→ كتاب الهبات (مسأله 1631) | ابن حزم - المحلى كتاب الهبات (مسأله 1632 - 1633) ابن حزم |
كتاب الهبات (مسأله 1634 - 1635) ← |
كتاب الهبات
1632 - مسألة : فإن تغيرت الهبة عند الولد حتى يسقط عنها الاسم ، أو خرجت عن ملكه ، أو مات ، أو صارت لا يحل تملكها فلا رجوع للأب فيه ؛ لأنها إذا تغيرت فهي غير ما جعل له ﷺ الرجوع فيه ، وإذا خرجت عن ملكه ، أو مات ، فلا رجوع له على من لم يجعل له النبي ﷺ الرجوع عليه - وإذا بطل تملكها ، فلا تملك للأب فيها أصلا - وبالله تعالى التوفيق .
1633 - مسألة : ولا تنفذ هبة ولا صدقة لأحد إلا فيما أبقى له ولعياله غنى ، فإن أعطى ما لا يبقى لنفسه وعياله بعده غنى فسخ كله . برهان ذلك - : ما رويناه من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا أبو عوانة عن أبي مالك الأشجعي عن حذيفة قال : قال نبيكم ﷺ { : كل معروف صدقة } . ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن سواد عن ابن وهب أنا يونس عن ابن شهاب نا سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ : { خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول } . وروينا معناه أيضا من طريق أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ . ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي نا يحيى بن سعيد القطان نا عمرو بن عثمان سمعت موسى بن طلحة بن عبيد الله أن حكيم بن حزام حدثه " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال { : أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى } . فإذا كل معروف صدقة ، وأفضل الصدقة وخيرها ما كان عن ظهر غنى ، فبلا شك وبالضرورة : أن ما زاد في الصدقة ونقص من الخير ، والأفضل فلا أجر فيه ، ولا خير فيه ، ولا فضل فيه ، وأنه باطل ، وإذا كان باطلا ، فهو أكل مال بالباطل - فهذا محرم بنص القرآن . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان حدثني سعيد المقبري عن أبي هريرة { أن رسول الله ﷺ قال : تصدقوا فقال رجل : يا رسول الله عندي دينار قال : تصدق به على نفسك قال : عندي آخر ، قال : تصدق به على زوجتك ، قال : عندي آخر ، قال : تصدق به على ولدك ، قال : عندي آخر ، قال : تصدق به على خادمك ، قال : عندي آخر ، قال : أنت أبصر به } ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا الليث هو ابن سعد - عن أبي الزبير عن جابر قال : { أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر ، فقال له رسول الله ﷺ : ألك مال غيره ؟ قال : لا ، قال : من يشتريه مني ؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بن النحام بثمانمائة درهم ، فدفعها إليه ، ثم قال له رسول الله ﷺ : ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك ، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك ، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فكهذا وهكذا } . ومن طريق مسلم نا أبو الطاهر هو أحمد بن عمرو بن السرح - أخبرني ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني { عبد الرحمن بن كعب بن مالك سمعت أبي يقول : فذكر الحديث في تخلفه عن تبوك قال : قلت : يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله ﷺ فقال رسول الله ﷺ أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ؟ فقلت : إني أمسك سهمي الذي بخيبر } . ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف نا أبي وعمي سعد ، ويعقوب ابنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، قالا جميعا : نا ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله { أن رجلا أعتق عبدا له لم يكن له مال غيره ، فرده عليه رسول الله ﷺ وابتاعه نعيم بن النحام . } حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر بن حماد نا مسدد نا حماد هو ابن زيد - عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن جابر بن عبد الله { أن رجلا أتى النبي ﷺ بمثل البيضة من الذهب فقال : يا رسول الله هذه صدقة ما تركت لي مالا غيرها ، فحذفه بها النبي ﷺ فلو أصابه لأوجعه ، ثم قال : ينطلق أحدكم فينخلع من ماله ثم يصير عيالا على الناس . } وحدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الأعرابي نا إسحاق بن إسماعيل نا سفيان عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول { دخل رجل المسجد فأمر النبي ﷺ الناس أن يطرحوا ثيابا ، فطرحوا ، فأمر له بثوبين ، ثم حث عليه السلام على الصدقة ، فجاء فطرح أحد الثوبين ، فصاح به رسول الله ﷺ خذ ثوبك } . فهذا { رسول الله ﷺ قد رد العتق ، والتدبير ، والصدقة بمثل البيضة من الذهب ، وصدقة كعب بن مالك بماله كله ، ولم يجز من ذلك شيئا . } ويبين ذلك أيضا : قوله عليه الصلاة والسلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . ومن طريق النظر : أن كل عقد جمع حراما وحلالا فهو عقد مفسوخ كله ؛ لأنه لم ينعقد كما أمر الله تعالى ، ولا تميز حلاله من حرامه ، فهو عقد لم يكن قط صحيحا عمله . وهذه آثار متواترة متظاهرة في غاية الصحة والبيان لا يحل لأحد خلافها من طريق أبي هريرة ، وجابر ، وحكيم بن حزام ، وكعب بن مالك ، وأبي سعيد . وروينا أيضا معناها عن طارق المحاربي عن رسول الله ﷺ صحيحا . ومن البرهان على صحة ذلك - : من القرآن قول الله تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } . وقوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } . وقوله تعالى : { وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } وممن قال بهذا السلف - : كما روينا من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن ابن الهاد نا عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه قال لأبيه عمر بن الخطاب : إني رأيت أن أتصدق بمالي كله ؟ فقال له عمر : لا تخرج من مالك كله ، ولكن تصدق وأمسك . ومن طريق ابن الجهم نا إبراهيم الحربي نا محمد بن سهل نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال : يرد من حيف الناحل ما يرد من حيف الميت في وصيته . ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال : لا أرى أن يتصدق المرء بماله كله ، ولكن يتصدق بثلث ماله يرد من حيف الناحل في حياته ما يرد من حيف الميت في وصيته عند موته . ومن طريق ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه أنه حضر عمر بن عبد العزيز وقد تصدق رجل من آل الزبير على بعض ولده بجميع ماله إلا شيئا يسيرا فأمضى للمتصدق عليه الثلث ، أو نحوه . قال أبو محمد : لا نحد الثلث ولا أكثر ولا أقل إنما هو ما أبقى غنى . ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن أبي الزناد قال : كل صدقة تصدق بها رجل أو امرأة قد بلغ لا بأس بعقله وليس عليه دين لا وفاء له به جائزة إلا أن يكون رجل أو امرأة له غنى فيتصدق على بعض ورثته بماله كله دون بعض ، فإن ذلك يعد سرفا ، فترد الولاة من ذلك الشيء بقدر رأيهم فيه ، ويجيزون السداد ، على هذا جرى أمر القضاة . فهؤلاء عمر بن الخطاب ، وعروة ، وابن شهاب ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبو الزناد ، والقضاة جملة لا يجيزون الصدقة بجميع المال . قال علي : والغنى هو ما يقوم بقوت المرء وأهله على الشبع من قوت مثله ، وبكسوتهم كذلك وسكناهم ، وبمثل حال من مركب وزي فقط . وبالله تعالى التوفيق . فهذا يقع عليه في اللغة اسم غنى ، لاستغنائه عن الناس ، فما زاد فهو وفر ودثر ويسار ، وفضل إلى الإكثار ، وما نقص فليس غنى ، ولكنه حاجة وعسرة وضيقة ، إلا أن ينزل إلى المسكنة ، والفاقة ، والفقر ، والإدقاع ، والضرورة - ونعوذ بالله من ذلك ، ومن فتنة الغنى والمال . فإن ذكر المخالف قول الله تعالى : { الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله } وقوله تعالى : { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } : وقوله تعالى { والذين لا يجدون إلا جهدهم } وما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن زائدة عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود كان رسول الله ﷺ يأمر بالصدقة فينطلق أحدنا فيحامل فيجيء بالمد . ومن طريق أحمد بن شعيب نا قتيبة بن سعيد نا الليث هو ابن سعد - عن ابن عجلان بن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { سبق درهم مائة ألف ، كان لرجل درهمان فتصدق أجودهما ، وانطلق رجل إلى عرض ماله فأخذ منها مائة ألف فتصدق بها } . ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عبد الوهاب بن الحكم الرقي عن حجاج قال ابن جريج : أخبرني عثمان بن أبي سليمان عن علي هو ابن عبد الله البارقي - عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن حبشي الصنعاني الخثعمي " { أن رسول الله ﷺ سئل أي الصدقة أفضل ؟ قال : جهد المقل } . ومن طريق شعبة أخبرني ابن أبي بردة هو سعيد - قال : سمعت أبي يحدث عن أبي موسى عن النبي ﷺ قال : { على كل مسلم صدقة قال : أرأيت إن لم يجدها ؟ قال : يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق } وذكر الحديث . ومن طريق مسلم عن أبي كريب نا وكيع عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة { أن رجلا من الأنصار بات به ضيف فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه ، فقال لامرأته : نومي الصبية ، وأطفئي السراج ، وقربي للضيف ما عندك - فنزلت هذه الآية : { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } } . ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب بلغنا : { أن رجلا تصدق على أبويه صدقة - وهو ماله كله - ثم ورثهما ، فقال له رسول الله ﷺ : هو كله لك حلال } . ومن طريق ابن الجهم نا محمد بن يونس الكديمي نا العلاء بن عمرو الحنفي نا أبو إسحاق الفزاري عن سفيان الثوري عن آدم بن علي { عن ابن عمر قال كنت عند النبي ﷺ وعنده أبو بكر وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال إذ هبط عليه جبريل عليه السلام فقال : يا رسول الله مالي أرى أبا بكر وعليه عباءة قد خلها بخلال ؟ قال : يا جبريل أنفق علي ماله قبل الفتح ؟ فقال : يا محمد إن الله تعالى يقول لك : اقرأ على أبي بكر الصديق السلام ، وقال له : أراض أنت عني يا أبا بكر في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال له النبي ذلك ؟ فبكى أبو بكر ، وقال : يا رسول الله أأسخط على ربي ، أنا عن ربي راض وكررها ثلاثا } . ومن طريق أبي داود نا عثمان بن أبي شيبة نا الفضل بن دكين نا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال { أمرنا رسول الله ﷺ بالصدقة فأتى أبو بكر بماله كله ، فقال له رسول الله ﷺ : ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله ورسله } . ومن طريق البزار نا محمد بن عيسى نا إسحاق بن محمد الفروي نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر { عن عمر ، قال أمرنا رسول الله ﷺ بالصدقة ، فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله ﷺ ما أبقيت لأهلك ؟ فقلت : مثله ، قال : وجاء أبو بكر بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ قال : الله ورسوله } . هذا كل ما يمكن أن يذكروه قد تقصيناه ولكنه لا حجة لهم في شيء منه . أما قول الله تعالى : { الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله } فلم يقل تعالى أموالهم كلها . ومن أنفق ثلاث مرات في سبيل الله ، أو أنفق ثلاثة بالعدد كذلك : فقد أنفق أمواله في سبيل الله تعالى ، كما أن من أنفق درهما في سبيل الله تعالى أو أقل ، فقد أنفق ماله في سبيل الله عز وجل ؛ لأن بعض ماله وإن قل يسمى ماله . ثم بيان ما يجوز إنفاقه وما لا يجوز في الآيات والأحاديث التي قدمنا ، ولا يجوز أن يقال : إن هذه الآية ناسخة لتلك ومبيحة لبسط يده كل البسط ، وللتبذير والسرف ، فيكون من قال ذلك كاذبا على الله تعالى . وأما قوله تعالى : { والذين لا يجدون إلا جهدهم } مع قوله عليه الصلاة والسلام إذ سئل عن { أفضل الصدقة جهد المقل } فإن هذين النصين بينهما ما رويناه من طريق أبي داود نا قتيبة نا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن يحيى بن جعدة عن أبي هريرة أنه قال { يا رسول الله ، أي الصدقة أفضل ؟ قال : جهد المقل ، وأبدأ بمن تعول } . فصح أن هذه الآية ، وخبر عبد الله بن حبشي إنما هما في جهده ، وإن كان مقلا من المال غير مكثر إذا أبقى لمن يعول غنى ولا بد . وأما قول الله تعالى { : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } فحق ، ولا حجة لهم فيه ؛ لأن من به خصاصة وآثر على نفسه فلا يكون ذلك إلا في مجهود ، وهكذا نقول ، وليس فيها أنه مباح له تضييع نفسه ، وأهله ، والصدقة على من هو أغنى منه . وأما { حديث ابن مسعود : أن أحدهم كان يحامل فيأتي بالمد فيتصدق به } فهذا حسن ، وهو أن يكون له غنى ولأهله ، ولا فضل عنده فيحمل على ظهره فيصيب مدا هو عنه في غنى فيتصدق به . وهذا كله مبني على { ابدأ بمن تعول } - { وأفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى } { ، ورده عليه الصلاة والسلام ما زاد على ذلك } . وأما حديث أبي هريرة { سبق درهم مائة ألف } تصحيح وهو مبني على أنه كان له غنى ، وفضل له درهمان فقط فتصدق بأجودهما ، وكانت نسبة الدرهم من ماله أكثر من نسبة المائة الألف من مال الآخر فقط ، وليس فيه أنه لم يكن له غنى سواهما . وأما حديث أبي موسى يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق فبين كقولنا ؛ لأنه عليه السلام لم يفرد الصدقة دون منفعة نفسه ، بل بدأ بنفسه لنفسه ، وهكذا نقول . وأما حديث الأنصاري الذي بات به الضيف فقد رويناه ببيان لائح ، كما رويناه من طريق مسلم نا أبو كريب نا ابن فضيل عن أبيه - هو فضيل بن غزوان - عن أبي حازم الأشجعي عن أبي هريرة قال : { جاء رجل إلى رسول الله ﷺ ليضيفه فلم يكن عنده ما لضيفه فقال : ألا رجل يضيف هذا رحمه الله ؟ فقام رجل من الأنصار يقال له : أبو طلحة ، فانطلق به إلى رحله } ، ثم ساق الحديث ، كما رواه جرير ، ووكيع عن فضيل بن غزوان - فصح أن ذلك الرجل كان أبا طلحة وهو موسر من مياسير الأنصار . وروينا عن أنس أنه قال : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل ، وقد لا يحضر الموسر أكل حاضر - فبطل تعلقهم بهذا الخبر . وأما حديث ابن شهاب فمنقطع ، وقد رويناه بأحسن من هذا السند بيانا ، كما رويناه من طريق محمد بن الجهم نا أبو الوليد الأنطاكي نا الهيثم بن جميل نا سفيان عن عمرو بن دينار وحميد الأعرج كلاهما عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال { جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله إن حائطي صدقة إلى الله عز وجل ورسوله ، فأتى أبوه النبي ﷺ فقال : ما كان لنا عيش غيرها ، فردها عليه - يعني على الأب - فمات فورثها - يعني الابن عن أبيه - } فهذا أحسن من ذلك السند - وفيه رده عليه السلام لتلك الصدقة التي كان لا عيش لأبيه إلا منها ، فردها عليه ، وليس فيه أن الابن لم يكن له غنى غيره - وبالله تعالى التوفيق . وأما حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه فغير صحيح أصلا ؛ لأن إحدى طريقيه من رواية هشام بن سعد - وهو ضعيف - والثانية من رواية إسحاق الفروي - وهو ضعيف - عن عبد الله بن عمر العمري الصغير - وهو ضعيف - ثم لو صح لهم لم يكن لهم فيه حجة ؛ لأن الأصل إباحة الصدقة ما لم يأت نهي عن تحريمها فكان يكون موافقا لمعهود الأصل ، وكان النص الذي قدمنا من القرآن والسنة واردا بالمنع من بعض الصدقة ، فهو بيقين لا شك فيه ناسخ لما يقدمه ، ومن ادعى فيما تيقن أنه ناسخ أنه قد نسخ ، فقد كذب ، وقفا ما لا علم له به ورام إبطال اليقين بالظن الإفك . وأما الحديث الآخر الذي فيه { أنفق علي ماله قبل الفتح } فلا يحل الاحتجاج به ؛ لأنه من طريق العلاء بن عمرو الحنفي - وهو هالك مطرح - ثم التوليد فيه لائح ؛ لأن فيه نصا : أن ذلك كان بعد الفتح ، وكان فتح خيبر قبل الفتح بعامين ، وكان لأبي بكر فيها من سهمه مال واسع مشهور . ومن أخذ بهذه الأحاديث كان قد خالف تلك ، وهذا لا يحل ، وكان من أخذ بتلك قد أخذ بهذه ، ولا بد من تأليف ما صح من تلك الأخبار ، وضم بعضها إلى بعض ، ولا يحل ترك بعضها لبعض إلا بزيادة أو نسخ أو تخصيص بنص آخر . ومن العجب احتجاجهم بالحديث الذي ذكرنا عن ابن عمر : رأيت أن أتصدق بمالي كله ، فمن العجب الاحتجاج في الدين بأحلام نائم ، هذا عجب جدا وقد سمع عمر أبوه رضي الله عنه تلك الرؤيا فلم يعبأ بها . فبطل كل ما شغبوا به وبقي كل ما أوردنا بحسبه - وبالله تعالى التوفيق . ومن عجائب الدنيا التي لا نظير لها : منع المالكيين ، والشافعيين ، من يخدع في البيوع من أن يتصدق بدرهم لله تعالى ، أو بعتق عبده لله تعالى ، وهو صاحب ألف ألف دينار ومائة عبد - وقد حضه الله تعالى على فعل الخير - ثم يجيزون له إذا شهد عند القاضي أن لا يغبن في البيع فأطلقه القاضي على ماله ، وما أدراك ما القاضي أن يعطي جميع ماله لشاعر سفيه ، أو لنديمه في غير وجه الله عز وجل ، ويبقى هو وأطفاله وعياله يسألون على الأبواب ويموتون جوعا وبردا ، والله ما كان قط هذا من حكم الله تعالى ، ما هو إلا من حكم الشيطان - ونعوذ بالله من الخذلان .