الرئيسيةبحث

معالم السنن/الجزء الثالث/16

14/21م ومن باب إذا سرق أربع مرار

1155- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي حدثنا جدي عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال جيء بسارق إلى النبي ﷺ فقال اقتلوه فقالوا يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوه قال فقطع ثم جيء به الثانية، فقال اقتلوه فقالوا يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوه قال فقطع ثم جيء به الثالثة فقال اقتلوه قالوا يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوه ثم أتي به الرابعة فقال اقتلوه قالوا يا رسول الله إنما سرق فقال اقطعوه فأتي به الخامسة فقال اقتلوه، قال جابر فانطلقنا به فقتلناه ثم ألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة.

قلت هذا في بعض إسناده مقال وقد عارض الحديث الصحيح الذي بإسناده وهو أن النبي ﷺ قال لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس والسارق ليس بواحد من الثلاثة فالوقوف عن دمه واحب. ولا أعلم أحدا من الفقهاء يبيح دم السارق وإن تكررت منه السرقة مرة بعد أخرى إلا أنه قد يخرج على مذاهب بعض الفقهاء أن يبح دمه وهو أن يكون هذا من المفسدين في الأرض في أن للإمام أن يجتهد في تعزير المفسدين ويبلغ به ما رأى نن العقوبة وإن زاد على مقدار الحد وجاوزه وإن رأى القتل قتل.

ويعزى هذا الرأي إلى مالك بن أنس وهذا الحديث إن كان له أصل فهو يؤيد هذا الرأي ؛ وقد يدل على ذلك من نفس الحديث أنه ﷺ قد أمر بقتله لما جيء به أول مرة ثم كذا في الثانية والثالثة والرابعة إلى أن قتل في الخامسة فقد يحتمل أن يكون هذا رجلا مشهورا بالفساد مخبورا بالشر معلوما من أمره أنه سيعود إلى سوء فعله ولا ينتهي عنه حتى ينتهي خبره ويحتمل أن يكون ما فعله إن صح الحديث فإنما فعله بوحي من الله سبحانه واطلاع منه على ما سيكون منه فيكون معنى الحديث خاصا فيه والله أعلم.

وقد اختلف الناس في السارق إذا سرق مرة فقطعت يده اليمنى ثم سرق مرة فقطعت رجله اليسرى.

فقال مالك والشافعي وإسحاق بن راهويه إن سرق الثالثة قطعت يده اليسرى، وإن سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى، وإن سرق بعد ذلك عزر وحبس وقد حكي مثال ذلك عن قتادة.

وقال الشعبي والنخعي وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي وأحمد بن حنبل إذا سرق قطعت يده اليمنى فإن سرق الثانية قطعت رجله اليسرى فإن سرق الثالثة لم يقطع واستودع السجن.

وقد روي مثل ذلك عن علي كرم الله وجهه.

1156- قال أبو داود: حدثنا موسى حدثنا أبو عَوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش.

قلت النش وزن عشرين درهما هكذا يفسر.

وفيه دليل على أن السرقة عيب في المماليك يردون بها ولذلك وقع الحط من ثمنه والنقص من قيمته وليس في هذا الحديث دلالة على سقوط القطع عن المماليك إذا سرقوا من غير ساداتهم.

وقد روي أن النبي ﷺ قال أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم.

وقال عامة الفقهاء يقطع العبد إذا سرق، وإنما قصد بالحديث إلى أن العبد السارق لا يمسك ولا يصحب ولكن يباع ويستبدل به من ليس بسارق.

وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن العبد لا يقطع إذا سرق وحكي مثل ذلك عن شريح وسائر الناس على خلافه.

15/23م ومن باب في الرجم

1157- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله ﷺ خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة ورميا بالحجارة والبكر بالبكر جلد مائة وسبي سنة.

قوله خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا إشارة إلى قوله سبحانه {أو يجعل الله لهن سبيلا} [1] ثم فسر السبيل فقال الثيب بالثيب يريد إذا زنى الثيب بالثيب وكذلك قوله البكر بالبكر يريد إذا زنى البكر بالبكر.

واختلف العلماء في تنزيل هذا الكلام ووجه ترتيبه على الآية وهل هو ناسخ للآية أو مبين لها فذهب بعضهم إلى النسخ، وهذا على قول من يرى نسخ الكتاب بالسنة.

وقال آخرون بل هو مبين للحكم الموعود بيانه في الآية فكأنه قال عقوبتهن الحبس إلى أن يجعل الله لهن سبيلا فوقع الأمر بحبسهن إلى غاية فلما انتهت مدة الحبس وحان وقت مجيء السبيل، قال رسول الله ﷺ خذوا عني تفسير السبيل وبيانه ولم يكن ذلك ابتداء حكم منه، وإنما هو بيان أمر كان ذكر السبيل منطويا عليه فأبان المبهم منه وفصل المجمل من لفظه فكان نسخ الكتاب بالكتاب لا بالسنة وهذا أصوب القولين والله أعلم.

وفي قوله جلد مائة ورميا بالحجارة حجة لقول من رأى الجمع بين الحد والرجم على الثيب المحصن إذا زنى.

وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقد استعمل ذلك في بعض النزناة، وقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله ﷺ.

وإلى هذا ذهب الحسن البصري وبه قال إسحاق بن راهويه وهو قول داود وأهل الظاهر.

وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجم ولم يجلد، وإليه ذهب عامة الفقهاء ورأوا أن الجلد منسوخ بالرجم.

وقد رجم رسول الله ﷺ ماعزا ولم يجلده ورجم اليهوديين ولم يجلدهما، واحتج الشافعي في ذلك بحديث أبي هريرة في الرجل الذي استفتى رسول الله ﷺ عن ابنه الذي زنى بامرأة الرجل، فقال له على ابنك جلد مائة وتغريب عام وعلى المرأة الرجم واغد يا أنيس على المرأة فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها.

قال فهذا الحديث آخر الأمرين لأن أبا هريرة قد رواه وهو متأخر الإسلام ولم يعرض للجلد بذكر، وإنما هو الرجم فقط وكان فعله ناسخا لقوله الأول.

1158- قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن هشام بن سعد أخبرني يزيد بن نعيم بن هزال، قال كان ماعز بن مالك يتيما في حجر أبي فأصاب جارية من الحي فقال له أبي ائت رسول الله ﷺ فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرج فأتاه فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله فأعرض عنه، فعاد فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله حتى قالها أربع مرات، قال ﷺ إنك قد قلتها أربع مرات فبمن، قال بفلانة، قال هل ضاجعتها، قال نعم، قال هل جامعتها قال نعم، قال فأمر به فأخرج إلى الحرة، فلما رجم فوجد مس الحجارة فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله ثم أتى النبي ﷺ فذكرذلك له فقال هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه.

قلت اختلف أهل العلم في هذه الأقارير المكررة منه هل كانت شرطا في صحة الأقارير بالزنى حتى لا يجب الحكم إلا بها، أم كانت زيادة في التبين والاستثبات لشبهة عرضت في أمره.

فقال قوم هي شرط في صحة الإقرار لا يجب الحكم عليه بتكريره أربع مرات، وإليه ذهب الحكم بن عيينة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه واحتج من احتج منهم بقوله إنك قد قلتها أربع مرات، إلا أنهم اختلفوا فيه إذا كان كله في مجلس واحد.

فقال أبو حنيفة وأصحابه إقراره أربع مرات في مجلس واحد بمنزلة إقراره مرة وا حدة.

وقال ابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل إذا أقر أربع مرات في مجلس واحد رجم.

وقال مالك والشافعي وأبو ثور إذا أقر مرة واحدة رجم كما إذا أقر مرة واحدة بالقتل قتل وبالسرقة قطع.

وروي ذلك عن الحسن البصري وحماد بن أبي سليمان.

وذهب هؤلاء إلى أن النبي ﷺ إنما رده مرة بعد أخرى للشبهة التي داخلته في أمره ولذلك سأل هل به جنة أوخبل وقال لهم استنكهوه أي لعله شرب ما أذهب عقله وجعل يستفسره الزنا فقال لعلك قبلت لعلك لمست إلى أن أقر بصريح الزنا فزالت عند ذلك الشبهة فأمر برجمه وإنما لزم الحكم عنده بإقراره في الرابعة لأن الكشف إنما وقع به ولم يتعلق بما قبله.

واستدلوا في ذلك بقول الجهينية لعلك تريد أن ترددني كما رددت ماعزا فعلم أن الترديد لم يكن شرطا في الحكم وإنما كان من أجل الشبهة.

قالوا وأما قوله قد قلتها أربع مرات فقد يحتمل أن يكون معناه أنك قلتها أربع مرات فتبينت عند إقرارك في الرابعة أنك صحيح العقل ليست بك آفة تمنع من قبول قولك فيكون معنى التكرار راجعا إلى هذا.

في قوله هلا تركتموه دليل على أن الرجل إذا أقر بالزنا رجع عنه دفع عنه الحد سواء وقع به الحد أو لم يقع. وإلى هذا ذهب عطاء بن أبي رباح والزهري وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة وأصحابه.

وكذلك قال الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.

وقال مالك بن أنس وابن أبي ليلى وأبو ثور لا يقبل رجوعه ولا يدفع عنه الحد وكذلك قال أهل الظاهر.

وروي ذلك عن الحسن البصري وسعيد بن جبير، وروي معنى ذلك عن جابر بن عبد الله.

وتأولوا قوله هلا تركتموه أي لينظر في أمره ويستثبت المعنى الذي هرب من أجله.

قالوا ولو كان القتل عنه ساقطا لصار مقتولا خطأ وكانت الدية على عواقلهم فلما لم تلزمهم ديته دل على أن قتله كان واجبا.

قلت وفي قوله هلا تركتموه على معنى المذهب الأول دليل على أنه لا شيء على من رمى كافرا فأسلم قبل أن يقع السهم، وكذلك المأذون له في قتل رجل قصاصا فلما تنحى عنه عفا ولي الدم عنه.

وكذلك قال هؤلاء في شارب الخمر إذا قال كذبت فإنه يكف عنه.

وكذلك السارق إذا قال كذبت لم تقطع يده ولكن لا تسقط الغرامة عنه لأنها حق الآدمي.

1159- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة وذكر قصة ماعز ورجمه، قال ثم خطب النبي ﷺ إلا كلما سيرنا في سبيل الله خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة أما أن الله أن يمكني من أحدهم إلا نكلته.

معناه نكلته عليهن.

الكثبة القليل من اللبن، وقوله نكلته معناه ردعته بالعقوبة، منه والنكول في اليمين وهو أن يرتدع فلا يحلف يقال نكل يُنكل ونكل ينكَل لغتان.

1160- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أن عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة في قصة ماعز أن النبي ﷺ قال والذي نفسي بيده أنه الآن لفي أنهار الجنة يتقمس فيها.

قوله يتقمس معناه ينغمس ويغوص فيها ؛ والقاموس معظم الماء ومنه قاموس البحر.

1161- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال له ابك جنون قال لا قال أحصنت قال نعم فأمر به فرجم في المصلي فلما أذلقته الحجارة فر.

قوله أذلقته الحجارة معناه أصابته بحدها فعقرته وذلق كل شيء حده يقال أذلقت السنان إذا أرهفته، والذلاقة في اللسان خفته وسرعة مروره على الكلام، ويقال لسان ذلق طلق، والاذلاق أيضا سرعة الرمي فيكون معناه على هذا أنه لما تتابع عليه وقع الحجارة وتناولته من كل وجه فر.

وفي قوله ابك جنون دليل على أنه قد ارتاب بأمره ولذلك كان ترديده إياه وترك الاقتصار به على إقراره الأول.

وفيه دليل على أن المحصن يرجم ولا يجلد.

1162- قال أبو داود: حدثنا محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلى بن الحارث حدثنا أبي عن غيلان عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي ﷺ استنكه ماعزا.

قلت وفيه دلالة على أنه قد ارتاب بأمره وفيه حجة لمن لم ير طلاق السكران طلاقا وهو قول مالك بن أنس والمزني.

1163- قال أبو داود: حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد بن زريع عن داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد وذكر القصة قال فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت.

قوله سكت يريد مات قال الشاعر عدي بن زيد:

ولقد شفى نفسي وأبرأ داءها …أخذ الرجال بحلقه حتى سكت

16/24م ومن باب رجم المرأة الجهنية

1164- قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم أن هشاما الدستوائي حدثهم عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن امرأة أتت النبي ﷺ فقالت إنها زنت وهي حبلى فدعى النبي ﷺ وليا لها فقال له أحسن إليها فإذا وضعت فجىء بها فلما أن وضعت جاء بها فأمرالنبي ﷺ فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت.

قوله شكت ثيابها أي شدت عليها لئلا تتجرد فتبدو عورتها.

1165- قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى عن بشير بن المهاجر حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه أن امرأة، يَعني من غامد أتت النبي ﷺ فقالت إني قد فجرت فقال ارجعي فرجعت، فلما كان الغد أتته فقالت لعلك إن ترددني كما رددت ماعز بن مالك فوالله أني لحبلى، فقال لها ارجعي فرجعت فلما كان الغد أتته فقال لها ارجعي حتى تلدي فرجعت فلما ولدت أتته بالصبي فقالت هذا قد ولدته قال ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه فجاءت به وقد فطمته وفي يده شيء يأكله فأمر بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين وأمر بها فحفر لها فرجمت.

قلت أما الحديث الأول الذي رواه عمران بن حصين ففيه أنه لم يستأن بها إلى أن ترضع ولدها ولكنه أمر برجمها حين وضعت.

وكذلك روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه فعل بشراحة رجمها لما وضعت حملها، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.

وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه تترك حتى تضع ما في بطنها ثم تترك حولين حتى تفطمه.

ويشبه أن يكون قد ذهبا إلى هذا الحديث، إلا أن إسناد الحديث الأول أجود وبشير بن المهاجر ليس بذاك.

وقال أحمد بن حنبل هو منكر الحديث وقال في أحاديث ماعز كلها إن ترديده إنما كان في مجلس واحد إلا ذلك الشيخ بشير بن مهاجر وذلك عندي منكر الحديث.

قلت قد ذكر في هذا الحديث أنه قد حفر لها وقد اختلفوا في ذلك فقال بعضهم لا يحفر للرجل ويحفر للمرأة وهو قول أبي يوسف وأبي ثور.

وقال قتادة يحفر للرجل والمرأة جميعا. وقال أحمد أكثر الأحاديث أن لا يحفر له وقد قيل يحفرله.

1166- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله ﷺ فقال أحدهما يا رسول الله اقضى بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وكان أفقههما أجل يا رسول الله فاقضى بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم قال تكلم، قال إن ابني كان عسيفا على هذا، والعسيف الأجير فزنا بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله ﷺ أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي بامرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها.

قوله والله لأقضين بينكما بكتاب الله يتأول على وجوه أحدها أن يكون معنى الكتاب الفرض والايجاب يقول لأقضين بينكما بما فرضه الله وأوجبه إذ ليس في كتاب الله ذكر الرجم منصوصا متلوا كذكر الجلد والقطع والقتل في الحدود والقصاص.

وقد جاء في الكتاب بمعنى الفرض كقوله عز وجل {كتاب الله عليكم} [2] وكقوله {كتب عليكم القصاص} [3] أي فرض، وقال عز وجل {وكتبنا عليهم فيها} [4] أي فرضنا وأوجبنا.

ووجه آخر وهو أن ذكر الرجم وإن لم يكن منصوصا عليه باسمه الخاص فانه مذكور في الكتاب على سبيل الإجمال والإبهام ولفظ التلاوة منطو عليه وهو قوله {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} [5] والأذى يتسع في معناه للرجم ولغيره من العقوبة.

وقد قيل إن هذه الآية لما نسخت سقط الاستدلال بها وبمعناها.

وفيه وجه آخر وهو أن الأصل في ذلك قوله {أو يجعل الله لهن سبيلا} [6] فضمن الكتاب أن يكون لهن سبيل فيما بعد ثم جاء بيانه في السنة، وهو قوله ﷺ خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ؛ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.

ووجه رابع وهو ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال قرأناها فيما أنزل الله الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وهو ما رفعت تلاوته وبقي حكمه والله أعلم.

وفي الحديث من الفقه أن الرجم إنما يجب على المحصن دون من لم يحصن.

وفيه دليل على أن للحاكم أن يبدأ باستماع كلام أي الخصمين شاء.

وفيه أن البيع الفاسد والصلح الفاسد وما جرى مجراهما من العقود منتقض وأن ما أخذ عليها مردود إلى صاحبه.

وفيه أنه لم ينكر عليه قوله فسألت أهل العلم ولم يعب الفتوى عليهم في زمانه وهو مقيم بين ظهرانيهم.

وفيه إثبات النفي على الزاني والتغريب له سنة وهو قول عامة العلماء من السلف وأكثر الخلف وإنما لم ير التغريب منهم أبو حنيفة ومحمد بن الحسن.

وفيه أنه لم يجمع على المحصن الرجم والجلد.

وفيه أنه لما جاء رسول الله ﷺ مستفتيا عن ابنه مخبرا عنه إن زنا بامرأته لم يجعله قاذفا لها.

وفيه أنه لم يوقع الفرقة بالزنا بينها وبين زوجها.

وفيه أنه لم يشترط عليها في الاعتراف بالزنا التكرار وإنما علق الحكم بوجود الاعتراف حسب.

وفيه دليل على جواز الوكالة في إقامة الحدود وقد اختلف العلماء فيها.

وفيه دليل على أنه لا يجب على الإمام حضور المرجوم بنفسه.

وفيه إثبات الإجارة والحديث فيها قليل وقد أبطلها قوم لأنها زعموا ليست بعين مرئية ولا صفة معلومة.

وفي الحديث دليل على قبول خبر الواحد.

17/25م ومن باب رجم اليهود

1167- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة قال قرأت على مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله ﷺ فذكروا أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله ﷺ: ما تجدون في التوراة في شأن الزناة فقالوا نفضحهم ويجلدون فقال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فجعل أحدهم يده على آية الرجم ثم جعل يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفعها فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله فرجما قال ابن عمر رضي الله عنه فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة.

قلت هكذا قال يجنأ والمحفوط يحنا أي يكب عليها، يقال حنا الرجل يحنا حنوا إذا أكب على الشيء قال كثير:

أعزة لو شهدت غداة بنتم... حنوء العائدات على وسادي

فيه من الفقه ثبوت أنكحة أهل الكتاب وإذا ثبتت أنكحتهم ثبت طلاقهم وظهارهم وإيلاؤهم.

وفيه دليل على أن نكاح أهل الكتاب يوجب التحصين إذ لا رجم إلا على المحصن. ولو أن مسلما تزوج يهودية أو نصرانية ودخل بها ثم زنا كان عليه الرجم وهو قول الزهري، وإليه ذهب الشافعي.

وقال أبو حنيفة وأصحابه الكتابية لا تحصن المسلم وتأول بعضهم معنى الحديث على أنه إنما رجمهما بحكم التوراة ولم يحملهما على أحكام الإسلام وشرائطه.

قلت وهذا تأويل غير صحيح لأن الله سبحانه يقول {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [7] وإنما جاءه القوم مستفتين طمعا في أن يرخص لهم في ترك الرجم ليعطلوا به حكم التوراة فأشار عليهم رسول الله ﷺ ما كتموه من حكم التوراة ثم حكم عليهم بحكم الإسلام على شرائطه الواجبة فيه.

وليس يخلو الأمر فيما صنعه رسول الله ﷺ من ذلك عن أن يكون موافقا لحكم الإسلام أو مخالفا له فإن كان مخالفا فلا يجوز أن يحكم بالمنسوخ ويترك الناسخ.

وإن كان موافقا له فهو شريعته والحكم الموافق لشريعته لا يجوز أن يكون مضافا إلى غيره ولا أن يكون فيه تابعا لمن سواه.

وفيه دليل على أن المرجوم لا يشد ولا يربط ولو كان مربوطا لم يمكنه أن يحنا عليها ويقيها الحجارة.

1168- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس قال: قال محمد بن مسلم سمعت رجل من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ونحن عند ابن المسيب، عن أبي هريرة، قال زنا رجل من اليهود وامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله عز وجل قلنا فتيا نبي من أنبيائك قال فأتوا النبي ﷺ وهو جالس في المجلس في أصحابه فقالوا يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا فلم يكلمهم بكلمة حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زني إذا أحصن قالوا يحمم ويُجبَّه ويجلد والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار فيقابل أقفيتهما ويطاف بهما قال وسكت شاب منهم فلما رآه النبي ﷺ سكت الظّ به النشدة فقال اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم قال النبي ﷺ فما أول ما ارتخصتم في أمر الله قال زنا ذو قرابة من ملك ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنا رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه فقالوا لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم فقال النبي ﷺ فإني أحكم بما في التوراة ثم أمر بهما فرجمهما.

التحميم تسويد الوجه بالحمم والتجبية مفسر في الحديث ويشبه أن يكون أصله الهمز وهو يجبأ من التجبئة وهو الردع والزجر، يقال جبأته فجبأ أي ارتدع فقلبت الهمزة هاء، والتجبية أيضا أن تنكس رأسه فيحتمل أن يكون المحمول على الحمار إذا فعل ذلك به نكس رأسه فسمي ذلك الفعل تجبية.

وقد يحتمل أيضا أن يكون ذلك من الجبه وهو الاستقبال بالمكروه، وأصل الجبه إصابة الجبهة يقال جبهت الرجل إذا أصبت جبهته كما تقول رأسته أصبت رأسه.

وقوله ألظّ به النشدة معناه القسم وألح عليه في ذلك ومنه قوله ﷺ ألظوا بيا ذا

الجلال والإكرام أي سلوا الله بهذه الكلمة وواظبوا على المسألة بها.

والأسرة عشيرة الرجل وأهل بيته.

وفي قوله فإني أحكم بما في التوراة حجة لمن قال يقول أبي حنيفة إلا أن الحديث عن رجل لا يعرف، وقد يحتمل أن يكون معناه أحكم بما في التوراة احتجاجا به عليهم وإنما حكم بما كان في دينه وشريعته فذكره التوراة لا يكون علة للحكم.

18/26م ومن باب الرجل يزني بحريمه

1169- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا مطرف، عن أبي الجهم عن البراء بن عازب قال بينما أنا أطوف على إبل لي ضلت إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من رسول الله ﷺ إذ أتوا قبة فاستخرجوا منها رجلا فضربوا عنقه فسألت عنه فذكروا أنه أعرس بامرأة أبيه.

قوله أعرس كناية عن النكاح والبناء على الأهل وحقيقته الإلمام بالعرس. وفيه بيان أن نكاح ذوات المحارم بمنزلة الزنى وأن اسم العقد فيه لا يسقط الحد.

1170- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن قسيط الرقي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء عن أبيه قال لقيت عمي ومعه راية فقلت أين تريد قال بعثني رسول الله ﷺ إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله.

قلت وفي هذا التصريح بذكر النكاح وظاهره العقد وقد تأوله بعضهم على الوطء بلا عقد، وهذا تأويل فاسد ويدل على ذلك ما حدثنا أحمد بن هشام الحضرمي حدثنا أحمد بن عبدالجبار العطاردي حدثنا حفص بن غياث عن أشعث بن سواد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال مر بي خالى ومعه لواء فقلت أين تذهب فقال بعثني النبي ﷺ إلى رجل تزوج امرأة أبيه آتيه برأسه.

قلت فهذا جاء بلفظ التزويج كما ترى. ومن ادعى أن هذا النكاح شبهة فسقط من أجلها الحد فقد أبعد لأن الشبهة إنما تكون في أمر يشبه الحلال من بعض الوجوه وذوات المحارم لا تحل بوجه من الوجوه ولا في حال من الأحوال، وإنما هو زنا محض وإن لقب بالنكاح كمن استأجر أمة فزنى بها فهو زنا وإن لقب باسم الاجارة ولم يكن ذلك مسقطا عنه الحد وإن كانت المنافع قد تستباح بالإجارات.

وزعم بعضهم أن النبي ﷺ إنما أمر بقتله لاستحلال نكاح امرأة أبيه، وكان ذلك مذهب أهل الجاهلية كان الرجل منهم يرى أنه أولى بامرأة أبيه من الأجنبي فيرثها كما يرث ماله وفاعل هذا على الاستباحة له مرتد عن الدين فكان هذا جزاؤه القتل لردته.

قلت وهذا تأويل فاسد ولو جاز أن يتأول ذلك في قتله لجاز أن يتأول مثله في رجم من رجمه ﷺ من الزناة فيقال إنما قتله بالرجم لاستحلال الزنا وقد كان أهل الجاهلية يستحلون الزنا فلا يجب على من زنى الرجم حتى يعتقد هذا الرأي وهذا ما لا خفاء بفساده وإنما أمر ﷺ بقتله لزناه ولتخطيه الحرمة في أمه.

وقد أوجب بعض الأئمة تغليظ الدية على من قتل ذا محرم، وكذلك أوجبوا على من قتل في الحرم فألزموه دية وثلثا وهو قول عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه أتي بشارب في رمضان فضربه حد السكر وزاده عشرين لارتكابه ما حرم الله عليه في ذلك الشهر.

وقد اختلف العلماء فيمن نكح ذات محرم فقال الحسن البصري عليه الحد وهو قول مالك بن أنس والشافعي.

وقال أحمد بن حنبل يقتل ويؤخذ ماله، وكذلك قال إسحاق على ظاهر الحديث وقال سفيان يدرأ عنه الحد إذا كان التزويج بشهود.

وقال أبو حنيفة يعزر ولا يحد.

وقال صاحباه أما نحن فنرى عليه الحد إذا فعل ذلك متعمدا.

29/27م ومن باب الرجل يزني بجارية امرأته

1171- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا قتادة عن خالد بن عرفطة عن حبيب بن سالم أن رجلا يقال له عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته فرفع إلى النعمان بن بشير وهو أمير على الكوفة فقال لأقضين فيك بقضية رسول الله ﷺ إن كانت احلتها لك جلدتك مائة، وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة فوجدوه أحلتها له فجلدوه مائة، قال قتادة كتبت إلى حبيب بن سالم فكتب إليَّ بهذا.

قلت هذا الحديث غير متصل وليس العمل عليه.

قال أبو عيسى سألت محمد بن إسماعيل عنه فقال أنا أنفي هذا الحديث.

وقد روي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما إيجاب الرجم على من وطىء جارية امرأته، وبه قال عطاء بن أبي رباح وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق.

وقال الزهري والأوزاعي يجلد ولا يرجم.

وقال أبو حنيفة وأصحابه فيمن أقر أنه زني بجارية امرأته يحد وإن قال ظننت أنها تحل لي لم يحده.

وعن الثوري أنه قال إذا كان يعرف بالجهالة يعزر ولا يحد، وقال بعض أهل العلم في تخريج هذا الحديث أن المرأة إذا أحلتها له فقد أوقع ذلك شبهة في الوطء فدرىء عنه الرجم، وإذا درأنا عنه حد الرجم وجب عليه التعزير لما أتاه من المحظور الذي لا يكاد يعذر بجهله أحد نشأ في الإسلام أو عرف شيئا من أحكام الدين فزيد في عدد التعزير حتى بلغ به حد الزنا للبكر ردعا له وتنكيلا.

وكأنه نحا في هذا التأويل نحو مذاهب مالك فإنه يرى للإمام أن يبلغ بالتعزير مبلغ الحد وإن رأى أن يزيد عليه فعل.

1172- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق أن رسول الله ﷺ قضى في رجل وقع على جارية امرأته إن كان استكرهها فهي حرة وعليه لسيدتها مثلها وإن طاوعته فهي له وعليه لسيدتها مثلها.

قلت هذا حديث منكر وقبيصة بن حريث غير معروف والحجة لا تقوم بمثله، وكان الحسن لا يبالي أن يروي الحديث ممن سمع.

وقد روي عن الأشعث صاحب الحسن أنه قال بلغني أن هذا كان قبل الحدود.

قلت لا أعلم أحدا من الفقهاء يقول به، وفيه أمور تخالف الأصول.

منها إيجاب المثل في الحيوان ومنها استجلاب الملك بالزنا.

ومنها إسقاط الحد عن البدن وايجاب العقوبة في المال.

وهذه كلها أمور منكرة لا تخرج على مذهب أحد من الفقهاء وخليق أن يكون الحديث منسوخا إن كان له أصل في الرواية والله أعلم.

20/28م ومن باب من عمل عمل قوم لوط

1173- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به.

1174- قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن خثيم قال سمعت سعيد بن جبير ومجاهد يحدثان عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه في البكر يوجد على اللوطية قال يرجم.

قلت في هذا الصنع هذه العقوبة العظيمة وكأن معنى الفقهاء فيه أن الله سبحانه أمطر الحجارة على قوم لوط فقتلهم بها ورتبوا القتل المأمور به على معاني ما جاء فيه في أحكام الشريعة فقالوا يقتل بالحجارة رجما إن كان محصنا ويجلد مائة إن كان بكرا ولا يقتل.

وإلى هذا ذهب سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والنخعي والحسن وقتادة وهو أظهر قولي الشافعي.

وحكي ذلك أيضا، عن أبي يوسف ومحمد.

وقال الأوزاعي حكمه حكم الزاني، وقال مالك بن أنس وإسحاق بن راهويه يرجم إن أحصن أو لم يحصن وروى ذلك عن الشعبي.

وقال أبو حنيفة يعزر ولا يحد وذلك أن هذا الفعل ليس عندهم زنا.

وقال بعض أهل الظاهر لا شيء على من فعل هذا الصنيع.

قلت وهذا أبعد الأقاويل من الصواب وأدعاها إلى إغراء الفجار به وتهوين ذلك بأعينهم وهو قول مرغوب عنه.

21/29م ومن باب فيمن أتى بهيمة

1175- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثني عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ من أتي بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه، قال قلت ما شأن البهيمة قال ما أراه قال ذلك إلا أنه كره أن يؤكل لحمها وقد عمل بها ذلك العمل.

1176- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس أن شريكا وأبا الأحوص وأبا بكر بن عياش حدثوهم عن عاصم عن ابن رزين عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ليس على الذي يأتي بهيمة حد.

قال أبو داود وحديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو.

قلت يريد أن ابن عباس لو كان عنده في هذا الباب حديث عن النبي ﷺ لم يخالفه.

وقال يحيى بن معين عمرو بن أبي عمرو ليس به بأس وليس بالقوي.

وقال محمد بن إسماعيل عمرو صدوق ولكن روى عن عكرمة مناكير ولم يذكر في شيء عمن حديثه أنه سمع من عكرمة.

قلت وقد عارض هذا الحديث نهي النبي ﷺ عن قتل الحيوان إلا لمأكلة.

وقد اختلف العلماء فيمن أتي هذا الفعل فقال إسحاق بن راهويه يقتل إذا تعمد ذلك وهو يعلم ما جاء فيه عن رسول الله ﷺ فإن درأ عنه إمام القتل فلا ينبغي أن يدرأ عنه جلد مائة تشبيها بالزنا.

وروي عن الحسن أنه قال يرجم إن كان محصنا ويجلد إن كان بكرا.

وقال الزهري يجلد مائة أحصن أو لم يحصن.

وقال أكثر الفقهاء يعزر وكذلك قال عطاء والنخعي وبه قال مالك وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل، وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه وهو أحد قولي الشافعي وقوله الآخر إن حكمه حكم الزاني.

22/32م ومن باب الأمة تزني ولم تحصن

1177- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رسول الله ﷺ سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، قال إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير، قال ابن شهاب لا أدري في الثالثة أو الرابعة والضفير الحبل.

فيه من الفقه وجوب إقامة الحد على المماليك إلا أن حدودهم على النصف من حدود الأحرار اقوله تعالى {فلهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [8].

ولا يرجم المماليك وإن كانوا ذوي أزواج لأن الرجم لا يتنصف فعلم أنهم لم بدخلوا في الخطاب ولم يعنوا بهذا الحكم.

وأما قوله إذا زنت ولم تحصن فقد اختلف الناس في هذه اللفظة فقال بعضهم إنها غير محفوظة.

وقد روي هذا الحديث من طريق غير هذا ليس فيه ذكر الإحصان.

وقال بعضهم إنما هو مسألة عن أمة زنت ولا زوج لها فقال النبي ﷺ: تجلد أي كما تجلد ذوات الزوج وإنما هو اتفلق حال في المسؤول عنه وليس بشرط يتعلق به في الحكم فيختلف من أجل وجوده وعدمه.

وقد اختلف الناس في المملوكة إذا زنت ولا زوج لها، فروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال لا حد عليها حتى تحصن وكذلك قال طاوس.

وقرأ ابن عباس {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [9] وقرأها أحصن بضم الألف.

وقال أكثر الفقهاء تجلد وإن لم تتزوج ومعنى الإحصان فيهن الإسلام.

وقرأها عاصم والأعمش وحمزة والكسائي أحصن مفتوحة الألف بمعنى أسلمن. والضفير الحبل المفتول.

وفيه دليل على أن الزنا عيب في الرقيق يرد به ولذلك حط من القيمة وهضم من الثمن.

وفيه دليل على جواز بيع غير المحجورعليه ماله بما لا يتغابن به الناس.

1178- قال أبو داود: حدثنا ابن نفيل حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ بهذا الحديث، وقال إن زنت فليضربها كتاب الله ولا يثرّب عليها.

معنى التثريب التعيير والتبكيت يقول لا يقتصر على أن يبكتها بفعلها أو يسبها ويعطل الحد الواجب عليها.

وفيه دليل على أن للسيد أن يقيم الحد على مملوكه دون السلطان.

وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما والحسن البصري والزهري، وبه قال سفيان الثوري ومالك والأوزاعي والشافعي.

وقال أبو حنيفة وأصحابه يرفعها إلى السلطان ولا يتولى إقامة الحد عليها.

في قوله فليضربها كتاب الله دليل على أن الضرب المأمور به هو تمام الحد المذكور في الكتاب الذي هو عقوبة الزاني دون ضرب التعزير والتأديب.

وقال أبو ثور في هذا الحديث إيجاب الحد وإيجاب للبيع أيضا لا يمسكها إذا زنت أربعا.

23/32م ومن باب إقامة الحد على المريض

1179- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو أمامة عن سهل بن حنيف أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله ﷺ من الأنصار أنه اشتكى رجل منهم حتى أضني فعاد جلدة على عظم فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال من قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال استفتوا لي رسول الله ﷺ فإني قد وقعت على جارية دخلت علي فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ وقالوا ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي هو به لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظم فأمر به رسول الله ﷺ أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة.

قوله أضني معناه أصابه الضنى وهو شدة المرض وسوء الحال حتى ينحل بدنه ويهزل، ويقال إن النضى انتكاس العلة.

وفيه من الفقه أن المريض إذا كان ميؤوسا منه ومن معاودة الصحة والقوة إياه وقد وجب عليه الحد فإنه يتناول بالضرب الخفيف الذي لا يهده.

وممن قال من العلماء بظاهر هذا الحديث الشافعي، وقال إذا ضربه ضربة واحدة بما يجمع له من الشماريخ فعلم أن قد وصلت كلها إليه ووقعت به أجزأه ذلك.

وكان بعض أصحاب الشافعي يقول إذا كان السارق ضعيف البدن فخيف عليه من القطع التلف لم يقطع.

وقال بعضهم هذا الحديث أصل في وجوب القصاص على من قتل رجلا مريضا بنوع من الضرب لو ضرب بمثله صحيحا لم يهلك فإنه يعتبر خلقة المقتول في الضعف والقوة وبنيته في احتمال الألم فإن من الناس من لو ضرب الضرب المبرح الشديد لاحتمله بدنه وسلم عليه، ومنهم من لا يحتمله ويسرع إليه التلف بالضرب الذي ليس بالمبرح الشديد فإذا مات هذا الضعيف كان ضاربه قاتلا له وكان حكم الآخر بخلافه لقوة هذا وضعف ذلك.

قلت وهذا قول فيه نظر وضبط ذلك غير ممكن واعتباره متعذر والله أعلم.

وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه لا نعرف الحد إلا حدا واحدا الصحيح والزمن فيه سواء.

قالوا ولو جاز هذا لجاز مثله في الحامل أن تضرب بشماريخ النخل ونحوه، فلما أجمعوا أنه لا يجري ذلك في الحامل كان الزمن مثل ذلك.

24/35م ومن باب الحد في الخمر

1180- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن على ومحمد بن المثنى وهذا حديثه قالا: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن محمد بن علي بن ركانة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ لم يَقِت في الخمر حدا.

وقال ابن عباس شرب رجل فسكر فلقي يميل في الفج فانطلق به إلى النبي ﷺ فلما حاذى بدار العباس رضي الله عنه انفلت فدخل على العباس فالتزمه فذكر ذلك للنبي ﷺ فضحك وقال أفعلها ولم يأمر فيه بشيء.

قلت في هذا دليل على أن حد الخمر أخف الحدود وإن كان الخطب فيه أيسر منه في سائر الفواحش.

وقد يحتمل أن يكون إنما لم يتعرض له بعد دخوله دار العباس رضي الله عنه من أجل أنه لم يكن ثبت عليه الحد بإقرار منه أو شهادة عدول، وإنما لقي في الفج يميل فظن به السكر فلم يكشف عنه رسول الله ﷺ وتركه على ذلك والله أعلم.

والفج الطريق. وقوله لم يقت أي لم يوقت يقال وقت يقت ومنه قول الله تعالى {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [10].

1181- قال أبو داود: حدثنا مسدد وموسى بن إسماعيل المعنى قالا: حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله الداناج حدثني حضين بن المنذر الرقاشي هو أبو ساسان قال شهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأتي بالوليد بن عتبة فشهد عليه حمران ورجل آخر فشهد أحدهما أنه رآه يشربها، يَعني الخمر، وشهد الآخر أن رآه يتقاياها، قال عثمان رضي الله عنه أنه لم يتقاياها حتى شربها وقال لعلي كرم الله وجهه أقم عليه الحد فقال علي للحسين رضي الله عنهما أقم عليه الحد فقال الحسن رضي الله عنه ولِّ حارَّها من تولى قارَّها، فقال علي كرم الله وجهه لعبد الله بن جعفر أقم عليه الحد فأخذ السوط فجلده وعليّ يعد فلما بلغ أربعين قال حسبك جلد النبي ﷺ أربعين وجلد أبو بكر رضي الله عنه أربعين وجلد عمر رضي الله عنه ثمانين وكلٌ سنة وهذا أحب إليَّ منه.

قوله ول حارها من تولى قارها مَثَل أي ول العقوبة والضرب من توليه العمل والنفع. والقار البارد.

وقال الأصمعي معناه ولِّ شديدها من تولى هينها وكلاهما قريب.

وفي قول علي رضي الله عنه عند الأربعين حسبك دليل على أن أصل الحد في الخمر إنما هو أربعون وما وراءها تعزير. وللإمام أن يزيد في العقوية إذا أداه اجتهاده إلى ذلك، ولو كانت الثمانون حدا ما كان لأحد فيه الخيار، وإلى هذا ذهب الشافعي.

وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه الحد في الخمر ثمانون ولا خيار للإمام فيه.

وقوله وكل سنة يريد أن الأربعين سنة قد عمل بها النبي ﷺ في زمانه، والثمانون سنة رآها عمر رضي الله عنه ووافقه من الصحابة علي فصارت سنة.

وقد قال ﷺ اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر.

1182- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان عن عاصم، عن أبي صالح عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله ﷺ: إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثم إن شربوا فاجلدوهم ثم إن شربوا فاجلدوهم ثم إن شربوا فاقتلوهم.

قلت قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل فإنما يقصد به الردع والتحذير كقوله ﷺ من قتل عبده قتلناه ومن جذع عبده جذعناه وهو لو قتل عبده لم يقتل به في قول عامة العلماء، وكذلك لو جذعه لم يجذع له بالاتفاق.

وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبا ثم نسخ لحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل. وقد روي عن قبيصة بن ذؤيب ما يدل على ذلك.

1183- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا سفيان حدثنا الزهري أخبرنا قبيصة بن ذؤيب أن النبي ﷺ قال: من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به فجلده ثم أتي به فجلده ثم أتي فجلده ورفع القتل وكانت رخصة.

1184- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد أن ابن شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر قال كأني أنظر إلى رسول الله ﷺ الآن وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد فبينما هو كذلك إذ أتي برجل قد شرب الخمر فقال للناس اضربوه فمنهم من ضربه بالنعال ومنهم من ضربه بالعصا ومنهم من ضربه بالميتخة. قال ابن وهب الجريدة الرطبة.

قلت هكذا قال الميتخة الياء قبل التاء وهي اسم للعصا الخفيفة وهي أيضا المتيخة التاء المعجمة من فوق قبل الياء وسميت متيخة لأنها تتوخ أي تأخذ في المضروب من قولك تاخت أصبعي في الطين.

25/37م ومن باب في التعزير

1185- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله الأشج عن سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبي بردة الأنصاري أن رسول الله ﷺ كان يقول: لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله.

قلت قد اختلفت أقاويل العلماء في مقدار التعزير ويشبه أن يكون السبب في اختلاف مقاديره عندهم ما رواه من اختلاف مقادير الجنايات والأجرام فزادوا في الأدب ونقصوا منه على حسب ذلك.

وكان أحمد بن حنبل يقول للرجل أن يضرب عبده على ترك الصلاة وعلى المعصية فلا يضرب فوق عشر جلدات، وكذلك قال إسحاق بن راهويه.

وكان الشعبي يقول التعزير ما بين سوط إلى ثلاثين.

وقال الشافعي لا يبلغ بعقوبته أربعين وكذلك قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن.

وقال أبو يوسف التعزير على قدر عظم الذنب وصغره على قدر ما يرى الحاكم من احتمال المضروب فيما بينه وبين أقل من ثمانين.

وعن ابن أبي ليلى إلى خمسة وسبعين سوطا.

وقال مالك بن أنس التعزير على قدر الجرم فإن كان جرمه أعظم من القذف ضرب مائة أو أكثر.

وقال أبو ثور التعزير على قدر الجناية وتسرع الفاعل في الشر وعلى ما يكون أنكل وأبلغ في الأدب وإن جاوز التعزير الحد إذا كان الجرم عظيما مثل أن يقتل الرجل عبده أو يقطع منه شيئا أو يعاقبه عقوبة يسرف فيها فيكون العقوبة فيه على قدر ذلك وما يراه الإمام إذا كان مأمونا عدلا.

وقال بعضهم لا يبلغ بالأدب عشرين لأنها أقل الحدود وذلك أن العبد يضرب في شرب الخمر عشرون.

وقد تأول بعض أصحاب الشافعي قوله في جواز الزيادة على الجلدات العشر إلى ما دون الأربعين أنها لا تزداد بالأسواط ولكن بالأيدي والنعال والثياب ونحوها على ما يراه الإمام كما روي فيه حديث عبد الرحمن بن الأزهر.

قلت التعزير على مذاهب أكثر الفقهاء إنما هو أدب يقصر على مقدار أقل الحدود إذا كانت الجناية الموجبة للتعزير قاصرة عن مبلغ الجناية الموجبة للحد كما أن أرش الجناية الواقعة في العضو أبدا قاصر عن كمال ذلك العضو وذلك أن العضو إذا كان في كله شيء معلوم فوقعت الجناية على بعضه كان معقولا أنه لا يستحق فيه كل ما في العضو.

هامش

  1. [النساء: 15]
  2. [النساء: 24]
  3. [البقرة: 178]
  4. [المائدة: 45]
  5. [النساء: 16]
  6. [النساء: 15]
  7. [المائدة: 49]
  8. [النساء: 25]
  9. [النساء: 25]
  10. [النساء: 103]

هامش