رسالة في قوله تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة
فصل
قال الله تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة سورة البقرة 75
قال علي بن أبي طالب الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا انقطع الرأس بار الجسد ألا لا إيمان لمن لا صبر له
فالصبر على أداء الواجبات واجب ولهذا قرنه بالصلاة في أكثر من خمسين موضعا فمن كان لا يصلي من جميع الناس رجالهم ونسائهم فإنه يؤمر فإن امتنع عوقب بإجماع المسلمين ثم أكثرهم يوجبون قتل تارك الصلاة وهل يقتل كافرا مرتدا أو فاسقا على قولين في مذهب أحمد وغيره والمنقول عن أكثر السلف يقتضي كفره وهذا مع الإقرار بالوجوب فأما مع جحود الوجوب فهو كافر بالاتفاق
ومن ذلك تعاهد مساجد المسلمين وأئمتهم وأمرهم بأن يصلوا بهم صلاة النبي ﷺ حيث قال صلوا كما رأيتموني أصلي رواه البخاري وصلى مرة بأصحابه على طرف المنبر وقال إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي
فعلى إمام الصلاة أن يصلي بالناس صلاة كاملة لا يقتصر على ما يجوز للمنفرد
الإقتصار عليه إلا لعذر وكذلك على إمامهم في الحج وأميرهم في الحرب ألا ترى الوكيل والولي في البيع والشراء عليه أن يتصرف لموكله ولموليه على الوجه الأصلح له في ماله وهو في مال نفسه يفوت على نفسه ما شاء فأمر الدين أهم ومتى اهتمت الولاة بإصلاح دين الناس صلح الدين للطائفتين والدنيا وإلا اضطربت الأمور عليهم جميعا
وملاك ذلك حسن النية للرعية وإخلاص الدين كله لله عز وجل والتوكل عليه فإن الإخلاص والتوكل جماع صلاح الخاصة والعامة كما أمرنا أن نقول في صلاتنا إياك نعبد وإياك نستعين فهاتان الكلمتان قد قيل إنهما تجمعان معاني الكتب المنزلة من السماء
وروى أنه ﷺ كان مرة في غزاة فقال يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين فجعلت الرءوس تندر عن كواهلها
وقد ذكر ذلك في غير موضع من كتابه كقوله عز وجل فاعبده وتوكل عليه سورة هود 123 وقوله عليه توكلت وإليه أنيب سورة هود 88 سورة الشورى 10 وكان ﷺ إذا ذبح أضحيته قال منك وإليك
وأصل ذلك المحافظة على الصلوات بالقلب والبدن والإحسان إلى الناس بالنفع والمال الذي هو الزكاة والصبر على أذى الخلق وغيره من النوائب فبالقيام بالصلاة والزكاة والصبر يصلح حال الراعي والرعية وإذا عرف الإنسان ما يدخل في هذه الأسماء الجامعة عرف ما يدخل في الصلاة من ذكر الله تعالى ودعائه وتلاوة كتابه وإخلاص الدين له والتوكل عليه وفي الزكاة من الإحسان إلى الخلق بالمال والنفع من نصر المظلوم وإغاثة الملهوف وقضاء حاجة المحتاج وفي الصحيح عن النبي ﷺ قال كل معروف صدقة فيدخل فيه كل إحسان ولو ببسط الوجه والكلمة الطيبة
ففي الصحيح عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله ﷺ ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حاجب فينظر أيمن منه فلا يرى إلا شيئا قدمه وينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدمه وينظر أمامه فيستقبل النار فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل فإن لم يجد فبكلمة طيبة
وفي السنن لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق وفي رواية ووجهك إليه منبسط ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي
وفي الصبر احتمال الأذى وكظم الغيظ والعفو عن الناس ومخالفة الهوى وترك الأشر والبطر كما قال تعالى ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات الآية سورة هود 9 11
وقال الحسن البصري إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش ألا ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا وأصلح
وليس من حسن النية للرعية والإحسان إليهم أن يفعل ما يهوونه ويترك ما يكرهونه قال تعالى ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن سورة المؤمنون 71 وقال لأصحاب نبيه ﷺ واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم سورة الحجرات 7