→ احتمال خفاء الأمر والنهي على السالك | مجموع فتاوى ابن تيمية فصل في العبادة والاستعانة والطاعة والمعصية ابن تيمية |
سئل عن إحياء علوم الدين وقوت القلوب ← |
فصل في العبادة والاستعانة والطاعة والمعصية
قالَ شيخُ الإِسْلاَم رَحِمَه الله تَعَالَى:
حدثني أبي عن محيى الدين بن النحاس؛ وأظني سمعتها منه أنه رأى الشيخ عبد القادر في منامه وهو يقول إخبارًا عن الحق تعالى: «من جاءنا تلقيناه من البعيد، ومن تصرف بحولنا ألنا له الحديد، ومن اتبع مرادنا أردنا ما يريد، ومن ترك من أجلنا أعطيناه فوق المزيد».
قلت: هذا من جهة الرب تبارك وتعالى:
فالأولتان: العبادة والاستعانة، والآخرتان: الطاعة والمعصية، فالذهاب إلى الله هي عبادته وحده كما قال تعالى: «من تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إلىّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة».
والتقرب بحوله هو الاستعانة، والتوكل عليه، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله. وفي الأثر: «من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله». وعن سعيد بن جبير: «التوكل جماع الإيمان»، وقال تعالى: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [1]، وقال: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } [2]، وهذا على أصح القولين في أن التوكل عليه بمنزلة الدعاء على أصح القولين أيضا سبب لجلب المنافع ودفع المضار، فإنه يفيد قوة العبد وتصريف الكون ولهذا هو الغالب على ذوي الأحوال متشرعهم وغير متشرعهم، وبه يتصرفون ويؤثرون تارة بما يوافق الأمر، وتارة بما يخالفه.
وقوله: «ومن اتبع مرادنا» يعني: المراد الشرعي كقوله: { يُرِيدُ اللهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ } [3]، وقوله: { يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } [4]، وقوله: { مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } [5] هذا هو طاعة أمره، وقد جاء في الحديث: «وأنت يا عمر لو أطعت الله لأطاعك»، وفي الحديث الصحيح: «ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه»، وقد قال تعالى: { وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } [6].
وقوله: «ومن ترك من أجلنا أعطيناه فوق المزيد». يعني: ترك ما كره الله من المحرم والمكروه لأجل الله: رجاء ومحبة وخشية أعطيناه فوق المزيد؛ لأن هذا مقام الصبر، وقد قال تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [7].
هامش
- ↑ [الطلاق: 3]
- ↑ [الأنفال: 9]
- ↑ [البقرة: 185]
- ↑ [النساء: 28]
- ↑ [المائدة: 6]
- ↑ [الشورى: 26]
- ↑ [الزمر: 10]