الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة السابعة

كتاب النكاح

1847 - مسألة: فإن عدم الصداق بعد قبضها له بأي وجه كأن تلف، أو أنفقته: لم يرجع عليها بشيء، والقول قولها في ذلك مع يمينها، فإن وطئها قبل الدخول أو بعده: فلها المهر كله.

قال علي: إن كان المهر شيئا بعينه فتلف في يد الزوج، فإن كانت قد طلبته منه فمنعها فهو غاصب وعليه ضمانه كله لها، أو ضمان نصفه إن طلقها قبل الدخول، فإن كان لم يمنعها إياه فهو تالف من مال المرأة، ولا ضمان على الزوج فيه، ولا في نصفه، وطئها أو طلقها قبل الوطء. وإن كان شيئا يصفه فهو ضامن له بكل حال، أو لنصفه إن طلقها قبل الدخول فإن كانت المرأة قد قبضته، فسواء كان بعينه أو بصفة، فإن تلف عندها فهو من مصيبة الزوج إن طلقها قبل الدخول، لأن الله تعالى يقول: {فنصف ما فرضتم}. فإنما أوجب له الرجوع إن كان قد دفعه إليها بنصف ما دفع، لا بنصف شيء غيره، والذي دفع إليها هو الذي فرض لها، سواء كان شيئا بعينه أو شيئا بصفة. ولو لم يكن الذي دفع إليها هو الذي فرض لها لكان لا يبرأ أبدا مما عليه فصح يقينا أنه إذا دفع إليها غير ما فرض لها، أو على الصفة التي عقد معها فقد دفع إليها ما فرض لها بلا شك. وإذا دفع إليها ما فرض لها فقد قبضت حقها، فإن تلف فلم تتعد، ولا ظلمت فلا ضمان عليها فإن أكلته أو باعته أو وهبته أو لبسته فأفنت أو أعتقته إن كان مملوكا، فلم تتعد في كل ذلك بل أحسنت.

وقال تعالى: {ما على المحسنين من سبيل} فلا ضمان عليها، لأنها حكمت في مالها وحقها، وإنما الضمان على من أكل بالباطل.

قال أبو محمد: فإن بقي عندها النصف فهو له، وكذلك لو بقي بيده النصف فهو لها، فلو تعدت أو تعدى عليه ضمن أو ضمنت.

وقال أبو حنيفة: والشافعي، في كل ما هلك بيدها من الصداق بفعلها أو بغير فعلها فهي ضامنة له قيمة نصفه إن طلقها قبل الوطء وهذا قول فاسد، لما وصفنا من أنه يقضى لها بنصف غير الذي فرض لها، وهذا خلاف القرآن، وقد قلنا: إنها لم تعتد فلا ضمان عليها.

وقال مالك: ما تلف بيدها من غير فعلها ثم طلقها قبل الدخول فلا شيء له عليها. قال: فلو أكلته أو وهبته، أو كان مملوكا فأعتقته أو باعته، ثم طلقها قبل الدخول: ضمنت له نصف ما أخذت إن كان له مثل، أو نصف قيمته إن كان مما لا مثل له، فإن كانت ابتاعت بذلك شورة فليس له إلا نصف الشيء الذي اشترت.

قال أبو محمد: وهذه مناقضات ظاهرة؛ لأنه فرق بين ما أكلت ووهبت وأعتقت، وبين ما تلف بغير فعلها، ولا فرق بين شيء من ذلك، لأنها في كل ذلك غير متعدية، ولا ظالمة، فلا شيء له عليها. ثم فرق بين ما أعتقت وأكلت ووهبت، وبين ما اشترت به شورة وهذا قول لا يعضده برهان من قرآن، ولا سنة صحيحة، ولا من رواية سقيمة، ولا من قول صاحب، ولا من قياس. وادعوا في ذلك عمل أهل المدينة، وهذا احتجاج فاسد، لأنه إن كان ذلك عمل الأئمة الذين كانوا بالمدينة، رضي الله عنهم، فيعيذهم الله تعالى من أن لا يأمروا بالحق عمالهم بالعراق والشام وسائر البلاد وهذا باطل مقطوع به ممن ادعاه عليهم. فإن ادعوا أنهم فعلوا فبدل ذلك أهل الأمصار كانت دعوى فاسدة، ولم يكن فقهاء الأمصار أولى بالتبديل من تابعي المدينة. وكل هذا باطل قد أعاذ الله جميعهم من ذلك فصح أنه اجتهاد من كل طائفة قصدت به الخير وبالله تعالى التوفيق.

1848 - مسألة: ومن تزوج فسمى صداقا أو لم يسم: فله الدخول بها أحبت أم كرهت ويقضى لها بما سمى لها أحب أم كره، ولا يمنع من أجل ذلك من الدخول بها، لكن يقضى له عاجلا بالدخول، ويقضى لها عليه حسبما يوجد عنده بالصداق. فإن كان لم يسم لها شيئا قضي عليه بمهر مثلها، إلا أن يتراضيا بأكثر أو بأقل وهذا مكان اختلف السلف فيه:

روينا من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس يقول: قال ابن عباس: إذا نكح المرأة وسمى لها صداقا فأراد أن يدخل عليها فليلق إليها رداءه، أو خاتما إن كان معه.

ومن طريق ابن وهب حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن نافع، عن ابن عمر قال: لا يصلح للرجل أن يقع على المرأة زوجه حتى يقدم إليها شيئا من مالها ما رضيت به من كسوة أو عطاء. قال ابن جريج: وقال عطاء، وسعيد بن المسيب، وعمرو هو بن دينار لا يمسها حتى يرسل إليها بصداق أو فريضة. قال عطاء، وعمرو: إن أرسل إليها بكرامة لها ليست من الصداق أو إلى أهلها فحسبه هو يحلها له. وقال سعيد بن جبير: أعطها ولو خمارا. وقال الزهري: بلغنا في السنة أن لا يدخل بامرأة حتى يقدم نفقة أو يكسو كسوة، ذلك مما عمل به المسلمون.

وقال مالك: لا يدخل عليها حتى يعطيها مهرها الحال، فإن وهبته له أجبر على أن يفرض لها شيئا آخر، ولا بد. وذهب آخرون إلى إباحة دخوله عليها وإن لم يعطها شيئا:

كما روينا من طريق أبي داود، حدثنا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني، حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني هو أبو الخير عن عقبة بن عامر أن النبي ﷺ زوج رجلا امرأة برضاهما فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقا، ولم يعطها شيئا، وكان ممن شهد الحديبية، وكان من شهدها له سهم بخيبر، فحضرته الوفاة فقال إن رسول الله ﷺ زوجني فلانة ولم أفرض لها صداقا، ولم أعطها شيئا، ولكني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، قال: فأخذته فباعته بمائة ألف.

وروينا من طريق وكيع عن هشام الدستوائي عن سعيد بن المسيب قال: اختلف أهل المدينة في ذلك، فمنهم من أجازه ولم ير به بأسا، ومنهم من كرهه، قال سعيد: وأي ذلك فعل فلا بأس به يعني دخول الرجل بالمرأة التي تزوج ولم يعطها شيئا.

ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر، ويونس بن عبيد قال منصور: عن إبراهيم النخعي؛ وقال يونس: عن الحسن، ثم اتفقا جميعا على أنه لا بأس بأن يدخل الرجل بامرأته قبل أن يعطيها شيئا.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن الزهري في الرجل يتزوج المرأة ويسمي لها صداقا هل يدخل عليها ولم يعطها شيئا فقال الزهري:

قال الله عز وجل: {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} فإذا فرض الصداق فلا جناح عليه في الدخول عليها، وقد مضت السنة أن يقدم لها شيء من كسوة أو نفقة.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم ثنا حجاج عن أبي إسحاق السبيعي أن كريب بن أبي مسلم وكان من أصحاب ابن مسعود تزوج امرأة على أربعة آلاف درهم ودخل بها قبل أن يعطيها من صداقها شيئا وبهذا يقول سفيان الثوري، والشافعي، وأبو سليمان، وأصحابهم. وقال الأوزاعي: كانوا يستحسنون أن لا يدخل بها حتى يقدم لها شيئا. وقال الليث: إن سمى لها مهرا فأحب إلي أن يقدم لها شيئا، وإن لم يفعل لم أر به بأسا.

وقال أبو حنيفة: إن كان مهرها مؤجلا فله أن يدخل بها أحبت أم كرهت حل الأجل أو لم يحل فإن كان الصداق نقدا لم يجز له أن يدخل بها حتى يؤديه إليها، فلو دخل بها فلها أن تمنع نفسها منه حتى يوفيها جميع صداقها.

قال أبو محمد: أما تقسيم أبي حنيفة، ومالك، فدعوى بلا برهان: لا من قرآن، ولامن سنة، ولا قياس، ولا قول متقدم، ولا رأي له وجه فلم يبق إلا قول من أباح دخوله عليها وإن لم يعطها شيئا أو منع من ذلك.

فنظرنا في حجة من منع من ذلك فوجدناهم يحتجون بحديث فيه أن رسول الله ﷺ نهى عليا أن يدخل بفاطمة رضي الله عنهما حتى يعطيها شيئا.

قال أبو محمد: وهذا خبر لا يصح، لأنه إنما جاء من طريق مرسلة، أو فيها مجهول، أو ضعيف.

وقد تقصينا طرقها وعللها في " كتاب الإيصال " إلا أن صفتها كلها ما ذكرنا هاهنا، لا يصح شيء إلا خبر: من طريق أحمد بن شعيب، حدثنا عمرو بن منصور، حدثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عكرمة، عن ابن عباس أن عليا قال: تزوجت فاطمة فقلت: يا رسول الله ابن لي فقال: أعطها شيئا: فقلت: ما عندي شيء، قال: فأين درعك الحطمية قلت: هو عندي، قال: فأعطها إياه.

قال أبو محمد: إنما كان ذلك على أنه صداقها، لا على معنى أنه لا يجوز الدخول إلا حتى يعطيها شيئا، وقد جاء هذا مبينا: كما، حدثنا أحمد بن قاسم قال :، حدثنا أبي قاسم بن محمد بن قاسم قال: حدثني جدي قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا الحسن بن حماد، حدثنا يحيى بن يعمر الأسلمي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن البصري عن أنس قال: قال علي بن أبي طالب أتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي وإني وإني قال: وما ذاك يا علي قال: تزوجني فاطمة قال: ما عندك قلت: عندي فرسي ودرعي، قال: أما فرسك فلا بد لك منها، وأما درعك فبعها، قال: فبعتها بأربعمائة وثمانين فأتيته بها فوضعتها في حجره، ثم قبض منها قبضة وقال: يا بلال أبغنا بها طيبا وذكر باقي الحديث فهذا بيان أن الدرع إنما ذكرت في الصداق لا من أجل الدخول، لأنها قصة واحدة بلا شك.

قال أبو محمد: وقد جاء في هذا أثر: كما روينا من طريق أبي عبيد، حدثنا عمر بن عبد الرحمن نا منصور بن المعتمر عن طلحة بن مصرف عن خيثمة بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله ﷺ: أن رجلا تزوج امرأة فجهزها إليه النبي ﷺ قبل أن ينقد شيئا.

قال علي: خيثمة من أكابر أصحاب ابن مسعود وصحب عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم، قال علي:

قال الله عز وجل: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين}،

ولا خلاف بين أحد من المسلمين في أنه من حين يعقد الزواج فإنها زوجة له " فهو حلال لها وهي حلال له، فمن منعها منه حتى يعطيها الصداق أو غيره فقد حال بينه وبين امرأته بلا نص من الله تعالى، ولا من رسوله ﷺ لكن الحق ما قلنا أن لا يمنع حقه منها، ولا تمنع هي حقها من صداقها، لكن يطلق على الدخول عليها أحبت أم كرهت ويؤخذ مما يوجد له صداقها أحب أم كره. وصح عن النبي ﷺ تصويب قول القائل أعط كل ذي حق حقه وبالله تعالى التوفيق.

1849 - مسألة: وكل نكاح عقد على صداق فاسد، أو على شرط فاسد، مثل أن يؤجل إلى أجل مسمى أو غير مسمى، أو بعضه إلى أجل كذلك، أو على خمر، أو على خنزير، أو على ما يحل ملكه، أو على شيء بعينه في ملك غيره، أو على أن لا ينكح عليها، أو أن لا يتسرى عليها، أو أن لا يرحلها عن بلدها، أو عن دارها، أو أن لا يغيب مدة أكثر من كذا، أو على أن يعتق أم ولده فلانة، أو على أن ينفق على ولدها، أو نحو ذلك فهو نكاح فاسد مفسوخ أبدا وإن ولدت له الأولاد، ولا يتوارثان، ولا يجب فيه نفقة، ولا صداق، ولا عدة. وهكذا كل نكاح فاسد، حاشا التي تزوجت بغير إذن وليها جاهلة فوطئها، فإن كان سمى لها مهرا فلها الذي سمي لها، وإن كان لم يسم لها مهرا فلها عليه مهر مثلها، فإن لم يكن وطئها فلا شيء لها. فإن كان الصداق الفاسد، والشروط الفاسدة إنما تعاقداها بعد صحة عقد النكاح خاليا من كل ذلك فالنكاح صحيح تام، ويفسخ الصداق، ويقضى لها بمهر مثلها، إلا أن يتراضيا بأقل أو أكثر، فذلك جائز، وتبطل الشروط كلها.

برهان ذلك: قول رسول الله ﷺ: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وهذه كلها شروط ليست في كتاب الله عز وجل فهي باطلة.

وكذلك تأجيل الصداق أو بعضه، لأن الله تعالى يقول {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} فمن شرط أن لا يؤتيها صداقها أو بعضه مدة ما فقد اشترط خلاف ما أمر الله تعالى به في القرآن. وقوله ﷺ: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. والخبران صحيحان مشهوران

وقد ذكرناهما بأسانيدهما فيما سلف من كتابنا هذا وكل ما ذكرنا فليس عليه أمر رسول الله ﷺ فهو باطل مردود بنص كلامه عليه الصلاة والسلام وبضرورة العقل، يدري كل ذي عقل أن كل ما عقدت صحته بصحة ما لا يصح، فإنه لا يصح، فكل نكاح عقد على أن لا صحة له إلا بصحة الشروط المذكورة فلا صحة له فإذ لا صحة له فليست زوجة، وإذ ليست زوجة: فإن كان عالما فعليه حد الزنا، ولا يلحق به الولد لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر فليس إلا فراش أو عهر، فإذ ليست فراشا فهو عهر، والعهر لا يلحق فيه ولد، والحد فيه واجب. فإن كان جاهلا فلا حد عليه والولد لاحق به، لأن رسول الله ﷺ أتى بالحق، ولم تزل الناس يسلمون وفي نكاحهم الصحيح والفاسد، كالجمع بين الأختين، ونكاح أكثر من أربع، وامرأة الأب، ففسخ عليه الصلاة والسلام كل ذلك وألحق فيه الأولاد، فالولد لاحق بالجاهل لما ذكرنا.

وأما استثناؤنا التي نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فللخبر الثابت الذي ذكرنا قبل بإسناده من قوله ﷺ: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل إلى قوله عليه الصلاة والسلام فالمهر لها بما أصاب منها وصح أيضا فلها مهرها بما أصاب منها. فقوله عليه الصلاة والسلام فالمهر لها تعريف بالألف واللام. وقوله عليه الصلاة والسلام فلها مهرها إضافة المهر إليها، فهذان اللفظان يوجبان لها المهر المعهود المسمى ومهرا يكون لها إن لم يكن هنالك مهر مسمى وهو مهر مثلها، ولا يجوز أن يحكم بهذا لكل نكاح فاسد، لأنه قياس والقياس كله باطل. وقوله عليه الصلاة والسلام: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام فصح يقينا: أن ماله حرام عليها إلا بنص قرآن، أو سنة، وما كان ربك نسيا. ونحن نشهد بشهادة الله عز وجل أن الله تعالى لو أراد أن يجعل في الوطء في النكاح الفاسد مهرا لبينه في كتابه، أو على لسان رسوله ﷺ كما بين ذلك في التي نكحت بغير إذن وليها، ولما اقتصر على هذه وحدها دون غيرها تلبسا على عباده، وحاشا لله من هذا.

فإن قالوا: قال الله عز وجل {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}

وقال تعالى: {والحرمات قصاص} والوطء في النكاح الفاسد اعتداء وحرمة منتهكة، فالواجب أن يعتدى عليه في ماله بمثل ذلك، وأن يقتص بمثل ذلك في ماله

قلنا: قول الله عز وجل حق، وإنتاجكم منه عين الباطل؛ لأن الله تعالى أوجب أن يعتدى على المعتدي، ويقص منه حرمته بمثل ما اعتدى عليه في حرمته، وليس المال مثلا للفرج، إلا أن يأتي به نص فيوقف عنده ولو كان هذا لوجب على من ضرب آخر أو شتمه أن يقتص من ماله مثل ذلك، وأن يعتدى عليه في ماله، ولوجب أيضا على من زنى بامرأة أو لاط بغلام مهر مثلها أو غرامة ما، وهذه أحكام الشيطان، وطغاة العمال، وفساق الشرط، ليس أحكام الله تعالى، ولا أحكام رسوله ﷺ إنما حكم الله تعالى وحكم رسوله ﷺ أن لا تتعدى حدوده، فإذا حكم بغرامة مال حكمنا بها، وإذا لم يحكم بها لم نحكم بها. وبالله تعالى التوفيق.

وقد ذكرنا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي حدثناه محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا إسماعيل بن إسحاق النصري، حدثنا عيسى بن حبيب، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن يزيد المقري، حدثنا جدي محمد بن عبد الله ثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق أن عمر بن الخطاب قال " إن كان النكاح حراما فالصداق حرام ". وذكرنا فعل ابن عمر في إبطاله صداق التي تزوجها عبده بغير إذنه.

كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا أحمد بن عبد البصير، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن همام بن يحيى عن مطر الوراق عن نافع: أن ابن عمر كان إذا تزوج عبده بغير إذنه جلده وفرق بينهما، وقال: أبحت فرجك ولم يجعل لها صداقا.

وبه إلى عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن عاصم الأحول قال سمعت الحسن البصري يقول في الحرة التي تتزوج العبد بغير إذن سيده: أباحت فرجها، لا شيء لها.

وبه إلى محمد بن المثنى، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا سفيان الثوري عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: كل فرج لا يحل فلا مهر له.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي ليلى عن فقهائهم في التي ينكحها العبد بغير إذن سيده قال: يأخذ السيد منها ما أصدقها غلامه عجلت قبل أن تعلم.

وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سليمان بن يسار، أنه قال: في التي تنكح في عدتها: مهرها في بيت المال.

ومن طريق وكيع عن شعبة بن الحجاج قال: سألت الحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان عن العبد يتزوج الحرة بغير إذن مولاه فقالا جميعا: يفرق بينهما، ولا صداق لها، ويؤخذ منها ما أخذت. ونحو هذا عن إبراهيم النخعي وهو قول أبي سليمان، وأصحابنا.

وأما مالك: فإنه فرق هاهنا فروقا لا تفهم: فمنها: نكاحات هي عنده فاسدة تفسخ قبل الدخول وتصح بعد الدخول. ومنها: ما يفسخه قبل الدخول وبعد الدخول أيضا ما كان من قرب فإذا طال بقاؤه معها لم يفسخه. ومنها: ما يفسخه قبل الدخول وبعد الدخول، وإن طال بقاؤه معها ما لم تلد له أولادا، فإن ولدت له أولادا لم يفسخه. ومنها: ما يفسخه قبل الدخول وبعده، وإن طال بقاؤه معها وولدت له الأولاد. وهذه عجائب لا يدري أحد من أين قالها، ولا نعلم أحدا قالها قبله، ولا معه إلا من قلده من المنتمين إليه، ولا يخلو كل نكاح في العالم من أن يكون صحيحا أو غير صحيح، ولا سبيل إلى قسم ثالث، فالصحيح صحيح أبدا إلا أن يوجب فسخه قرآن أو سنة، فيفسخ بعد صحته متى وقعت الحال التي جاء النص بفسخه معها.

وأما الذي ليس صحيحا فلا يصح أبدا، لأن الفرج الحرام لا يحله الدخول به وطؤه، ولا طول البقاء على استحلاله بالباطل، ولا ولادة الأولاد منه، بل هو حرام أبدا.

فإن قالوا: ليس بحرام

قلنا: فلم فسختم العقد عليه قبل الدخول إذا وهو صحيح غير حرام وهذه أمور لا ندري كيف ينشرح قلب من نصح نفسه لأعتقادها، أو كيف ينطلق لسانه بنصرها ونسأل الله العافية.

وأما كل عقد صح ثم لما صح تعاقدا شروطا فاسدة فإن العقد صحيح لازم، وإذ هو صحيح لازم فلا يجوز أن يبطل بغير قرآن، أو سنة ومحرم الحلال كمحلل الحرام، ولا فرق، لكن تبطل تلك الشروط الفاسدة أبدا ويفسخ حكم من حكم بإمضائها، والحق حق، والباطل باطل، قال الله تعالى: {ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} وقال تبارك وتعالى ويحق الله الحق بكلماته وبالله تعالى التوفيق.

1850 - مسألة: وكل ما جاز أن يتملك بالهبة أو بالميراث فجائز أن يكون صداقا وأن يخالع به وأن يؤاجر به سواء حل بيعه أو لم يحل كالماء، والكلب، والسنور، والثمرة التي لم يبد صلاحها والسنبل قبل أن يشتد، لأن النكاح ليس بيعا، هذا ما لا يشك فيه ذو حس سليم. وقال بعض الغافلين: لا يحل الصداق بما لا يجوز بيعه وهذا حكم فاسد بلا برهان، لا من قرآن، ولا سنة، ولا رواية سقيمة، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأي له وجه يعقل، وليت شعري ماذا باع أو ماذا اشترى أرقبتها فبيع الحر لا يجوز أم فرجها فهذا أبين في الحرام وهو قد استحل بكلمة الله تعالى فرجها الذي كان حراما عليه قبل النكاح كما استحلت بكلمة الله تعالى فرجه الذي كان حراما عليها قبل النكاح ففرج بفرج وبشرة ببشرة، وأوجب الله تعالى عليه وحده الصداق لها زيادة على استحلالها فرجه، وليس البيع هكذا إنما هو جسم يبادل بجسم، أحدهما ثمن والآخر مبيع مثمون لا زيادة هاهنا لأحدهما على الآخر، فوضح لكل ذي عقل سليم فساد قول من شبه النكاح بالبيع، وأيضا فإن البيع بغير ذكر ثمن لا يحل والنكاح بغير ذكر صداق حلال صحيح، والعجب أنهم يمنعون النكاح بصداق ثمرة لم يبد صلاحها قياسا على البيع ثم أجازوا النكاح بوصيف وبيت وخادم، وهكذا غير موصوف بشيء من ذلك، ولا يحل عندهم بيع وصيف، ولا بيع بيت، ولا بيع خادم غير معين بشيء من ذلك، ولا موصوف وهذا كما ترى ونعوذ بالله من التهوك في الخطأ في الدين.