→ كتاب الجهاد (مسألة 945 - 950) | ابن حزم - المحلى كتاب الجهاد (مسألة 951 - 955) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الجهاد (مسألة 956 - 960) ← |
كتاب الجهاد
951 - مسألة : ومن حضر بخيل لم يسهم له إلا ثلاثة أسهم فقط ، وقد قال قوم : يسهم لفرسين فقط . وقال آخرون : يسهم لكل فرس منها - وهذا لا يقوم به برهان . فإن قيل : قد روي : أن النبي ﷺ أسهم للزبير لفرسين ؟ قلنا : هذا مرسل لا يصح ، وأصح حديث فيه هو الذي رويناه من طريق ابن وهب عن سعيد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن جده قال { ضرب رسول الله ﷺ عام خيبر للزبير بأربعة أسهم : سهم للزبير ، وسهم القربى لصفية بنت عبد المطلب ، وسهمين للفرس } .
952 - مسألة : ويسهم للأجير ، وللتاجر ، وللعبد ، وللحر ، والمريض ، والصحيح سواء سواء كلهم ؛ لقول الله تعالى : { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } وللأثر الذي أوردنا آنفا من أنه عليه السلام { قسم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما } ، ولم يخص عليه السلام حرا من عبد ، ولا أجيرا من غيره ، ولا تاجرا من سواه ، فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك بالظن الكاذب . فإن احتجوا بقول ابن عباس في كتابه إلى نجدة تسألني عن العبد والمرأة يحضران المغنم ، هل يقسم لهما ؟ أو أنه ليس لهما شيء إلا أن يحذيا فهذا قول ابن عباس . وقد روينا أيضا من طريق عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن عمر ليس للعبد من الغنيمة شيء ، ولا حجة فيمن دون رسول الله ﷺ . وكم قصة خالفوا فيها ابن عباس ؟ كقول في بيع أمهات الأولاد ، والصرف ، وسهم ذي القربى ، وغير ذلك . فإن ذكروا ما روينا من طريق أحمد بن حنبل : نا بشر بن المفضل عن محمد بن زيد بن المهاجر حدثني { عمير مولى آبي اللحم قال شهدت خيبر مع ساداتي فكلموا في رسول الله ﷺ فأمر بي فقلدت السيف فإذا أنا أجره ، فأخبر أني مملوك ، فأمر لي بشيء من خرثي المتاع } . فهذا لا حجة فيه ؛ لأن محمد بن زيد غير مشهور . وقد رويناه من طريق حفص بن غياث فقال محمد بن زيد وأيضا فإنه ذكر أنه كان يجر السيف ، وهذا صفة من لم يبلغ . وهكذا نقول : إن من لم يبلغ لا يسهم له . فإن ذكروا ما روينا من طريق الثوري عن ابن أبي ليلى { عن فضالة بن عبيد أنهم كانوا مع النبي ﷺ في غزوة وفينا مملوكون فلم يقسم لهم } ، وهذا منقطع ؛ لأنه إن كان ابن أبي ليلى هو محمد - فلم يدرك فضالة ؛ ولا ولد إلا بعد موته بدهر طويل ؛ وإن كان - هو عبد الرحمن - فالثوري لم يدركه ولا ولد إلا بعد موته بسنين . روينا من طريق أبي داود نا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى أخبرنا ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس اللهبي عن عبد الله بن دينار عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت : كان أبي يقسم للحر وللعبد . ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع بن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن عن أبي قرة قال : قسم لي أبو بكر الصديق كما قسم لسيدي . روينا من طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن أشعث عن الحكم بن عتيبة ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، قالوا : من شهد البأس من حر ، أو عبد ، أو أجير ، فله سهم . ومن طريق ابن أبي شيبة نا جرير عن المغيرة عن حماد عن إبراهيم النخعي في الغنائم يسبيها الجيش قال : إن أعانهم التاجر ، والعبد : ضرب له بسهامهم مع الجيش . قال أبو بكر : وحدثناه محمد بن فضيل عن المغيرة عن حماد عن إبراهيم النخعي قال : إذا شهد التاجر ، والعبد ، قسم له ، وقسم للعبد . ومن طريق ابن أبي شيبة نا غندر عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : يسهم للعبد ، وهو قول أبي سليمان . قال أبو محمد : وهم موافقون لنا على أن يسهم للفرس ، وهم أصحاب قياس بزعمهم ، فهلا أسهموا للعبد قياسا على ذلك ؟ فإن ذكروا في الأجير خبرين - فيهما { أن أجيرا استؤجر في زمان النبي ﷺ في غزوة بثلاثة دنانير فلم يجعل له عليه السلام سهما غيرها } فلا يصحان . لأن أحدهما من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن أبي سلمة الحمصي " أن رسول الله ﷺ " وأبو سلم مجهول ، وهو منقطع أيضا . والثاني من طريق ابن وهب عن عاصم بن حكيم بن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن الديلمي أن يعلى بن منية - وعاصم بن حكيم ، وعبد الله بن الديلمي مجهولان . وقال الحسن ، وابن سيرين والأوزاعي ، والليث : لا يسهم للأجير . وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يسهم لهما إلا أن يقاتلا . وقال سفيان الثوري : يسهم للتاجر - وقال الحسن بن حي : يسهم للأجير .
953 - مسألة : ولا يسهم لامرأة ، ولا لمن لم يبلغ - قاتلا ، أو لم يقاتلا - وينفلان دون سهم راجل ؛ ولا يحضر مغازي المسلمين كافر فإن حضر لم يسهم له أصلا ، ولا ينفل - قاتل أو لم يقاتل . روينا من طريق مسلم نا ابن قعنب نا سليمان هو ابن بلال - عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد بن هرمز عن ابن عباس . { أن رسول الله ﷺ كان يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة وأما بسهم فلم يضرب لهن } . قال أبو محمد : لو بلغ بالنفل لها سهم راجل لكان قد أسهم لهن - وهو قول سعيد بن المسيب ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وسفيان الثوري ، والليث ، وأبي سليمان . وقال مالك : لا يرضخ لهن - وهذا خطأ ، وخلاف الأثر المذكور . قال أبو محمد : وقد روي من طريق أبي داود نا إبراهيم بن سعيد أخبرني زيد بن الحباب نا رفيع بن سلمة بن زياد [ قال ] حدثني { حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه أنها غزت مع رسول الله ﷺ في ست نسوة قالت : فأسهم لنا عليه السلام كما أسهم للرجال } . وهذا إسناد مظلم ، رافع ، وحشرج : مجهولان . ومن طريق وكيع نا محمد بن عبد الله الشعيثي عن خالد بن معدان قال : { أسهم رسول الله ﷺ للنساء وللصبيان والخيل } وهذا مرسل . ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا محمد بن راشد عن مجهول قال : { أسهم رسول الله ﷺ للنساء والصبيان والخيل } وهذا أيضا مرسل . ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو خالد الأحمر عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن سفيان بن وهب الخولاني قال : قسم عمر بن الخطاب بين الناس غنائمهم فأعطى كل إنسان دينارا وجعل سهم الرجل والمرأة سواء . ومن طريق وكيع نا شعبة عن العوام بن مزاحم عن خالد بن سيحان قال : شهد مع أبي موسى أربع نسوة منهن أم مجزأة بن ثور فأسهم لهن أبو موسى الأشعري - وهو قول الأوزاعي ، وقد كان يلزم أهل القياس أن يقولوا بهذا لأنه إذا أسهم للفرس - وهو بهيمة - فالمرأة أحق بالسهم إن كان القياس حقا . قال أبو محمد : فعل رسول الله ﷺ هو القاضي على ما سواه ، وأما الصبيان فغير مخاطبين ، وأما النفل للصبيان أيضا من خمس الخمس فلا بأس ، لأنه في جميع مصالح المسلمين ، وأما الكافر فروينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن ابن جريج عن الزهري { أن رسول الله ﷺ كان يغزو باليهود فيسهم لهم كسهام المسلمين } . ورويناه عن الزهري من طرق كلها صحاح عنه . ومن طريق وكيع نا الحسن بن حي عن الشيباني هو أبو إسحاق - أن سعد بن مالك هو ابن أبي وقاص - غزا بقوم من اليهود فرضخ لهم . ومن طريق وكيع نا سفيان عن جابر قال : سألت الشعبي عن المسلمين يغزون بأهل الكتاب ؟ فقال الشعبي : أدركت الأئمة الفقيه منهم وغير الفقيه يغزون بأهل الذمة فيقسمون لهم ، ويضعون عنهم من جزيتهم ؛ فذلك لهم نفل حسن - والشعبي ولد في أول أيام علي وأدرك من بعده من الصحابة رضي الله عنهم . وهو قول الأوزاعي . وسفيان الثوري : أنه يقسم للمشرك إذا حضر كسهم المسلم . وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر : سمعت قتادة سئل عن أهل العهد يغزون مع المسلمين ؟ قال : لهم ما صالحوا عليه ما جعل لهم فهو لهم . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأبو سليمان : لا يسهم لهم - قال أبو سليمان : ولا يرضخ لهم ، ولا يستعان بهم . قال أبو محمد : حديث الزهري مرسل ، ولا حجة في مرسل ، ولقد كان يلزم الحنفيين ، والمالكيين القائلين بالمرسل أن يقولوا بهذا ، لأنه من أحسن المراسيل لا سيما مع قول الشعبي : أنه أدرك الناس على هذا ، ولا نعلم لسعد مخالفا في ذلك من الصحابة وكان سلمان بن ربيعة يستعين بالمشركين على المشركين ، لكن الحجة في هذا هو ما رويناه من طريق مالك عن الفضيل بن أبي عبد الله عن عبد الله بن دينار عن عروة عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال : { إنا لا نستعين بمشرك } . ومن طريق مسلم نا محمد بن رافع نا عبد الرزاق أخبرنا معمر بن همام بن منبه نا أبو هريرة عن رسول الله ﷺ في حديث أنه قال : { فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا } . فصح أنه لا حق في الغنائم لغير المسلمين .
954 - مسألة : فإن اضطررنا إلى المشرك في الدلالة في الطريق استؤجر لذلك بمال مسمى من غير الغنيمة . لما روينا من طريق البخاري نا إبراهيم بن موسى نا هشام هو ابن يوسف - نا معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة [ رضي الله عنها ] قالت { واستأجر النبي ﷺ وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو على دين كفار قريش هاديا } يعني بالطريق " .
955 - مسألة : وكل من قتل قتيلا من المشركين فله سلبه قال ذلك الإمام ، أو لم يقله كيفما قتله صبرا ، أو في القتال ؟ ولا يخمس السلب قل ، أو كثر ، ولا يصدق إلا ببينة في الحكم ، فإن لم تكن له بينة ، أو خشي أن ينتزع منه ، أو أن يخمس فله أن يغيبه ، ويخفي أمره . والسلب : فرس المقتول ، وسرجه ، ولجامه ، وكل ما عليه من لباس ، وحلية ، ومهاميز وكل ما معه من سلاح ، وكل ما معه من مال في نطاقه أو في يده ، أو كيفما كان معه . روينا من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن أفلح هو عمر بن كثير بن أفلح - عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة { أن رسول الله ﷺ قال بعد انقضاء القتال يوم حنين : من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه } في حديث . ومن طريق البخاري نا أبو نعيم نا أبو العميس هو عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود - عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال { أتى النبي ﷺ عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل فقال النبي ﷺ : اطلبوه واقتلوه ؟ قال سلمة : فقتلته ، فنفله رسول الله ﷺ سلبه } . ومن طريق أبي داود نا موسى بن إسماعيل نا حماد هو ابن زيد - عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك { أن رسول الله ﷺ قال يوم حنين : من قتل كافرا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم } . فهذه الأحاديث توجب ما قلناه وهي منقولة نقل التواتر كما ترى . روينا من طريق وكيع عن سفيان عن الأسود بن قيس العبدي : أن بشر بن علقمة قتل يوم القادسية عظيما من الفرس مبارزة وأخذ سلبه فأتى به إلى سعد بن أبي وقاص فقومه اثني عشر ألفا ، فنفله إياه سعد . ومن طريق واثلة بن الأسقع أنه ركب وحده حتى أتى باب دمشق فخرجت إليه خيل منها فقتل منهم ثلاثة وأخذ خيلهم فأتى بها خالد بن الوليد وعنده عظيم الروم فابتاع منه سرج أحدها بعشرة آلاف ونفله خالد بن الوليد كل ما أخذ من ذلك ، فهذا واثلة ، وخالد وسعيد بحضرة الصحابة . ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الرحيم بن سليمان عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال : كان السلب لا يخمس وكان أول سلب خمس في الإسلام سلب البراء بن مالك ، وكان قتل مرزبان الزأرة وقطع منطقته وسواريه ، فلما قدمنا المدينة صلى عمر الصبح ، ثم أتانا فقال : السلام عليكم أثم أبو طلحة ؟ فقالوا : نعم ، فخرج إليه فقال عمر : إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء مال وإني خامسه ، فدعا المقومين فقوموا ثلاثين ألفا ، فأخذ منها ستة آلاف . ومن طريق ابن جريج سمعت نافعا يقول : لم نزل نسمع منذ قط إذا التقى المسلمون والكفار فقتل مسلم مشركا فله سلبه إلا أن يكون في معمعة القتال فإنه لا يدرى أحد قتل أحدا - فهذا يخبر عما سلف . فصح أنه فعل أبي بكر ومن بعده وجميع أمرائهم . وهذا نافع يخبر : أنه لم يزل يسمع ذلك وهو قد أدرك الصحابة ، فصح أنه قول جميعهم بالمدينة ، ولا يجوز أن يظن بعمر تعمد خلاف رسول الله ﷺ فصح أنه استطاب نفس البراء . وهذا صحيح حسن لا ننكره - وهو قول الأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز والليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي ثور ، وأبي عبيد وأبي سليمان ، وجميع أصحاب الحديث ، إلا أن الشافعي ، وأحمد قالا : إن قتله غير ممتنع فلا يكون له سلبه - وهذا خطأ لحديث سلمة بن الأكوع الذي ذكرنا فإنه قتله غير ممتنع ، وفي غير قتال ، وأخذ سلبه بأمر رسول الله ﷺ . فإن قيل : فإن أخذتم بعموم حديثه عليه السلام في ذلك فأعطوا من قتل مسلما بحق في قود ، أو رجم ، أو محاربة ، أو بغي ، سلبه . قلنا : لولا أن الله تعالى حرم على لسان نبيه ﷺ وفي القرآن مال المسلم لفعلنا ما قلتم ؛ فخرج سلب المسلم بهذا عن جملة هذا الخبر ، وبقي سلب الكافر على حكم الله تعالى على لسان رسوله ﷺ . وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا الضحاك بن مخلد هو أبو عاصم النبيل - عن الأوزاعي عن الزهري عن القاسم بن محمد قال : سئل ابن عباس عن السلب ؟ فقال : لا سلب إلا من النفل وفي النفل الخمس . فهذا ابن عباس يمنع أن يكون السلب إلا نفلا ، فقول كقول من ذكرنا ، إلا أنه رأى فيه الخمس - وهو قول إسحاق بن راهويه . وذهب أبو حنيفة ، وسفيان ، ومالك : إلى أنه لا يكون السلب للقاتل إلا أن يقول الأمير قبل القتال : من قتل قتيلا فله سلبه ، فإذا قال ذلك فهو كما قال ، ولا يخمس . قال أبو محمد : وهذا قول فاسد ؛ لأنهم أوهموا أنهم اتبعوا الحديث ولم يفعلوا ، بل خالفوه ؛ لأن رسول الله ﷺ إنما قال ذلك بعد القتال ؛ فهذا خلاف قولهم صراحا . وقال بعضهم : لم يقل ذلك رسول الله ﷺ إلا يوم حنين . قال أبو محمد : فكان هذا عجبا نعم ، فهبك أنه لم يقله عليه السلام قط إلا يومئذ ، أو قاله قبل وبعد ، أترى يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى به مرة ، أو يرونه باطلا حتى يكرر القضاء به ؟ حاشا لله من هذا الضلال ، ولا فرق بين ما قال مرة ، أو ألف ألف مرة ، كله دين ، وكله حق ، وكله حكم الله تعالى ، وكله لا يحل لأحد خلافه . وموهوا بفعل عمر ، وهم مخالفون له ، لأن عمر قضى بالسلب للقاتل دون أن يقول ذلك قبل القتال ، إلا أنه خمسه ولم يمانعه البراء ، فصح أنه طابت به نفسه ، وهذا حسن لا ننكره . وشغبوا أيضا بأشياء نذكرها إن شاء الله تعالى ؛ فموه بعض المخالفين في نصر تقليدهم بقول الله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } . قال أبو محمد : وهذا عليهم لا لهم ؛ لأن الذي أمرنا بهذا هو الذي أوحى إلى رسول الله ﷺ بأن السلب للقاتل ، ثم يقال لهم : فأبطلوا بهذا الدليل قولكم : إن الإمام إذا قال : السلب للقاتل كان له . فقد جعلتم قول إمام لعله لا تجب طاعته حجة على الآية ، ولم تجعلوا قول الإمام الذي لا إمامة لأحد إلا بطاعته بيانا للآية ، وهذا عجب جدا ثم أعجب شيء أنهم لا يحتجون بهذه الآية على أنفسهم في قولهم : إن الأرض المغنومة لا خمس فيها ، وهذا موضع الاحتجاج بالآية حقا وذكروا خبرا رويناه من طريق عوف بن مالك الأشجعي في { أن رجلا قتل فارسا من الروم يوم مؤتة وأخذ سلاحه وفرسه ؟ فبعث إليه خالد بن الوليد فأخذ من السلب قال عوف : فأتيت خالدا فقلت له : أما علمت أن رسول الله ﷺ قضى بالسلب للقاتل ؟ قال : بلى ، ولكني استكثرته ، قلت : لتردنه أو لأعرفنكه عند رسول الله ﷺ فأبى أن يرد عليه ، قال عوف : فاجتمعنا عند رسول الله ﷺ فذكرت ذلك له فقال النبي ﷺ : يا خالد ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : يا رسول الله استكثرته ؟ فقال عليه السلام : يا خالد رد عليه ما أخذت منه ، قال عوف : فقلت له : دونك يا خالد ، ألم أف لك ؟ فقال النبي ﷺ وما ذلك ؟ قال : فأخبرته فغضب رسول الله ﷺ وقال : يا خالد لا ترد عليه ، هل أنتم تاركون لي أمرائي ؟ لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره } . قال أبو محمد : لا حجة لهم في هذا ، بل هو حجة عليهم لوجوه . أولها : أن فيه نصا جليا أن النبي ﷺ قضى بالسلب للقاتل - وهذا قولنا . وثانيها : أنه عليه السلام أمر خالدا بالرد عليه . وثالثها : أن في نصه أن النبي ﷺ إنما أمره بأن لا يرد عليه ، لأنه علم أن القاتل صاحب السلب أعطاه بطيب نفس ولم يطلب خالدا به ، وأن عوفا يتكلم فيما لا حق له فيه وهذا هو نص الخبر . ورابعها : أنه لو كان كما يوهمون لما كان لهم فيه حجة ، لأن يوم حنين الذي قال فيه عليه السلام : { من قتل كافرا فله سلبه } كان بعد يوم مؤتة ، بلا خلاف ، ويوم حنين كان بعد فتح مكة ، وقد كان قتل جعفر ، وزيد بن حارثة ، وابن رواحة رضي الله عنهم قبل فتح مكة يوم مؤتة ، فيوم حنين حكمه ناسخ لما تقدم لو كان خلافه . وموهوا أيضا بخبر قتل أبي جهل يوم بدر وأن رسول الله ﷺ قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح وهو أحد قاتليه ، والثاني : معاذ ابن عفراء ، وأن ابن مسعود قتله أيضا فنفله رسول الله ﷺ سيفه . قال أبو محمد : ولا حجة لهم في هذا كله ، وأين يوم بدر من يوم حنين وبينهما أعوام ؟ وما نزل حكم الغنائم إلا بعد يوم بدر فكيف يكون السلب للقاتل ؟ وموهوا بخبر ساقط رويناه من طريق حماد بن سلمة عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق { عن رجل من بلقين ، قلت : يا رسول الله هل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد ؟ قال : لا ، حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه فليس أحق من أخيه به } . قال أبو محمد : هذا عن رجل مجهول لا يدرى أصدق في ادعائه الصحبة أم لا ؟ ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة لأن الخمس من جملة الغنيمة يستحقه دون أهل الغنيمة من لم يشهد الغنيمة بلا خلاف ، فالسلب مضموم إلى ذلك بالنص . ثم يقال لهم : هلا احتججتم بهذا الخبر على أنفسكم في قولكم : إن القاتل أحق بالسلب من غيره إذا قال الإمام : من قتل قتيلا فله سلبه ؟ فكان هذا الخبر عندكم مخصوصا بقول من لا وزن له عند الله تعالى ولم تخصوه بقول من لا إيمان لكم إن لم تسلموا لأمره وقضائه ، تبا لهذه العقول المكيدة . وموهوا بما روي من طريق عمرو بن واقد عن موسى بن يسار عن مكحول عن جنادة بن أبي أمية { أن حبيب بن مسلمة قتل قتيلا فأراد أبو عبيدة أن يخمس سلبه ، فقال له حبيب إن رسول الله ﷺ قضى بالسلب للقاتل ، فقال له معاذ : مهلا يا حبيب ، سمعت رسول الله ﷺ يقول : إنما للمرء ما طابت به نفس إمامه } . قال أبو محمد : وهذا خبر سوء مكذوب بلا شك ، لأنه من رواية عمرو بن واقد ، وهو منكر الحديث قاله البخاري وغيره : عن موسى بن يسار ، وقد تركه يحيى القطان . وقد روينا عن موسى هذا أنه قال : كان أصحاب رسول الله محمد ﷺ أعرابا حفاة فجئنا نحن أبناء فارس فلخصنا هذا الدين - فانظروا بمن يحتجون على السنن الثابتة . ثم عن مكحول عن جنادة - ومكحول لم يدرك جنادة . ثم لو صح لكان حجة عليهم ، لأنه مبطل لقولهم : إن الذي وجد الركاز له أن ينفرد بجميعه دون طيب نفس إمامه . ثم نقول للمحتج بهذا الخبر : أرأيت إن لم تطب نفس الإمام لبعض الجيش بسهمهم من الغنيمة أيبطل بذلك حقهم ؟ إن هذا لعجيب وهم لا يقولون بهذا ؛ فصاروا أول مخالف لما حققوه واحتجوا به ، وهذا فعل من لا ورع له . وقالوا : قد روي من طريق غالب بن حجرة عن أم عبد الله بنت الملقام بن التلب عن أبيها [ عن أبيه ] أن رسول الله ﷺ قال : { من أتى بمولى فله سلبه } قالوا : فقولوا بهذا أيضا " . قال أبو محمد : فقلنا إنما يلزم القول بهذا من يقول بحديث مبشر بن عبيد الحمصي لا صداق أقل من عشرة دراهم ، ومن يقول بحديث أبي زيد مولى عمرو بن حريث في إباحة الوضوء بالخمر ، وتلك النطائح والمترديات . فهذا الخبر مضاف إلى تلك . وأما من لا يأخذ إلا بما روى الثقة عن الثقة فليس يلزمه أن يأخذ بما رواه غالب بن حجرة المجهول عن أم عبد الله بنت الملقام التي لا يدرى من هي ؟ عن أبيها الذي لا يعرف ، والقوم في عمى نعوذ بالله مما ابتلاهم به ، وتالله لو صح لقلنا به ولم نجد في أنفسنا حرجا منه . فإن ذكروا ما رويناه من طريق سعيد عن قتادة وقد قيل : إن عمرو بن شعيب رواه عن أبيه عن جده في سبب نزول الأنفال " أن النبي ﷺ كان ينفل الرجل من المسلمين سلب الكافر إذا قتله ، فأمرهم أن يرد بعضهم على بعض ، قال { اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } أي ليردن بعضكم على بعض . قال أبو محمد : وهذا لا شيء لأنها صحيفة ومرسل ، ولو صح لكان في أمر بدر وقد قلنا : إن القضاء بالسلب للقاتل كان في حنين بعد ذلك بأعوام ستة أو نحوها . ثم موهوا بقياسات سخيفة كلها لازم لهم وغير لازم لنا . منها : أن قالوا : لما كان الغانم ليس أحق بما غنم كان القاتل في السلب كذلك ؛ ولو كان السلب حقا للقاتل لكانت الأسلاب - إذا لم يعرف قاتلو أهلها - موقفة كاللقطة . قال أبو محمد : القياس باطل ، وإنما يلزم القياس من صححه ، وهم يصححونه فهو لهم لازم فليبطلوا بهاتين الأحموقتين قولهم : [ إن السلب ] للقاتل إذا قال الإمام [ قبل القتال ] : من قتل قتيلا فله سلبه - فهذا يلزمهم إذ عدلوا هذا الإلزام على أنفسهم . وأما نحن فنقول : إن كل مال لا يعرف صاحبه فهو في مصالح المسلمين ، وكل سلب لا تقوم لقاتله بينة فهو في جملة الغنيمة بحكم رسول الله ﷺ ونص قوله لا نتعداه والحمد لله رب العالمين . قال أبو محمد : ويكفي من هذا أن الله تعالى قال : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وقد قضى رسول الله ﷺ أن السلب للقاتل إذا قامت له بينة ، فإن كانت طاعته عليه السلام واجبة فالسلب حق للقاتل متى قامت له به بينة ولا خيرة لأحد - لا إمام ولا غيره - في خلاف ذلك ، لنص كلام الله تعالى ، وإن كانت طاعته عليه السلام ليست واجبة فهذا كفر من قائله ، وإذا لم يكن السلب من حق القاتل بقوله عليه الصلاة والسلام : إنه له إذا قامت له به بينة ، فمن أين خرج لهم ؟ وأين وجدوا ما يوجب قولهم الفاسد ؟ : في أن الإمام إذا قال : من قتل قتيلا فله سلبه . كان السلب حينئذ للقاتل ، ولا نعمى عين للإمام أن يكون قوله تحريما أو إيجابا . فظهر فساد قولهم جملة وتعريه من الدليل ، وهو قول لم يحفظ قط قبلهم لا عن صاحب ، ولا عن تابع - وبالله تعالى التوفيق .