الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة الثالثة

كتاب النكاح

1825 - مسألة: ولا يحل للمرأة نكاح ثيبا كانت أو بكرا إلا بإذن وليها الأب، أو الإخوة، أو الجد، أو الأعمام، أو بني الأعمام وإن بعدوا والأقرب فالأقرب أولى. وليس ولد المرأة وليا لها إلا إن كان ابن عمها، لا يكون في القوم أقرب إليها منه

ومعنى ذلك: أن يأذن لها في الزواج، فإن أبى أولياؤها من الإذن لها: زوجها السلطان.

برهان ذلك: قول الله عز جل: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} وقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} وهذا خطاب للأولياء لا للنساء.

وروينا من طريق ابن وهب، حدثنا ابن جريج عن سليمان بن موسى، عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال: لا تنكح المرأة بغير وليها فإن نكحت فنكاحها باطل ثلاث مرات فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. وما حدثنا به أحمد بن محمد الطلمنكي، حدثنا ابن مفرج، حدثنا محمد بن أيوب الصموت الرقي، حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، حدثنا أبو كامل، حدثنا بشر بن منصور، حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن النبي ﷺ قال: لا نكاح إلا بولي.

وبه إلى البزاز، حدثنا محمد بن موسى الحرشي، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا شعبة بن الحجاج عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه هو أبو موسى عن النبي ﷺ: لا نكاح إلا بولي. فاعترض قوم على حديث أم المؤمنين هذا بأن ابن علية روى، عن ابن جريج أنه سأل الزهري عن هذا الحديث فلم يعرفه قالوا: وأم المؤمنين رضي الله عنها روي هذا الحديث عنها وقد صح عنها أنها كانت أنكحت بنت أخيها عبد الرحمن وهي بكر وهو مسافر بالشام قريب الأوبة بغير أمره، فلم يمضه، بل أنكر ذلك إذ بلغه، فلم تر عائشة ذلك مبطلا لذلك النكاح، بل قالت للذي زوجتها منه وهو المنذر بن الزبير: اجعل أمرها إليه، ففعل، فأنفذه عبد الرحمن. قالوا: والزهري هو الذي روي عنه هذا الخبر. قد رويتم من طريق عبد الرزاق عن معمر، أنه قال له: سألت الزهري عن الرجل يتزوج بغير ولي فقال: إن كان كفؤا لها لم يفرق بينهما. قالوا: فلو صح هذا الخبر لدل خلاف عائشة التي روته، والزهري الذي رواه لما فيه دليلا على نسخه .

فقلنا: أما قولكم: إن الزهري سأله عنه ابن جريح فلم يعرفه فإن أبا سليمان داود بن بابشاذ بن داود بن سليمان كتب إلي :، حدثنا عبد الغني بن سعيد الأزدي الحافظ، حدثنا هشام بن محمد بن قرة الرعيني، قال :، حدثنا أبو جعفر الطحاوي، حدثنا أحمد بن أبي داود عمران، قال :، حدثنا يحيى بن معين، عن ابن علية، عن ابن جريج: أنه سأل الزهري عن هذا الحديث فلم يعرفه.

قال أبو محمد: وهذا لا شيء لوجهين: أحدهما ما حدثناه القاضي أبو بكر حمام بن أحمد قال :، حدثنا عباس بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن، حدثنا غيلان، حدثنا عباس، حدثنا يحيى بن معين: حديث ابن جرير هذا قال عباس: فقلت له: إن ابن علية يقول: قال ابن جريج لسليمان بن موسى فقال: نسيت بعده، فقال ابن معين: ليس يقول هذا إلا ابن علية، وابن علية عرض كتب ابن جرير على عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد فأصلحها له قال ابن معين: لا يصح في هذا إلا حديث سليمان بن موسى.

قال أبو محمد: فصح أن سماع ابن علية من ابن جريج مدخول. ثم لو صح أن الزهري أنكره، وأن سليمان بن موسى نسيه: فقد روينا من طريق مسلم بن الحجاج، حدثنا ابن نمير قال: قال لي عبدة، وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت، كان النبي ﷺ يسمع قراءة رجل في المسجد فقال: رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أنسيتها. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور نا وهب بن ميسرة، حدثنا ابن وضاح، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن ذر بن عبد الله المرهبي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أن النبي ﷺ صلى الفجر فأغفل آية، فلما صلى قال: أفي القوم أبي بن كعب فقال له أبي بن كعب: يا رسول الله أغفلت آية كذا، أونسخت فقال عليه الصلاة والسلام: بل أنسيتها.

قال أبو محمد: فإذا صح أن رسول الله ﷺ نسي آية من القرآن، فمن الزهري، ومن سليمان، ومن يحيى حتى لا ينسى وقد قال عز وجل: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي}. لكن ابن جريج ثقة، فإذا روى لنا عن سليمان بن موسى وهو ثقة أنه أخبره عن الزهري بخبر مسند، فقد قامت الحجة به، سواء نسوه بعد أن بلغوه وحدثوا به، أو لم ينسوه. وقد نسي أبو هريرة حديث لا عدوى. ونسي الحسن حديث من قتل عبده. ونسي أبو محمد مولى ابن عباس حديث التكبير بعد الصلاة بعد أن حدثوا بها، فكان ماذا لا يعترض بهذا إلا جاهل، أو مدافع للحق بالباطل، ولا ندري في أي القرآن، أم في أي السنن، أم في أي حكم العقول وجدوا أن من حدث بحديث ثم نسيه: أن حكم ذلك الخبر يبطل، ما هم إلا في دعوى كاذبة بلا برهان وأما اعتراضهم بأنه صح عن عائشة، وعن الزهري رضي الله عنهما أنهما خالفا ما رويا من ذلك، فكان ماذا إنما أمرنا الله عز وجل، ورسول الله ﷺ وقامت حجة العقل بوجوب قبول ما صح عندنا عن رسول الله ﷺ، وبسقوط اتباع قول من دونه عليه الصلاة والسلام. ولا ندري أين وجدوا: أن من خالف باجتهاده مخطئا متأولا ما رواه أنه يسقط بذلك ما رواه، ثم نعكس عليهم أصلهم هذا الفاسد، فنقول: إذا صح أن أم المؤمنين رضي الله عنها والزهري رحمه الله رويا هذا الخبر،

وروي عنهما أنهما خالفاه، فهذا دليل على سقوط الرواية بأنهما خالفاه، بل بل الظن بهما أنهما لا يخالفان ما روياه، وهذا أولى، لأن تركنا ما لا يلزمنا من قولهما لما يلزمنا من روايتهما هو الواجب، لا ترك ما يلزمنا مما روياه لما لا يلزمنا من رأيهما. فكيف وقد كتب إلي داود بن بابشاذ قال: حدثني عبد الغني بن سعيد، حدثنا هشام بن محمد بن قرة، حدثنا أبو جعفر الطحاوي، حدثنا الحسن بن غليب، حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي، حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي، عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها أنكحت رجلا من بني أخيها جارية من بني أخيها، فضربت بينهم سترا، ثم تكلمت حتى إذا لم يبق إلا النكاح أمرت رجلا فأنكح، ثم قالت: ليس إلى النساء النكاح فصح يقينا بهذا رجوعها عن العمل الأول إلى ما نبهت عليه من أن نكاح النساء لا يجوز. واعترضوا في رواية أبي موسى: أن قوما أرسلوه .

فقلنا: فكان ماذا، إذا صح الخبر مسندا إلى رسول الله ﷺ فقد قامت الحجة به، ولزمنا قبوله فرضا، ولا معنى لمن أرسله، أو لمن لم يروه أصلا، أو لمن رواه من طريق أخرى ضعيفة كل هذا كأنه لم يكن وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد: وممن قال بمثل قولنا جماعة من السلف:

كما روينا: من طريق ابن وهب حدثني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج: أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قال عمر بن الخطاب: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها، أو ذوي الرأي من أهلها، أو السلطان.

ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن معبد أن عمر بن الخطاب رد نكاح امرأة نكحت بغير إذن وليها.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج: أخبرني عبد الرحمن بن جبير بن شيبة أن عكرمة بن خالد أخبره أن الطريق جمع ركبا، فجعلت امرأة ثيب أمرها إلى رجل من القوم غير ولي فأنكحها رجلا، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحها.

ومن طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة: ليس للنساء من العقد شيء، لا نكاح إلا بولي، لا تنكح المرأة نفسها، فإن الزانية تنكح نفسها.

ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين أن ابن عباس قال: البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير الأولياء.

ومن طريق عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: ولى عمر بن الخطاب ابنته حفصة أم المؤمنين ماله وبناته ونكاحهن فكانت حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها إذا أرادت أن تزوج امرأة أمرت أخاها عبد الله فيزوج.

وروينا نحو هذا أيضا عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وإبراهيم النخعي.

وروينا: عن الحجاج بن المنهال نا أبو هلال، قال: سألت الحسن فقلت: سألت أبا سعيد عن امرأة خطبها رجل ووليها غائب بسجستان، ولوليها هاهنا ولي، أيزوجها ولي وليها قال: لا، ولكن اكتبوا إليه، قلت له: إن الخاطب لا يصبر قال: فليصبر، قال له رجل: إلى متى يصبر قال الحسن: يصبر كما صبر أهل الكهف.

وهو قول جابر بن زيد، ومكحول.

وهو قول ابن شبرمة، وابن أبي ليلى وسفيان الثوري، والحسن بن حي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وابن المبارك. وفي ذلك خلاف قديم، وحديث: كما

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا أحمد بن عون الله، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن بشار بندار، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق الشيباني، وسفيان الثوري، قال أبو إسحاق: كانت فينا امرأة يقال لها: بحرية، زوجتها أمها، وكان أبوها غائبا، فلما قدم أبوها أنكر ذلك، فرفع ذلك إلى علي فأجاز ذلك. قال شعبة: وأخبرني سفيان الثوري أنه سمع أبا قيس يحدث عن هذيل بن شرحبيل عن علي بن أبي طالب بمثله.

ومن طريق الحجاج بن المنهال نا شعبة بن الحجاج قال: أخبرني سليمان الشيباني هو أبو إسحاق قال: سمعت القعقاع، قال: إنه تزوج رجل امرأة منا يقال لها: بحرية، زوجتها إياه أمها، فجاء أبوها فأنكر ذلك، فاختصما إلى علي بن أبي طالب، فأجازه. والخبر المشهور: عن عائشة أم المؤمنين: أنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير، وعبد الرحمن غائب بالشام، فلما قدم أنكر ذلك، فجعل المنذر أمرها إليه فأجازه.

وروينا أن أمامة بنت أبي العاص بن أبي الربيع، وأمها زينب بنت رسول الله ﷺ خطبها معاوية بعد قتل علي رضي الله عنه وكانت تحت علي، فدعت بالمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فجعلت أمرها إليه فأنكحها نفسه، فغضب مروان، وكتب ذلك إلى معاوية، فكتب إليه معاوية: دعه وإياها. وصح، عن ابن سيرين في امرأة لا ولي لها، فولت رجلا أمرها، فزوجها، قال ابن سيرين: لا بأس بذلك، المؤمنون بعضهم أولياء بعض. وعن عبد الرزاق، عن ابن جريج: أنه سأل عطاء عن امرأة نكحت بغير إذن ولاتها وهم حاضرون، فقال أما امرأة مالكة أمر نفسها إذا كان بشهداء، فإنه جائز بغير أمر الولاة. وعن القاسم بن محمد في امرأة زوجت ابنتها بغير إذن أوليائها، قال: إن أجاز الولاة ذلك إذا علموا، فهذا جائز وروي نحو هذا عن الحسن أيضا. قال الأوزاعي إن كان الزوج كفؤا ولها من أمرها نصيب، ودخل بها، لم يكن للولي أن يفرق بينهما. وقال أبو ثور: لا يجوز أن تزوج المرأة نفسها، ولا أن تزوجها امرأة ولكن إن زوجها رجل مسلم جاز، المؤمنون إخوة بعضهم أولياء بعض. قال أبو سليمان: أما البكر فلا يزوجها إلا وليها، وأما الثيب فتولي أمرها من شاءت من المسلمين ويزوجها، وليس للولي في ذلك اعتراض.

وقال مالك: أما الدنيئة، كالسوداء، أو التي أسلمت، أو الفقيرة، أو النبطية، أو المولاة، فإن زوجها الجار وغيره ممن ليس هو لها بولي فهو جائز

وأما المرأة التي لها الموضع، فإن زوجها غير وليها فرق بينهما فإن أجاز ذلك الولي، أو السلطان: جاز، فإن تقادم أمرها ولم يفسخ، وولدت له الأولاد: لم نفسخ.

وقال أبو حنيفة، وزفر، جائز للمرأة أن تزوج نفسها كفؤا، ولا اعتراض لوليها في ذلك، فإن زوجت نفسها غير كفء، فالنكاح جائز، وللأولياء أن يفرقوا بينهما،

وكذلك للولي أن يخاصم فيما حطت من صداق مثلها. وقال أبو يوسف، ومحمد بن الحسن: لا نكاح إلا بولي، ثم اختلفا، فقال أبو يوسف: إن تزوجت بغير ولي فأجازه الولي جاز، فإن أبى أن يجيز والزوج كفؤ أجازه القاضي، ولا يكون جائزا إلا حتى يجيزه القاضي. وقال محمد بن الحسن: إن لم يجزه الولي استأنف القاضي فيه عقدا جديدا.

قال أبو محمد: أما قول محمد بن الحسن، وأبي يوسف: فظاهر التناقض والفساد، لأنهما نقضا قولهما " لا نكاح إلا بولي " إذ أجازا للولي إجازة ما أخبرا أنه لا يجوز.

وكذلك قول أبي حنيفة، لأنه أجاز للمرأة إنكاح نفسها من غير كفء ثم أجاز للولي فسخ العقد الجائز، فهي أقوال لا متعلق لها بقرآن، ولا بسنة لا صحيحة، ولا سقيمة، ولا بقول صاحب، ولا بمعقول، ولا قياس، ولا رأي سديد وهذا لا يقبل إلا من رسول الله ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى، إلا عن الوحي من الخالق، الذي لا يسأل عما يفعل وأما من غيره عليه الصلاة والسلام فهو دين جديد، يعذب الله به في الحشر.

وأما قول مالك: فظاهر الفساد، لأنه فرق بين الدنية وغير الدنية، وما علمنا الدناءة إلا معاصي الله تعالى.

وأما السوداء، والمولاة: فقد كانت أم أيمن رضي الله عنها سوداء ومولاة، ووالله ما بعد أزواجه عليه الصلاة والسلام في هذه الأمة امرأة أعلى قدرا عند الله تعالى وعند أهل الإسلام كلهم منها.

وأما الفقيرة: فما الفقر دناءة، فقد كان في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الفقير الذي أهلكه الفقر وهم أهل الشرف والرفعة حقا وقد كان قارون، وفرعون، وهامان: من الغنى بحيث عرف وهم أهل الدناءة والرذالة حقا.

وأما النبطية: فرب نبطية لا يطمع فيها كثير من قريش ليسارها، وعلو حالها في الدنيا، ورب بنت خليفة هلكت فاقة وجهدا وضياعا. ثم قوله " يفرق بينهما فإن طال الأمر وولدت منه الأولاد لم يفرق بينهما " فهذا عين الخطأ، إنما هو حق أو باطل، ولا سبيل إلى ثالث، فإن كان حقا فليس لأحد نقض الحق إثر عقده، ولا بعد ذلك وإن كان باطلا فالباطل مردود أبدا، إلا أن يأتي نص من قرآن أو سنة عن رسول الله ﷺ فيوقف عنده. وما نعلم قول مالك هذا قاله أحد قبله، ولا غيره، إلا من قلده، ولا متعلق له بقرآن، ولا بسنة صحيحة، ولا بأثر ساقط، ولا بقول صاحب، ولا تابع، ولا معقول، ولا قياس، ولا رأي له وجه يعرف.

وأما قول أبي ثور: فإن قول رسول الله ﷺ: فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له مانع من أن يكون ولي المرأة كل مسلم، لأن مراعاة اشتجار جميع من أسلم من الناس محال، وحاش أنه عليه الصلاة والسلام أن يأمر بمراعاة محال لا يمكن فصح أنه عليه الصلاة والسلام عنى قوما خاصة يمكن أن يشتجروا في نكاح المرأة، لا حق لغيرهم في ذلك. قوله عليه الصلاة والسلام فالسلطان ولي من لا ولي له بيان جلي بما قلنا إذ لو أراد عليه الصلاة والسلام كل مسلم لكان قوله: من لا ولي له محالا باطلا، وحاش له من فعل ذلك.

فصح: أنهم العصبة الذين يوجدون لبعض النساء، ولا يوجدون لبعضهن.

وأما قول أبي سليمان فإنما عول على الخبر الثابت عن رسول الله ﷺ من قوله البكر يستأذنها أبوها والثيب أحق بنفسها من وليها.

قال أبو محمد: وهذا لو لم يأت غيره لكان كما قال أبو سليمان، لكن قوله عليه الصلاة والسلام أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل عموم لكل امرأة ثيب أو بكر. وبيان هذا القول: أن معنى قوله عليه الصلاة والسلام والثيب أحق بنفسها من وليها أنه لا ينفذ فيها أمره بغير إذنها، ولا تنكح إلا من شاءت، فإذا أرادت النكاح لم يجز لها إلا بإذن وليهما، فإن أبى أنكحهما السلطان على رغم أنف الولي الآبي.

وأما من لم ير للولي معنى فإنهم احتجوا بقول الله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} وبقول الله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن}. وقد

قلنا: إن قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} بيان في أن نكاحهن لا يكون إلا بإذن الولي. واحتجوا بأن أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها زوجها النجاشي من رسول الله ﷺ وهذا لا حجة لهم فيه، لأن الله تعالى يقول: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} فهذا خارج من قوله عليه الصلاة والسلام أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل. ووجه آخر: وهو أن هذا القول من رسول الله ﷺ هو الزائد على معهود الأصل، لأن الأصل بلا شك أن تنكح المرأة من شاءت بغير ولي، فالشرع الزائد هو الذي لا يجوز تركه، لأنه شريعة واردة من الله تعالى، كالصلاة بعد أن لم تكن، والزكاة بعد أن لم تكن وسائر الشرائع، ولا فرق. واحتجوا بخبر فيه: أن عمر بن أبي سلمة هو زوج أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها من النبي ﷺ . وهذا خبر إنما رويناه من طريق ابن عمر بن أبي سلمة وهو مجهول. ثم لو صح لكان القول فيه كالقول في حديث أم حبيبة سواء سواء، مع أن عمر بن أبي سلمة كان يومئذ صغيرا لم يبلغ، هذا لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم بالأخبار، فمن الباطل أن يعتمد رسول الله ﷺ على عقد من لا يجوز عقده. ويكفي في رد هذا كله ما حدثناه يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود، حدثنا أحمد بن دحيم بن خليل، حدثنا إبراهيم بن حماد، حدثنا إسماعيل بن إسحاق، حدثنا عارم هو محمد بن الفضل، حدثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: لما نزلت في زينب بنت جحش فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها قال: فكانت تفخر على نساء النبي ﷺ تقول: زوجكن أهلوكن وزوجني الله عز وجل من فوق سبع سموات. فهذا إسناد صحيح مبين أن جميع نسائه عليه السلام إنما زوجهن أولياؤهن حاش زينب رضي الله تعالى عنها فإن الله تعالى زوجها منه عليه الصلاة والسلام. وصح بهذا معنى قول أم حبيبة رضي الله عنها أن النجاشي زوجها أي تولى أمرها وما تحتاج إليه وكان العقد بحضرته، قد كان هنالك أقرب الناس إليها عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، وعمرو، وخالد، ابنا سعد بن العاص بن أمية، فكيف يزوجها النجاشي بمعنى يتولى عقد نكاحها وهؤلاء حضور راضون مسرورون آذنون في ذلك بيقين لا شك فيه.

وأما تزويجه عليه الصلاة والسلام المرأة بتعليم سورة من القرآن فليس في الخبر أنه كان لها ولي أصلا فلا يعترض على اليقين بالشكوك. وهكذا القول في كل حديث ذكروه، كخبر نكاح ميمونة أم المؤمنين وإنما جعلت أمرها إلى العباس فزوجها منه عليه الصلاة والسلام. ونكاح أبي طلحة أم سليم رضي الله عنها على الإسلام فقط، أنكحها إياه أنس بن مالك، وهو صغير دون عشر سنين. فهذا كله منسوخ بإبطاله عليه الصلاة والسلام النكاح بغير ولي، وسائر الأحاديث التي فيها أن نساء أنكحن بغير إذن أهلهن، فرد عليه الصلاة والسلام نكاحهن وجعل إليهن إجازة ذلك إن شئن فكلها أخبار لا تصح إما مرسلة، وأما من رواية علي بن غراب وهو ضعيف فظهر صحة قولنا. وبالله تعالى التوفيق.

وأما قولنا: إنه لا يجوز إنكاح الأبعد من الأولياء مع وجود الأقرب، فلأن الناس كلهم يلتقون في أب بعد أب إلى آدم عليه السلام بلا شك، فلو جاز إنكاح الأبعد مع وجود الأقرب لجاز إنكاح كل من على وجه الأرض لأنه يلقاها بلا شك في بعض آبائها، فإن حدوا في ذلك حدا كلفوا البرهان عليه، ولا سبيل إليه فصح يقينا أنه لا حق مع الأقرب للأبعد، ثم إن عدم فمن فوقه باب هكذا أبدا ما دام يعلم لها ولي عاصب، كالميراث، ولا فرق.

وأما إن كان الولي غائبا فلا بد من انتظاره، فإن قالوا: إن ذلك يضر بها

قلنا: الضرورة لا تبيح الفروج وقد وافقنا المالكيون على أنه إن كان للزوج الغائب مال ينفق منه على المرأة لم تطلق عليه وإن أضرت غيبته بها في فقد الجماع وضياع كثير من أمورها ووافقنا الحنفيون في أنه وإن لم يكن له مال فإنها لا تطلق عليه، ولا ضرر أضر من عدم النفقة. ثم نسألهم في حد الغيبة التي ينتظرون الولي فيها من الغيبة التي لا ينتظرونه فيها، فإنهم لا يأتون إلا بفضيحة، وبقول لا يعقل وجهه وبالله تعالى نتأيد.

1826 - مسألة: وللأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر ما لم تبلغ بغير إذنها، ولا خيار لها إذا بلغت فإن كانت ثيبا من زوج مات عنها أو طلقها لم يجز للأب، ولا لغيره أن يزوجها حتى تبلغ، ولا إذن لهما قبل أن تبلغ. وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للأب، ولا لغيره أن يزوجها إلا بإذنها، فإن وقع فهو مفسوخ أبدا.

فأما الثيب فتنكح من شاءت، وإن كره الأب.

وأما البكر فلا يجوز لها نكاح إلا باجتماع إذنها وإذن أبيها.

وأما الصغيرة التي لا أب لها فليس لأحد أن ينكحها لا من ضرورة، ولا من غير ضرورة حتى تبلغ، ولا لأحد أن ينكح مجنونة حتى تفيق وتأذن، إلا الأب في التي لم تبلغ وهي مجنونة فقط. وفي بعض ما ذكرنا خلاف: قال ابن شبرمة: لا يجوز إنكاح الأب ابنته الصغيرة إلا حتى تبلغ وتأذن، ورأى أمر عائشة رضي الله عنها خصوصا للنبي ﷺ، كالموهوبة، ونكاح أكثر من أربع. وقال الحسن، وإبراهيم النخعي: إنكاح الأب ابنته الصغيرة والكبيرة الثيب، والبكر وإن كرهتا جائز عليهما.

كما روينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا منصور بن المعتمر، وعبيدة، قال منصور: عن الحسن، وقال عبيدة: عن إبراهيم، قالا جميعا: إن نكاح الأب ابنته بكرا أو ثيبا جائز.

وروينا عن إبراهيم قولا آخر: كما

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا أحمد بن عبد الرحيم، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال: البكر لا يستأمرها أبوها والثيب إن كانت في عيال استأمرها.

وقال مالك: أما البكر فلا يستأمرها أبوها بلغت أو لم تبلغ، عنست أو لم تعنس وينفذ إنكاحه لها وإن كرهت، وكذلك إن دخل بها زوجها إلا أنه لم يطأها، فإن بقيت معه سنة وشهدت المشاهد لم تجز للأب أن ينكحها بعد ذلك إلا بإذنها وإن كان زوجها لم يطأها. قال:

وأما الثيب فلا يجوز إنكاح الأب، ولا غيره عليها إلا بإذنها. قال: والجد بخلاف الأب فيما ذكرنا، لا يزوج البكر، ولا غيرها إلا بإذنها كسائر الأولياء. واختلف قوله في البكر الصغيرة التي لا أب لها فأجاز إنكاح الأخ لها إذا كان نظرا لها في رواية ابن وهب، ومن منعه رواية ابن القاسم.

وقال أبو حنيفة، وأبو سليمان ينكح الأب الصغيرة ما لم تبلغ بكرا كانت أو ثيبا فإذا بلغت نكحت من شاءت، ولا إذن للأب في ذلك كسائر الأولياء، ولا يجوز إنكاحه لها إلا بإذنها بكرا كانت أو ثيبا.

وقال أبو حنيفة: والجد كالأب في كل ذلك.

وقال الشافعي: يزوج الأب والجد للأب إن كان الأب قد مات: البكر الصغيرة، ولا إذن لها إذا بلغت، وكذلك البكر الكبيرة. ولا يزوج الثيب الصغيرة أحد حتى تبلغ، سواء بإكراه ذهبت عذرتها أو برضا، بحرام أو حلال.

وأما الثيب الكبيرة فلا يزوجها الأب، ولا الجد، ولا غيرهما إلا بإذنها، ولها أن تنكح من شاءت إذا كانت بالغا.

قال أبو محمد: الحجة في إجازة إنكاح الأب ابنته الصغيرة البكر إنكاح أبي بكر رضي الله عنه النبي ﷺ من عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، وهذا أمر مشهور غني عن إيراد الإسناد فيه، فمن ادعى أنه خصوص لم يلتفت لقوله، لقول الله عز وجل: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} فكل ما فعله عليه الصلاة والسلام فلنا أن نتأسى به فيه، إلا أن يأتي نص بأنه له خصوص.

فإن قال قائل: فإن هذا فعل منه عليه الصلاة والسلام وليس قولا، فمن أين خصصتم البكر دون الثيب، والصغيرة دون الكبيرة، وليس هذا من أصولكم

قلنا: نعم، إنما اقتصرنا على الصغيرة البكر للخبر الذي رويناه من طريق مسلم، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، هو ابن عيينة عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل سمع نافع بن جبير يخبر، عن ابن عباس " أن النبي ﷺ قال: الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها في نفسها وإذنها صماتها. فخرجت الثيب صغيرة كانت أو كبيرة بعموم هذا الخبر، وخرجت البكر البالغ به أيضا، لأن الأستئذان لا يكون إلا للبالغ العاقل للأثر الثابت عن النبي ﷺ: رفع القلم عن ثلاث فذكر فيهم الصغير حتى يبلغ فخرج البكر التي لا أب لها بالنص المذكور أيضا، فلم تبق إلا الصغيرة البكر ذات الأب فقط.

فإن قيل: فلم لم تجيزوا إنكاح الجد لها كالأب قلنا: لقول الله تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} فلم يجز أن يخرج من هذا العموم إلا ما جاء به الخبر فقط، وهو الأب الأدنى، وبالخبر المذكور يبطل قول الحسن، وإبراهيم الذي ذكرنا آنفا.

وأما قول مالك في التي بقيت مع زوجها أقل من سنة ولم يطأها أن أباها يزوجها بغير إذنها، فإن أتمت مع زوجها سنة وشهدت المشاهد لم يكن له أن يزوجها إلا بإذنها. ففي غاية الفساد، لأنه تحكم لا يعضده قرآن، ولا سنة، ولا رواية ضعيفة، ولا قول أحد قبله جملة، ولا قياس، ولا رأي له وجه.

وأما إلحاق الشافعي الصغيرة الموطوءة بحرام بالثيب، فخطأ ظاهر، لأننا نسألهم إن بلغت فزنت: أبكر هي في الحد أم ثيب فمن قولهم: إنها بكر، فظهر فساد قولهم، وصح أنها في حكم البكر.

وأما من جعل للثيب والبكر إذا بلغت أن تنكح من شاءت وإن كره أبوها ومن جعل للأب أن ينكحها وإن كرهت فكلاهما خطأ بين، للأثر الثابت الذي ذكرنا آنفا من قول رسول الله ﷺ: الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها. ففرق عليه الصلاة والسلام بين الثيب والبكر فجعل للثيب أنها أحق بنفسها من وليها، فوجب بذلك أنه لا أمر للأب في إنكاحها، وأنها أحق بنفسها منه ومن غيره، وجعل البكر بخلاف ذلك، وأوجب على الأب أن يستأمرها.

فصح أنه لا بد من اجتماع الأمرين: إذنها، واستئذان أبيها، ولا يصح لها نكاح، ولا عليها إلا بهما جميعا.

وقوله تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} موجب أن لا يجوز على البالغة البكر إنكاح أبيها بغير إذنها، وقد جاءت بهذا آثار صحاح: حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا محمد بن معاوية المروزي، حدثنا أحمد بن شعيب أخبرني معاوية بن صالح، حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله: أن رجلا زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها، فأتت النبي ﷺ ففرق بينهما.

قال أبو محمد: معاوية بن صالح هذا هو الأشعري ثقة مأمون ليس هو الأندلسي الحضرمي، ذلك ضعيف، وهو قديم.

وبه إلى أحمد بن شعيب نا محمد بن داود المصيصي، حدثنا حسين بن محمد، حدثنا جرير بن حازم عن أيوب السختياني عن عكرمة، عن ابن عباس، أن جارية بكرا أتت النبي ﷺ فقالت: إن أبي زوجني وهي كارهة فرد النبي ﷺ نكاحها. حدثنا أبو عمر أحمد بن قاسم قال: حدثني أبي قاسم بن محمد بن قاسم قال: حدثني جدي قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا عمران، حدثنا دحيم، حدثنا ابن أبي ذئب عن نافع، عن ابن عمر، قال: إن رجلا زوج ابنته بكرا فكرهت فأتت النبي ﷺ فرد نكاحها. حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، حدثنا إبراهيم بن أحمد البلخي، حدثنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا معاذ بن فضالة نا هشام هو الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة حدثهم أن النبي قال: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله فكيف إذنها قال: أن تسكت.

قال أبو محمد: الآثار هاهنا كثيرة، وفيه ذكرنا كفاية، وقد جاء في رد نكاح الأب ابنته الثيب بغير إذنها حديث خنساء بنت خدام.

قال علي: وقال بعضهم: زوج النبي ﷺ بناته ولم يستأذنهن. .

فقلنا: هذا لا يعرف في شيء من الآثار أصلا، وإنما هي دعوى كاذبة، بل قد جاءت آثار مرسلة بأنه عليه الصلاة والسلام كان يستأمرهن.

وقد تقصينا في " كتاب الإيصال " ما اعترض به من لا يبالي مما أطلق به لسانه في الآثار التي أوردنا، بما لا معنى له من رواية بعض الناس لها بلفظ مخالف للفظ الذي روينا، ونحو ذلك، وكل ذلك لا معنى له، لأن اختلاف الألفاظ ليس علة في الحديث، بل إن كان روى جميعها الثقات وجب أن تستعمل كلها، ويحكم بما اقتضاه كل لفظ منها، ولا يجوز ترك بعضها لبعض، لأن الحجة قائمة بجميعها وطاعة كل ما صح عنه عليه الصلاة والسلام فرض على الجميع، ومخالفة شيء منه معصية لله عز وجل، وإن كان روى بعضها ضعيف فالأحتجاج به على ما رواه الثقات ضلال. وقد جاء مثل قولنا عن السلف :، حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا الحجاج بن المنهال، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا أيوب السختياني عن عكرمة: أن عثمان بن عفان كان إذا أراد أن ينكح إحدى بناته قعد إلى خدرها فأخبرها أن فلانا يخطبها. حدثنا حمام بن أحمد نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي، حدثنا الدبري، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن حبيب عن نافع قال: كان ابن عمر يستأمر بناته في نكاحهن.

وبه إلى عبد الرزاق، عن ابن جريج أخبرني ابن طاووس عن أبيه قال: تستأمر النساء في أبضاعهن. قال ابن طاووس: الرجال في ذلك بمنزلة البنات لا يكرهون وأشد شأنا.

وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عاصم عن الشعبي قال: يستأمر الأب البكر والثيب.

وهو قول سفيان الثوري، والأوزاعي، والحسن بن حي، وأبي حنيفة وأصحابه، وأبي سليمان، وأصحابنا وبالله تعالى التوفيق. وما نعلم لمن أجاز على البكر البالغة إنكاح أبيها لها بغير إذنها متعلقا أصلا، إلا أن قالوا: قد ثبت جواز إنكاحه لها وهي صغيرة فهي على ذلك بعد الكبر.

قال أبو محمد: وهذا لا شيء لوجهين: أحدهما أن النص فرق بين الصغير والكبير بما ذكرنا من قوله عليه الصلاة والسلام رفع القلم عن ثلاثة فذكر: الصغير حتى يكبر.

والثاني أن هذا قياس، والقياس كله فاسد، وإذ صححوا قياس البالغة على غير البالغة فليلزمهم أن يقيسوا الجد في ذلك على الأب، وسائر الأولياء على الأب أيضا، وإلا فقد تناقضوا في قياسهم، ويكفي من ذلك النصوص التي أوردنا في رد إنكاح البكر بغير إذنها وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد: وإذا بلغت المجنونة وهي ذاهبة العقل فلا إذن لها، ولا أمر، فهي على ذلك لا ينكحها الأب، ولا غيره حتى يمكن استئذانها الذي أمر به رسول الله ﷺ .