→ كتاب النكاح (مسألة 1853 - 1856) | ابن حزم - المحلى كتاب النكاح (مسألة 1857 - 1861) ابن حزم |
كتاب النكاح (مسألة 1862 - 1866) ← |
كتاب النكاح
1857 - مسألة: ولا يصح نكاح على شرط أصلا، حاشا الصداق الموصوف في الذمة أو المدفوع، أو المعين، وعلى أن لا يضر بها في نفسها ومالها: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
وأما بشرط هبة أو بيع أو أن لا يتسرى عليها، أو أن لا يرحلها، أو غير ذلك كله، فإن اشترط ذلك في نفس العقد فهو عقد مفسوخ، وإن اشترط ذلك بعد العقد فالعقد صحيح والشروط كلها باطل، سواء عقدها بعتق أو بطلاق أو بأن أمرها بيدها، أو أنها بالخيار كل ذلك باطل.
وكذلك إن تزوجها على حكمه، أو على حكمها، أو على حكم فلان، فكل ذلك عقد فاسد وقد أجاز بعض ذلك قوم:
روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب، عن ابن سيرين: أن الأشعث تزوج امرأة على حكمها ثم طلقها قبل أن يتفقا على صداق، فجعل لها عمر صداق امرأة من نسائها وهذا منقطع عن عمر، لأن ابن سيرين لم يولد إلا بعد موت عمر رضي الله عنه.
ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عطاء، أنه قال: فمن تزوج على حكمه: إنه ليس لها إلا ما حكم به الزوج.
وقال أبو حنيفة ومالك، والأوزاعي: إن اتفقا على شيء إذا تزوجها على حكمها أو حكمه جاز، فإن لم يتفقا قال أبو حنيفة، والأوزاعي: فلها مهر مثلها.
وقال مالك: يفسخ قبل الدخول ولها مهر مثلها بعد الدخول.
قال أبو محمد: هذا شرط فاسد، لأنه مجهول، قد يمكن أن تحتكم هي بجميع ما في العالم، وقد يمكن أن يحتكم هو بلا شيء، فما كان هكذا فهو شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، والنكاح عليه باطل مفسوخ.
فأما إن اشترطا ذلك بعد عقد النكاح فالعقد صحيح، ولها مهر مثلها، إلا أن يتراضيا بأقل أو أكثر. وقول مالك يفسخ النكاح إن لم يتفقا: خطأ، لأنه فسخ نكاح صحيح بغير أمر من الله تعالى بذلك، ولا من رسوله ﷺ .
روينا من طريق البخاري، حدثنا عبيد الله بن موسى عن زكريا، هو ابن أبي زائدة عن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: لا يحل لأمرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإنما لها ما قدر لها فمن اشترط ما نهى عنه رسول الله ﷺ فهو شرط باطل، وإن عقد عليه نكاح فالنكاح باطل. ومن ذلك أن لا يشترط لها أن لا يرحلها فاختلف الناس في ذلك: فروينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنم: أنه شهد عند عمر رجل أتاه فأخبره أنه تزوج امرأة وشرط لها دارها فقال له عمر: لها شرطها، فقال له رجل عنده: هلكت الرجال إذ لا تشاء امرأة تطلق زوجها إلا طلقته فقال عمر: المسلمون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم.
وبه إلى سعيد، حدثنا سفيان، هو ابن عيينة نا عبد الكريم الجزري عن أبي عبيد: أن معاوية أتي في ذلك فاستشار عمرو بن العاص فقال: لها شرطها
وهو قول القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وجابر بن زيد
وروي عن شريح. وقال آخرون بإبطال ذلك:
كما روينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن كثير بن فرقد عن سعيد بن عبيد بن السباق أن رجلا تزوج على عهد عمر بن الخطاب، فشرط لها أن لا يخرجها، فوضع عمر عنه الشرط وقال: المرأة مع زوجها.
وبه إلى سفيان، عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن عباد عن علي بن أبي طالب في الرجل يتزوج المرأة يشترط لها دارها فقال: شرط الله قبل شرطها.
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا مغيرة، ويونس، قال مغيرة: عن إبراهيم، وقال يونس: عن الحسن، قالا جميعا: يجوز النكاح ويبطل الشرط. قال أبو حنيفة، ومالك: يبطل الشرط إلا أن يكون معلقا بطلاق أو بعتاق، أو بأن يكون أمرها بيدها أو بتخييرها.
قال علي: هذا قول لم يأت عن أحد من الصحابة، فهو خلاف لكل ما روي عنهم في ذلك.
قال أبو محمد: احتج من قال بإلزام هذه الشروط: بما رويناه من طريق أحمد بن شعيب، حدثنا عيسى بن حماد زغبة، أخبرنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني عن رسول الله ﷺ قال: إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج.
قال أبو محمد: هذا خبر صحيح، ولا متعلق لهم به، لأنهم لا يختلفون معنا، ولا مسلم على ظهر الأرض: في أنه إن شرط لها أن تشرب الخمر، أو أن تأكل لحم الخنزير، أو أن تدع الصلاة، أو أن تدع صوم رمضان، أو أن يغني لها، أو أن يزفن لها، ونحو ذلك: أن كل ذلك كله باطل لا يلزمه. فقد صح أن رسول الله ﷺ لم يرد قط في هذا الخبر شرطا فيه تحريم حلال، أو تحليل حرام، أو إسقاط فرض، أو إيجاب غير فرض، لأن كل ذلك خلاف لأوامر الله تعالى، ولأوامره عليه الصلاة والسلام. واشتراط المرأة أن لا يتزوج، أو أن لا يتسرى، أو أن لا يغيب عنها أو أن لا يرحلها عن دارها كل ذلك تحريم حلال، وهو وتحليل الخنزير والميتة سواء، في أن كل ذلك خلاف لحكم الله عز وجل. فصح أنه عليه الصلاة والسلام إنما أراد شرط الصداق الجائز الذي أمرنا الله تعالى به، وهو الذي استحل به الفرج لا ما سواه.
وأما تعليق ذلك كله بطلاق، أو بعتاق، أو تخييرها، أو تمليكها أمرها فكل ذلك باطل.
لما ذكرنا في " كتاب الأيمان " من كتابنا هذا من قول رسول الله ﷺ: من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله.
فصح أن من حلف بغير الله تعالى فليس حالفا، ولا هي يمينا، وهو باطل ليس فيه إلا استغفار الله تعالى والتوبة فقط، ولما نذكره بعد هذا إن شاء الله عز وجل من أن تخيير الرجل امرأته، أو تمليكه إياها أمرها: كل ذلك باطل، لأن الله تعالى لم يوجب قط شيئا من ذلك، ولا رسوله ﷺ . وصح عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد فكل ذلك باطل، ولا يكون للمرأة خيار في فراق زوجها أو البقاء معه إلا حيث جعله الله تعالى في المعتقة، ولا تملك المرأة أمر نفسها أبدا فسقط كل ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق. ولا يجوز النكاح على أن يكون الصداق وصيفا غير موصوف، أو خادما غير موصوفة، أو بيتا غير موصوف، ولا محدود، وكل ذلك يبطل النكاح إن عقد عليه، لأنه مجهول لا يعرف ما هو، فلم يتفقا على صداق معروف، بل على مالها أن تقول: قيمة كل ذلك ألف دينار، ويقول هو: بل عشرة دنانير، وإن تعاقدا ذلك بعد صحة النكاح، فالنكاح صحيح، والصداق فاسد، ويقضي لها بمهر مثلها إن لم يتراضيا على أقل أو أكثر:
روينا إجازة ذلك عن إبراهيم النخعي. وصح، عن ابن شبرمة، أنه قال: من تزوج على وصيف فإنه يقوم عربي وهندي، وحبشي، وتجمع القيم ويقضي لها بمثلها. قال أبو حنيفة: لها في الوصيف الأبيض خمسون مثقالا، فإن أعطاها وصيفا يساوي خمسين دينارا من ذهب لم يكن لها غيره، وإلا فيقضي عليه بتمام خمسين دينارا من ذهب، ويقضي لها في البيت بأربعين دينارا من ذهب وفي الخادم بأربعين دينارا من ذهب.
قال أبو محمد: في هذين القولين عجب يغني إيراده عن تكلف الرد عليه، لما فيهما من التحكم البارد بالرأي الفاسد في دين الله تعالى.
وقال مالك، والشافعي: لها الوسط من ذلك.
قال علي: وهذا عجب آخر، وليت شعري كم هذا الوسط ومن الوصفاء ما يساوي خمسمائة دينار، ومنهم من لا يساوي عشرين دينارا، فظهر فساد هذه الآراء والحمد لله رب العالمين.
1858 - مسألة: قال أبو محمد: ولا يجوز نكاح المتعة، وهو النكاح إلى أجل، وكان حلالا على عهد رسول الله ﷺ ثم نسخها الله تعالى على لسان رسوله ﷺ نسخا باتا إلى يوم القيامة. وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله ﷺ جماعة من السلف، رضي الله عنهم، منهم من الصحابة، رضي الله عنهم، أسماء بنت أبي بكر الصديق، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود. وابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن حريث، وأبو سعيد الخدري، وسلمة، ومعبد ابنا أمية بن خلف ورواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدة رسول الله ﷺ ومدة أبي بكر، وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر. واختلف في إباحتها، عن ابن الزبير، وعن علي فيها توقف. وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين. ومن التابعين: طاووس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة أعزها الله.
وقد تقصينا الآثار المذكورة في كتابنا الموسوم ب " الإيصال " وصح تحريمها، عن ابن عمر، وعن ابن أبي عمرة الأنصاري. واختلف فيها: عن علي، وعمر، وابن عباس، وابن الزبير. وممن قال بتحريمها وفسخ عقدها من المتأخرين: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأبو سليمان. وقال زفر: يصح العقد ويبطل الشرط.
قال أبو محمد: لقد صح تحريم الشغار، والموهوبة، فأباحوها، وهي في التحريم أبين من المتعة ولكنهم لا يبالون بالتناقض. ونقتصر من الحجة في تحريمها على خبر ثابت وهو ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: " خرجنا مع رسول الله ﷺ " فذكر الحديث وفيه فقال " سمعت رسول الله ﷺ على المنبر يخطب ويقول: من كان تزوج امرأة إلى أجل فليعطها ما سمى لها، ولا يسترجع مما أعطاها شيئا، ويفارقها، فإن الله قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة.
قال أبو محمد: ما حرم إلى يوم القيامة فقد أمنا نسخه.
وأما قول زفر ففاسد، لأن العقد لم يقع إلا على أجل مسمى. فمن أبطل هذا الشرط وأجاز العقد، فإنه ألزمهما عقدا لم يتعاقداه قط، ولا التزماه قط، لأن كل ذي حس سليم يدري بلا شك أن العقد المعقود إلى أجل هو غير العقد الذي هو إلى غير أجل [ بلا شك ]. فمن الباطل إبطال عقد تعاقداه وإلزامهما عقدا لم يتعاقداه، وهذا لا يحل ألبتة إلا أن يأمرنا به الذي أمرنا بالصلاة والزكاة والصوم والحج، لا أحد دونه وبالله تعالى التوفيق.
1859 - مسألة: ولا يحل نكاح الأم، ولا الجدة من قبل الأب، أو من قبل الأم، وإن بعدتا. ولا البنت، ولا بنت من قبل البنت، أو من قبل الأبن وإن سفلتا. ولا نكاح الأخت كيف كانت، ولا نكاح بنت أخ، أو بنت أخت، وإن سفلتا. ولا نكاح العمة والخالة وإن بعدتا. ولا نكاح أم الزوج، ولا جدتها، وإن بعدت. ولا أم الأمة التي حل له وطؤها، ولا نكاح جدتها وإن بعدت.
قال أبو محمد: قال الله عز وجل: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت} إلى قوله تعالى: {وأمهات نسائكم}.
قال علي: والجدة كيف كانت أم أب، أو أم جد، أو أم جد جد، أو أم أم جد، أو جدة أم، أو أم أم. كل هؤلاء " أم " قال تعالى: {كما أخرج أبويكم من الجنة} والأخت تكون شقيقة، وتكون لأب، وتكون لأم. وبنت البنت، وبنت الأبن، وبنت ابن البنت، وبنت بنت الأبن. وهكذا كيف كانت، كل هؤلاء " بنت " قال عز وجل: {يا بني آدم} وقال ﷺ في الحيض هذا شيء كتبه الله على بنات آدم. وبنت بنت الأخ، وبنت ابن الأخ، كلهن بنات أخ. وبنت بنت الأخت، وبنت ابن الأخت، كل هؤلاء بنت أخت. وأخت الجد من الأب، وأخت جد الجد من الأب، كلهن عمة. وأخت الجد من الأم، وأخت الجدة من قبل الأب والأم، كلهن خالة. والزوجة، والأمة التي حل وطؤها للرجل، كلهن من نسائه. وكل هذا لا خلاف فيه بين أحد من المسلمين، إلا الأمة وابنتها بملك اليمين فإن قوما أحلوهما.
1860 - مسألة: وكل ما حرم من الأنساب، والحرم التي ذكرنا فإنه يحرم بالرضاع، كالمرأة التي ترضع الرجل فهي أمه، وأمها جدته، وجداتها من قبل أبيها وأمها كلهن أم له. وكل من أرضعته فهن أخواته وإخوته. ومن تناسل منهم فهن بنات إخوته وبنات أخواته. وعمات التي أرضعته وخالاتها خالاته كما ذكرنا. وعمات أبيه من الرضاعة عماته وهكذا في كل شيء.
روينا من طريق مالك بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين عن رسول الله ﷺ قال: ما حرمته الولادة حرمه الرضاع.
1861- مسألة: ولا يحل الجمع في استباحة الوطء بين الأختين من ولادة أو من رضاع كما ذكرنا لا بزواج، ولا بملك يمين، ولا إحداهما بزواج، والأخرى بملك يمين، ولا بين العمة وبنت أخيها، ولا بين الخالة وبنت أختها، كما قلنا في الأختين سواء سواء. فمن اجتمع في ملكه أختان، أو عمة وبنت أخيها، أو خالة وبنت أختها، فهما جميعا عليه حرام، حتى يخرج إحداهما عن ملكه بموت أو بيع أو هبة أو غير ذلك من الوجوه، أو حتى تزوج إحداهما بأي هذه الوجوه كان: حل له وطء الباقية. فإن رجعت إلى ملكه الأخرى رجعت حراما كما كانت، وبقيت الأولى حلالا كما كانت، فإن أخرجها عن ملكه أو زوجها أو ماتت: حلت له التي كانت حراما عليه.
وكذلك إن ماتت الزوجة أو طلقها ثلاثا، أو قبل الدخول: حل له زواج الأخرى.
وكذلك إن طلقها طلاقا رجعيا فتمت عدتها منه.
برهان ذلك: قول الله عز وجل: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف}.
قال أبو محمد: معناه أنه تعالى غفر لهم ما قد سلف من ذلك، لأنه تعالى أبقاهم عليه.
قال علي: لم يختلف الناس في تحريم الجمع بين الأختين بالزواج، واختلفوا في الجمع بينهما بملك اليمين، فطائفة أحلتهما، وطائفة توقفت في ذلك. وطائفة قالت: يطأ أيتهما شاء، فإذا وطئها حرمت عليه الأخرى. فصح، عن ابن عباس، وعكرمة ما رويناه من طريق عبد الرزاق، حدثنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار، أن عكرمة مولى ابن عباس كان لا يرى بأسا أن يجمع بين أختين، والمرأة وابنتها يعني بملك اليمين. وأخبره عكرمة أن ابن عباس كان يقول: لا تحرمهن عليك قرابة بينهن، إنما يحرمهن عليك القرابة بينك وبينهن. قال عمرو بن دينار: وكان ابن عباس يعجب من قول علي: حرمتهما آية وأحلتهما آية، ويقول: إلا ما ملكت أيمانكم هي مرسلة.
قال علي : وبه يقول أبو سليمان، وأصحابنا.
وقال أبو محمد: فهذا قول من أحلهما، وقول علي في التوقف. وصح عن عمر
كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان، هو ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه قال " سئل عمر عن الجمع بين أم وابنتها فقال عمر: ما أحب أن يجيزهما جميعا ". وقال ابن عتبة: فوددت أن عمر كان أشد في ذلك مما هو عبد الله بن عتبة أدرك عمر وجاء أيضا عن عثمان:
كما روينا من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن ابن شهاب أخبرني قبيصة بن ذؤيب أن نيارا الأسلمي استفتى عثمان في امرأة وأختها بملك اليمين فقال عثمان: أحلتهما آية وحرمتهما آية أخرى، ولم أكن لأفعل ذلك.
وروينا التوقف أيضا، عن ابن عباس، ورويناه أيضا من طريق وكيع عن إسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع قال " سألت ابن الحنفية عن الأختين المملوكتين فقال: حرمتهما آية وأحلتهما آية. والقول الثالث قاله أبو حنيفة، ومالك، والشافعي.
وأما القول الذي قلنا به: فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الكريم الجزري عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر أنه سئل عن الأمة يطؤها سيدها ثم يريد أن يطأ أختها قال لا، حتى يخرجها عن ملكه. وقال سفيان عن غير واحد من أصحابه: إنهم قالوا: إذا زوجها فلا بأس بأختها وكان ابن عمر يكره ذلك وإن زوجها.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا أحمد بن عون الله، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن بشار بندار، حدثنا محمد بن جعفر غندر، حدثنا شعبة عن المغيرة بن مقسم عن الشعبي قال: قيل لعبد الله بن مسعود: إن ابن عامر قال: لا بأس أن يجمع بين الأختين المملوكتين فقال ابن مسعود: لا يقربن واحدة منهما.
وبه إلى المغيرة عن إبراهيم النخعي قال: إذا كان عند الرجل مملوكتان أختان فلا يغشين واحدة منهما حتى يخرج الأخرى عن ملكه. قال شعبة: وقال الحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان: من عنده أختان مملوكتان لا يطأ واحدة منهما، ولا يقربنها حتى يخرج إحداهما عن ملكه.
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عبد الله بن أبي مليكة أن رجلا سأل عائشة أم المؤمنين عن أمة له قد كبرت وكان يطؤها ولها ابنة، أيحل له أن يغشاها فقالت له أم المؤمنين: أنهاك عنها ومن أطاعني.
ومن طريق سعيد بن منصور قلت لسفيان بن عيينة: حدثك مطرف عن أبي الجهم عن أبي الأخضر عن عمار، قال: يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد قال سفيان: نعم ورويناه أيضا عن علي.
قال أبو محمد: أما من توقف فلم يلح له البيان فحكمه التوقف، وأما من أحلهما، فإنه غلب قول الله عز وجل: {إلا ما ملكت أيمانكم} على قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين} فخص ملك اليمين من هذا النهي، وكذلك فعلوا في قوله تعالى: {وأمهات نسائكم}. ولا حجة لهم غير هذا:
فنظرنا في ذلك فوجدنا النصين لا بد من تغليب أحدهما على الآخر بأن يستثنى منه: أما كما قال من ذكرنا فيكون معناه: وأن تجمعوا بين الأختين، وأمهات نسائكم إلا ما ملكت أيمانكم.
وأما كما قلنا نحن فيكون معناه: إلا ما ملكت أيمانكم إلا أن تكونا أختين، أو أم امرأة حلت لكم، أو عمة وبنت أخيها، أو خالة وبنت أختها، فإذ لا بد من أحد الأستثناءين، وليس أحدهما أولى من الآخر إلا ببرهان ضروري، وأما بالدعوى فلا، فطلبنا، هل للمغلبين المستثنين ملك اليمين من تحريم: الأختين، والأم وابنتها، والعمة وبنت أخيها، والخالة وبنت أختها برهان فلم نجده أصلا، إلا أن بعضهم قال: قد علمنا أن الله عز وجل لم ينهنا قط عن الجمع بين الأختين في الوطء؛ لأنه غير ممكن، ومحال أن يخاطبنا الله تعالى بالمحال، أو أن ينهانا عن المحال. فصح أنه تعالى إنما نهانا عن معنى يمكن جمعهما فيه، وليس إلا الزواج لأن جمعهما في ملك اليمين جائز حلال بلا خلاف .
فقلنا: صدقتم أنه تعالى ينهانا عن المحال من الجمع بينهما في الوطء، وأخطأتم في تخصيصكم بنهيه الزواج فقط، لأنه تخصيص للآية بلا برهان، بل نهانا عن الجمع بينهما بالزواج، وباستحلال وطء أيتهما شاء، وبالتلذذ منهما معا، فهذا ممكن، فهلموا دليلا على تخصيصكم الزواج دون ما ذكرنا فلم نجده عندهم أصلا، فلزمنا أن نأتي ببرهان على صحة استثنائنا وإلا فهي دعوى ودعوى: فوجدنا قول الله عز وجل: {إلا ما ملكت أيمانكم} لا خلاف بين أحد من الأمة كلها قطعا متيقنا في أنه ليس على عمومه. بل كلهم مجمع قطعا على أنه مخصوص، لأنه لا خلاف، ولا شك في أن الغلام من ملك اليمين، وهو حرام لا يحل. وأن الأم من الرضاعة من ملك اليمين، والأخت من الرضاعة من ملك اليمين، وكلتاهما متفق على تحريمهما، أو الأمة يملكها الرجل قد تزوجها أبوه ووطئها، وولد له منها: حرام على الأبن. ثم نظرنا في قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين}. {وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن}، {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}. لم يأت نص، ولا إجماع على أنه مخصوص حاشا زواج الكتابيات فقط، فلا يحل تخصيص نص لا برهان على تخصيصه، وإذ لا بد من تخصيص ما هذه صفتها، أو تخصيص نص آخر لا خلاف في أنه مخصوص، فتخصيص المخصوص هو الذي لا يجوز غيره. وبهذه الحجة احتج ابن مسعود في هذه المسألة:
كما روينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين أنه سمع عبد الله بن عتبة بن مسعود يقول: لم يزالوا بعبد الله بن مسعود حتى أغضبوه يعني في الأختين بملك اليمين فقال ابن مسعود: إن حملك مما ملكت يمينك وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: وأما من أباح له أن يطأ أي الأختين المملوكتين له شاء، وحينئذ تحرم عليه التي لم يطأ، فقول في غاية الفساد، لأنه لا يخلو قائل هذا القول من أن يقول: إنهما قبل أن يطأ إحداهما حرام جميعا فهذا قولنا، أو إنهما جميعا حينئذ حلال، فهذا قول ابن عباس، وعكرمة، ومن وافقهما وكلا القولين خلاف قول هذا القائل، أو يقول: إن إحداهما بغير عينها حلال له والأخرى حرام، فهذا باطل قطعا لوجهين: أحدهما قول الله عز وجل: {قد تبين الرشد من الغي} فمحال أن يحرم الله تعالى علينا ما لم يبينه لنا، وكذلك قوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} فلا شك في أن ما حرمه الله تعالى علينا قد فصله لنا وهم يقولون: إن إحداهما حرام لم يفصل لنا تحريمها. والوجه الثاني إن هذا التقسيم أيضا باطل على مقتضى قولهم، لأنهم يبيحون له وطء أيتهما شاء، وهذا يقتضي تحليلهما جميعا، لا تحريم إحداهما؛ لأنه من المحال تخيير أحد في حرام وحلال، إلا أن يأتي نص قرآن أو سنة بذلك، فيوقف عنده، وأما بالرأي الفاسد فلا. فصح قولنا يقينا وبطل ما سواه والحمد لله رب العالمين. والخبر المشهور من طريق أبي هريرة إلى النبي ﷺ في أن لا يجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وعلى هذا جمهور الناس، إلا عثمان البتي فإنه أباحه :، حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا أحمد بن شعيب، حدثنا مجاهد بن موسى، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة نهى رسول الله ﷺ أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها. قال أحمد بن شعيب: وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن أبي هريرة نهى رسول الله ﷺ أن يجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها.