→ السابق | معالم السنن للإمام الخطابي
|
اللاحق ← |
6/9م ومن باب التشديد في الدين
882- قال أبو داود: حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة عن جابر قال كان رسول الله ﷺ لا يصلي على رجل مات وعليه دين فأتي بميت، فقال أعليه دين قالوا نعم ديناران فقال صلوا على صاحبكم فقال أبو قتادة الأنصاري هما عليّ يا رسول الله فصلى عليه، فلما فتح الله على رسوله قال أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دينا فعليّ قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته.
قال الشيخ فيه من الفقه جواز الضمان عن الميت ترك وفاء بقدر الدين أو لم يترك وهذا قول الشافعي وإليه ذهب ابن أبي ليلى.
وقال أبو حنيفة إذا ضمن عن الميت شيئا لم يترك له وفاء لم يلزم الضامن لأن الميت منه بريء وإن ترك وفاء لزمه ذلك، وإن ترك وفاء ببعضه لزمه بقدر ذلك.
قال الشنيخ ويشبه أن يكون هذا الحديث لم يبلغه وقد روي في هذه القصة من غير هذا الطريق أنه لم يترك لهما وفاء.
وروى محمد بن عمرو عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال أتي النبي ﷺ بجنازة ليصلي عليها فقال عليه دين، قال نعم ديناران، قال فهل ترك لهما وفاء، قالوا لا، قال فصلوا على صاحبكم، وذكر حديث الضمان حدثناه الحسن بن يحيى، قال: حدثنا ابن المنذر، قال: حدثنا محمد بن عبد الوهاب، قال: حدثنا يعلى بن عبيد عن محمد بن عمرو.
7/10م ومن باب في المطل
883- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال مطل الغني ظلم فإذا اتْبع أحدكم على ملي فليتبع.
قال الشيخ قوله مطل الغني ظلم دلالته أنه إذا لم يكن غنيا يجد ما يقضيه لم يكن ظالما، وإذا لم يكن ظالما لم يجز حبسه لأن الحبس عقوبة ولا عقوبة على غير الظالم.
وقوله اتبع يريد إذا أحيل وأصحاب الحديث يقولون إذا اتبع بتشديد التاء وهو غلط وصوابه اتبع ساكنة التاء على وزن أفعل ومعناه إذا أحيل أحدكم على مليّ فليحتل، يقال تبعت الرجل بحقي اتبعه تباعة إذا طالبته وأنا تبيعه، ومنه قوله تعالى {ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا} [1].
وفيه من الفقه إثبات الحوالة وفيه دليل على أن الحق يتحول بها إلى المحال عليه ويسقط عن المحيل ولا يكون عليه للمحتال سبيل عند موت المحال عليه وإفلاسه، وذلك لأنه قد اشترط عليه الملاة والحوالة قد تصح حكما على الملي فكان فائدة الشرط ما قلناه والله أعلم.
وقد يستدل بهذا الحديث من يذهب إلى أن له الرجوع على المحيل إذا مات أو أفلس المحال عليه، ويتأوله على غير وجه الأول بان يقول إنما أمر بأن يتبعه إذا كان مليا والمفلس غير ملي فليكن غير متبع به.
قال الشيخ والدلالة على الوجه الأول هي الصحيحة لأنه إنما اشترط له الملاة وقت الحوالة لا فيما بعدها لأن إذا كلمة شرط موقت فالحكم يتعلق بتلك الحال لا بما بعدها والله أعلم.
وقوله فليتبع معناه فليحتل وهذا ليس على الوجوب وإنما هو على الاذن له والإباحة فيه إن اختار ذلك وشاءه، وزعم داود أن المحال عليه إن كان مليا كان واجبا على الطالب أن يحول ما له عليه ويكره على ذلك أن أباه.
وقد اختلف العلماء في عود الحق إلى ذمة الغريم إذا مات المحال عليه أو أفلس فقال أصحاب الرأي إذا مات ولم يترك وفاء أو أفلس حيا فإن المحتال يرجع به على الغريم.
وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور لا يرجع واحتجوا كلهم بهذا الحديث، وفيه قول ثالث ذكره ابن المنذر عن بعضهم فلا أحفظه أنه لا يرجع عليه ما دام حيا فإن الرجل يوسر ويعسر ما دام حيا فإذا مات ولم يترك وفاء رجع به عليه.
8/11م ومن باب في حسن القضاء
884- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع قال استسلف رسول الله ﷺ بكرا فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره فقلت لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال النبي ﷺ أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء.
قال الشيخ البكر في الإبل بمنزلة الغلام من الذكور والقلوص بمنزلة الجارية من الإ ناث والرباعي من الإبل هو الذي أتت عليه ستة سنين ودخل في السنة السابعة فإذا طلعت رباعيته قيل للذكر رباع والأنثى رباعية خفيفة الياء.
وفيه من الفقه جواز تقديم الصدقة قبل محلها، وذلك أن النبي ﷺ لا يحل له
الصدقة فلا يجوز أن يقضي من أهل الصدقة شيئا كان لنفسه فدل أنه إنما استسلف لأهل الصدقة من أرباب الأموال وهو استدلال الشافعي.
وقد اختلف العلماء في جواز تقديم الصدقة على محل وقتها فأجازه الأوزاعي وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وقال الشافعي يجوز أن يعجل صدقة سنة واحدة. وقال مالك لا يجوز أن يخرجها قبل حلول الحول وكرهه سفيان الثوري.
9/12م ومن باب الصرف
885- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ الذهب بالورق ربى إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربى الا ها وها.
قال السيخ ها وها معناه التقابض وأصحاب الحديث يقولون ها وها مقصورين والصواب مدهما ونصب الألف منهما. وقوله ها إنما هو قول الرجل لصاحبه إذا ناوله الشيء هاك أي خذ فأسقطوا الكاف منه وعوضوه المد بدلا من الكاف يقال للواحد ها والاثنين ها وما بزيادة الميم وللجماعة هاؤم ؛ قال الله تعالى {هاؤم اقرؤوا كتابيه} [2]. وهذا قول الليث بن المظفر.
886- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا بشر بن عمر، قال: حدثنا همام عن قتادة، عن أبي الخليل عن مسلم المكي، عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله ﷺ قال الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها والبر بالبر مدي بمدي والملح بالملح مدي بمدي فمن زاد أو ازداد فقد أربى ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا.
قال أبو داود ورواه ابن أبي عروبة وهشام الدستوائي عن قتادة عن مسلم بن يسار.
قال الشيخ قوله تبرها وعينها التبر قطع الذهب والفضة قبل أن تضرب وتطبع دراهم ودنانير واحدتها تبرة، ومن هذا قوله تعالى {إن هؤلاء متبَّر ماهم فيه وباطل ما كانوا يعملون} [3] والله أعلم.
والعين المضروب من الدراهم والدنانير والمدي مكيال يعرف ببلاد الشام وبلاد مصر به يتعاملون وأحسبه خمسة عشر مكوكا والمكوك صاع ونصف وحرم رسول الله ﷺ أن يباع مثقال ذهب عين بمثقال وشيء من تبر غير مضروب وكذلك حرم التفاوت بين المضروب من الفضة وغير المضروب، وذلك معنى قوله تبرها وعينها أي كلاهما سواء، وهذا من باب معقول الفحوى ثم زاده بيانا بما نسق عليه من قوله ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد، وكان ذلك من باب دليل الخطاب ومفهومه وكلا الوجهين بيان وأهل اللغة يتفاهمون بها، ثم هو قول عامة المسلمين إلا ما روي عن أسامة بن زيد وابن عباس في جواز بيع الدرهم بالدرهمين، وقد روي عن ابن عباس أنه رجع عنه.
قال الشيخ وقد روى غير أبي داود هذا الحديث فقال إلا سواء بسواء مثلا بمثل. حدثنا محمد بن المكي، قال: حدثنا محمد بن علي بن زيد الصائع، قال: حدثنا سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين، قال حدثني مسلم بن يسار عن عبادة بن الصامت قال نهى رسول الله ﷺ عن الذهب بالذهب والورق بالورق والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير إلا سواء بسواء مثلا بمثل.
وفيه دليل على أن الدراهم والدنانير إذا بيع بعض جنسها ببعض منه فلم يكونا معا ذهبا محضا أو فضة محضة حتى يتعادلا في الوزن أو كان في أحدهما شوب أو حملان أن البيع فاسد والصرف منتقض وذلك لوجود التفاوت وعدم التساوي.
وفيه بيان أن التقابض شرط لصحة البيع في كل ما يجري فيه الربا من ذهب وفضة وغيرهما من المطعوم وإن اختلف الجنسان، ألا تراه يقول فلا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد وأما النسيئة فلا قبض عليه كما ترى.
وجوز أهل العراق بيع البر بالشعير من غير تقابض وصاروا إلى أن القبض إنما يجب في الصرف دون ما سواه وقد جمعت بينهما السنة فلا معنى للتفريق بينهما جملته أن الجنس الواحد مما فيه الربا لا يجوز فيه التفاضل نسيئا ولا نقدا.
وفيه دليل على أن خيار الثلث لا يدخل في بيوع الصرف كما يدخل في سائر البيوع وذلك لأنه قد اشترط فيه التقابض لئلا تبقى بينهما علاقة فلو جاز أن يكون هناك علاقة باقية لجاز أن يبقى علاقة القبض كما جاز في ساتر العقود.
وفيه أن البر جنس والشعير جنس غيره ولولا أنهما جنسان مختلفان لم يجز التفاضل بينهما يدا بيد كما لا يجوز ذلك في الجنس الواحد.
وقال مالك البر والشعير جنس واحد وزعم أن البر لا يكاد يخلص من الشعير فلولا أنهما جنس واحد لم يجز بيع البر بالبر، وفيه شيء من الشعير لأنه لا بد من تفاوتهما.
قال الثنيخ وهذا خلاف النص والحديث حجة عليه وقد أباحه ﷺ مع علمه بما يخالطه من يسير الشعير وجعله كالبيع له ولم يعتد به ثم فرق بين جنس البر والشعير وأباح التفاضل فيهما يدا بيد فثبت جوازه وفساد قول من ذهب إلى الجمع بينهما.
وفيه دليل على أنه لا يجوز بيع البر بالبر وزنا بوزن مثلا بمثل وذلك لأنه قال والبر بالبر مدي بمدي، وفي غير هذه الرواية كيلا بكيل فعلق المماثلة بالمكيال دون غيره من أنواع العيار وباب الربى غير معقول المعنى فيجري فيه القياس كما يجري في سائر الأحكام فلا يجوز مفارقة أمثلته إلى غيره والله أعلم.
وفي الخبر دليل على أن القوت ليس بعلة الربا لأنه ذكر الملح مع البر ومعلوم أنه لا يقتات، وإنما يصلح به القوت ولو جاز أن يكون الربا فيما يصلح به القوت لجاز أن يكون في الماء الربا على مذهب أصحاب مالك ؛ وقد يصلح القوت أيصا بالحطب والوقود ثم لا ربا فيه بالإجماع.
وقد استدل أصحاب الشافعي بذكره الملح مع البر على أن العلة في الربا الطعم لأنه لما ضم جنس أدنى ما يطعم إلى جنس أعلى ما يؤكل دل على أن ما بين النوعين لا حق بهما وداخل في حكمهما.
10/13م ومن باب السيف المحلا والقلادة فيها الذهب والفضة
887- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع قالوا حدثنا ابن المبارك ( ح ) حدثنا ابن العلاء أخبرنا ابن المبارك عن سعيد بن زيد قال حدثني خالد بن أبي عمران عن حنش عن فضالة بن عبيد قال أتى النبي النبي ﷺ عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز، قال أبو بكر وابن منيع فيها خرز معلقة بذهب ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو بسبعة دنانير، فقال النبي ﷺ لا حتى تميز بينه وبينه، فقال إنما أردت الحجارة وقال ابن عيسى التجاره فقال النبي ﷺ لا حتى تميز بينهما قال فرده حتى ميز بينهما.
قال الشيخ في هذا الحديث أنه نهى عن بيع الذهب بالذهب مع أحدهما شىء غير الذهب وممن قال هذا البيع فاسد شريح ومحمد بن سيرين والنخعي، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وسواء عندهم كان الذهب الذي هو الثمن أكثر من الذهب الذي مع السلعة أو أقل.
وقال أبو حنيفة إن كان الثمن أكثر مما فيه من الذهب جاز وإن كان مثله أو أقل منه لم يجز.
وذهب مالك إلى نحو من هذا في القلة والكثرة إلا أنه حد الكثرة بالثلثين والقلة بالثلث.
وقال حماد بن أبي سليمان لا بأس بأن تشتريه بالذهب كان الثمن أقل أو أكثر.
قال الشيخ قول حماد منكر لمخالفته الحديث وأقاويل عامة العلماء وفساده غير مشكل لما فيه من صريح الربا.
فأما ما ذهب إليه أبو حنيفة فإنه يخرج على القياس لأنه يجعل الذهب بالذهب سواء ويجعل ما فضل عن الثمن بازاء السلعة، غير أن السنة قد منعت هذا القياس أن يجري ؛ ألا تراه يقول إنما أردت الحجارة أو التجارة فقال لا حتى تميز بينهما فنفى صحة هذا البيع مع قصده إلى أن يكون الذهب الذي هو الثمن بعضه بإزاء الذهب الذي هو مع الخرز مصارفة وبعضه بإزاء الحجارة التي هي الخرز بيعا وتجارة حتى يميز بينهما فتكون حصة المصارفة متميزة بينهما فتكون حصة المصارفة متميزة عن حصة المتاجر فدل على أن هذا البيع على الوجهين فاسد.
وبيان فساد هذا البيع من جهة المعنى على وجوه: أحدهما أنه عقد تضمن بيعا وصرفا ومتى جهل التماثل في الذهب بالذهب وقت العقد بطل الصرف ولا سبيل إلى معرفة التماثل إلا بعد التمييز والتفضيل فتكون التسوية حينئذ بينهما بالوزن فروى أصحاب أبي حنيفة عنه أنه قال إذا باع صبرة من الطعام بصبرة من جنسه جزافا لم يجز وإن خرجا عند الكيل متساويين وفي هذا اعتبار التماثل حال العقد وهو نظير مسألة الصرف.
والوجه الثاني أن الصفقة إذا تضمنت شيئين مختلفين في الجنس كان الثمن مفضوضا عليهما بالقيمة، وإذا كان كذلك وأردنا أن نسقط الثمن عليها بالقيمة وأسقطنا قيمة الخرز من جملة الثمن لم ندر كم مقدار ما يبقى منه وهل يكون مثل الذهب المشترى مع الخرز أو أقل منه أو أكثر فبطل العقد للجهالة.
والوجه الثالث أن أحكام عقد الصرف لا تلائم أحكام سائر العقود لأن من شرطه التقابض قبل التفرق وانقطاع شرط الخيار وسائر العقود تصح من غير تقابض ويدخلها شرط الخيار فلم نجز الجمع بينهما في صفقة واحدة لتنافي معانيهما ولأن حكم أحدهما لا يبتني على حكم الاخر.
قال الشيخ وهذا معنى قوله لا حتى تميز وتأويله تميز العقدين لا تميز المبيع وعلى هذا القليل لا يجوز بيع فضة وسلعة معها بدينار وقد ذهب إليه بعض الفقهاء.
وأما الشافعي فقد أجاز ذلك وهو قول أكثر أهل العلم، إلا أن مالكا قال لا يجوز دراهم وسلعة بدينار إلا أن تكون الدراهم يسيرة فإن كانت أكثر من قيمة السلعة لم يجز.
قال الشيخ وهذا قول لا وجه له ولا فرق بين القليل والكثير فيما يدخله الربا لأن أحدا لم يجوز الحبة من الذهب بالحبتين لأنهما يسيرة كما لا يجوز الدينار بالدينارين والدرهم بالدرهمين.
11/14م ومن باب اقتضاء الذهب
888- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل ومحمد بن محبوب المعنى واحد قالا: حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير آخذ هذه من هذه وأعطي هذه من هذه فأتيت رسول الله ﷺ، يَعني فذكرت له فقال لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء.
قال الشيخ اقتضاء الذهب من الفضة والفضة من الذهب عن أثمان السلعة هو في الحقيقة بيع ما لم يقبض فدل جوازه على أن النهي عن بيع ما لم يقبض إنما ورد في الأشياء التي يبتغى ببيعها وبالتصرف فيها الربح كما روي أنه نهى عن ربح ما لم يضمن واقتضاء الذهب من الفضة خارج عن هذا المعنى لأنه إنما يراد به التقابض والتقابض من حيث لا يشق ولا يتعذر دون التصارف والترابح، ويبين لك صحة هذا المعنى قوله لا بأس أن تأخذها بسعر يومها أي لا تطلب فيها الربح ما لم تضمن واشترط أن لا يتفرقا وبينهما شيء لأن اقتضاء الدراهم من الدنانير صرف وعقد الصرف لا يصح إلا بالتقابض.
وقد اختلف الناس في اقتضاء الدراهم من الدنانير فذهب أكثر أهل العلم إلى جوازه ومنع من ذلك أبو سلمة بن عبد الرحمن وابن شبرمة، وكان ابن أبي ليلى يكره ذلك إلا بسعر يومه ولم يعتبر غيره السعر ولم يتأولوا كان ذلك بأغلى أو بأرخص من سعر اليوم والصواب ما ذهبت إليه وهومنصوص في الحديث ومعناه ما بينته لك فلا تذهب عنه فإنه لا يجوز غير ذلك والله أعلم.
12/15م ومن باب الحيوان بالحيوان
889- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي ﷺ نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
قال الشيخ وجهه عندي أن يكون إنما نهى عما كان منه نسيئة في الطرفين فيكون من باب الكالىء بالكالىء بدليل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي يليه.
13/6 1م ومن باب الرخصة
890- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمرو، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير، عن أبي سفيان عن عمرو بن حريث عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة.
قال الشيخ هذا يبين لك أن النهي عن بيع الحيوان نسيئة إنما هو أن يكون نسئا في الطرفين، جمعا بين الحديثين وتوفيقا بينهما وحديث سمرة يقال أنه صحيفة والحسن عن سمرة مختلف في اتصاله عند أهل الحديث، أخبرنا ابن الأعرابي،، قال: حدثنا عباس الدوري عن يحيى بن معين قال حديث الحسن عن سمرة صحيفة وقال محمد بن إسماعيل حديث النهي عن بيع الحيوان نسيئة من طريق عكرمة عن ابن عباس رواه الثقاة عن ابن عباس موقوفا أو عكرمة عن النبي ﷺ مرسل قال وحديث زياد بن جبير عن ابن عمر إنما هو زياد بن جبير عن النبي ﷺ مرسل وطرق هذا الحديث واهية ليست بالقوية وتأويله إذا ثبت على ما قلنا والله أعلم.
وفي الحديث دليل على جواز السلم في الحيوان لأنه إذا باع بعير أو بعيرين فقد صار ذلك حيوانا مضمونا عليه في ذمته.
واختلف أهل العلم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فكره ذلك عطاء بن أبي رباح ومنع منه سفيان الثوري وهو مذهب أصحاب الرأي ومنع منه أحمد واحتج بحديث سمرة، وقال مالك إذا اختلف أجناسها جاز بيعها نسيئة وإن شابهت لم يجز.
وجوز الشافعي بيعها نسيئة كانت جنسا واحدا أو أجناسا مختلفة إذا كان أحد الحيوانين نقدا.
قال الشيخ في إسناد حديث عبد الله بن عمرو أيضا مقال وقد أثبت أحمد حديث سمرة.
14/18م ومن باب بيع التمر بالتمر
891- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن زيد أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال له سعد أيهما أفضل قال البيضاء قال فنهاه عن ذلك وقال سمعت رسول الله ﷺ سئل عن شراء التمر بالرطب فقال رسول الله ﷺ أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم فنهى عن ذلك.
قال الشيخ البيضاء نوع من البر أبيض اللون وفيه رخاوة يكون ببلاد مصر والسلت نوع غير البر وهوأدق حبا منه، وقال بعضهم البيضاء هو الرطب من السلت والأول أعرف، إلا أن هذا القول اليق بمعنى الحديث وعلته تبين موضع التشبيه من الرطب بالتمر وإذا كإن الرطب منهما جنسا واليابس جنسا آخر لم يصح التشبيه.
وقوله ( اينقص الرطب إذا يبس ) لفظه لفظ الاستفهام ومعناه التقرير والتنبيه فيه على نكتة الحكم وعلته ليعتبروها في نظاترها وأخواتها وذلك أنه لا يجوز أن يخفى عليه ﷺ أن الرطب إذا يبس نقص وزنه فيكون سؤاله عنه سؤال تعرف واستفهام وإنما هو على الوجه الذي ذكرته وهذا كقول جرير:
الستم خير من ركب المطايا... وأندى العالمين بطون راح
ولو كان هذا استفهاما لم يكن فيه مدح وإنما معناه أنتم خير من ركب المطايا.
وهذا الحديث أصل في أبواب كثيرة من مسائل الربا وذلك أن كل شيء من المطعوم مما له نداوة ولجفافه نهاية فانه لا يجوز رطبه بيابسه كالعنب والزبيب واللحم النيء بالقديد ونحوهما، وكذلك لا يجوز على هذا المعنى منه الرطب بالرطب كالعنب بالعننب والرُطَب بالرطب لأن اعتبار المماثلة إنما يصح فيهما عند أوان الجفاف وهما إذا تناهى جفافهما كانا مختلفين لأن أحدهما قد يكون أرق رقة وأكثر مائية من الآخر، فالجفاف ينال منه أكثر ويتفاوت مقاديرهما في الكيل عند المماثلة.
وفي معنى ما ذكرنا المطبوخ بالنيء كالعصير الذي أغلي بالنار بما لم يطبخ منه وكاللبن الذي عقد بالنار واللبن الحليب ونحوهما، ولا يجوز على هذا القياس بيع حنطة بدقيق ولا حنطة بسويق ولا بيع خبز بخبز، وهذا كله على مذهب الشافعي، فأما العصير النيء بالعصير النيء والشيرج بالشيرج واللبن الحليب باللبن الحليب فجائز عند الشافعي، وكذلك خل العنب بخل العنب فإن كان في أحد النوعين ما لم يجز ولا يجوز عنده بيع أصل شيء فيه الربا بفرعه كبيع الزبد باللبن وبيع الزيت بالزيتون والشيرج بالسمسم وعلى هذا المعنى عنده بيع اللحم بالحبيوان.
وقد ذهب أكثر الفقهاء إلى أن بيع الرطب بالتمر غير جائز، وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وعن أبي حنيفة جواز بيع الرطب بالتمر نقدا، ويشبه أن يكون تأويل الحديث عنده على النسيئة دون النقد، قال ابن المنذر وأحسب أبا ثور وافقه على ذلك.
قال الشيخ ولفظ الحديث عام لم يستثن فيه نسيئة من نقد والمعنى الذى نبه عليه في قوله أينقص الرطب إذا يبس يمنع من تخصيصه وذلك كأنه قال إذا علمتم أنه ينقص في المتعقب فلا تبيعوه وهذا المعنى قائم في النقد والنسيئة معا.
وأجاز أبو حنيفة بيع العنب بالزبيب واللحم النيء بالقديد والعصير المطبوخ بالنيء منه نقدا.
وقال مالك بن أنس لا بأس ببيع الدقيق بالبر مثلا بمثل لأن الدقيق إنما هو حنطة فرقت أجزاؤها وبيع الحنطة بالحنطة جائز متساويين، وقال مثل ذلك في الحنطة بالسويق والسويق بالدقيق، وقال في الخبز بالخبز لا بأس به إذا تحرى أن يكون مثلا بمثل وإن لم يوزن، وقال أحمد وإسحاق لا بأس ببيع الدقيق بالقمح وزنا بوزن، وقال الأوزاعى الخبز بالخبز جائز وهو قول أبي ثور.
وحكى أبو ثور، عن أبي حنيفة أنه قال لا بأس به قرصا بقرصين، وروى حرملة عن الشافعي أنه أباح بيع الخبز اليابس مثلا بمثل وأصحاب الشافعي ينكرون ذلك فلا يعدونه قولا صحيحا له وهو خلاف قياس أصله والخبز يدخله الماء والملح وفيهما عنده الربا ومبلغهما يتفاوت في الخبز وليس هذا كاللحوم يجوز بعضها ببعض يابسين لأن اللحم نوع واحد لا يدخله غيره.
قال الشيخ قد تكلم بعض الناس في إسناد حديث سعد بن أبي وقاص، وقال زيد أبو عياش راويه ضعيف، ومثل هذا الحديث على أصل الشافعي لا يجوز أن يحتج به.
قال الشيخ وليس الأمر على ما توهمه، وأبو عياش هذا مولى لبني زهرة معروف، وقد ذكره مالك في الموطأ وهولا يروي عن رجل متروك الحديث بوجه، وهذا من شأن مالك وعادته معلوم، وقد روى أبو داود في هذا الباب مثل حديث سعد من طريق ابن عمر.
892-، قال: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، قال: حدثنا ابن أبي زائدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي ﷺ نهى عن بيع التمر بالتمر وعن بيع العنب بالزبيب كيلا وعن الزرع بالحنطة كيلا.
هامش