الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة الخامسة

كتاب النكاح

1839 - مسألة: وكل ثيب فإذنها في نكاحها لا يكون إلا بكلامها بما يعرف به رضاها، وكل بكر فلا يكون إذنها في نكاحها إلا بسكوتها، فإن سكتت فقد أذنت ولزمها النكاح، فإن تكلمت بالرضا أو بالمنع أو غير ذلك، فلا ينعقد بهذا نكاح عليها.

برهان ذلك: ما ذكرناه قبل من قول رسول الله ﷺ في البكر إذنها صماتها، وما رويناه عن مسلم: حدثني عبيد الله بن عمر القواريري نا خالد بن الحارث، حدثنا هشام هو الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير نا أبو سلمة، هو ابن عبد الرحمن بن عوف، حدثنا أبو هريرة " أن رسول الله ﷺ قال: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها قال: أن تسكت.

قال أبو محمد: فذهب قوم من الخوالف إلى أن البكر إن تكلمت بالرضا فإن النكاح يصح بذلك خلافا على رسول الله ﷺ وعلى الصحابة، رضي الله عنهم،، فسبحان الذي أوهمهم أنهم أصح أذهانا من أصحاب رسول الله ﷺ وأوقع في نفوسهم أنهم وقفوا على فهم وبيان غاب عنه رسول الله ﷺ نعوذ بالله عن مثل هذا.

فأما رسول الله ﷺ فإنه أبطل النكاح كما تسمعون عن البكر ما لم تستأذن فتسكت، وأجازه إذا استأذنت فسكتت بقوله عليه الصلاة والسلام لا تنكح البكر حتى تستأذن وإذنها صماتها.

وأما الصحابة فإنهم كما أوردنا في الخبر المذكور آنفا لم يعرفوا ما إذن البكر حتى سألوا رسول الله ﷺ عنه، وإلا فكان سؤالهم عند هؤلاء فضولا، وحاش لهم من ذلك، فتنبه هؤلاء لما لم يتنبه له أصحاب رسول الله ﷺ ولا نبه عنه عليه السلام، وهذا كما ترون. وما علمنا أحدا من السلف روي عنه أن كلام البكر يكون رضا، وقد روينا عن عمر بن الخطاب، وعلي، وغيرهما: أن إذنها هو السكوت.

ومن عجائب الدنيا قول مالك: إن العانس البكر لا يكون إذنها إلا بالكلام وهذا مع مخالفته لنص كلام رسول الله ﷺ ففي غاية الفساد لأنه أوجب فرضا على العانس ما أسقطه عن غيرها فلوددنا أن يعرفونا الحد الذي إذا بلغته المرأة انتقل فرضها إلى ما ذكر وبالله تعالى التوفيق.

1840- مسألة: والصداق، والنفقة، والكسوة مقضي بها للمرأة على زوجها المملوك كما يقضى بها على الحر، ولا فرق سواء كانت حرة أو أمة والصداق للأمة إلا أن للسيد أن ينتزعه كسائر مالها.

برهان ذلك: قول الله عز وجل: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}.

وقوله تعالى في الأيامى: {فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن}. فخاطب تعالى الأزواج عموما، لم يخص حرا من عبد، وأوجب بنص كلامه الذي لا يعارضه إلا مخذول إيتاء الصداق للأمة لا لغيرها.

وكذلك أوجب الله عز وجل النفقة، والكسوة، والإسكان على الأزواج للزوجات، فإن عجز العبد أو الحر عن الصداق أو بعضه، وعن النفقة، والكسوة أو بعضها، فالصداق دين عليه في ذمته، والنفقة والكسوة ساقطة عنه، ويؤخذ كل من خراج العبد ومن سائر كسبه وهو قول الشعبي.

كما روينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا الشيباني هو أبو إسحاق عن الشعبي قال: يبدأ العبد بنفقته على أهله قبل الذي عليه لمواليه يعني نفقة امرأته.

وقال أبو حنيفة، وأصحابه: إذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر عليه فإن دخل بها وجب بيعه في الصداق وفي النفقة، فإن فداه السيد فذلك له، وإن أسلمه للمرأة وجبت رقبته للمرأة ملكا وانفسخ النكاح. قالوا: فلو أنكح عبده أمته فلا يحتاج في ذلك إلى صداق أصلا لا قبل الدخول، ولا بعده.

وقال مالك: المهر في ذمة العبد ويؤخذ من ماله إن وهب له، ولا يؤخذ من خراجه، فإن لم يوجد له مال وهب له، فهو دين في ذمته إذا أعتق. وقال الأوزاعي: المهر في ذمة الزوج إذا أعتق. وقال الليث: السيد ضامن لنفقة المرأة إن لم يكن للعبد مال، فإن كان للعبد فضل مال أخذت نفقة امرأته منه، فإن لم يكن له فضل مال عن خراجه فرق بينهما.

وقال الشافعي: الصداق في ذمة العبد والنفقة عليه إن كان مأذونا له في التجارة.

قال أبو محمد رضي الله عنه: تخصيص الشافعي المأذون له في التجارة لا وجه له، وقد يكسب المال من غير التجارة، لكن بعمل أو من صنيعة.

وأما قول الليث: إن لم يكن للعبد عن خراجه فضل فرق بينه وبين امرأته فخطأ، لأنه لا يخفى من العبيد من له فضل عن خراجه ممن لا فضل له عنه، لأنه إذا جعل الخراج للسيد لا يخرج منه نفقة الزوجة فقد صار النكاح لغوا إذا تيقن أن الفسخ يتلوه.

وأما تخصيص مالك أن تؤخذ النفقة والصداق من غير خراجه، فقول بلا

برهان، لأن الخراج كسائر كسب العبد لا يكون للسيد فيه حق أصلا، إلا حتى يصح ملك العبد له بإجازته أو ببيعه فيه، فإذا صح ملك العبد له كان للسيد حينئذ أن يأخذه منه، ولا شك في أن السيد لم يملك قط من خراج العبد فلسا قبل أن يجب للعبد بعلمه أو ببيعه فيه، فإذا صار للعبد فليس السيد أولى به من سائر من له عند العبد حق، كالزوجة والغرماء.

وأما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد، لأنه أجاز نكاحا بلا صداق وهذا خلاف القرآن كما أوردنا ثم جعل نكاحه الذي أمر الله تعالى به برضا سيده ووطأه لأمرأته التي أباح الله تعالى وطأه لها ويأجره عليه جناية ودينا يباع فيه أو تسلم رقبته، ولا شك في أن رقبة العبد ملك للسيد، فبأي شيء أباح لها مال السيد الذي حرمه الله تعالى عليها وهذا كلام يغني سماعه عن تكلف الرد عليه مع أنه قول لا يعلم أحد قاله قبلهم. وقد ذكر بعضهم في ذلك ما رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري، عن ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس قال: لا بأس أن يزوج الرجل أمته عبده بغير مهر.

قال أبو محمد: وهذا تمويه من الذي أورد هذا الخبر، لأن ابن عباس إنما عنى بغير ذكر مهر، وهذا جائز لكل أحد حتى إذا طلبته أو طلبه ورثتها قضي لها أو لهم كما أمر الله تعالى بذلك.


1841 - مسألة: ولا يكون الكافر وليا للمسلمة، ولا المسلم وليا للكافرة، الأب وغيره سواء، والكافر ولي للكافرة التي هي وليته ينكحها من المسلم والكافر.

برهان ذلك: قول الله عز وجل: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}

وقال تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض}.

وهو قول من حفظنا قوله، إلا ابن وهب صاحب مالك قال: إن المسلم يكون وليا لأبنته الكافرة في إنكاحها من المسلم أو من الكافر وهذا خطأ لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق.


1842 - مسألة: وجائز لولي المرأة أن ينكحها من نفسه إذا رضيت به زوجا ولم يكن أحد أقرب إليها منه، وإلا فلا وهو قول مالك، وأبي حنيفة. وذهب الشافعي، وأبو سليمان إلى أن لا ينكحها هو من نفسه. واحتجوا بأن النكاح يحتاج إلى ناكح ومنكح، فلا يجوز أن يكون الناكح هو المنكح. وقال أصحاب القياس منهم: كما لا يبيع من نفسه كذلك لا ينكح من نفسه.

قال علي: واحتجوا أيضا بما رويناه من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا محمد بن سالم عن الشعبي: أن المغيرة بن شعبة خطب بنت عمه عروة بن مسعود فأرسل إلى عبد الله بن أبي عقيل فقال: زوجنيها فقال: ما كنت لأفعل، أنت أمير البلد، وابن عمها فأرسل المغيرة إلى عثمان بن أبي العاص فزوجها منه.

قال أبو محمد: المغيرة، هو ابن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن مغيث بن مالك بن كعب بن عمرو بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف. وعروة بن مسعود بن مغيث المذكور، وعبد الله بن أبي عقيل بن مسعود بن عمرو بن عامر بن مغيث المذكور. وعثمان بن أبي العاص لا يجتمع معهم إلا في ثقيف، لأنه من ولد جشم بن ثقيف. وحدثنا بهذا أيضا: محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا أحمد بن عبد البصير، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير قال: إن المغيرة بن شعبة أمر رجلا أن يزوجه امرأة المغيرة أولى بها منه.

قال أبو محمد: أما قولهم: إن النكاح يحتاج إلى ناكح ومنكح فنعم.

وأما قولهم: إنه لا يجوز أن يكون الناكح هو المنكح ففي هذا نازعناهم، بل جائز أن يكون الناكح هو المنكح، فدعوى كدعوى.

وأما قولهم: كما لا يجوز أن يبيع من نفسه، فهي جملة لا تصح كما ذكروا، بل جائز إن وكل ببيع شيء أن يبتاعه لنفسه إذا لم يحابها بشيء.

وأما خبر المغيرة فلا حجة فيمن دون رسول الله ﷺ . فبقي علينا أن نأتي بالبرهان على صحة قولنا، فوجدنا ما رويناه من طريق البخاري، حدثنا مسدد عن عبد الوارث بن سعيد عن شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها وأولم عليها بحيس.

قال أبو محمد: فهذا رسول الله ﷺ زوج مولاته من نفسه وهو الحجة على من سواه.

وأيضا: فإنما قال رسول الله ﷺ: أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل فمن أنكح وليته من نفسه بإذنها فقد نكحت بإذن وليها فهو نكاح صحيح، ولم يشترط عليه الصلاة والسلام أن يكون الولي غير الناكح، ولا بد، فإذ لم يمنع منه عليه الصلاة والسلام فهو جائز. قال تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}. فهذا مما لم يفصل علينا تحريمه.

وقال تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} فمن أنكح أيمة من نفسه برضاها فقد فعل ما أمره الله تعالى به، ولم يمنع عز وجل من أن يكون المنكح لأيمة هو الناكح لها فصح أنه الواجب وبالله تعالى التوفيق.

1843- مسألة: ولا يحل للزانية أن تنكح أحدا، لا زانيا، ولا عفيفا حتى تتوب، فإذا تابت حل لها الزواج من عفيف حينئذ. ولا يحل للزاني المسلم أن يتزوج مسلمة لا زانية، ولا عفيفة حتى يتوب، فإذا تاب حل له نكاح العفيفة المسلمة حينئذ. وللزاني المسلم أن ينكح كتابية عفيفة وإن لم يتب، فإن وقع شيء مما ذكرنا فهو مفسوخ أبدا، فإن نكح عفيف عفيفة ثم زنى أحدهما أو كلاهما لم يفسخ النكاح بذلك. وقد قال بهذا طائفة من السلف:

كما روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن عمرو بن مروان عن عبد الرحمن الصدائي عن علي بن أبي طالب: أن رجلا أتى إليه فقال: إن لي ابنة عم أهواها، وقد كنت نلت منها فقال له علي: إن كان شيئا باطنا يعني الجماع فلا، وإن كان شيئا ظاهرا يعني القبلة فلا بأس.

ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي عن ليث بن أبي سليم، عن ابن سابط: أن علي بن أبي طالب أتي بمحدود تزوج غير محدودة ففرق بينهما.

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا شعبة، حدثنا قتادة، والحكم بن عتيبة، كلاهما عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه، عن ابن مسعود في الذي يتزوج المرأة بعد أن زنى بها قال ابن مسعود: لا يزالان زانيين.

وبه إلى علي بن عبد الله، حدثنا سفيان بن عيينة وعبد الرزاق، قال عبد الرزاق :، حدثنا معمر، ثم اتفق سفيان، ومعمر، قالا جميعا :، حدثنا الحكم بن أبان أنه سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن الرجل يزني بالمرأة ثم ينكحها فقال سالم: سئل عن ذلك ابن مسعود فقال: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده الآية.

قال أبو محمد: القولان منه متفقان، لأنه إنما أباح نكاحها بعد التوبة.

ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: لا يزالان زانيين ما اصطحبا يعني: الرجل يتزوج امرأة زنى بها.

ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا أسباط عن مطرف عن أبي الجهم عن البراء بن عازب في الرجل يفجر بالمرأة ثم يريد نكاحها قال: لا يزالان زانيين أبدا.

ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن عبد الله قال: إذا تابا وأصلحا فلا بأس يعني الرجل يزني بالمرأة ثم يريد نكاحها.

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق، حدثنا عبد الواحد بن غياث، حدثنا أبو عوانة عن موسى بن السائب عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر أنه سئل عن رجل فجر بامرأة أيتزوجها قال: إن تابا وأصلحا.

ومن طريق إسماعيل، حدثنا حجاج بن المنهال، وسليمان بن حرب قالا جميعا :، حدثنا حماد بن سلمة عن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال: لا ينكح المجلود إلا مجلودة.

ومن طريق إسماعيل نا سليمان بن حرب، حدثنا أبو هلال، حدثنا قتادة عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: لقد هممت أن لا أدع أحدا أصاب فاحشة في الإسلام يتزوج محصنة، فقال له أبي بن كعب: يا أمير المؤمنين: الشرك أعظم من ذلك، فقد يقبل منه إذا تاب.

ومن طريق إسماعيل نا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان بن عيينة قال: قال عبيد الله بن أبي يزيد: سمعت ابن عباس يقول: الزاني لا ينكح إلا زانية قال: هو حكم بينهما. وصح مثل هذا عن إبراهيم النخعي، وسعيد بن المسيب، وصلة بن أشيم وعطاء، وسليمان بن يسار، ومكحول، والزهري، وابن قسيط، وقتادة، وغيرهم وقد جاء إباحة نكاحهما عن أبي بكر، وعمر، وابن عباس، وابن عمر.

قال أبو محمد: والحجة لقولنا هو قول الله عز وجل: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين}. فقال قوم: روي عن سعيد بن المسيب، أنه قال: يزعمون أنها نسخت بالآية التي بعدها {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم}.

قال أبو محمد: وهذه دعوى بلا برهان، ولا يجوز أن يقال في قرآن، أو سنة: هذا منسوخ إلا بيقين يقطع به، لا بظن لا يصح وإنما الفرض استعمال النصوص كلها. فمعنى قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم}.

وقوله تعالى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى} إلا ما حرم عليكم من الأقارب وغيرهن، هذا ما لا شك فيه، ونكاح الزانية ونكاح الزاني لمؤمنة مما حرم علينا، فهو مستثنى من ذلك العموم بلا شك كاستثناء سائر ما حرم علينا من النساء. وقال آخرون: معنى ينكح ههنا: يطأ، ليس معناه: يتزوج.

قال أبو محمد وهذه دعوى أخرى بلا برهان، وتخصيص للآية بالظن الكاذب، ولو كان ما قالوه لحرم على الزوج وطء زوجته إذا زنت وهذا لا يقولونه.

فإن قالوا: إنما حرم وطؤها بالزنا فقط قلنا: وهذه زيادة في التخصيص بلا

برهان، ودعوى كاذبة بيقين، إذ لا دليل عليها، وهذا لا يحل في دين الله عز وجل مع أنه تفسير كاذب بيقين، لأننا قد نجد الزاني يستكره العفيفة المسلمة فيكون زانيا بغير زانية وحاش لله من أن نقول ما يدفعه العيان. وإنما الرواية عن أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما بحضرة الصحابة، فكما حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود، حدثنا أحمد بن دحيم، حدثنا إبراهيم بن حماد، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا علي بن عبد الله، هو ابن المديني، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة نا محمد بن إسحاق عن نافع، عن ابن عمر قال: بينما أبو بكر الصديق في المسجد إذ جاء رجل فلاث عليه لوثا من كلام وهو دهش فقال أبو بكر لعمر: قم فانظر في شأنه، فإن له شأنا. فقام إليه عمر، فقال له: إن ضيفا ضافني فزنى بابنته فضرب عمر في صدره، وقال له: قبحك الله، ألا سترت على ابنتك، فأمر بهما أبو بكر فضربا الحد، ثم زوج أحدهما الآخر، ثم أمر بهما أن يغربا حولا.

قال أبو محمد: هذا لا حجة لهم فيه؛ لأن الأظهر أنه كان بعد توبتهما وهو حجة عليهم، لأن فيه أن أبا بكر غربهما حولا، والحنفيون لا يرون تغريبا في الزنا جملة. والمالكيون لا يرون تغريب المرأة في الزنا. فهذا فعل أبي بكر، وعمر بحضرة الصحابة، رضي الله عنهم، بخلافهم.

وروينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا علي بن المديني نا يزيد بن زريع، حدثنا حبيب هو المعلم قال: جاء رجل من أهل الكوفة إلى عمرو بن شعيب، فقال له: ألا تعجب من الحسن يزعم أن المجلود الزاني لا ينكح إلا مثله، يتأول بذلك هذه الآية الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة فقال له عمرو بن شعيب: وما تعجب، حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله. وكان عبد الله بن عمرو ينادي به نداء :، حدثنا حمام، حدثنا عباس بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن، حدثنا بكر، هو ابن حماد، حدثنا مسدد، حدثنا المعتمر، هو ابن سليمان التيمي قال: سمعت أبي يقول: حدثني الحضرمي بن لاحق عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ استأذنه رجل من المهاجرين في امرأة يقال لها: أم مهزول أو ذكر له أمرها، فقال له رسول الله ﷺ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، فأنزلت والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك.

ومن طريق أبي داود، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبان، هو ابن يزيد العطار عن يحيى، هو ابن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج " أن رسول الله ﷺ قال في حديث: ومهر البغي خبيث.

قال أبو محمد: لا يسمى في الديانة، ولا في اللغة أجرة الزنا مهرا، إنما المهر في الزواج، فإذا حرم رسول الله ﷺ مهرها فقد حرم زواجها، إذ لا بد في الزواج من مهر ضرورة، هذا لا إشكال فيه، فإذا تابت فليس مهرها مهر بغي فهو حلال،

ومن ادعى غير هذا، فقد ادعى ما لا برهان له به، فهو باطل وبالله تعالى التوفيق.

وأما التي تزوجها عفيف وهي عفيفة ثم زنى أحدهما أو كلاهما، فإنما

قلنا: إنه لا يفسخ نكاحهما لما رويناه من طريق أحمد بن شعيب نا إسحاق بن إبراهيم، هو ابن راهويه نا النضر بن شميل، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير، عن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله، إن تحتي امرأة جميلة لا ترد يد لامس قال طلقها، قال: إني لا أصبر عنها قال: فأمسكها. وقد أقر ماعز بالزنا وهو محصن فسأل رسول الله ﷺ عنه أبكر أم ثيب فقيل له: بل ثيب، فأمر برجمه ولم يفسخ نكاحه. وقد جاء في هذا خلاف قديم:

روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا الحجاج بن المنهال، حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة أن علي بن أبي طالب قال في البكر إذا زنى قبل أن يدخل بأهله: جلد الحد، فيفرق بينه وبين أهله، ولها نصف الصداق، فإن زنت هي جلدت وفرق بينهما، ولا صداق لها.

ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا ابن إدريس الأودي هو عبد الله عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، قال: البكر إذا زنت جلدت وفرق بينها وبين زوجها وليس لها شيء ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا عبدة عن سعيد عن علي بن ثابت عن نافع، عن ابن عمر قال: إذا رأى أحدكم امرأته على فاحشة أو أم ولده فلا يقربنها وهو قول الحسن، وطاووس، والنخعي، وحماد بن أبي سليمان، وغيرهم ولكن لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ . وهاهنا خبر لو صح لقلنا به: رويناه من طريق سعيد بن المسيب عن بصرة بن أكثم أن امرأة زنت؛ فجعل رسول الله ﷺ ولدها عبدا لزوجها، ولا نعلم لسعيد سماعا من بصرة، وقد قال بعضهم: نضرة.