→ السابق | معالم السنن للإمام الخطابي
|
اللاحق ← |
32/35-36م ومن باب ما يقال للمتزوج
1042- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا عبدالعزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي ﷺ كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير.
قال الشيخ قوله رفأ يريد هناه ودعا له وكان من عادتهم أن يقولوا بالرفاء والبنين وأصله من الرفىء وهو على معنيين أحدهما التسكين ؛ يقال رفوت الرجل إذا سكنت ما به من روع قال الشاعر:
رفوني وقالوا يا خويلد لم تُرع …فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
والآخر أن يكون بمعنى الموافقة والملائمة ومنه رفوت الثوب، وفيه لغتان يقال رفوت الثوب ورفأته وأنشد أبو زيد:
عمامة غير جد واسعة …أخيطها تارة وأرفأها
وقد روي عن النبي ﷺ أنه نهى أن يقال للمتزوج بالرفاء والبنين.
33/36-37م ومن باب من تزوج امرأة فوجدها حبلى
1043- قال أبو داود: حدثنا مخلد بن خالد والحسن بن علي وابن أبي السري العسقلاني المعنى قالوا أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثنا ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار قال ابن أبي السري من أصحاب النبي ﷺ ولم يقل من الأنصار ثم اتفقوا يقال له بصرة، قال تزوجت امرأة بكرا في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى، فقال النبي ﷺ: لها الصداق بما استحللت من فرجها والولد عبد لك فإذا ولدت فاجلدوها أو قال فحدوها.
1044- قال أبو داود: روى هذا الحديث قتادة عن سعيد بن يزيد عن ابن المسيب ويحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم عن ابن المسيب وعطاء الخراساني عن ابن المسيب أرسلوه عن النبي ﷺ.
قال الشيخ هذا الحديث لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به وهو مرسل ولا أعلم أحدا من العلماء اختلف في أن ولد الزنا حر إذا كان من حرة فكيف يستعبده ويشبه أن يكون معناه أن ثبت الخبر أنه أوصاه به خيرا أو أمره باصطناعه وتربيته واقتنائه لينتفع بخدمته إذا بلغ فيكون كالعبد له في الطاعة مكافأة له على إحسانه وجزاء لمعروفه.
وفيه حجة إن ثبت الحديث لمن رأى الحمل من الفجور يمنع عقد النكاح وهو قول سفيان الثوري وأبي يوسف وأحمد بن حنبل وإسحاق.
وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن النكاح جائز وهو قول الشافعي والوطء على مذهبه مكروه ولا عدة عليها في قول أبي يوسف وكذلك عند الشافعي.
قال الشيخ ويشبه أن يكون إنما جعل لها صداق المثل دون المسمى لأن في هذا الحديث من رواية زيد بن نعيم عن ابن المسيب أنه فرق بينهما ولو كان النكاح وقع صحيحا لم يجب التفريق لأن حدوث الزنا بالمنكوحة لا يفسخ النكاح ولا يوجب للزوج الخيار. ويحتمل أن يكون الحديث إن كان له أصل منسوخا والله أعلم.
34/37-38م ومن باب في القسم بين النساء
1045- قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: حدثنا همام، قال: حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل.
قال الشيخ في هذا دلالة على توكيد وجوب القسم بين الضرائر الحرائر وإنما المكروه من الميل هو ميل العشرة الذي يكون معه بخس الحق دون ميل القلوب فإن القلوب لا تملك فكان رسول الله ﷺ يسوي في القسم بين نسائه ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تواخذني فيما لا أملك، وفي هذا نزل قوله تعالى {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولوحرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة} [1].
1046- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله ﷺ إذا أراد السفر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غيرأن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة.
قال الشيخ فيه إثبات القرعة وفيه أن القسم قد يكون بالنهار كما يكون بالليل وفيه أن الهبة قد تجري في حقوق عشرة الزوجية كما تجري في حقوق الأموال.
واتفق أكثر أهل العلم على أن المرأة التي تخرج بها في السفر لا يحسب عليها بتلك المدة للبواقي ولا تقاص بما فاتهن في أيام الغيبة إذا كان خروجها بقرعة.
وزعم بعض أهل العلم أن عليه أن يوفي للبواقي ما فاتهن أيام غيبته حتى يساوينها في الحظ. والقول الأول أولى لاجتماع عامة أهل العلم عليه، ولأنها إنما أرفقت بزيادة الحظ بما يلحقها من مشقة السفر وتعب السير والقواعد خليات من ذلك فلو سوى بينها وبينهن لكان في ذلك العدول عن الانصاف والله أعلم.
35/38-39م ومن باب الرجل يتزوج امرأة ويشرط لها دارها
1047- قال أبو داود: حدثنا عيسى بن حماد المصري، قال: حدثنا اليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن رسول الله ﷺ أنه قال: أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج.
قال الشيخ كان أحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه يريان أن من تزوج امرأة على أن لا يخرجها من دارها أو لا يخرج بها إلى البلد أو ما أشبه ذلك أن عليه الوفاء بذلك وهو قول الأوزاعى وقد روي معناه عن عمر رضي الله عنه.
وقال سفيان وأصحاب الرأي إن شاء ينقلها عن دارها كان له ؛ وكذلك قال الشافعي ومالك، وقال النخعي كل شرط في نكاح فإن النكاح يهدمه إلا الطلاق وهو مذهب عطاء والشعبي والزهري وقتادة وابن المسيب والحسن وابن سيرين قال وتأويل الحديث على مذهب هؤلاء أن يكون ما يشترطه من ذلك خاصا في المهر والحقوق الواجبة التي هي مقتضى العقد دون غيرها مما لا يقتضيه والله أعلم.
36/41-42م ومن باب في ضرب النساء
1048- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال قال رسول الله ﷺ: لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى رسول الله ﷺ فقال ذئِرن النساء على أزواجهن فرخص في ضربهن فأطاف بآل رسول الله ﷺ نساء كثير يشكون أزواجهن فقال ﷺ: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم.
قوله ذئرن معناه سوء الخلق والجرأة على الأزواج والذائر المغتاظ على خصمه المستعد للشر، ويقال اذرأت الرجل بالشر إذا اغريته به فيكون معناه على هذا أنهن أغرين بأزواجهن واستخففن بحقوقهم.
وفي الحديث من الفقه أن ضرب النساء في منع حقوق النكاح مباح إلا أنه ضرب غير مبرح.
وفيه بيان أن الصبر على سوء أخلاقهن والتجافي عما يكون منهن أفضل.
37/40-41م ومن باب حق المرأة على الزوج
1049- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد قال أخبرنا أبو قزعة سويد بن حجر الباهلي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه، قال أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت.
قال الشيخ في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها وليس في ذلك حد معلوم، وإنما هو على المعروف وعلى قدر وسع الزوج وجِدته وإذا جعله النبي ﷺ حقا لها فهولازم للزوج حضر أو غاب وإن لم يجده في وقته كان دينا عليه إلى أن يؤديه إليها كسائر الحقوق الواجبة، وسواء فرض لها القاضي عليه أيام غيبته أو لم يفرض.
وفي قوله ولا تضرب الوجه دلالة على جواز الضرب على غير الوجه إلا أنه ضرب غير مبرح، وقد نهى ﷺ عن ضرب الوجه نهيا عاما لا تضرب آدميا ولا بهيمة على الوجه.
وقوله ولا تقبح معناه لا يسمعها المكروه ولا يشتمها بأن يقول قبحك الله وما أشبهه من الكلام.
وقوله لا تهجر إلا في البيت أي لا تهجرها إلا في المضجع ولا تتحول عنها أو تحولها إلى دار أخرى.
38/42-43م ومن باب ما يؤمر به من غض البصر
1050- قال أبو داود: حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال أخبرنا شريك، عن أبي ربيعة الإيادي عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليس لك الآخرة.
قال الشيخ النظرة الأولى إنما تكون له لا عليه إذا كانت فجأة من غير قصد أو تعمد وليس له أن يكرر النظر ثانية ولا له أن يتعمده بدءا كان أو عودا.
1051- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد، عن أبي زرعة عن جرير، قال سألت رسول الله ﷺ عن نظرة الفجأة فقال اصرف بصرك.
قال الشيخ ويروى اطرق بصرك حدثنا ابن الأعرابي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن يونس بن عبيد عن عمر بن سعيد، عن أبي زرعة عن جرير، قال سألت رسول الله ﷺ عن نظرة الفجأة فقال اطرق بصرك.
قال الشيخ الأطراق أن يقبل ببصره إلى صدره والصرف أن يقبله إلى الشق الآخر أو الناحية الأخرى.
1052- قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حدثنا أبو عَوانة عن الأعمش، عن أبي وائل، عن أبي مسعود قال: قال رسول الله ﷺ قال لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها.
قال الشيخ فيه دلالة على أن الحيوان قد يضبط بالصفة ضبط حصر وإحالة واستدلوا به على جواز السلم في الحيوان.
1053- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد، قال: حدثنا أبو ثور عن معمر قال أخبرنا طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي ﷺ إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق تمنّى وتشتهي والفرج يصدق ذلك ويكذبه.
قال الشيخ قوله اشبه باللمم يريد بذلك ما عفا الله عنه من صغائر الذنوب وهو معنى قوله تعالى {الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم} [2] وهو ما يلم به الإنسان من صغائر الذنوب التي لا يكاد يسلم منها إلا من عصمه الله تعالى وحفظه وإنما سمي النظر زنا والقول زنا لأنهما مقدمتان للزنا فإن البصر رائد واللسان خاطب والفرج مصدق للزنا ومحقق له بالفعل.
وفي قوله والفرج يصدق ذلك ويكذبه مستدل لمن جعل المتلوط زانيا يجلد أو يرجم كسائر الزناة وذلك أنه قد واقع الفرج بفرجه وهو صورة الزنا حقيقة.
39/43-44م ومن باب وطء السبايا
1054- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن عمر بن ميسرة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن صالح بن أبي الخليل، عن أبي علقمة الهاشمي، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ بعث يوم حنين بعثا إلى أوطاس فلقوا العدو فقاتلوهم وظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكأن أناسا من أصحاب رسول الله ﷺ تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله في ذلك {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [3] أي فهن لهم حلال إذا انقضت عدتهن.
قال الشيخ المحصنات من النساء معناه المتزوجات، وفيه بيان أن الزوجين إذا سبيا معا فقد وقعت الفرقة بينهما كما لو سبي أحدهما دون الآخر.
وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأبو ثور واحتجوا بأن رسول الله ﷺ قسم السبي، وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائض حتى تحيض، ولم يسأل عن ذات زوج وغيرها ولا عمن كانت سبيت منهن مع الزوج أو وحدها فدل أن الحكم في ذلك واحد.
وقال أبو حنيفة إذا سبيا جميعا فهما على نكاحهما الأول وقال الأوزاعي ما كان في المقاسم فهما على نكاحهما فإن اشتراهما رجل فشاء أن يجمع بينهما جمع وإن شاء فرق بينهما واتخذها لنفسه بعد أن يستبرئها بحيضة.
وفي قوله إذا انقضت عدتهن دليل على ثبوت أنكحة أهل الشرك ولولا ذلك لم يكن للعدة معنى.
وقد تأول ابن عباس الاية في الأمة يشتريها ولها زوج، فقال بيعها طلاقها وللمشتري اتخلذها لنفسه وهو خلاف أقاويل عامة العلماء، وحديث بريرة يدل على خلاف قوله.
1055- قال أبو داود: حدثنا النفيلي، قال: حدثنا مسكين، قال: حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه، عن أبي الدرداء أن رسول الله ﷺ كان في غزوة فرأى امرأة مُخجا فقال لعل صاحبها ألمَّ بها قالوا نعم، قال لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره كيف يورثه وهولا يحل له.
قال الشيخ المخج الحامل المقرب، وفيه بيان أن وطئ الحبالى من النساء لا يجوز حتى يضعن حملهن.
وقوله كيف يورثه وهو لا يحل له أم كيف يستخدمه وهو لا يحل له، يريد أن ذلك الحمل قد يكون من زوجها المشرك فلا يحل له استلحاقه وتوريثه، وقد يكون منه إذا وطئها أن ينفش ما كان في الظاهر حملا وتعلق من وطئه فلا يجوز له سبيه واستخدامه.
وفي هذا دليل على أنه لا يجوز استرقاق الولد بعد الوطء إذا كان وضع الحمل بعده بمدة تبلغ أدنى مدة الحمل وهو ستة أشهر.
1056- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا شريك عن قيس بن وهب، عن أبي الودّاك، عن أبي سعيد الخدري ورفعه أنه ﷺ قال في سبايا أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة.
قال الشيخ فيه من الفقه أن السبي ينقض الملك المتقدم ويفسخ النكاح.
وفيه دليل على أن استحداث الملك يوجب الاستبراء في الإماء فلا توطأ ثيب ولا عذراء حتى تستبري بحيضة ويدخل في ذلك المكاتبة إذا عجزت فعادت إلى الملك المطلق ؛ وكذلك من رجعت إلى ملكه بإقالة بعد البيع وسواء كانت الأمة مشتراة من رجل أو امرأة لأن العموم يأتي على ذلك أجمع.
وفي قوله حتى تحيض دليل على أنه إذا اشتراها وهي حائض فإنه لا يعتد بتلك الحيضة حتى تستبرىء بحيضة مستأنفة.
وقد يستدل بهذا الحديث من يى أن الحامل لا تحيض وأن الدم الذي ترام أيام حيضها غير محكوم له بحكم الحيض في ترك الصلاة والصيام، قال وذلك لأنه جعل الحيض دليل براءة الرحم فلو صح وجوده مع الحمل لانتقضت دلالته في الاستبراء ولم يكن للفرق الذي جاء في هذا الحديث بينهما معنى، وإلى هذا ذهب أصحاب الرأي.
وقال الشافعي الحامل تحيض وإذا رأت الدم المعتاد أمسكت عن الصلاة وإنما جعل الحيض في الحامل علما لبراءة الرحم من طريق الظاهر فإذا جاء ما هو أظهر منه وأقوى في الدلالة سقط اعتباره ويأمرها بأن تمسك عن الصلاة ولا تنقضي عدتها إلا بوضع الحمل، وذهب إلى أن وجود الدم لا يمنع من وجود الاعتداد بالحمل كما لم يمنع وجوده في المتوفى عنها زوجها من الاعتداد بالأربعة الأشهر والعشر.
1057- قال أبو داود: حدثنا النفيلي، قال: حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق، قال حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: قال رسول الله ﷺ يوم حنين لا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره، يَعني اتيان الحبالى.
قال الشيخ شبه ﷺ الولد إذا علق بالرحم بالزرع إذا نبت ورسخ في الأرض وفيه كراهة وطء الحبلى إذا كان الحبل من غير الواطىء على الوجوه كلها، وقد يستدل به من يرى الحاق الولد بالواطئين إذا كان ذلك منهما، وقالوا قد شبه النبي ﷺ الولد بالزرع أي كما يزيد الماء في الزرع كذلك يزيد المني في الولد.
قال الشيخ وهذا تشبيه علي معنى التقريب وهو في قوله زرع غيره قطع إضافة ملك الزرع عن الساقى وإثباته لرب الزرع وهو الزارع فقياسه في التشبيه به أن لا يكون الولد لهما جميعا وإنما يكون لأحدهما.
40/44-45م ومن باب جامع النكاج
1058- قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ قال حدثني محمد بن يونس بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال إن ابن عمر والله يغفر له. أوهم إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف واحد، وذلك أستر ما تكون المرأة فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شريحا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فأصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى شرى أمرهما فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} [4] أي مقبلات ومدبرات، يَعني بذلك موضع الولد.
قال الشيخ قوله أوهم ابن عمر هكذا وقع في الرواية والصواب وهم بغير ألف يقال وهم الرجل إذا غلط في الشيء، ووهم مفتوحة الهاء إذا ذهب وهمه إلى الشيء وأوهم بالألف إذا أسقط من قراءته أو كلامه شيئا، ويشبه أن يكون قد بلغ ابن عباس عن ابن عمر في تأويل الآية شيء خلاف ما كان يذهب إليه ابن عباس.
وقوله يشرحون النساء أصل الشرح في اللغة البسط ومنه انشراح الصدر بالأمر وهو انفتاحه ومن هذا قولهم شرحت المسألة إذا فتحت المنغلق منها وبينت المشكل من معناها.
وقوله حتى شرى أمرهما أي ارتفع وعظم، وأصله من قولك شرى البرق إذا لج في اللمعان واستشرى الرجل إذا لج في الأمر.
وفيه بيان تحري إتيان النساء في أدبارهن مع ما جاء في النهي في ذلك في سائر الأخبار.
41/45-46م ومن باب في اتيان الحائض
1059- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة اخرجوها من البيت ولم يواكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت فسأل رسول الله ﷺ عن ذلك فأنزل الله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} [5] إلى آخر الآية فقال رسول الله ﷺ جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح، فقالت اليهود ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه فجاء أُسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي ﷺ فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض فتمعر وجه رسول الله ﷺ حتى ظننا أنه قد وجد عليهما فخرجا فلستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله ﷺ فبعث في آثارهما فظننا أنه لم يجد عليهما.
معناه علمناه وذلك أنه لا يدعوهما إلى مجالسته ومواكلته إلا وهو غير واجد عليهما والظن يكون بمعنيين أحدهما بمعنى الحسبان والآخر بمعنى اليقين فكان اللفظ الأول منصرفا إلى الحسبان والآخر إلى العلم وزوال الشك كقول دريد بن الصمة:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج... سراتهم بالفارسي المسردد
1060- قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء ومسدد قالا: حدثنا حفص عن الشيباني عن عبد الله بن شداد عن خالته ميمونه بنت الحارث أن رسول الله ﷺ كان إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض أمرها أن تتزر ثم يباشرها.
قال الشيخ في هذا دليل على أن ما تحت الازار من الحيض حمى لا يقرب، وإليه ذهب مالك بن أنس وأبو حنيفة وهو قول سعيد بن المسيب وشريح وعطاء وطاوس وقتادة.
ورخص بعضهم في اتيانها دون الفرج وهو قول عكرمة، وإلى نحو من هذا أشار الشافعي.
وقال إسحاق إن جامعها دون الفرج لم يكن به بأس، وقول أبي يوسف ومحمد قريب من ذلك.
42/47-48م ومن باب في العزل
1061- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا الفضل بن دُكين، قال: حدثنا زهير، عن أبي الزبير عن جابر، قال جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله ﷺ فقال إن لي جارية أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل، فقال أعزل عنها إن شئت فأنه سيأتيها ما قدر لها، قال فلبث الرجل ثم أتاه فقال إن الجارية قد حملت، قال قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها.
قال في هذا الحديث من العلم اباحة العزل عن الجواري، وقد رخص فيه غير واحد من الصحابة والتابعين وكرهه بعض الصحابة.
وروي عن ابن عباس أنه قال تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الجارية وإليه ذهب أحمد بن حنبل.
وقال مالك لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها ولا يعزل عن الجارية إذا كانت زوجة إلا بإذن أهلها ويعزل عن أمته بغير إذن.
وفي الحديث دلالة على أنه إذا أقر بوطء أمته وادعى العزل فان الولد لاحق به إلا أن يدعي الاستبراء وهذا على قول من يرى الأمة فراشا وإليه ذهب الشافعي.
43/48-49م ومن باب ما يكره من ذكر الرجل
ما يكون بينه وبين أهله
1062- قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حدثنا بشر، قال: حدثنا الجريري، عن أبي نضرة قال حدثني شيخ من طفاوة قال تثوّيت أبا هريرة بالمدينة فلم أر رجلا من أصحاب النبي ﷺ أشد تشميرا وأقوم على ضيف منه وساق الحديث إلى أن قال: قال رسول الله ﷺ إن نَّساني الشيطان شيئا من صلواتي فليسبح القوم وليصفق النساء.
قوله تثويت أبا هريرة معناه جئته ضيفا، والثوى معناه الضيف وهذا كما تقول تضيفته إذا ضفته وقوله فليسبح القوم يريد الرجال دون النساء ومرسل اسم القوم في اللغة إنما ينطلق على الرجال دون النساء قال زهير:
وما أدري وسوف أخال أدري... أقوم آل حصن أم نساء
ويدل على ذلك قوله وليصفق النساء فقابل النساء فدل أنهن لم يدخلن فيهم.
13 كتاب الطلاق
1/1م ومن باب المرأة تسأل زوجها طلاق امرأة له
1063- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صَحْفَتَها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها.
قال الشيخ قوله لتستفرغ صحفتها مثل يريد بذلك الاستئثار عليها بحظها فتكون كمن أفرغ صحفة غيره فكفأ ما في انائه فقلبه في إناء نفسه.
2/3م ومن باب كراهية الطلاق
1064- قال أبو داود: حدثنا كثير بن عبيد، قال: حدثنا محمد بن خالد عن معروف بن واصل عن محارب بن دثار عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال ابغض الحلال إلى الله الطلاق.
قال الشيخ المشهور في هذا عن محارب بن دثار مرسل عن النبي ﷺ ليس فيه ابن عمر، ومعنى الكراهة فيه منصرف إلى السبب الجالب للطلاق وهو سوء العشرة وقلة الموافقة لا إلى نفس الطلاق فقد أباح الله الطلاق وثبت عن رسول الله ﷺ أنه طلق بعض نسائه ثم راجعها، وكانت لابن عمر امرأة يحبها وكان عمر رضي الله عنه يكره صحبته إياها فشكاه إلى رسول الله ﷺ فدعا به وقال يا عبد الله طلق امرأتك فطلقها وهو لا يأمر بأمر يكرهه الله.
3/4م ومن باب طلاق السنة
1065- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله ﷺ فسأل عمر بن الخطاب رسول الله ﷺ عن ذلك، فقال مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم أن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء.
قال الشيخ قوله فتلك العدة التي أمرالله أن يطلق لها النساء، فيه بيان أن الاقراء التي تعتد بها هي الاطهار دون الحيض، وذلك أن قوله فتلك إشارة إلى ما دل الكلام المتقدم.
وقد تقدم ذكر الحيض قبل ذلك فلم يعلق الحكم عليه ثم أتبعه ذكر الطهر وقال عند ذلك فتلك العدة التي أمر الله فعلم أنه وقت العدة وزمانه.
ومعنى الكلام في قوله لها معنى في يريد إنهاء العدة التي يطلق فيها النساء كما يقول القائل كتبت لخمس خلون من الشهر أي وقت خلا فيه من الشهر خمس ليال وإذا كان وقت الطلاق الطهر ثبت أنه محل العدة، وهو معنى قوله فطلقوهن لعدتهن أي في وقت عدتهن. وبيان ذلك قوله واحصوا العدة فعلم أن العدة التي أمر أن يطلق لها هي التي تحيضها، ومما يؤكد ذلك قوله ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق فدل أن الطهر هو المعتد به في الاقراء ولولا أنه كذلك لأمره بأن يهل حتى يكون آخر وقت الطهر وتشارف الحيض فيقول له حينئذ طلق لأنه إنما نهى عن الطلاق في الحيض لئلا يطول عليها العدة فلم يكن ليجوزه في هذا وذلك المعنى بعينه موجود.
وفي الحديث دليل على أن الطلاق في الحيض بدعة وأن من طلق في الحيض وكانت المرأة مدخولا بها وقد بقي من طلاقها شيء فان عليه أن يراجعها.
وفي قوله وإن شاء طلق قبل أن يمس دليل على أن من طلق امرأته في طهر كان أصابها فيه فإن عليه مراجعتها لأن كل واحد منهما مطلق لغير السنة وإذا اجتمعا في هذه العلة وجب أن يجتمعا في وجوب حكم الرجعة وهذا على معنى وجوب استعمال حكم السنة فيه.
وقال مالك بن أنس يلزمه لزوما لا يسعه غير ذلك.
وفيه دليل على أن طلاق البدعة يقع كوقوعه للسنة إذ لو لم يكن واقعا لم يكن لمراجعته إياها معنى.
وقالت الخوارج والروافض إذا طلق في وقت الحيض لم تطلق.
وفيه دلالة على أنه لا يحتاج في مراجعتها إلى إذن الولي أو رضاء المرأة لأنه أمره بمراجعتها وأطلق فعلها له من غير شرط قرنه به.
وفيه مستدل لمن ذهب إلى أن السنة أن لا يطلق أكثر من واحدة فان جمع بين التطليقتين أو الثلاثة فهو بدعة، وهو قول مالك وأصحاب الرأي. ووجه الاستدلال منه أنه لما أمره أن لا يطلق في الطهر الذي يلي الحيض علم أنه ليس له أن يطلقها بعد الطلقة الأولى حتى يستبرئها بحيضة فيخرج من هذا ان ليس للرجل إيقاع تطليقتين في قرء واحد.
وقال الشافعي إنما هي في الوقت دون العدد وله أن يطلقها واحدة وثنتين وثلاثا، وتأول أصحابه الخبر على أنه إنما منعه من طلاقها في ذلك الطهر لئلا تطول عليها العدة لأن المراجعة لم تكن تنفعها حينئذ فإذا كان كذلك كان يجب عليه أن يجامعها في الطهر ليتحقق معنى المراجعة، وإذا جامعها لم يكن له أن يطلق لأن الطلاق السني هو الذي يقع في طهر لم يجامع فيه على أن أكثر الروايات أنه قال مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق، هكذا رواية يونس بن جبير عن ابن عمر وكذلك رواية أنس بن سيرين وزيد بن أسلم وأبو وائل، وكذلك رواه سالم عن ابن عمر من طريق محمد بن عبد الرحمن عن سالم وإنما روى هذه الزيادة نافع عنه، وقد روي أيضا عن سالم من طريق الزهري.
وقد زعم بعض أهل العلم أن من قال لزوجته وهي حائض إذا طهرت فأنت طالق فإنه غير مطلق للسنة، واستدل بقوله ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق، قال فالمطلق للسنة هو الذي يكون مخيرا في وقت طلاقه بين إيقاع الطلاق وتركه ومن سبق منه هذا القول في وقت الحيض زائل عنه الخيار في وقت الطهر.
1066- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر رضي الله عنه للنبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ مره فليراجعها ثم ليطلقها إذا طهرت أو وهي حامل.
قال الشيخ في هذا بيان أنه إذا طلقها وهي حامل فهو مطلق للسنة ويطلقها أي وقت شاء في الحمل وهو قول عامة العلماء، إلا أن أصحاب الرأي اختلفوا فيها فقال أبو حنيفة وأبو يوسف يجعل بين وقوع التطليقتين شهرا حتى يستوفي الطلقات الثلاث.
وقال محمد بن الحسن وزفر لا يوقع عليها وهي حامل أكثر من تطليقة واحدة ويتركها حتى تضع حملها ثم يوقع سائر التطليقات.
1067- قال أبو داود: حدثنا القعنبي قال حدثني يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال حدثني يونس بن جبير قال سألت عبد الله بن عمر قال قلت رجل طلق امرأته وهي حائض، قال تعرف عبد الله بن عمر قلت نعم، قال فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر النبي ﷺ فسأله فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها في قبل عدتها، قال فقلت فيعتد بها قال فمه أرأيت إن عجز واستحمق.
قال الشيخ فيه بيان إن الطلاق في الحيض واقع ولولا أنه قد وقع لم يكن لأمره بالمراجعة معنى.
وفي قوله أرأيت إن عجز واستحمق حذف واضمار كأنه يقول أرأيت إن عجز واستحمق أسقط عنه الطلاق حمقه أو يبطله عجزه.
وفي قوله ثم ليطلقها في قبل عدتها بيان أنها تستقبل عدتها وتنشئها من لدن وقت وقوع الطلاق وهي حال الطهر.
1068- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع قال كيف ترى في رجل طلق امرأته، حائضا قال طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض فسأل عمر رضي الله عنه رسول الله ﷺ فقال إن عبدالله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فقال عبد الله فردها عليّ ولم يرها شيئا.
قال الشيخ حديث يونس بن جبير أثبت من هذا، وقال أبو داود جاءت الأحاديث كلها بخلاف ما رواه أبو الزبير، وقال أهل الحديث لم يرْو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا، وقد يحتمل أن يكون معناه أنه لم يره شيئا باتا يحرم معه المراجعة ولا تحل له إلا بعد زوج أو لم يره شيئا جائزا في السنة ماضيا في حكم الاختيار وإن كان لازما على سبيل الكراهة والله أعلم.
4/9-10م ومن باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث
1069- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني بعض بني رافع مولى النبي ﷺ عن عكرمة عن ابن عباس قال طلق عبد يزيد أبو ركانة أم ركانة ونكح امرأة من مزينة فجاءت إلى النبي ﷺ فقالت ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه فأخذت النبي ﷺ حمية فدعا بركانة واخوته ثم قال لجلسائه أترون فلانا يشبه منه كذا أو كذا من عبد يزيد، قالوا نعم قال لعبد يزيد طلقها ففعل، ثم قال راجع امرأتك أم ركانة، فقال إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله ققال قد علمت ارجعها وتلا {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [6] الآية.
قال الشيخ في إسناد هذا الحديث مقال لأن ابن جريج إنما رواه عن بعض بني أبي رافع ولم يسمعه والمجهول لا يقوم به الحجة.
وقد روى أبو داود هذا الحديث بإسناد أجود منه أن ركانة طلق امرأته البتة فأخبر النبي ﷺ بذلك فقال له رسول الله ﷺ ما أردت إلا واحدة فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله ﷺ فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان رضي الله عنهما.
1070- قال أبو داود: حدثنا ابن السرح وإبراهيم بن خالد الكلبي في آخرين قالوا حدثنا الشافعي قال حدثني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة وذكر الحديث، قال أبو داود وهذا أولى لأنهم ولد الرجل وأهله وهم أعلم به.
قال الشيخ قد يحتمل أن يكون حديث ابن جريج إنما رواه الراوي على المعنى دون اللفظ وذلك أن الناس قد اختلفوا في البتة، فقال بعضهم هي ثلاثة، وقال بعضهم هي واحدة وكأن الراوي له ممن يذهب مذهب الثلاث فحكي أنه قال إني طلقتها ثلاثا يريد البتة التي حكمها عنده حكم الثلاث والله أعلم.
وكان أحمد بن حنبل يضعف طرق هذه الأحاديث كلها.
1071- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج، قال أخبرني ابن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء قال لابن عباس أتعلم إنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وثلاثا إمارة عمر قال ابن عباس نعم.
قال الشيخ اختلف الناس في تأويل ما روي من هذا عن ابن عباس فقال بعضهم قد كان هذا في الصدر الأول ثم نسخ.
قال الشيخ وهذا لا وجه له لأن النسخ إنما يكون في زمان النبي ﷺ والوحي غير منقطع فأما في زمان عمر رضي الله عنه فلا معنى للنسخ، وقد استقرت أحكام الشريعة وانقطع الوحي وإنما هو زمان الاجتهاد والرأي فيما لم يبلغهم عن النبي ﷺ نص وتوقيف وحدثني الحسن بن يحيى عن ابن المنذر، وروى هذا الحديث، ثم روي عن ابن عبدالحكم عن ابن وهب عن سفيان الثوري عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال لرجل طلق امرأته ثلاثا حرمت عليك، قال ابن المنذر فغير جائز أن يظن بابن عباس أن يحفظ عن النبي ﷺ شيئا ثم يفتي بخلافه.
قال الشيخ ويشبه أن يكون معنى الحديث منصرفا إلى طلاق البتة، لأنه قد روى عن النبي ﷺ في حديث ركانة أنه جعل البتة واحدة وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يراها واحدة، ثم تتابع الناس في ذلك فألزمهم الثلاث وإليه ذهب غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم، روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه جعلها ثلاثا، وكذلك روي عن ابن عمر وكان يقول ابت الطلاق طلاق البتة، وإليه ذهب سعيد بن المسيب وعروة وعمر بن عبد العزيز والزهري، وبه قال مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل. وهذا كصنيعه بشارب الخمر فإن الحد كان في زمان النبي ﷺ وأبي بكر أربعين ثم ان عمر لما رأى الناس تتابعوا في الخمر واستخفوا بالعقوبة فيها، قال أرى أن تبلغ فيها حد المفتري لأنه إذا سكر هذى، وإذا هذي افترى وكان ذلك عن ملأ من الصحابة فلا ينكر أن يكون الأمر في طلاق البتة على شاكلته.
وفيه وجه آخر ذهب إليه أبو العباس بن شريح قال يمكن أن يكون ذلك إنما جاء في نوع خاص من الطلاق الثلاث وهو أن يفرق بين اللفظ كأنه يقول أنت طالق أنت طالق أنت طالق فكان في عهد النبي ﷺ وعهد أبي بكر والناس على صدقهم وسلامتهم ولم يكن ظهر فيهم الخب والخداع، فكانوا يصدقون أنهم أرادوا به التوكيد ولا يريدون الثلاث، فلما رأى عمر رضي الله عنه في زمانه أمورا ظهرت وأحوالا تغيرت منه من حمل اللفظ على التكرار وألزمهم الثلاث.
1072- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان،، قال: حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن غير واحد عن طاوس أن رجلا يقال له أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس ؛ قال أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر ؛ فلما رأى الناس تتابعوا فيها قال أجيزوهن عليهم.
قال الشيخ وهذا تأويل ثالث وهو أن ذلك إنما جاء في طلاق غير المدخول بها، وقد ذهب إلى هذا الرأي جماعة من أصحاب ابن عباس منهم سعيد بن جبير وطاوس وأبو الشعثاء وعطاء وعمرو بن دينار وقالوا من طلق البكر ثلاثا فهي واحدة. وعامة أهل العلم على خلاف قولهم.
وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن وابن أبي ليلى والأوزاعي والليث بن سعد ومالك بن أنس فيمن تابع بين كلامه فقال لإمرأته التي لم يدخل بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق ثلاثا لم يحل له حتى تنكح زوجا غيره، غير أن مالكا قال إذا لم يكن له نية، وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي والشافعي وأحمد وإسحاق تبين بالأولى ولا حكم لما بعدها.
5/6م ومن باب في سنة طلاق العبد
1073- قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب قال حدثني يحيى بن سعيد، قال: حدثنا علي بن المبارك قال حدثني يحيى بن كثير أن عمر بن معتب أخبره أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك كانت تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم أعتقها بعد ذلك هل يصلح له أن يخطبها قال نعم قضى بذلك رسول الله ﷺ.
قال الشيخ لم يذهب إلى هذا أحد من العلماء فيما أعلم، وفي إسناده مقال، وقد ذكرأبو داودعن أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق أن ابن المبارك قال ([7] ) أبوالحسن هذا قال لقد تحمل صخرة عظيمة.
قال الشيخ يريد بذلك إنكار ما جاء به من الحديث ومذهب عامة الفقهاء أن المملوكة إذا كانت تحت مملوك فطلقها تطليقين أنها لا تحل له إلا بعد زوج.
1074- قال أبو داود: حدثنا محمد بن مسعود، قال: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن مظاهر عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي ﷺ قال طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان قال أبو داود الحديثان جميعا ليس العمل عليهما.
قال الشيخ اختلف العلماء في هذا فقالت طائفة الطلاق بالرجال والعدة بالنساء روي ذلك عن ابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس وإليه ذهب عطاء بن أبي رباح وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
وإذا كانت أمة تحت حر فطلاقها ثلاث وعدتها قرءان وإن كانت حرة تحت عبد فطلاقها اثنتان وعدتها ثلاثة اقراء في قول هؤلاء.
وقال أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري الحرة تعتد ثلاثة اقراء كانت تحت حر أو عبد وطلاقها ثلاث كالعدة، والأمة تعتد قرأين وتطلق بطلقتين سواء كانت تحت حر أو عبد.
قال الشيخ والحديث حجة لأهل العراق إن ثبت ولكن أهل الحديث ضعفوه ومنهم من تأوله على أن يكون الزوج عبدا.
6/7م ومن باب الطلاق قبل النكاح
1075- قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا هشام قال وحدثنا عبد الله بن الصباح العطار، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد قالا: حدثنا الوراق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ قال لا طلاق إلا فيما تملك ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك، زاد ابن الصباح ولا وفاء نذر فيما لا تملك.
قال الشيخ قوله لا طلاق ومعناه نفي حكم الطلاق المرسل على المرأة قبل أن تملك بعقد النكاح وهويقتضي نفي وقوعه على العموم سواء كان في امرأة بعينها أو في نساء لا بأعيانهن.
وقد اختلف الناس في هذا فروي عن علي وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم أنهم لم يروا طلاقا إلا بعد النكاح، وروي ذلك عن شريح وابن المسيب وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعروة وعكرمة وقتادة وإليه ذهب الشافعي.
وروي عن ابن مسعود إيقاع الطلاق قبل النكاح وبه قال الزهري وإليه ذهب أصحاب الرأي.
وقال مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى إن خص امرأة بعينها أو قال من قبيلة أو بلد بعينه جاز وإن عم فليس بشيء، وكذلك قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن.
وقال سفيان الثوري نحوا من ذلك إذا قال إلى سنة أو وقت معلوم.
وقال أحمد بن حنبل وأبو عبيد إن كان نكح لم يؤمر بالفراق وإن لم يكن نكح لم يؤمر بالتزويج، وقد روي نحوا من هذا عن الأوزاعي.
قال الشيخ وأسعد الناس بهذا الحديث من قال بظاهره وأجراه على عمومه إذ لا حجة مع من فرق بين حال وحال والحديث حديث حسن.
وقال أبو عيسى الترمذي سألت محمد بن إسماعيل فقلت أي شيء أصح في الطلاق قبل النكاح فقال حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وسئل ابن عباس عن هذا فقرأ قوله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} [8] الآية.
وقوله ولا بيع إلا فيما تملك لا أعلم خلافا أنه لوباع سلعة لا يملكها ثم ملكها أن البيع لا يصح فيها، فكذلك إذا طلق امرأة لم يملكها ثم ملكها وكذلك هذا في النذر وسنذكر الخلاف فيه في موضعه إن شاء الله.
1076- قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء، قال: حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير قال حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب بإسناده ومعناه زاد ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له.
قال الشيخ هذا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون أراد به اليمين المطلقة من الايمان فيكون معنى قوله لا يمين له أي لا يبر في يمينه ولكنه يحنث ويكفر كما روي أنه قال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.
والوجه الآخر أن يكون أراد به النذر الذي مخرجه مخرج اليمين كقوله إن فعلت كذا فلله عليّ أن أذبح ولدي فإن هذه يمين باطلة لا يلزم الوفاء بها ولا يلزمه فيها كفارة ولا فدية، وكذلك هذا فيمن نذر أن يذبح ولده على سبيل التبرر والتقرب فالنذر لا ينعقد فيه والوفاء لا يلزم به وليس فيه كفارة والله أعلم.
7/8م ومن باب الطلاق على إغلاق
1077- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري أن يعقوب بن إبراهيم حدثهم قال حدثني أبي، عن أبي إسحاق عن ثور بن يزيد الحمصي عن محمد بن عبيد الله بن صالح الذي كان يسكن إيلياء عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها قال سمعت رسول الله ﷺ يقول لا طلاق ولا عتاق في اغلاق.
قال الشيخ معنى الإغلاق الإكراه وكان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم لا يرون طلاق المكره طلاقا.
وهو قول شريح وعطاء وطاوس وجابر بن زيد والحسن وعمر بن عبد العزيز والقاسم وسالم. وإليه ذهب مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وكان الشعبي والنخعي والزهري وقتادة يرون طلاق المكره جائزا.
وإليه ذهب أصحاب الرأي وقالوا في بيع المكره أنه غير جائز.
وقال شريح القيد كره والوعيد كره، وقال أحمد بن حنبل الكره إذا كان القتل أو الضرب الشديد.
وقال أصحاب الشافعي في الكره إنما لا يمضي طلاقه إذا ورى عنه بشيء مثل أن ينوي طلاقا من وثاق أو نحوه كما يكره على الكفر فيؤدي وهويعتقد بقلبه الايمان.
8/9م ومن باب الطلاق على الهزل
1078- قال أبو داود: حدثنا القعنبي، قال: حدثنا عبد العزيز، يَعني ابن محمد عن عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن ابن ماهك، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة.
قال الشيخ اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به ولا ينفعه أن يقول كنت لاعبا أو هازلا أو لم أنو به طلاقا أو ما أشبه ذلك من الأمور.
واحتج بعض العلماء في ذلك بقول الله تعالى {ولا تتخذوا آيات الله هزوا} [9] وقال لو أطلق للناس ذلك لتعطلت الأحكام ولم يشأ مطلق أو ناكح أو معتق أن يقول كنت في قولي هازلا فيكون في ذلك إبطال أحكام الله سبحانه وتعالى وذلك غير جائز فكل من تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه ولم يقبل منه أن يدعى خلافه وذلك تأكيد لأمر الفروج واحتياط له والله أعلم.
واختلفوا في الخطأ والنسيان في الطلاق فقال عطاء وعمرو بن دينار فيمن حلف على أمرلا يفعله بالطلاق ففعله ناسيا أنه لا يحنث.
وقال الزهري ومكحول وقتادة يحنث وإليه ذهب مالك وأصحاب الرأي وهو قول الأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى.
وقال الشافعي يحنث في الحكم وكان أحمد بن حنبل يحنثه في الطلاق ويقف عند إيجاب الحنث في سائر الايمان إذا كان ناسيا.
9/10-11م ومن باب ما عنى به الطلاق والنيات فيه
1079- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول قال رسول الله ﷺ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه.
قال الشيخ قوله إنما الأعمال بالنيات معناه أن صحة الأعمال ووجوب أحكامها إنما يكون بالنية فإن النية هي المصرفة لها إلى جهاتها ولم يرد به أعيان الأعمال لأن أعيانها حاصلة بغير نية ولو كان المراد به أعيانها لكان خلفا من القول وكلمة إنما مرصدة لإثبات الشيء ونفي ما عداه.
وفي الحديث دليل على أن المطلق إذا طلق بصريح لفظ الطلاق أو ببعض المكاني التي يطلق بها ونوى عددا من أعداد الطلاق كان ما نواه من العدد واقعا واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، وإلى هذه الجملة ذهب الشافعي. وصرف الألفاظ على مصارف النيات، وقال في الرجل يقول لامرأته أنت طالق ونوى به ثلاثا إنما تطلق ثلاثا، وكذلك قال مالك بن أنس وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وقد روي ذلك عن عروة بن الزبير.
وقال أصحاب الرأي واحدة وهو أحق بها وكذلك قال سفيان الثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل.
وقال أصحاب الرأي في المكانى مثل قوله أنت بائن أو بتة فإنه يسأل عن نيته فإن لم ينو الطلاق لم يقع عليها طلاق وإن نوى الطلاق فهو ما نوى إن أراد واحدة فواحدة وإن نوى ثنتين فهي واحدة بائنة لأنها كلمة واحدة ولا يقع على اثنتين وإن نوى ثلاثا فهو ثلاث. وإن نوى الطلاق ولم ينو عددا منه فهي واحدة بائنة، وكذلك كل كلام يشبه الفرقة مما أراد به الطلاق فهو مثل هذا كقوله حبلك على غاربك أو قد خليت سبيلك ولا ملك لي عليك والحقي بأهلك واستبري واعتدي.
قال الشيخ وهذا كله عند الشافعي سواء فإن كان لم يرد به طلاقا فليس بطلاق وإن أراد طلاقا ولم ينو عددا فهو تطليقة واحدة يملك فيها الرجعة وإن نوى ثنتين فهو ثنتان وإن نوى ثلاثا فهو ثلاث وهذا أشبه بمعنى الحديث والله أعلم.
1080- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وسليمان بن داود المهري قالا: حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمى، قال سمعت كعب بن مالك فساق قصته في تبوك قال حتى إذا مضت أربعون من الخمسين إذا رسول رسول الله ﷺ يأتيني فقال إن رسول الله ﷺ يأمرك أن تعتزل امرأتك قال فقلت أطلقها أم ماذا أفعل بها، قال لا بل اعتزلها فلا تقربها، فقلت لامرأتي الحقي بأهلك وكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر.
قال الشيخ في هذا دلالة على أنه قال لها الحقي بأهلك ولم يرد به طلاقا فإنه لا يكون طلاقا والكنايات كلها على قياسه. وقال أبو عبيد في قوله الحقي بأهلك هو تطليقة يكون فيها البعل مالكا للرجعة الا أن يكون أراد ثلاثا.
10/11-12م ومن باب في الخيار
1081- قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حدثنا أبو عَوانة عن الأعمش، عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها ؛ قالت خيرنا رسول الله ﷺ فاخترناه فلم يعد ذلك شيئا.
قال الشيخ فيه دلالة على أنهن لو كن اخترن أنفسهن كان ذلك طلاقا.
وقد اختلف أهل العلم فيمن يخير امرأته فقال أكثر الفقهاء أمرها بيدها ما لم تقم من محلها فإن قامت ولم تطلق نفسها فقد خرج الأمر من يدها فيما بعد وإلى هذا ذهب مالك والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي وهو قول الشافعي وقد روي ذلك عن شريح ومسروق وعطاء ومجاهد والشعبي والنخعي.
وقال الزهري وقتادة والحسن أمرها بيدها في ذلك المجلس وفي غيره ولا يبطل خيارها بقيامها من المجلس.
واختلفوا فيه إذا اختارت نفسها فروي عن عمر وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أنهم قالوا هي واحدة وهي أحق بها وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال هي واحدة بائنة وبه قال أصحاب الرأي.
وقال مالك بن أنس إذا اختارت نفسها فهي ثلاث وإن اختارت زوجها يكون واحدة وهو أحق بها وروي ذلك عن الحسن البصري.
11/13-14م ومن باب في البتة
1082- قال أبو داود: حدثنا ابن السرح وإبراهيم بن خالد والكلبي وأبو ثور في آخرين قالوا حدثنا محمد بن إدريس الشافعي حدثني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي ﷺ بذلك وقال والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله ﷺ والله ما أردت إلا واحدة، فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله ﷺ وطلقها الثانية في زمان عمر رضي الله عنه، والثالثة في زمان عثمان رضي الله عنه.
قال أبو داود أول لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح.
قال الشيخ فيه بيان أن طلاق البتة واحدة إذا لم يرد بها أكثر من واحدة وأنها رجعية غير بائن.
وفيه أن النبي ﷺ حلفه في الطلاق فدل أن للايمان مدخلا في الأنكحة وأحكام الفروج كهو في الأموال.
وفيه أن يمين الحكم إنما تصح إذا كان باستحلاف من الحاكم دون ما كان تبرعا منها من قبل الحالف.
وفيه أن اليمين باسم النساء كاف على التجريد وإن لم يصلها بالتغليظ مثل أن يقول بالله العظيم أو بالله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الطالب الغالب مع سائر ما يقرن به من الألفاط التي قد جرت به عادة بعض الحكام.
وقد اختلف الناس في البتة فذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أنها واحدة يملك الرجعة فيها، وروي نحوه عن سعيد بن جبير.
وقال عطاء يدين فإن أراد واحدة فهي واحدة وإن أراد ثلاثا فثلاث، وهو قول الشافعي، وقال في البتة أنها ثلاث وروي ذلك عن ابن عمر أيضا وهو قول ابن المسيب وعروة بن الزبير والزهري. وبه قال مالك وابن أبي ليلى والأوزاعي.
وقال أحمد بن حنبل أخشى أن يكون ثلاثا ولا أجترىء أفتي به.
وقال أصحاب الرأي هي واحدة بائنة إن لم يكن له نية وإن نوى ثلاثا فهو ثلاث.
12/14-15م ومن باب الوسوسة في الطلاق
1083- قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها.
قال الشيخ في هذا الحديث من الفقه أن حديث النفس وما يوسوس به قلب الإنسان لا حكم له في شيء من أمور الدين.
وفيه أنه إذا طلق امرأته بقلبه ولم يتكلم به بلسانه فإن الطلاق غير واقع، وإلى هذا ذهب عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وقتادة والثوري وأصحاب الرأي وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال الزهري إذا عزم على ذلك وقع الطلاق لفظ به أو لم يلفظ، وإلى هذا ذهب مالك بن أنس والحديث حجة عليه.
وقد أجمعوا على أنه لوعزم على الظهار لم يلزمه حتى يلفظ به وهوبمعنى الطلاق وكذلك لو حدث نفسه بالقذف لم يكن قذفا ولو حدث نفسه في الصلاة لم يكن عليه إعادة وقد حرم الله تعالى الكلام في الصلاة فلو كان حديث النفس بمعنى الكلام لكانت صلاته تبطل.
وإما إذا كتب بطلاق امرأته فقد يحتمل أن يكون ذلك طلاقا لأنه قال ما لم تتكلم به أو تعمل به والكتابة نوع من العمل. إلا أنه قد اختلف العلماء في ذلك، فقال محمد بن الحسن إذا كتب بطلاق امرأته فقد لزمه الطلاق. وكذلك قال أحمد بن حنبل، وقال مالك والأوزاعي إذا كتب وأشهد عليه فله أن يرجع ما لم يوجه الكتاب، وإذا وجه الكتاب إليها فقد وقع الطلاق عند الشافعي وإذا كتب ولم يرد به طلاقا لم يقع.
وفرق بعضهم بين أن يكتبه في بياض وبين أن يكتبه على الأرض فأوقعه إذا كتب فيما يكتب فيه من ورق أو لوح ونحوهما وأبطله إذا كتب على الأرض.
13/15-16م ومن باب الرجل يقول لامرأته يا اختي
1084- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد عن خالد، عن أبي تميمة الهجيمي أن رجلا قال لامرأته يا أخية فقال رسول الله ﷺ أختك هي فكره ذلك ونهى عنه.
قال الشيخ إنما كره ذلك من أجل أنه مظنة التحريم وذلك أن من قال لامرأته أنت كأختي وأراد به الظهار كان ظهارا كما تقول أنت كأمي، وكذلك هذا في كل امرأة من ذوات المحارم، وعامة أهل العلم أو أكثرهم متفقون على هذا إلا أن ينوي بهذا الكلام الكرامة فلا يلزمه الظهار، وإنما اختلفوا فيه إذا لم يكن له نية، فقال كثير منهم لا يلزمه شيء.
وقال أبو يوسف إذا لم يكن له نية فهو تحريم. وقال محمد بن الحسن هو ظهار إذا لم يكن له نية فكره له رسول الله ﷺ هذا القول لئلا يلحقه بذلك ضرر في أهل أو يلزمه كفارة في مال.
هامش
- ↑ [النساء: 129]
- ↑ [الشورى: 37]
- ↑ [النساء: 24]
- ↑ [البقرة: 223]
- ↑ [البقرة: 222]
- ↑ [الطلاق: 1]
- ↑ هنا بياض في النسخة المصرية قدر كلمة وهي محررة في الطرطوشية (ص298) إلا أن معظمها قد أكلتها الأرضة وتعسر عليّ فهمها ولعلها لما سمع إلخ آدم .
- ↑ [الأحزاب: 49]
- ↑ [البقرة: 231]