→ باب التيمم | الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الطهارة باب الحيض صديق حسن خان القنوجي |
فصل والنفاس أكثره أربعون يوما ← |
لم يأت في تقدير أقله وأكثره ما تقوم به الحجة وكذلك الطهر لأن ما ورد في تقدير أقل الحيض والطهر وأكثرهما فهو إما موقوف ولا تقوم به الحجة ، أو مرفوع ولا يصح فلا تعويل على ذلك ولا رجوع إليه بل المعتبر لذات العادة المتقررة هو العادة وغير المعتادة تعمل بالقرائن المستفادة من الدم .
فذات العادة المتقررة تعمل عليها فقد صح في غير حديث اعتبار الشارع للعادة كحديث إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي أخرجه البخاري وغيره من حديث عائشة ، وأخرج مسلم وغيره من حديثها نحو ذلك . أخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أم سلمة أنها استفتت النبي صلى الله وسلم عليه في امرأة تهراق الدم فقال : لتنتطر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشهر فتدع الصلاة وهو حديث صالح للاحتجاج به ، وكذلك حديث زينب بنت جحش أن النبي صلى الله وسلم عليه قال في المستحاضة : تجلس أيام اقرائها أخرجه النسائي والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
وغيرها ترجع إلى القرائن المستفادة من الدم لحديث فاطمه بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله وسلم عليه : إن كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم وأخرجه أيضاً الدارقطني والبيهقي والحاكم أيضاً بزيادة فإنما هو داء عرض أو ركضة من الشيطان أو عرق انقطع .
فدم الحيض يتميز عن غيره فتكون حائضاً إذا رأت دم الحيض أخرج أبو داود والنسائي من حديث فاطمة بنت حبيش أنه قال صلى الله وسلم عليه : دم الحيض أسود يعرف صححه ابن حزم . وأخرج النسائي من حديث عائشة مرفوعاً نحوه . وأخرج الطبراني والدارقطني من حديث أبي أمامة مرفوعاً بلفظ . دم الحيض لا يكون إلا أسود فدلت هذه الأحاديث على أنه لا يقال للصفرة والكدرة دم حيض ولا يعتد بها سواء كانت بين دمي حيض أو بعد دم الحيض وليس التحيض بين دمي الحيض مع تخلل الصفرة والكدرة لأجلهما بل لكون ما توسط بين دمي الحيض حيضاً كما لو لم يخرج دم أصلاً بين دمي الحيض ، ولا يعارض هذا ما أخرجه في الموطأ وعلقه في البخاري أن النساء كن يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الصفرة والكدرة من دم الحيض ليسألنها عن الصلاة فتقول لهن : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء فإن هذا مع كونه رأياً منها ليس بمخالف لما تقدم لأنها لم تخبرهن بأن الصفرة والكدرة حيض اإما أمرتهن بالانتظار إلى حصول دليل يدل على أنه قد انقضى الحيض وهو خروج القصة فمتى خرجت لم يخرج بعدها دم حيض ولم تأمرهن بالانتظار ما دامت الصفرة والكدرة وهذا واضح لا يخفى .
ومستحاضة وهي التي يستمر خروج الدم منها .
إذا رأت غيره تعمل على العادة المتقررة فتكون فيها حائضاً تثبت لها فيه أحكام الحائض وفي غير أيام العادة تكون طاهراً لها حكم الطاهر .
وهي كالطاهرة كما أفادت ذلك الأحاديث الصحيحة الواردة من غير وجه فإذا لم تكن لها عادة متقررة كالمبتدأة والملتبسة عليها عادتها فإنها ترجع إلى التمييز ، فإن دم الحيض أسود يعرف كما قال صلى الله عليه وآله وسلم فتكون إذا رأت دماً كذلك حائضاً وإذا رأت دماً ليس كذلك طاهراً ، وقد أطال الناس الكلام في هذا الباب في غير طائل وكثرت فيه التفريعات والتدقيقات والأمر أيسر من ذلك .
وتغسل أثر الدم لقوله صلى الله وسلم عليه في حديث عائشة الثابت في الصحيح : فاغسلي عنك الدم وصلي وقد ورد ما يفيد معنى ذلك من غير وجه .
وتتوضأ لكل صلاة وذلك هو الذي ورد من وجه معتبر ، وإذا جمعت بين الصلاتين فأخرت الأولى إلى آخر وقتها وقدمت الثانية في أول وقتها كان لها أن تصليهما بوضوء واحد ، ولم يأت في شئ من الأحاديث الصحيحة ايجاب الغسل لكل صلاة ولا لكل صلاتين ولا في كل يوم ، بل الذي صح إيجاب الغسل صح إيجاب الغسل عند انقضاء وقت حيضها المعتاد ، أو عند انقضاء ما يقوم مقام العادة من التمييز بالقرائن كما في حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما بلفظ فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي وأما ما في صحيح مسلم أن أم حبيبة كانت تغتسل لكل صلاة فلا حجة في ذلك لأنها فعلته من جهة نفسها ولم يأمرها النبي صلى الله وسلم عليه بذلك بل قال لها : امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي فإن ظاهر هذه العبارة أنها بعد المكث قدر ما كانت تحبسها الحيضة وذلك هو الغسل الكائن عند ادبار الحيضة وليس فيه ما يدل على أنها تغتسل لكل صلاة ، وقد ورد الغسل لكل صلاة من طرق لا تقوم بمثلها الحجة لا سيما مع معارضتها لما ثبت في الصحيح ومع ما في ذلك من المشقة العظيمة على النساء الناقصات العقول والأديان ، والشريعة سمحة سهلة وما جعل عليكم في الدين من حرج واتقوا الله ما استطعتم .
والحائض لا تصلي ولا تصوم لما ورد في ذلك من الأدلة الصحيحة كحديث أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد وهو مجمع عليه ، وكان هذا شأن الحائض في زمن النبوة وأيام الصحابة فمن بعدهم أنها تدع الصلاة والصوم أيام حيضتها وتقضي الصوم لا الصلاة بعد طهرها ولم يخالف في ذلك غير الخوارج ، ولا ريب أن القضاء إن كان بدليل الأصل كما ذهب إليه البعض فلا وجوب للأصل ههنا ولا دليل عليه في حال الحيض ، وإن كان بدليل جديد غير دليل المقضى فلم يقم في الصلاة وقام في الصيام فطاح القياس وذهب الإلزام .
و أما كونها لا توطأ حتى تغتسل بعد الطهر فذلك نص الكتاب العزيز قال الله تعالى : ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض والأحاديث في ذلك كثيرة منها قوله صلى الله وسلم عليه : اصنعوا كل شئ إلا النكاح وهو في الصحيح وهو مجمع على تحريم ذلك ليس فيه خلاف ، وتحريم الصلاة والصوم على الحائض كما تقدم وكذلك وطؤها هو إلى غاية هي الغسل بعد الطهر كما صرحت بذلك الأدلة .
و أما كونها تقضي الصيام فلحديث عائشة بلفظ فنؤمر بقضاء الصيام ولا نؤمر بقضاء الصلاة وهو في الصحيحين وغيرهما ، وقد نقل ابن المنذر والنووي وغيرهما اجماع المسلمين على ذلك ، وحكي ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبون على الحائض قضاء الصلاة ولا يقدح في اجماع الأمة مخالفة هؤلاء الذين هم كلاب النار .