→ كتاب الهبات (مسأله 1650) | ابن حزم - المحلى كتاب الهبات (مسأله 1651 - 1652) ابن حزم |
كتاب الهبات (مسأله 1653 - 1659) ← |
كتاب الهبات
العارية
1651 - مسألة: والعارية جائزة , وفعل حسن , وهي فرض في بعض المواضع , وهي إباحة منافع بعض الشيء , كالدابة للركوب , والثوب للباس , والفأس للقطع , والقدر للطبخ , والمقلى للقلو , والدلو , والحبل , والرحى للطحن , والإبرة للخياطة , وسائر ما ينتفع به ، ولا يحل شيء من ذلك إلى أجل مسمى , لكن يأخذ ما أعار متى شاء , ومن سألها إياه محتاجا : ففرض عليه إعارته إياه إذا وثق بوفائه , فإن لم يأمنه على إضاعة ما يستعير أو على جحده فلا يعره شيئا. أما كونها فرضا كما ذكرنا , فلقول الله تعالى : {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون} فتوعد عز وجل من منع الماعون بالويل :
روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا حجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود في قوله تعالى : {ويمنعون الماعون} قال : هو العواري : القدر , والدلو , والميزان
ومن طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد ، عن ابن مسعود قال : الماعون ما تعاوره الناس بينهم : الفأس , والقدر , وأشباهه.
ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن جابر بن صبح حدثتني أم شراحيل قالت : قالت أم عطية : اذهبي إلى فلانة فأقرئيها السلام وقولي لها : إن أم عطية توصيك بتقوى الله عز وجل ، ولا تمنعي الماعون قالت : فقلت : ما الماعون فقالت لي : هبلت , هي المهنة يتعاطاها الناس بينهم
ومن طريق يحيى بن سعيد أيضا , وعبد الرحمن بن مهدي , قال ابن مهدي : عن سفيان الثوري , وقال يحيى : عن شعبة , ثم اتفقا عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن عياض عن أصحاب رسول الله ﷺ قالوا : الماعون منع القدر والفأس , والدلو.
ومن طريق ابن علية , وسفيان الثوري , كلاهما ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، عن ابن عباس في تفسير الماعون المذكور في الآية قال ابن عطية في روايته : متاع البيت , وقال سفيان في روايته : هي العارية والمعنى واحد. ورويناه أيضا : عن علي بن أبي طالب من طريق ابن أبي شيبة ، عن ابن علية عن ليث عن أبي إسحاق , وهؤلاء كلهم حجة في اللغة.
وروينا ، عن ابن عمر : هو المال يمنع حقه وهو موافق لما ذكرنا
وهو قول عكرمة , وإبراهيم وغيرهما , وما نعلم عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، خلافا لهذا
فإن قيل : قد روي عن علي رضي الله عنه أنها الزكاة
قلنا : نعم , ولم يقل ليست العارية ثم قد جاء عنه , أنها العارية. فوجب جمع قوليه.
فإن قيل : قد روي ، عن ابن عباس " لم يأت أهلها بعد " من طريق ليث عن مجاهد.
قلنا : نعم , وهذا غير مخالف لما صح عنه من طريق مجاهد ; لأن معنى قوله " لم يأت أهلها بعد " أي إن الناس اليوم يتباذلون ، ولا يمنعون وسيأتي زمان يمنعونه , ولا يحتمل ألبتة قول ابن عباس إلا هذا الوجه وبالله تعالى التوفيق.
وأما منع ذلك لمدة مسماة ; فلأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل.
وكذلك من أعار أرضا للبناء فيها , أو حائطا للبناء عليه , فله أخذه بهدم بنائه متى أحب بلا تكليف عوض لقول رسول الله ﷺ : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ، وأن من أضاع ما يستعير أو جحده ولم يؤمن ذلك منه فقد صح عن النبي ﷺ النهي عن إضاعة المال ونهى الله تعالى عن التعاون على الإثم والعدوان , فلا يجوز عونه على ذلك وبالله تعالى التوفيق.
1652 - مسألة: والعارية غير مضمونة إن تلفت من غير تعدي المستعير , وسواء ما غيب عليه من العواري وما لم يغب عليه منها. فإن ادعى عليه أنه تعدى , أو أضاعها حتى تلفت , أو عرض فيها عارض , فإن قامت بذلك بينة أو أقر : ضمن بلا خلاف , وإن لم تقم بينة ، ولا أقر : لزمته العين وبرئ ; لأنه مدعى عليه وقضى رسول الله ﷺ باليمين على المدعى عليه.
وأما تضمينها : فإن الناس اختلفوا : فقالت طائفة كما
قلنا.
وقالت طائفة : هي مضمونة على كل حال بأي وجه تلفت.
وقالت طائفة : لا يضمن إلا أن يشترط المعير ضمانها فيضمن حينئذ.
وقالت طائفة : لا ضمان على المستعير غير المغل يعني المتهم. وقال قائل : أما ما غيب عليه كالحلي والثياب ونحو ذلك , فيضمن جملة وقد روي عنه ، أنه قال : إن قامت له بينة بأنها تلفت من غير فعله فلا ضمان عليه , وإن لم تقم بينة فهو ضامن.
وأما ما ظهر كالحيوان ونحوه : فلا ضمان فيه ما لم يتعد.
قال أبو محمد : وهذا قول مالك , وما نعلم له فيه سلفا إلا عثمان البتي وحده , وما نعلم لهم حجة أصلا إلا أنهم قالوا : نتهم المستعير فيما غاب. .
فقلنا : ليس بالتهمة تستحل أموال الناس ; لأنها ظن , والله تعالى قد أنكر اتباع الظن , فقال تعالى : {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا}.
وقال رسول الله ﷺ : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. ويلزمكم إذا أعملتم الظن أن تضمنوا المتهم , ولا تضمنوا من لا يتهم , كما يقول شريح. ويلزمكم أن تضمنوا الوديعة أيضا بهذه التهمة وفساد هذا القول أظهر من أن يتكلف الرد عليه بأكثر مما أوردنا وبالله تعالى التوفيق.
وقال بعضهم : قسناه على الرهن. .
فقلنا : هذا قياس للخطأ على الخطأ , وحجة لقولكم بقولكم , وكلاهما خطأ.
وقال بعضهم : لما اختلف السلف في تضمين العارية توسطنا قولهم
قلنا لهم : ومن هذا سألناكم من أين فعلتم هذا وملتم إلى هذا التقسيم الفاسد ، ولا سبيل إلى دليل أصلا , لا من قرآن , ولا من سنة , ولا رواية سقيمة , ولا قياس , ولا قول صاحب , ولا رأي له وجه فسقط هذا القول.
وأما من قال : لا ضمان على المستعير غير المغل , ولا على المستودع غير المغل , فهو قول شريح , رويناه من طريق عبد الرزاق : سمعت هشام بن حسان يذكر عن محمد بن سيرين عن شريح هذا القول , وقال : المغل : المتهم وهو يبطل بما بطل به قول مالك ; لأنه بناه على التهمة , وهو ظن فاسد.
وأما من قال : لا ضمان على المستعير إلا أن يشترط عليه الضمان فهو قول قتادة , وعثمان البتي , رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة.
قال أبو محمد : وهذا باطل ; لأنه شرط ليس في كتاب الله عز وجل , فهو باطل , ولقد كان يلزم الحنفيين , والمالكيين المجيزين للشروط الفاسدة بالخبر المكذوب المسلمون عند شروطهم أن يقولوا بقول قتادة هاهنا , ولكن لا مؤنة عليهم من التناقض فبطل هذا القول أيضا , ولم يبق إلا قول من ضمنها جملة , أو قولنا :
فنظرنا في قول من ضمنها جملة. ف
وجدنا ما روينا من طريق عبد الرزاق ، حدثنا ابن عيينة هو سفيان عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة , وعبد الرحمن بن السائب , قال ابن أبي مليكة : عن ابن عباس , وقال ابن السائب : عن أبي هريرة , قالا جميعا : العارية تغرم.
ومن طريق ابن وهب عن رجال من أهل العلم ، عن ابن عمر أنه كان يضمن العارية.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر ، عن ابن طاووس عن أبيه قال في قضية معاذ بن جبل : العارية مؤداة. وكان شريح يضمن العارية , وضمنها الحسن , ثم رجع عن ذلك , وصح عن مسروق أيضا , وعن عطاء بن أبي رباح. وذكره ابن وهب عن يحيى بن سعيد الأنصاري , وربيعة , وذكرا : أنه قول علمائهم الذين أدركوا به وكانوا يقضون. وذكره أيضا عن سليمان بن سيار , وعمر بن عبد العزيز , ومكحول. وقال الزهري : أجمع رأي القضاة على ذلك , إذ رأوا شرور الناس وبهذا يقول الشافعي , وأحمد بن حنبل , وأصحابهما , واحتجوا بقول الله تعالى : {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}.
فقلنا لهم : فضمنوا بهذه الآية الوديعة فقد ضمنها عمر , وغيره , ونعم , هو مأمور بأدائها ما دام قادرا على أدائها , فإن عجز عن ذلك , فالله تعالى يقول : {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} فإذ ليس في وسعه أداؤها فهو غير مكلف ذلك , وليس في هذه الآية تضمين ; لأن أداء الغرامة هو غير أداء الأمانة , فلا متعلق لكم بهذه الآية أصلا ; لأنه ليس فيها أداء غيرها , ولا ضمانها , واحتجوا بما جاء في أدراع صفوان بن أمية , وبما روي العارية مؤداة والزعيم غارم وكلاهما : لا يصح : أما خبر دروع صفوان , فإننا رويناه من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا شريك ، هو ابن عبد الله القاضي عن عبد العزيز بن رفيع عن أمية بن صفوان بن أمية عن أن رسول الله ﷺ استعار منه يوم حنين أدراعا ; فقال : غصب يا محمد فقال : بل عارية مضمونة شريك مدلس للمنكرات إلى الثقات , وقد روى البلايا والكذب الذي لا شك فيه عن الثقات.
ومن طريق الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا نافع عن صفوان بن أمية أنه استعار منه النبي ﷺ سلاحا فقال : مضمونة قال : مضمونة. الحارث متروك , ويحيى بن أبي بكير لم يدرك نافعا , وأعلى من عنده شعبة , ولا نعلم لنافع سماعا من صفوان أصلا , والذي لا شك فيه : فإن صفوان مات أيام عثمان قبل الفتنة.
ومن طريق ابن وهب عن أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه : أن صفوان بن أمية أعار رسول الله ﷺ سلاحا فقال : أعارية مضمونة أم غصب فقال : بل عارية مضمونة هذا منقطع ; لأن محمد بن علي لم يدرك صفوان ، ولا ولد إلا بعد موته بدهر.
ومن طريق مسدد ، حدثنا أبو الأحوص ، حدثنا عبد العزيز بن رفيع عن عطاء بن أبي رباح عن ناس من آل صفوان بن أمية استعار رسول الله ﷺ من صفوان سلاحا , فقال صفوان : أعارية أم غصب قال : بل عارية , ففقدوا منها درعا , فقال رسول الله ﷺ إن شئت غرمناها لك فقال : يا رسول الله إنه في قلبي من الإيمان ما لم يكن يومئذ هذا عن ناس لم يسموا.
ومن طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا أحمد بن سليمان ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا إسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع ، عن ابن أبي مليكة عن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية أن رسول الله ﷺ استعار من صفوان بن أمية دروعا فهلك بعضها , فقال رسول الله ﷺ إن شئت غرمناها لك قال : لا يا رسول الله إسرائيل ضعيف ثم ليس في قوله عليه الصلاة والسلام إن شئت غرمناها لك لو صح بيان بوجوب غرمها إذا لم يكن هاهنا غير هذا اللفظ , والأموال المحرمة لا يجوز القضاء بإباحتها بغير بيان جلي.
ومن طريق ابن وهب ، عن ابن جريج , ويونس , وعبيد الله بن عمر , قال ابن جريج : عن عطاء , وقال يونس : عن ربيعة , وقال ابن عمر عن الزهري فذكر دروع صفوان , ، وأن النبي ﷺ قال : بل طوعا , وهي علينا ضامنة هذا مرسل.
ومن طريق ابن وهب عن مسلمة بن علي عن بعض أهل العلم أنه بلغه أن في شرط أهل اليمن من النبي ﷺ إن كان بأرض اليمن كون أو حدث أن يعطوا رسل اليمن : ثلاثين بعيرا وثلاثين فرسا , وثلاثين درعا ; وهم ضامنون لها حتى يردوها هذا مردد في الضعف منقطع , وعمن لم يسم , ومسلمة بن علي ساقط.
ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار : شرط رسول الله ﷺ على أهل نجران عارية : ثلاثين فرسا , وثلاثين درعا , وثلاثين رمحا , فإن ضاع منها شيء فهو ضامن على رسله , شهد المغيرة بن شعبة , وأبو سفيان بن حرب , والأقرع بن حابس هذا منقطع , لم يدرك عمرو من هؤلاء أحدا ورويناه أيضا من طريق هشيم عن حصين مرسل. وقد
روينا من طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن رفيع عن إياس بن عبد الله بن صفوان أن رسول الله ﷺ إذا أراد حنينا قال لصفوان : هل عندك من سلاح قال : عارية أم غصبا قال : لا , بل عارية , فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا , فلما هزم المشركون جمعت دروع صفوان , ففقد منها , فقال له رسول الله ﷺ إنا قد فقدنا من أدراعك أدراعا , فهل نغرم لك فقال : لا يا رسول الله إن في قلبي اليوم ما لم يكن فهذا مرسل كتلك , وهو يبين أنها غير مضمونة في الحكم. واحتجوا بما رويناه من طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم سمعت أبا أمامة الباهلي قال : سمعت النبي ﷺ في حجة الوداع يقول : العارية مؤداة , والدين مقضي , والزعيم غارم إسماعيل بن عياش ضعيف.
وروينا أيضا العارية مؤداة من طريق أحمد بن شعيب عن عبد الله بن الصباح ، حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت الحجاج بن الفرافصة حدثني محمد بن الوليد عن أبي عامر الهوزني عن أبي أمامة عن النبي ﷺ الحجاج بن الفرافصة مجهول.
ومن طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا عمرو بن منصور ، حدثنا الهيثم بن خارجة ، حدثنا الجراح بن مليح حدثني حاتم بن حريث الطائي سمعت أبا أمامة عن النبي ﷺ حاتم بن حريث مجهول.
ومن طريق ابن وهب ، عن ابن لهيعة عن عبد الله بن حيان الليثي عن رجل منهم قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : العارية مؤداة , والمنحة مردودة ابن لهيعة لا شيء.
ومن طريق البزار ، حدثنا عبد الله بن شبيب ، حدثنا إسحاق بن محمد الفروي ، حدثنا عبد الله بن عمر ، حدثنا زيد بن أسلم ، عن ابن عمر عن النبي ﷺ : العارية مؤداة الفروي ضعيف , وعبد الله بن عمر هو العمري الصغير ضعيف. ثم لو صحت هذه الألفاظ لما كان فيها إلا أنها مؤداة , وهكذا نقول : إن أداءها فرض , والتضمين غير الأداء , وليس فيه أنها مضمونة أصلا فبطل تعلقهم بشيء منها. وذكروا
ما روينا من طريق شعبة عن قتادة عن سمرة بن جندب عن النبي ﷺ : على اليد ما أخذت حتى تؤديه وهذا منقطع ; لأن قتادة لم يدرك سمرة. ورويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله ﷺ : على اليد ما أخذت حتى تؤديه الحسن لم يسمع من سمرة ثم لو صح فليس فيه إلا الأداء , وهكذا نقول , والأداء غير الضمان في اللغة والحكم , ويلزمهم إذا حملوا هذا اللفظ على الضمان أن يضمنوا بذلك المرهون والودائع ; لأنها مما قبضت اليد , وكل هذا قد قال بتضمينه طوائف من الصحابة فمن بعدهم فظهر تناقضهم. وقد
روينا من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا إبراهيم بن المستمر ، حدثنا حبان بن هلال ، حدثنا همام بن يحيى ، حدثنا قتادة عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال : قال لي رسول الله ﷺ : إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعا وثلاثين بعيرا فقلت : يا رسول الله أعارية مضمونة أم عارية مؤداة قال : بل عارية مؤداة فهذا حديث حسن ليس في شيء مما روي في العارية خبر يصح غيره ,
وأما ما سواه فلا يساوي الأشتغال به وقد فرق فيه بين الضمان , والأداء , وأوجب في العارية الأداء فقط دون الضمان فبطل كل ما تعلقوا به من النصوص. وقالوا : وجدنا كل ما يقبضه بعض الناس من بعض من الأموال ينقسم ثلاثة أقسام : أحدها قسم منفعة للدافع دون المدفوع إليه , كالوديعة , والوكالة فهذا غير مضمون , فواجب أن يكون كل ما في هذا الباب كذلك وثانيها قسم منفعته للدافع والمدفوع إليه معا , كالقراض , وقد أتفقنا على أنه غير مضمون , فوجب أن يكون الرهن وكل ما في هذا الباب كذلك. وثالثها ما منفعته المدفوع إليه دون الدافع كالقرض , وقد صح الإجماع على أنه مضمون فوجب أن تكون العارية وكل ما في هذا الباب كذلك.
قال أبو محمد : وهذا قياس , والقياس كله باطل , إلا أنه من المليح المموه من مقاييسهم وأنهم ليسفكون الدماء , ويبيحون الفروج , والأموال والأبشار بأقل من هذا , كقياسهم في الصداق , وفي جلد الشارب قياسا على القاذف , والقود للكافر من المؤمن , وفاعل فعل قوم لوط , وسائر قياسهم , إلا أننا نعارض هذا القياس بمثله , وهو أن العارية دفع مال بغير عوض , كالوديعة.
وأيضا فإن ما يلي في اللباس وفيما استعيرت له فنقص منها بلا تعد فلا ضمان فيه , فكذلك سائر النقص وهذا كله وساوس , نعوذ بالله من الحكم بها في دينه.
قال علي : فبقي قولنا , فوجدناه قد روي عن عمر , وعلي ,
كما روينا من طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، عن ابن صالح بن حي عن عبد الأعلى عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب قال : العارية ليست بيعا ، ولا مضمونة إنما هو معروف إلا أن يخالف فيضمن ,
وهذا صحيح عن علي.
ومن طريق عبد الرزاق ، حدثنا قيس بن الربيع عن الحجاج بن أرطاة عن هلال الوزان عن عبد الله بن عكيم قال عمر بن الخطاب : العارية بمنزلة الوديعة , ولا ضمان فيها , إلا أن يتعدى
وهو قول إبراهيم النخعي , وعمر بن عبد العزيز , والزهري , وغيرهم
وهو قول أبي سليمان
قال أبو محمد : قول الله تعالى : {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض}.
وقال رسول الله ﷺ : (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام).
فصح أن مال المستعير محرم إلا أن يوجبه نص قرآن أو سنة , ولم يوجبه قط نص منهما
وقال الله تعالى : {ما على المحسنين من سبيل}
وقال تعالى : {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق}. والمستعير ما لم يتعد ، ولا ضيع : محسن فلا سبيل عليه بنص القرآن , والغرم سبيل بيقين فلا غرم عليه وبالله تعالى التوفيق.