الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الحادية والأربعون

كتاب الهبات

1630 - مسألة :ومن وهب هبة سالمة من شرط الثواب , أو غيره , أو أعطى عطية كذلك , أو تصدق بصدقة كذلك , فقد تمت باللفظ ، ولا معنى لحيازتها , ولا لقبضها ، ولا يبطلها تملك الواهب لها , أو المتصدق بها. وسواء بإذن الموهوب له , أو المتصدق عليه كان ذلك أم بغير إذنه , سواء تملكها إلى أن مات , أو مدة يسيرة أو كثيرة على ولد صغير كانت أو على كبير , أو على أجنبي إلا أنه يلزمه رد ما استغل منها كالغصب سواء سواء في حياته , ومن رأس ماله بعد وفاته

وهو قول أبي سليمان , وأصحابنا.

وقال أبو حنيفة : من وهب أو تصدق على أجنبي , أو قريب صغير , أو كبير ولد أو غيره فليس ذلك بشيء , ولا يلزمه حكم هبة , ولا صدقة , ولا يحكم عليه بأن يدفعها إلى الذي تصدق بها عليه , ولا إلى الذي وهبها له , فإن دفع ذلك مختارا , فحينئذ تمت الهبة والصدقة , وصح ملك الموهوب أو المتصدق عليه , فلو قبضها الموهوب له أو المتصدق عليه بغير إذن الواهب والمتصدق لم يصح له بذلك ملك , وقضي عليه بردها إلى الواهب أو المتصدق إلا الصغير , فإن أباه أو وصيه يقبضان له. قال : فإن مات الواهب , أو المتصدق , أو الموهوب له , أو المتصدق عليه : بطلت الصدقة والهبة.

وقال مالك : من وهب أو تصدق على ابن له صغير فذلك جائز وهو الحائز للصغير الذكر حتى يبلغ , وللأنثى تنكح وترشد. فإن وهب أو تصدق على ولد كبير , أو على أجنبي : أجبر على دفع ذلك إليهما فإن قبضاه بغير إذنه فهو قبض صحيح , فإن غفل عن ذلك حتى مات , والهبة أو الصدقة في يده واعتماره : بطلت الصدقة والهبة وعادت ميراثا فإن دفع البعض واعتمر البعض فإن كان الذي اعتمر لنفسه أكثر من الثلث : بطل الجميع وإن كان الثلث فأقل : صحت الهبة والصدقة في الجميع فيما اعتمر وفيما لم يعتمر.

وقال الشافعي في الهبات والعطايا والصدقات المطلقة بقول أبي حنيفة , وفي الأحباس فقط بالقول الذي ذكرنا عن أصحابنا.

قال أبو محمد : احتج من لم يجز الهبة , والصدقة إلا بالقبض : ب

ما روينا من طريق شعبة عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال : لما نزلت ألهاكم التكاثر قال رسول الله ﷺ : يقول ابن آدم : مالي مالي , وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت , أو لبست فأبليت أو أعطيت فأمضيت.

ومن طريق أبي داود الطيالسي ، حدثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه أنه سمع رسول الله ﷺ يقرأ ألهاكم التكاثر ويقول : يقول ابن آدم : مالي مالي , وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت , أو لبست فأبليت , أو تصدقت فأمضيت. قالوا : فشرط عليه الصلاة والسلام في العطية والصدقة الإمضاء , وهو الإقباض وقالوا : قسنا ذلك على القرض , والعارية , فلا يصحان إلا مقبوضين , بعلة أن كل ذلك بر ومعروف , وعلى الوصية , فلا تصح باللفظ وحده , لكن بمعنى آخر مقترن إليه وهو الموت. وذكروا أيضا ما رويناه من طريق مالك أن ابن شهاب أخبره عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين " أن أبا بكر لما حضرته الوفاة قال لها : إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا , فلو كنت جددتيه واحتزتيه لكان لك فإذ لم تفعلي فإنما هو مال الوارث , وذكر الخبر , وفيه : أنها قالت " والله يا أبت لو كان كذا وكذا لرددته ".

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت : لما حضرت أبا بكر الوفاة , قال لها : إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من أرضي التي بالغابة , وإنك لو كنت احتزتيه لكان لك , فإذا لم تفعلي , فإنما هو مال الوارث.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة أخبرني المسور بن مخرمة , وعبد الرحمن بن عبد القاري : أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول : ما بال أقوام ينحلون أولادهم فإذ مات الأبن قال الأب : مالي وفي يدي , وإذا مات الأب قال : قد كنت نحلت ابني كذا وكذا ; لا نحل إلا لمن حازه وقبضه عن أبيه. قال الزهري : فأخبرني سعيد بن المسيب قال : فلما كان عثمان شكي ذلك إليه , فقال عثمان : نظرنا في هذه النحول فرأينا أحق من يحوز على الصبي أبوه فهذه أصح رواية في هذا , وصح أنهما مختلفان كما أوردنا.

ومن طريق مالك عن الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر بن الخطاب ، أنه قال : ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها , فإن مات ابن أحدهم قال : مالي بيدي لم أعطه أحدا , وإن مات قال : لأبني قد كنت أعطيته إياه , من نحل نحلة لم يحزها الذي نحلها حتى تكون لوارثه إن مات فهي باطل.

ومن طريق ابن وهب عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عثمان بن عفان ، أنه قال : من نحل ولدا صغيرا له لم يبلغ أن يحوز نحلة فأعلن بها , وأشهد عليها فهي جائزة وإن وليها أبوه. قال ابن وهب : وأخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب , وعمر بن عبد العزيز , وشريح , والزهري وربيعة , وبكير بن الأشج : من هذا.

ومن طريق ابن وهب عن الحارث بن نبهان عن محمد بن عبيد الله هو العرزمي عن عمرو بن شعيب , وابن أبي مليكة , وعطاء بن أبي رباح قال عمرو عن سعيد بن المسيب , ثم اتفق سعيد وعطاء , وابن أبي مليكة أن أبا بكر , وعمر , وعثمان , وابن عباس , وابن عمر , قالوا : لا تجوز صدقة حتى تقبض.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن القاسم بن عبد الرحمن : كان معاذ بن جبل لا يجيز الصدقة حتى تقبض. ورويناه من طريق وكيع عن سفيان بإسناده , وزاد فيه : إلا الصبي بين أبويه.

ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم أنا مجالد عن الشعبي : أن شريحا ومسروقا , كانا لا يجيزان صدقة إلا مقبوضة وكان الشعبي يقضي بذلك. قال هشيم : وأخبرني مطرف ، هو ابن طريف عن الشعبي قال : الواهب أحق بهبته ما كانت في يده فإذا أمضاها فقبضت , فهي للموهوب له.

قال علي : هذا كل ما احتجوا به , ما نعلم لهم شيئا غير هذا , وكله لا حجة لهم في شيء منه ,

فأما قول رسول الله : إلا ما تصدقت , أو أعطيت فأمضيت فلم يقل عليه السلام : إن الإمضاء هو شيء آخر غير التصدق , والإعطاء , ولا جاء ذلك قط في لغة , بل كل تصدق وإعطاء إعطاء , فاللفظ بهما إمضاء لهما , وإخراج لهما عن ملكه , كما أن الأكل نفسه هو الإفناء , واللباس هو الإبلاء ; لأن لكل لبسة حظها من الإبلاء , فإذا تردد اللباس ظهر الإبلاء فبطل تعلقهم بهذا الخبر.

وأيضا فإن من قال : ما لي هذا صدقة على فلان , أو قال : قد تصدقت عليك بهذا الشيء , أو قال : مالي هذا هبة لفلان , أو قال : قد وهبته لفلان : فلا يختلف اثنان ممن يحسن اللغة العربية في أنه يقال : قد تصدق فلان بكذا على فلان , وقد وهب له كذا فلو لم تكن الصدقة كاملة تامة باللفظ , لكان المخبر عنه بأنه تصدق , أو وهب كاذبا فوجب حمل الحكم على ما توجبه اللغة , ما لم يأت نص بحكم زائد لا تقتضيه اللغة فيوقف عنده ويعمل به. ويسأل المالكيون خاصة عمن قال : قد وهبت هذا الشيء لك , أو قال : هذا الشيء هبة لك , أو قال : قد تصدقت عليك بهذا , أو قال : هذا صدقة عليك أتصدق , ووهب بذلك الشيء أم لم يتصدق به ، ولا وهبه ، ولا ثالث لهذا التقسيم.

فإن قالوا : نعم , قد تصدق به ووهبه

قلنا : فإذ قد تصدق به ووهبه فقد تمت الصدقة والهبة وصحت , فما يضرهما ترك الحيازة والقبض , إذا لم يوجب ذلك نص

فإن قالوا : لم يهب ، ولا تصدق

قلنا : فمن أين استحللتم إجباره والحكم عليه بدفع مال من ماله لم يتصدق به عليه , ولا وهبه إلى من لم يهبه له ، ولا تصدق به عليه هذا عين الظلم والباطل , ولا مخلص لهم من أحدهما.

وأما من دون الصحابة فلا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ , لا سيما والخلاف قد ورد في ذلك من الصحابة ، رضي الله عنهم ،.

وأيضا فأكثر تلك الأخبار إما لا تصح ,

وأما قد جاءت بخلاف ما تعلقوا به من ألفاظها ,

وأما قد خالفوا أولئك الصحابة فيما جاء عنهم , كمجيء هذه الروايات , أو بأصح على ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى.

وأما قياسهم الهبة , والصدقة على القرض , والوصية , والعارية : فالقياس كله باطل , ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل : أما القرض : فقد أبطلوا وهو لازم باللفظ ومحكوم به ، ولا بد إذ لم يأت نص بخلاف هذا , وإنما يبطل من القرض بعدم الإقباض مثل ما يبطل من الهبة , والصدقة , سواء سواء , وليس ذلك إلا ما كان في غير معين , مثل أن يقول : قد أقرضتك عشرة دنانير من مالي , أو تصدقت عليك بعشرة دنانير من مالي , أو وهبتك عشرة دنانير من مالي : فهذا كله لا يلزم لما ذكرنا قبل : من أن كل ذلك لا يجوز , إلا في معين , وإلا فليس واهبا لشيء , ولا متصدقا بشيء , ولا مقرضا لشيء. والقول في العارية كالقول فيما ذكرنا سواء سواء , ولو صح هذا القياس لكان حجة عليهم.

وأيضا فإن القرض يرجع فيه متى أحب , والعارية كذلك , ولا يرجع عندنا في الهبة ، ولا في الصدقة ,

وأيضا فإن الصدقة والهبة تمليك للرقبة بغير عوض , والقرض تمليك للرقبة بعوض , والعارية ليست تمليكا للرقبة أصلا : فبطل قياس بعض ذلك على بعض لأختلاف أحكامها. وليس قول من قال : اتفاق جميعها في أنها بر ومعروف فأنا أقيس بعضها على بعض بأولى ممن قال افتراقها في أحكامها يوجب أن لا يقاس بعضها على بعض , وإذا كان الأتفاق يوجب القياس , فالأفتراق يبطل القياس , وإلا فقد تحكموا بالدعوى بلا

برهان. ويقال لهم : هلا قستم كل ذلك على النذر الواجب عندكم باللفظ وإن لم يقبض , فهو أشبه بالصدقة والهبة من العارية والقرض

وأما الوصية : فقد كفونا مؤنة قياسهم عليها , لأنهم لا يوجبون فيها الصحة بالقبض أصلا , بل هي واجبة بالموت فقط. وقولهم : لا تجب باللفظ دون معنى آخر وهو الموت فتمويه بارد فاسد ; لأن الموصي لم يوجب الوصية قط بلفظه , بل إنما أوجبها بعد الموت فحينئذ وجبت بما أوجبها به فقط دون معنى آخر : فظهر فساد قياسهم وبرده وغثاثته , ومخالفته للحق والحمد لله رب العالمين.

وأما الرواية عن الصحابة ، رضي الله عنهم ، فنبدأ بخبر أبي بكر , وعائشة رضي الله عنهما فنقول وبالله تعالى التوفيق : لما نص الحديث أنه نحلها جداد عشرين وسقا من ماله بالغابة , فلا يخلو ضرورة من أحد أمرين لا ثالث لهما : إما أن يكون أراد نخلا تجد منها عشرين وسقا.

وأما أن يكون أراد تمرا يكون عشرين وسقا مجدودة , لا بد من أحدهما وأي الأمرين كان فإنما هي عدة ، ولا يلزم هذه القضية عندهم ، ولا عندنا ; لأنها ليست في معين من النخل , ولا معين من التمر , وقد تجد عشرين وسقا من أربعين نخلة , وقد تجد من مائتي نخلة , وقد لا تجد من نخلة بالغابة عشرين وسقا لعاهة تصيب الثمرة , فهذا لا يتم إلا حتى يعين النخل أو الأوساق في نخلة , فيتم حينئذ بالجداد والحيازة , فليست هذه القصة من الهبة المعروفة المحدودة , ولا من الصدقة المعلومة المتميزة في ورد ، ولا صدر , ولكنهم قوم يوهمون في الأخبار ما ليس فيها.

وأيضا فقد روى هذا الخبر من هو أجل من عروة , وآخر هو مثل عروة بخلاف ما رواه عروة :

كما روينا من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج : أخبرني ابن أبي مليكة : أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبره أن أبا بكر الصديق قال لعائشة أم المؤمنين : يا بنية , إني نحلتك نخلا من خيبر , وإني أخاف أن أكون آثرتك على ولدي , وأنك لم تكوني احتزتيه فرديه على ولدي فقالت : يا أبتاه , لو كانت لي خيبر بجدادها لرددتها. فالقاسم ليس دون عروة , وابن أبي مليكة ليس دون ابن شهاب ; لأنه أدرك من الصحابة من لم يأخذ الزهري عنهم , كأسماء وابن عمر وغيرهما ، وابن جريج ليس دون مالك. وهذه السياقة موافقة لقولنا لا لقولهم. فمن الباطل أن يكون ما رووه مما لا يوافق قولهم , بل يخالفه : حجة لما لا يوافقه , ولا يكون ما رويناه موافقا لقولنا : حجة لما يوافقه هذه سواء سواء ممن أطلقها.

ومن طريق ابن الجهم ، حدثنا إبراهيم الحربي ، حدثنا ابن نمير هو محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا أبي عن الأعمش عن شقيق أبي وائل عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين , قالت : قال لي أبو بكر حين أحضر : إني قد كنت أبنتك بنحل فإن شئت أن تأخذي منه قطاعا أو قطاعين ثم تردينه إلى الميراث قالت : قد فعلت. ، ولا خلاف من أن مسروقا أجل من عروة ; لأنه أفتى في خلافة عمر وكان أخص الناس بأم المؤمنين وشقيق أجل من الزهري ; لأنه أدرك رسول الله ﷺ , وإن كان لم يره , وصحب الصحابة من بعد موته عليه الصلاة والسلام الأكابر الأكابر. والأعمش إنما يعارض به شيوخ مالك ; لأنه قد أدرك أنسا ورآه , فهو من التابعين من القرن الثاني , وإنما فيه كما ترى بأنه إنما استرده بإذنها , لا بأنه لم يتم باللفظ. ورويناه أيضا مرسلا كذلك , من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي فبطل تعلقهم بخبر أبي بكر جملة وعاد حجة عليهم ولله تعالى الحمد , وصح أنهما رأيا الهبة جائزة بغير قبض.

وأما الرواية عن أبي بكر , وعمر , وعثمان , وابن عباس , وابن عمر : لا تجوز صدقة حتى تقبض فباطل ; لأن راويها محمد بن عبيد الله العرزمي وهو هالك مطرح.

وأما الرواية عن عمر الموافقة للرواية عن عثمان فلا شيء ; لأن ابن وهب لم يسم من أخبره بها والرواية عن معاذ فيها جابر الجعفي , وبقية الرواية عن عمر , وعثمان , فهي حجة إلا أنهما اختلفا : فعمر عم كل موهوب , وعثمان خص من ذلك صغار الولد , وإنما هي رأي من رأيهما اختلفا فيه , لا تقوم به حجة على أحد وقد صح عن أبي بكر , وعائشة خلاف ذلك , كما أوردنا.

وأيضا فإنما هو عن عمر , وعثمان في النحل خاصة , لا في الصدقة. وقد

روينا من طريق الحجاج بن المنهال ، حدثنا المعتمر بن سليمان التيمي قال : سمعت عيسى بن المسيب يحدث : أنه سمع القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يحدث عن أبيه عن جده عبد الله بن مسعود قال : الصدقة جائزة , قبضت أو لم تقبض.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن القاسم بن عبد الرحمن قال كان علي بن أبي طالب , وابن مسعود : يجيزان الصدقة وإن لم تقبض فهذا إسناد كإسناد حديث معاذ , وتلك المنقطعات.

ومن طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا وكيع عن همام عن قتادة [ عن الحسن البصري ] عن النضر بن أنس بن مالك قال : نحلني أبي نصف داره , فقال أبو بردة : إن سرك أن تحوز ذلك فاقبضه , فإن عمر قضى في الأنحال : ما قبض منه فهو جائز , وما لم يقبض منه فهو ميراث فهذا أنس بأصح سند لا يرى الحرز شيئا.

ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم أنا يونس عن الحسن عن رجل وهب لأمرأته قال : هي جائزة لها , وإن لم تقبضها. وكم قصة خالفوا فيها عمر , وعثمان , كقضائهما بولد المستحقة رقيقا لسيد أمهم , وقضائهما في ولد العربي من الأمة بخمس من الإبل , وكإباحتهما الأشتراط في الحج. وما روي عن أبي بكر , وعمر , من إبطال هبة المجهول. وككلام عمر , وعثمان , يوم الجمعة في الخطبة بحضرة المهاجرين والأنصار , إذ ذكر له عمر غسل الجمعة , وكإيجابهما القصاص من الوكزة واللطمة , وسجودهما في الخطبة , إذ قرآ السجدة بحضرة الصحابة دون مخالف وقولهما : من أشعر لزمته الحدود ، ولا مخالف لهما من الصحابة , وكتخييرهما المفقود إذا قدم امرأته بينها وبين الصداق وغير ذلك كثير جدا , فمرة هما حجة ومرة ليسا حجة.

وأما تقسيم مالك فيمن اعتمر مما تصدق به أو وهب الثلث فما فوقه , أو ما دون الثلث , فقول لا يعرف عن أحد قبله مع تناقضه هاهنا , فجعل الثلث في حيز الكثير , وجعله فيما تحكم فيه المرأة من مالها في حيز القليل وهذا عجب جدا مع أنه خلاف مجرد للرواية عن عمر , وعثمان وكل من روي عنه في ذلك من الصحابة لفظة ; لأن جميعهم إما مبطل للهبة فيما لم يجز جملة , أو في الصدقة كذلك , أو مجيز له جملة.

وأما قول أبي حنيفة : إن قبضها الموهوب له أو المتصدق عليه بغير إذن الواهب أو المتصدق فليس قبضا فلا يعرف عن أحد قبله , وهو مخالف للرواية عن عمر. وعثمان في ذلك ; لأنهما رضي الله عنهما لم يقولا حتى يقبض بإذنه , لكن قالا : حتى يقبض , فإن كان قولهما حجة وإجماعا فقد خالف الحنفيون , والمالكيون الحجة والإجماع بإقرارهم على أنفسهم وإن لم يكن قولهما حجة ، ولا إجماعا فلا معنى لأحتجاجهم به فبطل تعلقهم بكل ما تعلقوا به من ذلك.

وأما قول الشافعي : فإننا

روينا عن إبراهيم النخعي أن الصدقة جملة تتم بلا حيازة واحتجوا : بأن الصدقة لا تكون إلا لله تعالى.

قال أبو محمد , وهذا ليس بشيء ; لأن الهبة إذا لم تكن لله تعالى , فهي باطل , فلو عملنا ذلك لما أجزناها , إذ كل عمل عمل لغير الله تعالى فهو باطل , ونبطل قوله في الهبة بما أبطلنا به قول أبي حنيفة , ومالك وبالله تعالى التوفيق.

واحتج أصحاب الشافعي : بأن الهبات والصدقات المطلقة يملكها أربابها , فاحتاجوا إلى القبض

وأما الحبس فلا مالك لها إلا الله تعالى , وكل شيء في قبضته عز وجل , فلا قابض لها دونه.

قال علي : الأرض كلها وكل شيء لله تعالى , لم يخرج شيء عن ملكه فيرد إليه , وقد بطل قوله في الهبة والصدقة بما يبطل به قول مالك , وأبي حنيفة وبالله تعالى التوفيق. فإذا بطل كل ما احتجوا به , فالحجة لقولنا : قول الله تعالى : {أوفوا بالعقود} , وهذا مكان الأحتجاج بهذه الآية , لا حيث احتجوا بها مما بينت السنن أنه لا مدخل له فيها.

وكذلك قوله تعالى : {ولا تبطلوا أعمالكم}. ومن تلفظ بالهبة أو الصدقة فقد عمل عملا , وعقد عقدا لزمه الوفاء به , ولا يحل لأحد إبطاله إلا بنص , ولا نص في إبطاله وبالله تعالى التوفيق.