أحد : أنه لا فرق بين امرأة وبين رجل , وبين رجلين , وبين امرأتين , وبين أربعة رجال , وبين أربع نسوة , في جواز تعمد الكذب والتواطؤ عليهم ,
وكذلك الغفلة ولو حينا إلى هذا , لكن النفس أطيب على شهادة ثماني نسوة منها على شهادة أربعة رجال. وهذا كله لا معنى له , إنما هو القرآن والسنة ، ولا مزيد.
وأما من احتج بتخصيص ما لا يجوز أن ينظر إليه الرجال فباطل , وما يحل للمرأة من النظر إلى عورة المرأة إلا كالذي يحل للرجل من ذلك , ولا يجوز ذلك إلا عند الشهادة أو الضرورة , كنظرهم إلى عورة الزانيين , والرجال والنساء في ذلك سواء وبالله تعالى التوفيق.
وأما اليمين مع الشاهد : فروينا عن عمر بن الخطاب أنه قضى باليمين مع الشاهد الواحد.
ومن طريق ابن وهب عن أنس بن عياض أخبرني ضمرة : أن جعفر بن محمد أخبرهم قال : سمعت أبي يقول للحكم بن عتيبة : قضى رسول الله ﷺ باليمين مع الشاهد وقضى بها علي بين أظهركم.
ومن طريق هشيم عن حصين بن عبد الرحمن : أن عبد الله بن عتبة بن مسعود قضى عليه بدين لأنسان أقام شاهدا واحدا وأحلفه مع شاهده. وصح عن عمر بن عبد العزيز , وعبد الرحمن بن عبد الحميد , وعن شريح.
وروي عن جماعة : منهم سليمان بن يسار , وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف , وأبو الزناد , وربيعة , ويحيى بن سعيد الأنصاري , وإياس بن معاوية , ويحيى بن معمر , والفقهاء السبعة , وغيرهم
وهو قول مالك , والشافعي , إلا أنهما لا يقضيان بذلك إلا في الأموال. وجاء عن عمر بن عبد العزيز : أنه قضى بذلك في جراح العمد والخطأ ; ويقضي به مالك أيضا في القصاص في النفس ، ولا يقضي به في العتق , والشافعي يقضي به في العتق.
وروينا إنكار الحكم به عن الزهري , وقال : هو بدعة ما أحدثه الناس أول من قضى به معاوية وقال عطاء : أول من قضى به عبد الملك بن مروان , وأشار إلى إنكاره الحكم بن عتيبة.
وروي عن عمر بن عبد العزيز : الرجوع إلى ترك القضاء به ; لأنه وجد أهل الشام على خلافه , ومنع منه : ابن شبرمة , وأبو حنيفة , وأصحابه.
قال أبو محمد : قد ذكرنا بطلان التعلق في رد هذا الحكم وغيره بالتعلق بقول الله تعالى : {واستشهدوا شهيدين من رجالكم}. وبقوله تعالى : {وأشهدوا ذوي عدل منكم} في الفصل الذي قبل هذا.
وكذلك بقوله عليه الصلاة والسلام شاهداك أو يمينه وسائر ما تعلقوا به في منع الحكم بيمين وشاهد أهذار , والعجب اعتراضهم في هذا بقول الزهري أول من قضى بذلك معاوية , وهم قد أخذوا بقيمة أحدثها معاوية في زكاة الفطر ، ولا يصح فيها أثر عن النبي ﷺ .
قال أبو محمد :
وروينا من طريق مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر , وعبد الله بن نمير , قالا جميعا : ، حدثنا سيف بن سليمان أخبرني قيس بن سعد عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قضى بيمين وشاهد : ، حدثنا أحمد بن قاسم ، حدثنا أبي قاسم بن محمد بن قاسم ، حدثنا جدي قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن سليمان المنقري ، حدثنا مسدد , ، ومحمد بن المثنى , وعبد الله بن عبد الوهاب قالوا كلهم : ، حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قضى باليمين مع الشاهد.
ومن طريق أبي داود ، حدثنا أبو المصعب ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قضى باليمين مع الشاهد. قال أبو داود : وزادني الربيع بن سليمان في هذا الخبر قال : أنا الشافعي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال : فذكرت ذلك لسهيل بن أبي صالح فقال : أخبرني ربيعة وهو ثقة عندي أني حدثته إياه ، ولا أحفظه , قال عبد العزيز : وقد كانت أصابت سهيلا علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه , فكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عن أبيه عن أبي هريرة.
قال أبو محمد : فهذه آثار متظاهرة لا يحل الترك لها , فالواجب أن يحكم بذلك في الدماء والقصاص , والنكاح , والطلاق , والرجعة , والأموال , حاشا الحدود ; لأن ذلك عموم الأخبار المذكورة , ولم يأت في شيء من الأخبار منع من ذلك.
وأما الحدود : فلا طالب لها إلا الله تعالى , ولا حق للمقذوف في إثباتها , ولا في إسقاطها , ولا في طلبها ,
وكذلك المسروق منه , والمزني بامرأته أو حريمته أو أمته , أو غير ذلك : فليس لذلك كله طالب بلا يمين في شيء منها.
وقال الشافعي : إن في بعض الآثار إن النبي ﷺ حكم بذلك في الأموال وهذا لا يوجد أبدا في شيء من الآثار الثابتة وبالله تعالى التوفيق. والعجب من أصحاب أبي حنيفة يقولون دهرهم كله : المرسل , والمسند : سواء , في كل بلية يقولون بها , ثم يردون خبر جابر هذا : بأن غير الثقفي أرسله , وأنه روي مرسلا من طريق سعيد بن المسيب , وغيره , فاعجبوا لعدم الحياء ورقة الدين. وعجب آخر : وهو أنهم يقضون بالنكول في الدماء , والأموال , فيعطون المدعي بلا شاهد ، ولا يمين , لكن بدعواه المجردة وإن كان يهوديا أو نصرانيا برأيهم الفاسد , ويردون الحكم باليمين والشاهد , ويقضون بالعظائم بشهادة امرأتين دون يمين الطالب بآرائهم الفاسدة , واختيارهم المهلك , وينكرون الحكم بشهادة امرأتين مع يمين الطالب , وبشهادة رجل مع يمين الطالب , وينكرون الحكم بشهادة مسلم ثقة مع يمين الطالب , وهم يقضون بشهادة يهوديين , أو نصرانيين حيث لم يأت بذلك نص قرآن , ولا سنة صحيحة , ويضعفون سيف بن سليمان وهو ثقة. وهم آخذ الناس برواية كل كذاب , كجابر الجعفي , وغيره , ويحتجون بمغيب ذلك عن الزهري وعطاء وقد غاب عنهما حكم زكاة الذهب وزكاة البقر , أو علماه ورأياه منسوخا , فلم يلتفتوا هنالك إلى قولهما , وقلدوهما هاهنا , وهذا كما ترون ونسأل الله العاقبة ورأى مالك , والشافعي : أن لا يقضى باليمين والشاهد , إلا في الأموال. قال مالك : وفي القسامة وهذا لا معنى له ; لأنه تخصيص للخبر بلا دليل.