→ كتاب الجهاد | ابن حزم - المحلى كتاب الجهاد (مسألة 920 - 928) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الجهاد (مسألة 929 - 936) ← |
كتاب الجهاد
920 - مسألة : والجهاد فرض على المسلمين فإذا قام به من يدفع العدو ويغزوهم في عقر دارهم ويحمي ثغور المسلمين سقط فرضه عن الباقين وإلا فلا ، قال الله - تعالى - : { انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم } . روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق نا محمد بن خداش نا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - نا أيوب هو السختياني - عن محمد بن سيرين قال : كان أبو أيوب الأنصاري يقول : قال الله - تعالى - : { انفروا خفافا وثقالا } فلا أحد من الناس إلا خفيف أو ثقيل . ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الرحمن بن سهم الأنطاكي أخبرنا عبد الله بن المبارك عن وهيب المكي عن عمر بن محمد بن المنكدر عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : " من مات ولم يغز ولم يحدث [ به ] نفسه مات على شعبة من نفاق " قال أبو محمد : هذا وعيد شديد نعوذ بالله منه . ومن طريق مسلم نا إسماعيل ابن علية عن علي بن المبارك نا يحيى بن أبي كثير نا أبو سعيد مولى المهري عن أبي سعيد الخدري { أن رسول الله ﷺ بعث بعثا إلى بني لحيان من هذيل فقال : لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما } .
921 - مسألة : ومن أمره الأمير بالجهاد إلى دار الحرب ففرض عليه أن يطيعه في ذلك إلا من له عذر قاطع . روينا من طريق البخاري نا علي بن عبد الله نا يحيى بن سعيد القطان نا سفيان هو الثوري - حدثني منصور هو ابن المعتمر - عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] قال : قال رسول الله ﷺ : { لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا } .
922 - مسألة : ولا يجوز الجهاد إلا بإذن الأبوين إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثا لهم أذن الأبوان أم لم يأذنا - إلا أن يضيعا أو أحدهما بعده ، فلا يحل له ترك من يضيع منهما . روينا من طريق البخاري نا آدم نا شعبة نا حبيب بن أبي ثابت قال : سمعت أبا العباس الشاعر وكان لا يتهم في الحديث قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول { جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فاستأذنه في الجهاد فقال له عليه السلام : أحي والداك ؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد } ومن طريق البخاري نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان - عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال : { السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة } . وروينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : { إنما الطاعة في المعروف } . وعن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال { لا طاعة لأحد في معصية الله - تعالى - } .
923 - مسألة : ولا يحل لمسلم أن يفر عن مشرك ، ولا عن مشركين ولو كثر عددهم أصلا ؛ لكن ينوي في رجوعه التحيز إلى جماعة المسلمين إن رجا البلوغ إليهم ، أو ينوي الكر إلى القتال ، فإن لم ينو إلا تولية دبره هاربا فهو فاسق ما لم يتب . قال الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم } . قال قوم : إن الفرار له مباح من ثلاثة فصاعدا - وهذا خطأ . واحتجوا في ذلك بقول الله - تعالى - : { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله } . وروينا عن ابن عباس أنه قال " إن فر رجل من رجلين فقد فر ، وإن فر من ثلاثة فلم يفر " . قال أبو محمد : أما ابن عباس فقد خالفوه في مئين من القضايا ، منها قراءة أم القرآن جهرا في صلاة الجنازة ، وإخباره : أنه لا صلاة إلا بها وغير ذلك كثير ، ولا حجة إلا في كلام الله - تعالى - ، أو كلام رسوله ﷺ . وأما الآية فلا متعلق لهم فيها ؛ لأنه ليس فيها لا نص ولا دليل بإباحة الفرار عن العدد المذكور ؛ وإنما فيها : أن الله - تعالى - علم أن فينا ضعفا ، وهذا حق إن فينا لضعفا ولا قوي إلا وفيه ضعف بالإضافة إلى ما هو أقوى منه إلا الله - تعالى - وحده فهو القوي الذي لا يضعف ولا يغلب . وفيها : أن الله - تعالى - خفف عنا فله الحمد وما زال ربنا - تعالى - رحيما بنا يخفف عنا في جميع الأعمال التي ألزمنا . وفيها : أنه إن كان منا مائة صابرون يغلبوا مائتين ، وإن يكن منا ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ، وهذا حق ، وليس فيه أن المائة لا تغلب أكثر من مائتين ولا أقل أصلا ؛ بل قد تغلب ثلاثمائة ، نعم وألفين وثلاث آلاف ولا أن الألف لا يغلبون إلا ألفين فقط لا أكثر ولا أقل ، ومن ادعى هذا في الآية فقد أبطل وادعى ما ليس فيها منه أثر ، ولا إشارة ، ولا نص ، ولا دليل ، بل قد قال - عز وجل - : { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } ، فظهر أن قولهم لا دليل عليه أصلا ، ونسألهم عن فارس بطل شاكي السلاح قوي لقي ثلاثة من شيوخ اليهود الحربيين هرمى مرضى رجالة عزلا أو على حمير ، أله أن يفر عنهم ؟ لئن قالوا : نعم - ليأتن بطامة يأباها الله والمؤمنون وكل ذي عقل ، وإن قالوا : لا ليتركن قولهم . وكذلك نسألهم عن ألف فارس ، نخبة ، أبطال ، أمجاد ، مسلحين ، ذوي بصائر ، لقوا ثلاثة آلاف ، من محشودة بادية النصارى ، رجالة ، مسخرين ألهم أن يفروا عنهم ؟ وروينا عن وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال : ليس الفرار من الزحف من الكبائر ، إنما كان ذلك يوم بدر خاصة . قال أبو محمد : وهذا تخصيص للآية بلا دليل . روينا من طريق البزار نا عمرو بن علي ، ومحمد بن مثنى ، قالا جميعا : نا يحيى بن سعيد القطان نا عوف الأعرابي عن يزيد الفارسي نا ابن عباس أن عثمان قال له : كانت ( الأنفال ) من أول ما أنزل بالمدينة . وروينا من طريق مسلم نا هارون بن سعيد الأبلي نا ابن وهب أخبرنا سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات } فعم عليه السلام ولم يخص . ومن طريق البخاري نا عبد الله بن محمد نا معاوية بن عمرو نا أبو إسحاق هو الفزاري - عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله قال : كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى فقرأته أن رسول الله ﷺ قال : { يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية ؟ فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف } فعم عليه السلام ولم يخص ، وإسلام أبي هريرة وابن أبي أوفى بلا شك بعد نزول " سورة الأنفال " التي فيها الآية التي احتجوا بها فيما ليس فيها منه شيء . وقد خالف ابن عباس غيره كما حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي نا محمد بن معاوية المرواني أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي ، نا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي نا خالد بن الحارث الهجيمي نا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي قال : سمعت رجلا سأل البراء بن عازب : أرأيت لو أن رجلا حمل على الكتيبة وهم ألف ، ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال البراء لا ، ولكن التهلكة : أن يصيب الرجل الذنب فيلقي بيده ويقول : لا توبة لي . وعن عمر بن الخطاب : إذا لقيتم فلا تفروا . وعن علي ، وابن عمر : الفرار من الزحف من الكبائر . ولم يخصوا عددا من عدد ، ولم ينكر أبو أيوب الأنصاري ، ولا أبو موسى الأشعري أن يحمل الرجل وحده ، على العسكر الجرار ويثبت حتى يقتل . وقد ذكروا حديثا مرسلا من طريق الحسن { أن المسلمين لقوا المشركين فقال رجل : يا رسول الله أشد عليهم ، أو أحمل عليهم ؟ فقال له رسول الله ﷺ : أتراك قاتل هؤلاء كلهم اجلس ، فإذا نهض أصحابك فانهض وإذا شدوا فشد } وهذا مرسل لا حجة فيه ؛ بل قد صح عنه عليه السلام : { أن رجلا من أصحابه سأله ما يضحك الله من عبده ؟ قال : غمسه يده في العدو حاسرا فنزع الرجل درعه ودخل في العدو حتى قتل رضي الله عنه } .
924 - مسألة : وجائز تحريق أشجار المشركين ، وأطعمتهم ، وزرعهم ودورهم ، وهدمها ، قال الله - تعالى - : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } وقال - تعالى - { : ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح } وقد أحرق رسول الله ﷺ نخل بني النضير - وهي في طرف دور المدينة - وقد علم أنها تصير للمسلمين في يوم أو غده . وقد روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه : لا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ، ولا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ وقد ينهى أبو بكر عن ذلك اختيارا ؛ لأن ترك ذلك أيضا مباح كما في الآية المذكورة ، ولم يقطع ﷺ أيضا نخل خيبر ، فكل ذلك حسن - وبالله - تعالى - التوفيق .
925 - مسألة : ولا يحل عقر شيء من حيوانهم ألبتة لا إبل ، ولا بقر ، ولا غنم ، ولا خيل ، ولا دجاج ، ولا حمام ، ولا أوز ، ولا برك ، ولا غير ذلك إلا للأكل فقط ، حاشا الخنازير جملة فتعقر ، وحاشا الخيل في حال المقاتلة فقط ، وسواء أخذها المسلمون ، أو لم يأخذوها أدركها العدو ولم يقدر المسلمون على منعها ، أو لم يدركوها ويخلى كل ذلك ولا بد إن لم يقدر على منعه ، ولا على سوقه ، ولا يعقر شيء من نحلهم ، ولا يغرق ، ولا تحرق خلاياه . وكذلك من وقعت دابته في دار الحرب فلا يحل له عقرها لكن يدعها كما هي وهي له أبدا مال من ماله كما كانت لا يزيل ملكه عنها حكم بلا نص . وهو قول مالك ، وأبي سليمان . وقال الحنفيون ، والمالكيون : يعقر كل ذلك ، فأما الإبل ، والبقر ، والغنم ، فتعقر ، ثم تحرق ، وأما الخيل ، والبغال ، والحمير فتعقر فقط . وقال المالكيون : أما البغال ، والحمير ، فتذبح ، وأما الخيل فلا تذبح ، ولا تعقر ، لكن تعرقب ، أو تشق أجوافها . قال أبو محمد : في هذا الكلام من التخليط ما لا خفاء به على ذي فهم ، أول ذلك : أنه دعوى بلا برهان ، وتفريق لا يعرف عن أحد قبلهم ، وكانت حجتهم في ذلك أنهم ربما أكلوا الإبل ، والبقر ، والغنم ، والخيل إذا وجدوها منحورة فكان هذا الاحتجاج أدخل في التخليط من القولة المحتج لها . وليت شعري متى كانت النصارى ، أو المجوس ، أو عباد الأوثان يتجنبون أكل حمار ، أو بغل ، ويقتصرون على أكل الأنعام ، والخيل ، وكل هؤلاء يأكلون الميتة ، ولا يحرمون حيوانا أصلا - وأما اليهود ، والصابئون : فلا يأكلون شيئا ذكاه غيرهم أصلا - وهذا عجب جدا . واحتجوا في إباحتهم قتل كل ذلك بقول الله - تعالى - : { ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح } . قال أبو محمد : فقلنا لهم : فاقتلوا أولادهم ، وصغارهم ، ونساءهم ، بهذا الاستدلال فهو بلا شك أغيظ لهم من قتل حيوانهم ؟ فقالوا : إن رسول الله ﷺ نهى عن قتل النساء ، والصبيان . فقلنا لهم : وهو عليه السلام نهي عن قتل الحيوان ، إلا لمأكله ، ولا فرق ؛ وإنما أمرنا الله - تعالى - أن نغيظهم فيما لم ينه عنه لا بما حرم علينا فعله . روينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري نا سفيان بن عيينة عن عمرو هو ابن دينار - عن صهيب مولى ابن عامر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال : { ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله - عز وجل - عنها . قيل : يا رسول الله وما حقها ؟ قال يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها يرمي به } . ومن طريق مسلم بن الحجاج نا محمد بن حاتم نا يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول { نهى النبي ﷺ عن أن يقتل شيء من الدواب صبرا } ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن زنبور المكي نا ابن أبي حازم عن يزيد بن الهاد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال : قال رسول الله ﷺ { : لا تمثلوا بالبهائم } . ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لأمير جيش بعثه إلى الشام : لا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تحرقن نحلا ولا تغرقنه ، ولا يعرف له في ذلك من الصحابة مخالف . وأما الخنازير فروينا من طريق البخاري نا إسحاق هو ابن راهويه - نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد نا أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة قال : قال رسول الله ﷺ { والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير } فأخبر عليه السلام أن قتل الخنزير من العدل الثابت في ملته التي يحييها عيسى أخوه عليهما السلام . وذكر بعض الناس خبرا لا يصح ، فيه : أن جعفر بن أبي طالب عرقب فرسه يوم قتل - وهذا خبر رواه عباد بن عبد الله بن الزبير عن رجل من بني مرة لم يسمه ، ولو صح لما كان فيه حجة ؛ لأنه ليس فيه أن النبي ﷺ عرف ذلك فأقره . وأما الفرس في المدافعة فإن للمسلم أن يدفع عنه من أراد قتله أو أسره بأي شيء أمكنه .
926 - مسألة : ولا يحل قتل نسائهم ولا قتل من لم يبلغ منهم ، إلا أن يقاتل أحد ممن ذكرنا فلا يكون للمسلم منجى منه إلا بقتله فله قتله حينئذ . روينا من طريق البخاري نا أحمد بن يونس نا الليث هو ابن سعد - عن نافع أن ابن عمر أخبره " أن [ امرأة وجدت في بعض مغازي النبي ﷺ مقتولة فأنكر ] رسول الله ﷺ قتل النساء والصبيان " .
927 - مسألة : فإن أصيبوا في البيات أو في اختلاط الملحمة عن غير قصد فلا حرج في ذلك . روينا من طريق البخاري نا علي بن عبد الله نا سفيان نا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي { أن رسول الله ﷺ سئل عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من ذراريهم ونسائهم ؟ فقال : هم من آبائهم } .
928 - مسألة : وجائز قتل كل من عدا من ذكرنا من المشركين من مقاتل ، أو غير مقاتل ، أو تاجر ، أو أجير - وهو العسيف - أو شيخ كبير كان ذا رأي ، أو لم يكن ، أو فلاح ، أو أسقف ، أو قسيس ، أو راهب ، أو أعمى ، أو مقعد لا تحاش أحدا . وجائز استبقاؤهم أيضا قال الله - تعالى - : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } فعم - عز وجل - كل مشرك بالقتل إلا أن يسلم . وقال قوم : لا يقتل أحد ممن ذكرنا ، واحتجوا بخبر رويناه من طريق أحمد بن شعيب أخبرنا قتيبة نا المغيرة عن أبي الزناد عن المرقع عن جده رباح بن الربيع قال { كنا مع رسول الله ﷺ فقال لرجل : أدرك خالدا وقل له : لا تقتلن ذرية ، ولا عسيفا } . ومن طريق سفيان عن عبد الله بن ذكوان عن المرقع بن صيفي عن عمه حنظلة الكاتب " أن رسول الله ﷺ قال : { لا تقتلوا الذرية ولا عسيفا } . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا يحيى بن آدم نا الحسن بن صالح بن حيي عن خالد بن الفرز { عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال لهم : انطلقوا باسم الله وفي سبيل الله تقاتلون عدو الله لا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا ، ولا امرأة } ومن طريق ابن أبي شيبة نا حميد عن شيخ من أهل المدينة مولى لبني عبد الأشهل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس { أن رسول الله ﷺ كان إذا بعث جيوشه قال : لا تقتلوا أصحاب الصوامع } . ومن طريق القعنبي نا إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة " قال رسول الله ﷺ { لا تقتلوا أصحاب الصوامع } . ومن طريق حماد بن سلمة أخبرنا عبيد الله بن عمر قال { : كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمرائه أن رسول الله ﷺ قال : لا تقتلوا صغيرا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا } . وعن حماد بن سلمة عن شيخ بمنى عن أبيه { أن رسول الله ﷺ نهى عن قتل العسفاء والوصفاء } . ومن طريق قيس بن الربيع عن عمر مولى عنبسة عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب { عن النبي ﷺ أنه نهى أن يقتل شيخ كبير أو يعقر شجر إلا شجر يضر بهم } . ومن طريق ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن الأحوص عن راشد بن سعد { نهى النبي ﷺ عن قتل الشيخ الذي لا حراك به } . وذكروا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لأمير له : لا تقتلن امرأة ، ولا صبيا ، ولا كبيرا هرما ، إنك ستمر على قوم قد حبسوا أنفسهم في الصوامع زعموا لله فدعهم وما حبسوا أنفسهم له ، وستمر على قوم قد فحصوا من أوساط رءوسهم وتركوا فيها من شعورهم أمثال العصائب فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف . وعن جابر بن عبد الله قال : كانوا لا يقتلون تجار المشركين وقالوا : إنما نقتل من قاتل - وهؤلاء لا يقاتلون . هذا كل ما شغبوا به ، وكل ذلك لا يصح . أما حديث المرقع فالمرقع مجهول . وأما حديث ابن عباس فعن شيخ مدني لم يسم ، وقد سماه بعضهم فذكر إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف . والخبران الآخران ، مرسلان . وكذلك حديث راشد مرسل ولا حجة في مرسل . وأما حديث أنس فعن خالد بن الفرز وهو مجهول . وحديث حماد بن سلمة عن شيخ بمنى عن أبيه - وهذا عجب جدا وأعجب منه أن يترك له القرآن وأما حديث قيس بن الربيع فليس قيس بالقوي ، ولا عمر مولى عنبسة معروفا ، وعلي بن الحسين لم يولد إلا بعد موت جده رضي الله عنهم ، فسقط كل ما موهوا به . وأما الرواية عن أبي بكر فمن عجائبهم هذا الخبر نفسه : عن أبي بكر رضي الله عنه فيه جاء نهي أبي بكر رضي الله عنه عن عقر شيء من الإبل ، أو الشاة إلا لمأكلة . وفيه جاء : أن لا يقطع الشجر ولا يغرق النحل - فخالفوه كما اشتهوا حيث لا يحل خلافه ؛ لأن السنة معه ، وحيث لا يعرف له مخالف من الصحابة . ثم احتجوا به حيث خالفه غيره من الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا عجب جدا في خبر واحد وأما قول جابر لم يكونوا يقتلون تجار المشركين فلا حجة لهم فيه ؛ لأنه لم يقل : إن تركهم قتلهم كان في دار الحرب وإنما أخبر عن جملة أمرهم . ثم لو صح مبينا عنه لما كان لهم فيه متعلق ؛ لأنه ليس فيه نهي عن قتلهم ، وإنما فيه اختيارهم لتركهم فقط . وروينا عن الحسن ، ومجاهد ، والضحاك النهي عن قتل الشيخ الكبير ولا يصح عن مجاهد ، والضحاك ؛ لأنه من طريق جويبر ، وليث بن أبي سليم وكذلك أيضا هذا الخبر عن أبي بكر لا يصح ؛ لأنه عن يحيى بن سعيد ، وعطاء ، وثابت بن الحجاج ، وكلهم لم يولد إلا بعد موت أبي بكر رضي الله عنه بدهر . ومن طريق فيها الحجاج بن أرطاة - وهو هالك - ولو شئنا أن نحتج بخبر الحسن عن سمرة عن النبي ﷺ وبخبر الحجاج مسندا { اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم } لكنا أدخل منهم في الإيهام ؛ ولكن يعيذنا الله - عز وجل - من أن نحتج بما لا نراه صحيحا ، وفي القرآن وصحيح السنن كفاية . وأما قولهم : إنما نقتل من قاتل ، فباطل ؛ بل نقتل كل من يدعى إلى الإسلام منهم حتى يؤمن أو يؤدي الجزية إن كان كتابيا كما أمر الله - تعالى - في القرآن لا كما أمر أبو حنيفة إذ يقول : إن ارتدت المرأة لم تقتل ، فإن قتلت قتلت ، وإن سب المشركون أهل الذمة النبي ﷺ تركوا ، وسبهم له حتى يشفوا صدورهم ويخزى المسلمون بذلك . تبا لهذا القول وقائله . وروينا من طريق وكيع نا سفيان نا عبد الملك بن عمير القرظي نا { عطية القرظي قال : عرضت يوم قريظة على رسول الله ﷺ فكان من أنبت قتل ، ومن لم ينبت خلي سبيله ، فكنت فيمن لم ينبت } . فهذا عموم من النبي ﷺ لم يستبق منهم عسيفا ، ولا تاجرا ، ولا فلاحا ، ولا شيخا كبيرا ، وهذا إجماع صحيح منهم رضي الله عنهم متيقن ؛ لأنهم في عرض من أعراض المدينة لم يخف ذلك على أحد من أهلها . ومن طريق حماد بن سلمة : أخبرنا أيوب السختياني ، وعبيد الله بن عمر كلاهما عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد : أن لا يجلبوا إلينا من العلوج أحدا ، اقتلوهم ، ولا تقتلوا من جرت عليهم المواسي ولا تقتلوا صبيا ، ولا امرأة . ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن نمير نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : كتب عمر إلى الأجناد : لا تقتلوا امرأة ، ولا صبيا ، وأن يقتلوا كل من جرت عليه المواسي . فهذا عمر رضي الله عنه لم يستثن شيخا ، ولا راهبا ، ولا عسيفا ، ولا أحدا إلا النساء ، والصبيان فقط ؛ ولا يصح عن أحد من الصحابة خلافه - وقد قتل دريد بن الصمة وهو شيخ هرم قد اهتز عقله فلم ينكر النبي ﷺ فقالوا : لأنه كان ذا رأي ؟ فقلنا لهم : ومن ذا الذي قسم لكم ذا الرأي من غيره ، فلا سمعا له ولا طاعة - ومثل هذه التقاسيم لا تؤخذ إلا من القرآن ، أو عن النبي ﷺ وبالله - تعالى - نتأيد .