→ كتاب الجهاد (مسألة 956 - 960) | ابن حزم - المحلى كتاب الجهاد (مسألة 961 - 972) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الأضاحي ← |
كتاب الجهاد
961 - مسألة: ولا يحل السفر بالمصحف إلى أرض الحرب لا في عسكر، ولا في غير عسكر.
روينا من طريق معمر عن أيوب السختياني عن نافع، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله ﷺ أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو.
وقال مالك: إن كان عسكر مأمون فلا بأس به.
قال أبو محمد: وهذا خطأ, وقد يهزم العسكر المأمون, ولا يجوز أن يعترض أمر رسول الله ﷺ فيخص بلا نص.
962 - مسألة: ولا تحل التجارة إلى أرض الحرب إذا كانت أحكامهم تجري على التجار, ولا يحل أن يحمل إليهم سلاح, ولا خيل, ولا شيء يتقوون به على المسلمين.
وهو قول عمر بن عبد العزيز, وعطاء, وعمرو بن دينار, وغيرهم.
روينا من طريق أبي داود نا هناد بن السري نا أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله ﷺ: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين.
قال أبو محمد: من دخل إليهم لغير جهاد, أو رسالة من الأمير فإقامة ساعة إقامة, قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}, وقال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} ففرض علينا إرهابهم, ومن أعانهم بما يحمل إليهم فلم يرهبهم; بل أعانهم على الإثم والعدوان.
963 - مسألة: ولا يحل لأحد أن يأخذ مما غنم جيش, أو سرية شيئا خيطا فما فوقه وأما الطعام فكل ما أمكن حمله فحرام على المسلمين إلا ما اضطروا إلى أكله ولم يجدوا شيئا غيره.
وأما ما يقدر على حمله فجائز إفساده وأكله, وإن لم يضطروا إليه.
وإنما هذا فيما ملكوه, وأما ما لم يملكوه من صيد, أو حجر, أو عود شعر, أو ثمار, أو غير ذلك, فهو كله مباح كما هو في أرض الإسلام، ولا فرق, قال عز وجل: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}.
روينا من طريق مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة، أنه قال: أهدي إلى رسول الله ﷺ عبد أسود يقال له: مدعم, حتى إذا كانوا بوادي القرى فبينا مدعم يحط رحل رسول الله ﷺ إذ جاءه سهم عائر فأصابه فقتله; فقال الناس: هنيئا له الجنة, فقال رسول الله ﷺ كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا; فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك, أو شراكين إلى رسول الله ﷺ فقال له عليه السلام: شراك, أو شراكان من نار والطعام من جملة أموالهم.
فإن ذكر ذاكر ما رويناه من طريق ابن عمر غنم جيش في زمان رسول الله ﷺ طعاما وعسلا فلم يؤخذ منهم الخمس فهذا عليهم; لأنهم يقولون: إن كثر ذلك وأمكن حمله خمس، ولا بد, وأما نحن فإن الآية زائدة على ما في هذا الخبر, وهي قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى}.
وحديث الغلول زائد عليه, فيخرج هذا الخبر على أنه كان قبل نزول الخمس لا يجوز إلا هذا; لأن الأخذ بالزائد فرض لا يحل تركه, ونحن على يقين من أن الآية, وحديث الغلول غير منسوخين مذ نزلا.
فإن ذكروا أيضا حديث ابن عمر " كنا نصيب في مغازينا العنب والعسل فنأكله، ولا نرفعه " فهذا بين وهو أنه كان لا يمكن حمله; إذ لم يرفعوه فأكله خير من إفساده, أو تركه, وهكذا نقول.
فإن ذكروا حديث ابن مغفل في جراب الشحم, فلا حجة لهم فيه لأنهم أول مخالف له فيقولون: لا يحل أخذ الجراب وإنما يحل عند بعضهم الشحم فقط.
وهذا خبر قد رويناه بزيادة بيان, كما روينا من طريق محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن زهير بن حرب نا عفان بن مسلم, ومسلم بن إبراهيم قالا: نا شعبة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مغفل قال: كنا محاصري خيبر فدلي إلينا جراب فيه شحم فأردت أن آخذه ونوينا أن لا نعطي أحدا منه شيئا فالتفت فإذا رسول الله ﷺ خلفي يبتسم, فاستحييت أن آخذه.
ثم لو صح أنه أخذه لكان على ما ذكرنا من الحاجة إليه.
يبين ذلك ما رويناه من طريق البخاري نا علي بن الحكم الأنصاري نا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده قال: كنا مع رسول الله ﷺ بذي الحليفة فأصاب الناس جوع فأصابوا إبلا وغنما والنبي ﷺ في أخريات الناس فعجلوا فذبحوا ونصبوا القدور فأمر النبي ﷺ بالقدور فأكفئت, ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير فلم يبح لهم أكل شيء إذ قد كانت القسمة قد حضرت فيصل كل ذي حق إلى حقه وبالله تعالى التوفيق.
964 - مسألة: وكل من دخل من المسلمين فغنم في أرض الحرب سواء كان وحده أو في أكثر من واحد بإذن الإمام وبغير إذنه فكل ذلك سواء, والخمس فيما أصيب, والباقي لمن غنمه; لقول الله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه}, وقوله تعالى: {فكلوا مما غنمتم}.
وقال أبو حنيفة: لا خمس إلا فيما أصابته جماعة.
قال أبو يوسف: تسعة فأكثر وهذه أقوال في غاية الفساد لمخالفتها القرآن, والسنن, والمعقول, وقد قال تعالى: {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} فلم يخص بأمر الإمام، ولا بغير أمره ولو أن إماما نهى عن قتال أهل الحرب لوجبت معصيته في ذلك, لأنه أمر بمعصية فلا سمع، ولا طاعة له.
وقال تعالى: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك} وهذا خطاب متوجه إلى كل مسلم, فكل أحد مأمور بالجهاد وإن لم يكن معه أحد, وقال تعالى: {انفروا خفافا وثقالا}, وقال تعالى: {فانفروا ثبات أو انفروا جميعا}.
965 - مسألة: ونستحب الخروج للسفر يوم الخميس.
روينا من طريق البخاري نا عبد الله بن محمد نا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله ﷺ كان يحب أن يخرج يوم الخميس.
966 - مسألة: ومن قدم من سفر نهارا فلا يدخل إلا ليلا, ومن قدم ليلا فلا يدخل إلا نهارا إلا لعذر.
روينا من طريق شعبة عن يسار عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: إذا قدم أحدكم ليلا فلا يأتين أهله طروقا حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة.
ومن طريق هشيم عن يسار عن الشعبي عن جابر قدمنا مع رسول الله ﷺ المدينة فذهبنا لندخل فقال عليه السلام: أمهلوا حتى ندخل ليلا كي تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة.
967 - مسألة: ولا يجوز أن تقلد الإبل في أعناقها شيئا, ولا أن يستعمل الجرس في الرفاق.
روينا من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري أخبره أنه كان مع رسول الله ﷺ في سفر فأرسل عليه السلام رسولا: لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر, أو قلادة إلا قطعت ومن طريق أبي داود نا أحمد بن يونس نا زهير، هو ابن معاوية نا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب, أو جرس.
وصح النهي عن الجرس عن عائشة, وأم سلمة أمي المؤمنين وأبي هريرة، ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ولم يصح في النهي عن تقليد أعناق الخيل وغيرها أثر0
968- مسألة: وجائز تحلية السيوف, والدواة, والرمح, والمهاميز, والسرج, واللجام, وغير ذلك بالفضة والجوهر، ولا شيء من الذهب في شيء من ذلك, قال عز وجل: {ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها} فأباح لنا لباس اللؤلؤ, وقال تعالى: {خلق لكم ما في الأرض جميعا}.
وقال تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}, فكل شيء فهو حلال إلا ما فصل لنا تحريمه ولم يفصل تحريم الفضة أصلا إلا في الآنية فقط.
روينا من طريق أبي داود نا مسلم بن إبراهيم نا جرير بن حازم نا قتادة عن أنس قال: كانت قبيعة سيف رسول الله ﷺ فضة.
قال أبو محمد: فقاس قوم على السيف والخاتم المصحف والمنطقة ومنعوا من سائر ذلك; فلا القياس طردوا، ولا النصوص اتبعوا.
والعجب كل العجب من تحريمهم التحلي بالفضة في السرج واللجام، ولا نهي في ذلك وإباحتهم لباس الحرير في الحرب, وقد صح تحريمه جملة.
969 - مسألة: والرباط في الثغور حسن, ولا يحل الرباط إلى ما ليس ثغرا كان فيما مضى ثغرا أو لم يكن وهو بدعة عظيمة.
روينا من طريق مسلم نا عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي نا أبو الوليد الطيالسي نا ليث، هو ابن سعد عن أيوب بن موسى عن مكحول عن شرحبيل بن السمط عن سلمان الفارسي سمعت: رسول الله ﷺ يقول: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه, وإن من مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله, وأجري عليه رزقه, وأمن من الفتان.
قال أبو محمد: وكل موضع سوى مدينة رسول الله ﷺ فقد كان ثغرا ودار حرب, ومغزى جهاد; فتخصيص مكان من الأرض كلها بالقصد لأن العدو ضرب فيه دون سائر الأرض كلها ضلال, وحمق, وإثم, وفتنة, وبدعة.
فإن كان لمسجد فيه فهذا أشد في الضلال لنهي النبي ﷺ عن السفر إلى شيء من المساجد حاشا مسجد مكة, ومسجده بالمدينة, ومسجد بيت المقدس.
فإن كان ساحل بحر فساحل البحر كله من شرق الأرض إلى غربها سواء, ولا فرق بين ساحل بحر وساحل نهر في الدين, ولا فضل لشيء من ذلك.
فإن كان أثر نبي من الأنبياء فالقصد إليه حسن, قد تبرك أصحاب النبي ﷺ بموضع مصلاه واستدعوه ليصلي في بيوتهم في موضع يتخذونه مصلى فأجاب إلى ذلك عليه السلام
970 - مسألة: وتعليم الرمي على القوس والإكثار منه فضل حسن سواء العربية والعجمية.
روينا من طريق مسلم نا هارون بن معروف نا ابن وهب نا عمرو بن الحارث عن أبي علي ثمامة بن شفي عن عقبة بن عامر يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بسهمه.
ومن طريق الليث عن الحارث بن يعقوب عن عبد الرحمن بن شماسة قال عقبة بن عامر " إن رسول الله ﷺ قال: من علم الرمي, ثم تركه فليس منا أو قد عصى.
971 - مسألة: والمسابقة بالخيل, والبغال, والحمير, وعلى الأقدام: حسن, والمناضلة بالرماح, والنبل, والسيوف: حسن.
روينا من طريق أبي داود نا أبو صالح محبوب بن موسى الأنطاكي أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت مع النبي ﷺ في سفر قالت سابقت رسول الله ﷺ فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني, فقال: هذه بتلك السبقة.
ومن طريق أبي داود نا أحمد بن يونس نا ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع هو مولى أبي أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا سبق إلا في حافر, أو خف, أو نصل.
قال أبو محمد: الخف اسم يقع على الإبل في اللغة العربية.
والحافر في اللغة لا يقع إلا على الخيل, والبغال, والحمير.
والنصل لا يقع إلا على السيف, والرمح, والنبل.
والسبق هو ما يعطاه السابق.
972 - مسألة: والسبق هو أن يخرج الأمير, أو غيره مالا يجعله لمن سبق في أحد هذه الوجوه, فهذا حسن.
ويخرج أحد المتسابقين فيما ذكرنا مالا فيقول لصاحبه: إن سبقتني فهو لك, وإن سبقتك فلا شيء لك علي, ولا شيء لي عليك, فهذا حسن.
فهذان الوجهان يجوزان في كل ما ذكرنا، ولا يجوز إعطاء مال في سبق غير هذا أصلا للخبر الذي ذكرنا آنفا.
فإن أراد أن يخرج كل واحد منهما مالا يكون للسابق منهما لم يحل ذلك أصلا إلا في الخيل فقط.
ثم لا يجوز ذلك في الخيل أيضا إلا بأن يدخلا معها فارسا على فرس يمكن أن يسبقهما, ويمكن أن لا يسبقهما, ولا يخرج هذا الفارس مالا أصلا فأي المخرجين للمال سبق أمسك ماله نفسه وأخذ ما أخرج صاحبه حلالا, وإن سبقهما الفارس الذي أدخلا وهو يسمى المحلل أخذ المالين جميعا فإن سبق فلا شيء عليه وما عدا هذا فحرام.
ولا يجوز أن يشترط على السابق إطعام من حضر.
روينا من طريق أبي داود نا مسدد نا الحصين بن نمير نا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: من أدخل فرسا بين فرسين يعني وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار, ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار.
قال أبو محمد: ما عدا هذا فهو أكل مال بالباطل وبالله تعالى التوفيق.