→ كتاب الجهاد (مسألة 941 - 944) | ابن حزم - المحلى كتاب الجهاد (مسألة 945 - 950) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الجهاد (مسألة 951 - 955) ← |
كتاب الجهاد
945 - مسألة : وأي الأبوين الكافرين أسلم ؟ فكل من لم يبلغ من أولادهما مسلم بإسلام من أسلم منهما - الأم أسلمت أو الأب - وهو قول عثمان البتي ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، والحسن بن حي ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم كلهم . وقال مالك ، وأبو سليمان : لا يكونون مسلمين إلا بإسلام الأب ، لا بإسلام الأم . وقال بعض فقهاء المدينة : لا يكونون مسلمين إلا بإسلام الأم ، وأما بإسلام الأب فلا ؛ لأنهم تبع للأم في الحرية ، والرق لا للأب . قال أبو محمد : ما نعلم لمن جعلهم بإسلام الأب خاصة مسلمين حجة أصلا ، ونسألهم عن قولهم في ابن المسلمة من زنا استكراه فمن قولهم : إنه مسلم بإسلامها وهذا ترك منهم لقولهم ، ووافقونا أنه إن أسلم الأبوان ، أو أحدهما ، ولهما بنون وبنات قد بلغوا مبلغ الرجال والنساء فإنهم على دينهم لا يجبرون على الإسلام - وبه نقول لقول الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } والبالغ مخاطب قد لزمه حكم الكفر أو الذمة ، وليس غير البالغ مخاطبا كما قدمنا قال مالك : نعم ، ولو كان الولد حزورا قد قارب البلوغ ولم يبلغ فهو على دينه . قال أبو محمد : وهذا خطأ فاحش ؛ لأنه ليس بالغا ، وما لم يكن بالغا فحكمه حكم من لم يبلغ لا من بلغ - وبالله تعالى التوفيق . وأما من قاس الدين على الحرية والرق فالقياس كله باطل قال الله تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } . فصح أنه لا يجوز تبديل دين الإسلام لأحد ولا يترك أحد يبدله إلا من أمر الله تعالى بتركه على تبديله فقط ، وقال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } ، فصح أنه لا يجوز أن يقبل في الدنيا ولا في الآخرة دين من أحد غير دين الإسلام إلا من أمر الله تعالى بأن يقبل منه ويقر عليه . ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { ما من مولود يولد إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه } فصح أنه لا يكون أحد إلا على الإسلام حتى يعبر عن نفسه ؛ فمن أذن الله تعالى في إقراره على مفارقة الإسلام الذي ولد عليه أقررناه ، ومن لا لم نقره على غير الإسلام . ومن طريق مسلم نا حاجب بن الوليد نا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { ما من مولود إلا يولد على الفطرة أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء } . قال أبو محمد : فصح أنه لا يترك أحد على مخالفة الإسلام إلا من اتفق أبواه على تهويده ، أو تنصيره ، أو تمجيسه فقط ، فإذا أسلم أحدهما فلم يمجسه أبواه ، ولا نصراه ، ولا هوداه فهو باق على ما ولد عليه من الإسلام ولا بد بنص القرآن والسنة . وقد وهل قوم في هذه الآية وهذه الأخبار وهي بينة وهي العهد الذي أخذه الله تعالى على الأنفس حين خلقها كما قال تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } وقد اختلف قول عطاء في هذا . فمرة قال كقولنا : إنه مسلم بإسلام أي أبويه أسلم . ومرة قال : هم مسلمون بإسلام أمهم لا بإسلام أبيهم . ومرة قال : أيهما أسلم ورثا جميعا من مات من صغار ولدهما وورثهما صغار ولدهما . روينا هذه الأقوال كلها عن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عنه - روينا عن شعبة عن الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان أنهما قالا جميعا في الصغير يكون أحد أبويه مسلما فيموت : إنه يرثه المسلم ويصلى عليه . ومن طريق معمر عن عمرو والمغيرة قال عمرو : عن الحسن ، وقال المغيرة : عن إبراهيم النخعي قالا جميعا في نصرانيين بينهما ولد صغار فأسلم أحدهما : إن أولاهما بهم المسلم يرثهم ويرثونه . وقال الأوزاعي : إن أسلم جد الصغير ، أو عمه فهو مسلم بإسلام أيهما أسلم ، وقال سليمان بن موسى : الأمر فيما مضى في أولينا الذي يعمل به ولا يشك فيه ونحن عليه الآن أن النصرانيين بينها ولد صغار فأسلمت الأم ورثته كتاب الله تعالى وما بقي فللمسلمين ، فإن كان أبواه نصرانيين وهو صغير وله أخ من أم مسلم ، أو أخت مسلمة ورثه أخوه ، أو أخته كتاب الله ، ثم كان ما بقي للمسلمين . روينا هذا عنه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج : أنه سمع سليمان بن موسى يقول هذا لعطاء ، وسليمان فقيه أهل الشام أدرك التابعين الأكابر . ولسنا نراه مسلما بإسلام جد ، ولا عم ، ولا أخ ، ولا أخت ، إذا اجتمع أبواه على تهويده ، أو تنصيره ، أو تمجيسه كما قال رسول الله ﷺ
946 - مسألة : وولد الكافرة الذمية ، أو الحربية من زنا ، أو إكراه مسلم ، ولا بد ؛ لأنه ولد على ملة الإسلام كما ذكرنا ولا أبوين له يخرجانه من الإسلام فهو مسلم - وبالله تعالى التوفيق .
947 - مسألة : ومن سبي من صغار أهل الحرب فسواء سبي مع أبويه أو مع أحدهما ، أو دونهما هو مسلم ، ولا بد ؛ لأن حكم أبويه قد زال عن النظر له ، وصار سيده أملك به ، فبطل إخراجهما له عن الإسلام الذي ولد عليه . روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنا خلاد قال : أخبرني عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب كان لا يدع يهوديا ، ولا نصرانيا يهود ولده ، ولا ينصره في ملك العرب - وهذا نص قولنا ، ولا نعلم له مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك . وهو قول سفيان الثوري ، والأوزاعي ، والمزني - بالله تعالى التوفيق .
948 - مسألة : ومن وجد كنزا من دفن كافر غير ذمي - جاهليا كان الدافن ، أو غير جاهلي - فأربعة أخماسه له حلال ، ويقسم الخمس حيث يقسم خمس الغنيمة ، ولا يعطي للسلطان من كل ذلك شيئا إلا إن كان إمام عدل فيعطيه الخمس فقط ، وسواء وجده في فلاة في أرض العرب ، أو في أرض خراج ، أو أرض عنوة ، أو أرض صلح ؛ أو في داره ، أو في دار مسلم ، أو في دار ذمي ، أو حيث ما وجده حكمه سواء كما ذكرنا ، وسواء وجده حر ، أو عبد ، أو امرأة ، قال الله عز وجل : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } الآية ، وقال تعالى : { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } ، ومال الكافر غير الذمي غنيمة لمن وجده . وروينا من طريق مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة " أن رسول الله ﷺ قال : { وفي الركاز الخمس } ومن حديث رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان نا شعبة حدثني إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها " أن رجلا قال لها : أصبت كنزا فرفعته إلى السلطان فقالت عائشة : بفيك الكثكث " الكثكث التراب وقولنا هذا هو قول أبي سليمان ، ولا يكون وجوده في أرض ممتلكة لمسلم ، أو ذمي موجبا لملك صاحب الأرض له لأنه غير الأرض ، فلا يكون ملك الأرض ملكا لما فيها من غيرها من صيد ، أو لقطة ، أو دفينة ، أو غير ذلك . وقال الشافعي كقولنا ، إلا أنه قال : إن ادعى صاحب الأرض التي وجد فيها أنه قد وجده ثم أقره فهو له - وهذا ليس بشيء لأنها دعوى لا بينة له عليها فهو لمن وجده ؛ لأنه في يده وهو غانمه إلا أن يوجد أثر استخراجه ، ثم رده فيكون حينئذ قول صاحب الأرض حقا ، وأما إذا وجد كما وضع أول مرة فكذب مدعيه ظاهر بلا شك . وقال مالك : لا يكون لواجده إلا أن يجده في صحارى أرض العرب فهو له بعد الخمس ، فإن وجده في أرض عنوة فهو كله لبقايا مفتتحي تلك البلاد ، وفيه الخمس ؛ فإن وجده في أرض صلح فهو كله لأهل الصلح ، ولا خمس فيه . وهذا خطأ ظاهر من وجوه : أولها : أنه أسقط الخمس عما وجد من ذلك في أرض صلح ، وهذا خلاف قول رسول الله ﷺ : { وفي الركاز الخمس } فعم عليه السلام ولم يخص أرض صلح من غيرها . وثانيها : أنهم إنما صالحوا على ما يملكونه مما بأيديهم لا على ما لا يملكونه ولا هو بأيديهم ولا يعرفونه . وثالثها : أنهم لو ملكوا كل ركاز في الأرض التي صالحوا عليها لوجب أن تملكه أيضا العرب الذين أسلموا على بلادهم فيكون ما وجد فيها من ركاز للذين أسلموا على تلك الأرض - وهذا خلاف قولهم . وأما قوله : فيما وجد في أرض العنوة أنه لورثة المفتتحين . فخطأ لأن المفتتحين للأرض إنما يملكون ما غنموا ، لا ما لم يغنموا ، والركاز مما لم يغنموا ، ولا حصلوا عليه ، ولا أخذوه ؛ فلا حق لهم فيه . والعجب كله أنهم لا يجعلون الأرض حقا للمفتتحين أرض العنوة وهم غنموها ثم يجعلون الركاز الذي فيها حقا لهم وهم لم يغنموه . وقال الحنفيون : هو لواجده وعليه فيه الخمس ، وله أن يأخذ الخمس إن كان محتاجا إلا أن يجده في دار اختطها مسلم ، أو في دار الحرب ، فإنه إن وجده في دار اختطها مسلم فهو لصاحب الخطة وفيه الخمس ؛ وإن وجده في دار حربي وقد دخلها بأمان فهو كله للحربي ، وإن وجده في صحراء في دار الحرب فهو كله لواجده ولا خمس عليه فيه . وهذا تقسيم في غاية الفساد ، وخلاف لأمر رسول الله ﷺ بأن في الركاز الخمس - فعم عليه السلام ولم يخص ؛ ولا يعرف هذا التقسيم عن أحد قبل أبي حنيفة ، وهو مع ذلك قول بلا برهان ، وفيه عن السلف آثار . منها : ما رويناه من طريق ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي : أن عليا أتاه رجل بألف وخمسمائة درهم وجدها في خربة بالسواد ، فقال علي : إن كنت وجدتها في قرية خربة تحمل خراجها قرية عامرة فهي لهم ، وإن كانت لا تحمل خراجها فلك أربعة أخماسه ولنا خمسه ، وسأطيبه لك جميعا . وهذا خلاف قول الحنفيين ، والمالكيين ، لأن السواد أخذ عنوة لا صلحا ، وكان في أيام علي دار إسلام ، وقبل ذلك بدهر ، وشيء رويناه من طريق قتادة : أن أبا موسى وجد دانيال بالسوس إذ فتحها ومعه مال إلى جنبه ، كانوا يستقرضون منه ما احتاجوا إلى أجل مسمى ، فإذا جاء ذلك الأجل ولم يرده المستقرض برص فكتب إلى عمر بذلك . فكتب إليه عمر : كفنه ، وحنطه ، وصل عليه ، وادفنه كما دفنت الأنبياء واجعل المال في بيت مال المسلمين ، وهذا صحيح ، لأنه لم يكن ركازا ، إنما كان معلوما ظاهرا ، ولم يكن من أموال الكفار فيخمس ويغنم ؛ بل كان مال نبي فهو للمسلمين في مصالحهم . ومنها : خبر عن عمر من طريق سماك بن حرب عن جرير بن رياح عن أبيه : أنهم أصابوا قبرا بالمدائن ، وفيه ميت عليه ثياب منسوجة بالذهب ، ومعه مال ؟ فكتب فيه عمار بن ياسر إلى عمر ؟ فكتب إليه عمر أعطهم إياه ولا تنزعه منهم - وهذا قولنا لا قولهم ، إلا أنه ليس فيه ذكر خمس ؛ ولا بد من الخمس عندنا وعندهم . وخبر من طريق هشيم عن مجالد عن الشعبي : أن رجلا وجد ألف دينار مدفونة خارج المدينة ، فأتى بها عمر ، فأخذ خمسها مائتي دينار ودفع إليه الباقي ؛ ثم جعل عمر يقسم المائتين بين من حضر من المسلمين إلى أن فضل منها فضلة فدفعها إلى واجدها - وهذا قولنا ، إلا في صفة قسمته الخمس . ومن طريق ابن جريج : أن عمرو بن شعيب أخبره أن عبدا وجد ركزة على عهد عمر فأعتقه منها ، وأعطاه منها ، وجعل سائرها في بيت المال - وهم لا يقولون بهذا ، وسواء عندنا وجد الركاز حر ، أو عبد ، الحكم [ عندنا ] واحد على ما قدمنا . وروينا خبرين : أحدهما - من طريق الزمعي عن عمته قريبة بنت عبد الله بن وهب عن أمها كريمة بنت المقداد بن الأسود عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب : { أن المقداد خرج إلى حاجته ببقيع الخبخبة فإذا جرذ يخرج من جحر دينارا بعد دينار ، ثم أخرج خرقة حمراء فكانت ثمانية عشر دينارا فأخذها وحملها إلى النبي ﷺ فقال له رسول الله ﷺ : هل أهويت الجحر ؟ قال : لا ، قال له رسول الله ﷺ : بارك الله لك فيها } وهذا خبر ليس موافقا لقول أحد ممن ذكرنا وإسناده مظلم ، الزمعي عن عمته قريبة وهي مجهولة ؛ ولعل تلك الدنانير من دفن مسلم مجهول ميئوس عن معرفته فهي لمن وجدها عندنا كلها . وخبر آخر : من طريق يحيى بن معين عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن أبي بجير { عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان مع رسول الله ﷺ في خروجه إلى الطائف فمروا بقبر فقال رسول الله ﷺ : هذا قبر أبي رغال وكان بهذا الحرم يدفع عنه ، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه ، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه وجدتموه ، فابتدره الناس فوجدوا الغصن } وهذا لا يصح ، لأنه عن يحيى بن أبي بجير وهو مجهول ؛ ثم لا حجة فيه لقول أحد ممن ذكرنا ؛ وإنما فيه نبش قبور المشركين فقط وبالله تعالى التوفيق .
949 - مسألة : ويقسم خمس الركاز وخمس الغنيمة على خمسة أسهم : فسهم يضعه الإمام حيث يرى من كل ما فيه صلاح وبر للمسلمين . وسهم ثان لبني هاشم ، والمطلب بني عبد مناف ، غنيهم وفقيرهم ، وذكرهم وأنثاهم ، وصغيرهم وكبيرهم ، وصالحهم وطالحهم فيه سواء - ولا حظ فيه لمواليهم ، ولا لحلفائهم ، ولا لبني بناتهم [ من غيرهم ] ولا لأحد من خلق الله تعالى سواهم ، ولا لكافر منهم . وسهم ثالث لليتامى من المسلمين كذلك أيضا . وسهم رابع للمساكين من المسلمين . وسهم خامس لابن السبيل من المسلمين . وقد فسرنا المساكين ، وابن السبيل في كتاب الزكاة فأغنى عن إعادة ذلك واليتامى هم الذين قد مات آباؤهم فقط ؛ فإذا بلغوا فقد سقط عنهم اسم اليتم وخرجوا من السهم . برهان ذلك قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } ، ولقوله تعالى : { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } ، فلا يسع أحدا الخروج عن قسمة الله تعالى التي نص عليها : ومن طريق أبي داود نا مسدد نا هشيم عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : أخبرني { جبير بن مطعم قال لما كان يوم خيبر وضع رسول الله ﷺ سهم ذي القربى في بني هاشم ، وبني المطلب ، وترك : بني نوفل ، وبني عبد شمس ، قال : فانطلقت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله ﷺ فقلنا : يا رسول الله ﷺ بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم ، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا ، وقرابتنا واحدة ؟ فقال رسول الله ﷺ إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام ، وإنما نحن وهم شيء واحد - وشبك بين أصابعه } وهذا بين جلي وإسناد في غاية الصحة . نا أحمد بن محمد الطلمنكي نا محمد بن أحمد بن فرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس العبقسي المكي نا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري نا إسحاق بن راهويه نا وهب بن جرير بن حازم نا أبي قال : سمعت محمد بن إسحاق يقول : حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي عليه السلام مثل الحديث الذي ذكرنا ، وفيه " قال : { فقسم رسول الله ﷺ بينهم خمس الخمس من القمح والتمر والنوى } . وهذا أيضا إسناد في غاية الصحة والبيان ، وهو يبين أن سهم الله تعالى ، وسهم رسوله واحد ، وهو خمس الخمس . نا يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الوارث بن سفيان بن جبرون نا قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير بن حرب نا أبي نا روح بن عبادة نا علي بن سويد بن منجوف نا عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبيه { أن رسول الله ﷺ بعث عليا إلى خالد ليقسم الخمس فاصطفى علي منها سبية فأصبح يقطر رأسه ، فقال خالد لبريدة : ألا ترى ما صنع هذا الرجل ؟ قال بريدة : وكنت أبغض عليا ، فأتيت نبي الله ﷺ فلما أخبرته ، قال : أتبغض عليا ؟ قلت : نعم ، قال : فأحبه ، فإن له في الخمس أكثر من ذلك } . وهذا إسناد في غاية الصحة ، وفي غاية البيان في أن نصيب كل امرئ من ذوي القربى محدود معروف القدر . ومن طريق أبي داود نا عبيد الله بن عمر بن ميسرة نا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن زيد عن الزهري ( قال ) أخبرني سعيد بن المسيب أخبرني { جبير بن مطعم أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله ﷺ فيما قسم من الخمس بين بني هاشم ، وبني المطلب فقلت يا رسول الله قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئا ، وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة ؟ فقال النبي ﷺ : إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ، قال جبير : ولم يقسم لبني عبد شمس ، ولا لبني نوفل من ذلك الخمس كما قسم لبني هاشم وبني المطلب } ، قال : وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله ﷺ غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله ﷺ ما كان النبي ﷺ يعطيهم . وكان عمر بن الخطاب يعطيهم منه ، وعثمان بعده " . فهذا إسناد في غاية الصحة والبيان ، وإنما كان الذي لم يعطهم أبو بكر كما كان النبي ﷺ يعطيهم ، فهو ما كان عليه السلام يعود به عليهم من سهمه ، وكانت حاجة المسلمين أيام أبي بكر أشد ، وأما أن يمنعهم الحق المفروض الذي سماه الله ورسوله ﷺ لهم فيعيذ الله تعالى أبا بكر رضي الله عنه من ذلك . ومن طريق أبي داود نا عباس بن عبد العظيم العنبري نا يحيى أبي بكير نا أبو جعفر هو عبد الله بن عبد الله الرازي قاضي الري عن مطرف هو ابن طريف - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : " سمعت { عليا يقول : ولاني رسول الله ﷺ خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة رسول الله ﷺ وحياة أبي بكر وحياة عمر ، فأتى بمال فدعاني فقال : خذه فقلت : لا أريده ، قال : خذه فأنتم أحق به ، قلت : قد استغنينا عنه ، فجعله في بيت المال } . أبو جعفر الرازي ثقة روى عنه عبد الرحمن بن مهدي وغيره . ومن طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن يزيد بن هرمز قال : إن ابن عباس أمره أن يكتب إلى نجدة : وكتبت تسألني عن ذوي القربى من هم ؛ وإنا زعمنا أنا هم ، فأبى ذلك علينا قومنا . فهذه الأخبار الصحاح البينة ولا يعارضها ما لا يصح ، أو ما موه به فيما ليس فيه منه شيء ، وقولنا في هذا هو قول أبي العالية - وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أيضا . وروينا من طريق عبد بن حميد نا أبو نعيم عن زهير عن الحسن بن الحر نا الحكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال : خمس الخمس سهم الله تعالى ، وسهم رسوله ﷺ ومن طريق عبد بن حميد أيضا أخبرنا عمرو بن عون عن هشيم عن المغيرة عن إبراهيم النخعي { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين } ، قال : كل شيء لله تعالى ، وخمس الله تعالى ورسوله ﷺ واحد ، ويقسم ما سوى ذلك على أربعة أسهم . ومن طريق عبد بن حميد : أخبرنا عبد الله هو ابن عبد المجيد الثقفي - عن سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن قتادة قال : تقسم الغنائم خمسة أخماس ، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها ، ثم يقسم الباقي على خمسة أخماس ، فخمس منها لله تعالى وللرسول ، وخمس لقرابة الرسول ﷺ وخمس لليتامى ، وخمس لابن السبيل ، وخمس للمساكين . قال أبو محمد : وهو قول الأوزاعي ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأبي ثور ، وإسحاق ، وأبي سليمان ، والنسائي ، وجمهور أصحاب الحديث ، وآخر قولي أبي يوسف القاضي الذي رجع إليه . إلا أن الشافعي قال : للذكر من ذوي القربي مثل حظ الأنثيين - وهذا خطأ ؛ لأنه لم يأت به نص أصلا وليس ميراثا فيقسم كذلك ، وإنما هي عطية من الله تعالى ، فهم فيها سواء . وقال مالك : يجعل الخمس كله في بيت المال ، ويعطى أقرباء رسول الله ﷺ على ما يرى الإمام ليس في ذلك حد محدود . قال أصبغ بن فرج : أقرباؤه عليه السلام هم جميع قريش . وقال أبو حنيفة : يقسم الخمس على ثلاثة أسهم : الفقراء ، والمساكين ، وابن السبيل . قال علي : هذه أقوال في غاية الفساد ، لأنها خلاف القرآن نصا ، وخلاف السنن الثابتة ، ولا يعرف قول أبي حنيفة عن أحد من أهل الإسلام قبله ، وقد تقصينا كل ما شغبوا به في كتاب الإيصال ، وجماع كل ذلك لكل من تأمله أنهم إنما احتجوا بأحاديث موضوعة من رواية الزبيري ، ونظرائه ، أو مرسلة ، أو صحاح ليس فيها دليل على ما ادعوه أصلا ، أو قول عن صاحب قد خالفه غيره منهم ولا مزيد - وبالله تعالى التوفيق .
950 - مسألة : وتقسم الأربعة الأخماس الباقية بعد الخمس على من حضر الوقعة ، أو الغنيمة ، لصاحب الفرس ثلاثة أسهم : له سهم ، ولفرسه سهمان ، وللراجل ، وراكب البغل ، والحمار ، والجمل : سهم واحد فقط . وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي سليمان . وقال أبو حنيفة : للفارس سهمان : له سهم ، ولفرسه سهم ، ولسائر من ذكرنا سهم - وهو قول أبي موسى الأشعري . وقال أحمد : للفارس ثلاثة أسهم ، ولراكب البعير سهمان ، ولغيرهما سهم . قال أبو محمد : أما قول أحمد فما نعلم له حجة . وأما قول أبي حنيفة فإنهم احتجوا له بآثار ضعيفة . منها : من طريق مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري عن أبيه عن عمه عبد الرحمن بن يزيد عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري - وكان أحد القراء { أن رسول الله ﷺ أعطى للفارس سهمين ، والراجل سهما } . مجمع مجهول وأبوه كذلك . ومن طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله ﷺ جعل للفارس سهمين ، وللراجل سهما } . عبد الله بن عمر الذي يروي عن نافع في غاية الضعف . وعن شيخ من أهل الشام عن مكحول مثل ذلك . وهذه فضيحة مجهول ، ومرسل . واحتج أبو حنيفة بأن قال : لا أفضل بهيمة على إنسان ؛ فيقال له : وتساوي بينهما إن هذا لعجب ؛ فإذا جازت المساواة فما منع التفضيل ؟ ثم هو يسهم للفرس وإن لم يقاتل عليه ، ولا يسهم للمسلم التاجر ، ولا الأجير إلا أن يقاتلا ؛ فقد فضل بهيمة على إنسان ، ثم هو يقول في إنسان قتل كلبا لمسلم ، وعبدا مسلما فاضلا ، وخنزيرا لذمي : - قيمة كل واحد منهم عشرون ألف درهم ، فإنه يؤدي في الكلب عشرين ألف درهم ، وفي الخنزير ذلك ، ولا يعطي في العبد المسلم إلا عشرة آلاف درهم غير عشرة دراهم ، فاعجبوا لهذا الرأي الساقط واحمدوا الله تعالى على السلامة ، فقد فضل البهيمة على الإنسان . قالوا : قد صح الإجماع على السهمين ؟ فقلنا لهم : إن كنتم لا تقولون بما صح عن النبي ﷺ كلمناكم في ذلك فكيف ودعواكم الإجماع هاهنا كذب ؟ وما ندري لعل فيمن أخطأ كخطئكم ، ثم من يقول : لا يفضل فارس على راجل ، كما لا يفضل راكب البغل على الراجل ، وكما لا يفضل الشجاع البطل المبلي ، على الجبان الضعيف المريض . ثم لو طردتم أصلكم هذا لوجب أن تسقطوا الزكاة عن كل ما أوجبتموها فيه من العسل وغير ذلك ، ولبطل قولكم في دية الكافر لأنه لم يجمع على شيء من ذلك ، وهذا يهدم عليكم أكثر مذاهبكم . ورووا : أن أول من جعل للفرس سهمين عمر بن الخطاب ، من طريق ليث عن الحكم - وهذا منقطع ، وهم يرون حكم عمر في حد الخمر ثمانين سنة ، فهذا ينبغي أن يجعلوه سنة أيضا . وروينا من طريق البخاري نا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : { جعل رسول الله ﷺ للفرس سهمين ، ولصاحبه سهما } . ومن طريق البخاري نا الحسن بن إسحاق نا محمد بن سابق نا زائدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال { قسم رسول الله ﷺ للفرس سهمين وللراجل سهما يوم خيبر } . فهذا هو الذي لا يجوز خلافه لصحته ، ولأنه لو صحت تلك الأخبار لكان هذا زائدا عليها ، وزيادة العدل لا يجوز ردها . وهو قول سعد بن أبي وقاص ، والحسن ، وابن سيرين ، ذكر ذلك عن الصحابة - وبه يقول عمر بن عبد العزيز [ وبالله تعالى التوفيق ] .