الرئيسيةبحث

معالم السنن/الجزء الرابع/1

بسم الله الرحمن الرحيم

15 كتاب الديات

1/3م ومن باب الإمام يأمر بالعفو في الدم

1186- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي حدثنا يحيى بن سعيد عن عوف حدثنا حمزة أبو عمر العائذي حدثني علقمة بن وائل حدثني وائل بن حجر قال كنت عند النبي ﷺ إذ جيء برجل قاتل في عنقه النِّسعة قال فدعا ولي المقتول، فقال أتعفو، قال لا، فتأخذ الدية قال لا، قال افتقتل، قال نعم، قال اذهب به فلما كان في الرابعة قال أما إنك إن عفوت عنه يبوء بإثمه واثم صاحبه قال فعفا عنه قال وانا رأيته يجر النِّسعة.

قلت فيه من الفقه أن الولي مخير بين القصاص أو أخذ الدية.

وفيه دليل على أن دية العمد تجب حالة في مال الجاني.

وفيه دليل على أن للإمام أن يتشفع إلى ولي الدم في العفو بعد وجوب القصاص.

وفيه إباحة الاستيثاق بالشد والرباط ممن يجب عليه القصاص إذا خشي انفلاته وذهابه.

وفيه جواز قبول إقرار من جيء به في حبل أو رباط.

وفيه دليل على أن القاتل إذا عفا عنه لم يلزمه التعزير.

وحكي عن مالك بن أنس أنه قال يضرب بعد العفو مائة ويحبس سنة.

وقوله فإنه يبوء باثمه واثم صاحبه، معناه أنه يتحمل إثمه في قتل صاحبه فأضاف الإثم إلى صاحبه إذ صار بكونه محلا للقتل سببا لإثمه، وهذا كقوله سبحانه {إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} [1] فأضاف الرسول إليهم وإنما هو في الحقيقة رسول الله عز وجل أرسله إليهم.

وأما الإثم المذكور ثانيا فهو إثمه فيما قارفه من الذنوب التي بينه وبين الله عز وجل سوى الإثم الذي قارفه من القتل فهو يبوء به إذا أعفي عن القتل ولو قل لكان القتل كفارة والله أعلم.

1187- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عوف حدثنا عبد القدوس بن الحجاج حدثنا يزيد بن عطاء الواسطي عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه قال جاء رجل إلى النبي ﷺ بحبشي فقال إن هذا قتل ابن أخي قال فكيف قتلته قال ضربت رأسه بالفأس ولم أرد قتله، قال هل لك مال تؤدي ديته قال لا، قال أفرأيت إن أرسلتك تسأل الناس تجمع ديته، قال لا، قال فمواليك يعطونك ديته، قال لا قال للرجل خذه فخرج به ليقتله، فقال رسول الله ﷺ أما إنه إن قتله كان مثله فبلغ الرجل قوله فقال هو ذا فمر به ما شئت فقال رسول الله ﷺ أرسله قال مرة دعه يبوء بإثم صاحبه وإثمه فيكون من أصحاب النار قال فأرسله.

قال الشيخ قول أما أنه إن قتله كان مثله يحتمل وجهين.

أحدهما أنه لم ير لصاحب الدم أن يقتله لأنه ادعى أن قتله كان خطأ أو كان شبه العمد فأورث ذلك شبهة في وجوب القتل.

والوجه الآخر أن يكون معناه أنه إذا قتله كان مثله في حكم البواء فصارا متساويين لا فضل للمقتص إذا استوفى حقه على المقتص منه.

1188- قال أبو داود: حدثنا وهب بن بيان حدثني ابن وهب حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر بن الزبير أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمى يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه أن محلِّم بن جثامة الليثي قتل رجلا من أشجع في الإسلام وذلك أول غِيَرٍ قضى به رسول الله ﷺ فتكلم عيينة في قتل الأشجعي لأنه من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم لأنه من خندف، قال فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط فقال رسول الله ﷺ يا عيينة ألا تقبل الغير، قال عيينة لا والله حتى أدخل على نسائه الحرب والحزن ما أدخل على نسائي ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله ﷺ يا عيينة ألا تقبل الغير فقال عيينة مثل ذلك أيضا إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له مُكيتل عليه شِكة وفي يده دَرِقة، فقال يا رسول الله إني لا أجد لما فعل هذا في غرة الإسلام مثلا إلا غنما وردت فرُمي أولها فنفر آخرها اسنن اليوم وغير غدا وذكر باقي الحديث.

الغير الدية والشكة السلاح وغرة الإسلام أوله.

وقوله اسنن اليوم وغير غدا مثل يقول إن لم تقتص منه اليوم لم تثبت سننك غدا ولم ينفذ حكمك بعدك وإن لم تفعل ذلك وجد القائل سبيلا إلى أن يقول مثل هذا القول، أعني قوله اسنن اليوم وغير غدا فتتغير لذلك سنتك وتتبدل أحكامها.

وفيه دليل على أن ولي الدم مخير بين القصاص وأخذ الدية وأن للإمام أن يطلب إلى ولي الدم في العفوعن القود على أخذ الدية.

2/4م ومن باب ولي العبد يرضى بالدية

1189- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا ابن أبي ذئب حدثني سعيد بن أبي سعيد قال سمعت أبا شريح الكعبي قال: قال رسول الله ﷺ إلا أنكم معشر خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين بين أن يأخذوا العقل وبين أن يَقتلوا.

قلت وفيه بيان أن الخيار إلى ولي الدم في القصاص وأخذ الدية وأن القاتل إذا قال لا أعطيكم المال فاستقيدوا مني واختار أولياء الدم المال كان لهم مطالبته به.

ولو قتله جماعة كان لولي الدم أن يقتل منهم من شاء ويطالب بالدية من شاء وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.

وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنه وهو قول سعيد بن المسيب والشعبي وابن سيرين وعطاء وقتادة.

وقال الحسن والنخعي ليس لأولياء الدم إلا الدم إلا أن يشاء القاتل أن يعطي الدية.

وقال أبو حنيفة وأصحابه ليس له إلا القود فإن عفا فلا يثبت له المال إلا برضا القاتل.

وكذلك قال مالك بن أنس. وفي قوله فأهله بين خيرتين دليل على أن الدية مستحقة لأهله كلهم ويدخل في ذلك الرجال والنساء والزوجات لأنهم جميعا أهله.

وفيه دليل على أن بعضهم إذا كان غائبا أو طفلا لم يكن للباقين القصاص حتى يبلغ الطفل ويقدم الغائب لأن من كان له خيار في أمر لم يجز أن يفتات عليه قبل أن يختار لأن في ذلك إبطال خياره، وإلى هذا ذهب أبو يوسف ومحمد بن الحسن وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.

وقال مالك وأبو حنيفة للكبار أن يستوفوا حقوقهم في القود ولا ينتظر بلوغ الصغار.

وفيه دليل على أن القاتل إذا مات فتعذر القود فإن للأولياء أن يأخذوا الدية من ورثته وذلك لأنهم خيروا بين أن يعلقوا حقوقهم في الرقبة أو الذمة فمهما فات أحد الأمرين كان لهم استيفاء الحق من الآخر.

وقال أبو حنيفة إذا مات فلا شيء لهم لأن حقهم إنما كان في الرقبة وقد فاتت فلا سبيل لهم على ورثته فيما صار من ملكه إليهم.

3/6م ومن باب فيمن سقى رجلا سَمّا

أو أطعمه شيئا فمات

1190- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله ﷺ فأخذ رسول الله ﷺ الذراع فأكل منها وأكل رهط من أصحابه معه ثم قال لهم رسول الله ﷺ ارفعوا أيديكم وأرسل رسول الله ﷺ إلى اليهودية فدعاها فقال لها سممت هذه الشاة، قالت اليهودية من أخبرك، قال أخبرتني هذه الذراع، قالت نعم، قال فما أردت إلى ذلك، قالت قلت إن كان نبيا فلن يضره، وإن لم يكن نبيا استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله ﷺ ولم يعاقبها وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة واحتجم رسول الله ﷺ على كاهله من أجله.

1191- قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن محمد بن عمر وعن أبي سلمة وذكر نحو حديث جابر وقال فأمر بها رسول الله ﷺ فقتلت ولم يذكر أمرالحجامة.

قال الشيخ قوله مصلية هي المشوية بالصلأ.

وقد اختلف الناس فيما يجب على من جعل في طعام رجل سما فأكله فمات فقال مالك بن أنس عليه القود وأوجب الشافعي في أحد قوليه إذ جعل في طعامه سما وأطعمه إياه أو في شرابه فسقاه ولم يعلمه أن فيه سما.

قال الشافعي وإن خلطه بطعام فوضعه ولم يقل له فأكله أو شربه فمات فلا قود عليه.

قلت والأصل أن المباشرة والسبب إذا اجتمعا كان حكم المباشرة مقدما على السبب كحافر البئر والدافع فيها. فأما إذا استكرهه على شرب السم فعليه القود في مذهب الشافعي ومالك.

وعن أبي حنيفة إن سقاه السم فمات لم يقتل به وإن أوجره إيجارا كان على عاقلته الدية.

قلت أما حديث اليهودية فقد اختلفت الرواية فيه وأما حديث أبي سلمة فليس بمتصل. وحديث جابر أيضا ليس بذاك المتصل لأن الزهري لم يسمع من جابر شيئا.

ثم أنه ليس في هذا الحديث أكثر من أن اليهودية أهدتها لرسول الله ﷺ بأن بعثت بها إليه فصارت ملكا له وصارت أصحابه أضيافا له، ولم تكن هي التي قدمتها إليهم واليه وما هذا سبيله فالقود ساقط لما ذكرنا من علة المباشرة وتقديمها على السبب.

وفي الحديث دليل على إباحة أكل طعام أهل الكتاب وجواز مبايعتهم ومعاملتهم مع إمكان أن يكون في أموالهم الربا ونحوه من الشبهة.

وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الهدية توجب العوض وذلك أنه ﷺ لا يقبل الهدية من يهودية إلا من حيث يرى فيها التعويض فيكون ذلك عنده بمنزلة المعاوضة بعقد البيع والله أعلم.

4/7م ومن باب من قتل عبده أو مثل به أيقاد

1192- قال أبو داود: حدثنا علي بن الجعد حدثنا شعبة قال وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي ﷺ قال من قتل عبده قتلناه.

1193- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا سعيد بن عامر، عن أبي عامر، عن أبي عروبة عن قتادة بإسناد شعبة مثله. وزاد أن الحسن نسي هذا الحديث، فكان يقول لا يقتل حر بعبد.

قلت قد يحتمل أن يكون الحسن لم ينس الحديث ولكنه كان يتأوله على غير معنى الإيجاب ويراه نوعا من الزجر ليرتدعوا فلا يقدموا على ذلك كما قال ﷺ في شارب الخمر إذا شرب فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه، ثم قال في الرابعة والخامسة فإن عاد فاقتلوه ثم لم يقتله حتى جيء به قد شرب رابعا أو خامسا.

وقد تأوله بعضهم على أنه إنما جاء في عبد كان يملكه مرة فزال عنه ملكه وصار كفا له بالحرية فإذا قتله كان مقتولا به.

وهذا كقوله {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} [2] أي من كن له أزواجا قبل الموت.

وقد اختلف الناس فيما يجب على من قتل عبده أو قتل عبد غيره فروي، عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنه لا يقتص منه إذا فعل ذلك وكذلك روي عن ابن الزبير رضي الله عنه وهو قول الحسن وعطاء وعكرمة وعمر بن عبد العزيز وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.

وقال ابن المسيب والشعبي والنخعي وقتادة القصاص بين الأحرار والعبيد ثابت في النفس. وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه.

وهذا فيمن قتل عبدا لغيره عمدا وقال سفيان الثوري إذا قتل عبده أو عبد غيره عمدا قتل به، وقد اختلف عنه في ذلك.

وحكي أنه قال مثل قول أبي حنيفة وأصحابه وأجمعوا أن القصاص بين الأحرار وبين العبيد ساقط في الأطراف، وإذا منعوا منه في القليل كان منعه في الكبير أولى.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن حديث سمرة منسوخ وقال لما ثبتا ثبتا معا فلما نسخا نسخا معا يريد لما سقط الجدع بالإجماع سقط القصاص كذلك.

5/8م ومن باب القسامة

1194- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ومحمد بن عبيد المعنى قالا: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أن مُحيِّصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود فجاء أخوه عبد الرحمن بن سهل وابنا عمه حويصة ومحيصة فأتوا النبي ﷺ فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه وهو أصغرهم فقال رسول الله ﷺ الكُبَر الكُبر وقال ليبدأ الأكبر فتكلما في أمر صاحبهما فقال رسول الله ﷺ يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته قالوا أمر لم نشهده كيف نحلف قال فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم قالوا يا رسول الله قوم كفار فوداه رسول الله ﷺ من قبله.

1195- قال أبو داود: ورواه بشر بن المفضل ومالك عن يحيى قالا فيه يحلفون خمسين يمينا ويستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم، وقال عبدة عن يحيى كما قال حماد.

قال الشيخ قوله الكبر الكبر إرشاد إلى الأدب في تقديم ذوي السن والكبر.

وفيه من الفقه جواز الوكالة في المطالبة بالحدود.

وفيه جواز وكالة الحاضر وذلك أن ولي الدم إنما هو عبد الرحمن بن سهل أخو القتيل وحويصة ومحيصة أبناء عمه.

وفيه من الفقه أن الدعوى في القسامة مخالفة لساتر الدعاوى وأن اليمين يبدأ فيها المدعي قبل المدعى عليه.

وفيه دلالة على وجوب رد اليمين على المدعي عند نكول المدعى عليه.

وقد اختلف الناس فيمن يبدأ به في القسامة فقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل يبدأ بالمدعي قولا بظاهر الحديث.

وقال أبو حنيفة وأصحابه يبدأ بالمدعى عليه على قضية سائر الدعاوى.

قلت وهذا حكم خاص جاءت به السنة لا يقاس على سائر الأحكام وللشريعة أن تخص كما لها أن تعم ولها أن تخالف بين سائر الأحكام المتشابهة في الصفة كما أن لها أن توفق بينها ولها نظائر كثيرة في الأصول.

وقال أبو حنيفة وأصحابه أن المدعى عليهم يحلفون ويغرمون الدية وليس في شيء من الأصول اليمين مع الغرامة، وإنما جاءت اليمين في البراءة أو الاستحقاق على مذهب من قال باليمين مع الشاهد وقد بدىء في اللعان بالمدعي وهو الزوج وأنما هو أيمان، ألا ترى أن المتلاعنين يقولان نشهد بالله فلو كان معنى اللعان معنى الشهادة لجاز فيه حذف الاسم واقتصر فيه على مجرد قولهما نشهد وقد قال ﷺ في حديث الملاعنة لولا الايمان لكان لي ولها شأن فثبت أن اللعان ايمان ثم كان مبدوءا فيه بالمدعي كما ترى.

قلت وفي إلزامه اليهود بقوله فيدفع برمته دليل على أن الدية تجب على سكان المحلة دون أرباب الخطة لأن خيبر كانت للمهاجرين والأنصار.

وفيه دليل على أن المدعى عليهم إذا حلفوا برئوا من الدم وهو قوله فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم.

وفيه أن الحكم بين المسلم والذمي كالحكم بين المسلمين في الاحتساب بيمينه وإبرائه بها عن الحق المدعى قبله.

وفيه أن يمين المشرك مسموعة على المسلم كيمين المسلم عليه، وقال مالك لا تسمع ايمانهم على المسلمين كشهاداتهم.

وظاهر لفظ هذا الحديث حجة لمن رأى وجوب القتل بالقسامة وهو قوله ويستحقون دم صاحبكم.

وقوله فيدفع برمته وإليه ذهب مالك وأحمد بن حنبل وأبو ثور، وروي ذلك عن ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز.

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي وإسحاق بن راهويه لا يقاد بالقسامة إنما تجب بها الدية.

وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه والحسن البصري وابراهيم النخعي.

وقد روي ذلك أيضا عن النخعي أنه قال القسامة جور شاهدان يشهدان.

وكان الحكم لا يرى القسامة شيئا.

قلت وتأويل هؤلاء قوله ويستحقون دم صاحبكم أي دية صاحبكم لأنهم يأخذونها بسبب الدم فصلح أن يسمى ذلك دما.

وقد روى من غير هذا الطريق إما أن تدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب فدل ذلك على صحة هذا التأويل.

قلت ويشبه أن يكون إنما وداه رسول الله ﷺ من قبله للعهد الذي كان جعله لليهود فلم يحب أن يبطله ولم يحب أن يهدر دم القتيل فوداها من قبله وتحملها للإصلاح بينهم.

1196- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك، عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم فأتي محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في قفير أو عين وساق بعض الحديث إلى أن قال: فقال رسول الله ﷺ إما أن تدوا صاحبكم واما أن تؤذنوا بحرب.

قال الشيخ: قوله إما أن تدوا، فيه دليل على أن الواجب بالقسامة الدية وقد كني بالدم عنها إذ كانا يتعاقبان في الحكم فجاز أن يعبر بأحدهما عن الآخر.

وقد أنكر بعض الناس قوله. وإما أن تؤذنوا بحرب، وقال إن الأمة على خلاف هذا القول فدل على أن خبر القسامة غير معمول به.

قلت ووجه الكلام بين وتأويله صحيح وذلك أنهم إذا امتنعوا من القسامة ولزمتهم الدية فأبوا أن يؤدوها إلى أولياء الدم أوذنوا بحرب كما يؤذنون بها إذا امتنعوا من اداء الجزية.

1197- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة عن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار أن النبي ﷺ قال لليهود وبدأ بهم يحلف منكم خمسون رجلا فأبوا وذكر الحديث.

قال الشيخ في هذا حجة لمن رأى أن اليمين على المدعى عليهم، إلا أن أسانيد الأحاديث المتقدمة أحسن اتصالا وأوضح متونا. وقد روى ثلاثة من أصحاب رسول الله ﷺ أنه بدأ في اليمين بالمدعين سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج وسويد بن النعمان.

وقال الشافعي لا يحلف في القسامة إلا وارث لأنه لا يملك بها إلا دية القتيل ولا يحلف الإنسان إلا على ما يستحقه الورثة يقسمون على قدر موارثيهم.

1198- قال أبو داود: حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان أنبأنا الوليد وحدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد، عن أبي عمرو عن عمرو بن شعيب أن رسول الله ﷺ قتل بالقسامة رجلا من بني نصر بن مالك ببَحْرة الرُّغاء على شط لية.

قال الشيخ البحرة البلدة تقول العرب هذه بحرتنا أي بلدتنا قال الشاعر:

كأن بقاياه ببحرة مالك... بقية سحق من رداء محبّر

6/10م ومن باب يقاد من القاتل بحجر مثل ما قتل

1199- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أنس أن جارية رض رأسها بين حجرين فقيل لها من فعل بك هذا أفلان أفلان حتى سُمي اليهودي فأومأت برأسها فأخذ اليهودي فاعترف فأمر النبي ﷺ أن يرض رأسه بالحجارة.

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس عن شعبة عن هشام ابن زيد عن جده أنس أن جارية كان عليها أوضاح لها وذكر الحديث.

قال الشيخ يريد بالأوضاح حليا لها.

وفيه دليل على وجوب قتل الرجل بالمرأة وهو قول عامة أهل العلم إلا الحسن البصري وعطاء فإنهما زعما أن الرجل لا يقتل بالمرأة.

وفيه دليل على جواز اعتبار القتل فيقتص من القاتل بمثل ما فعله، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وروي ذلك عن الشعبي وعمر بن عبد العزيز.

وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه لا يقتص منه إلا بالسيف وكذلك قال عطاء.

قال الشيخ: ما يوجد في هذا الحديث بهذه اللفظة، أعني قوله فاعترف فقتل وفيها الشفاء والبيان أن النبي ﷺ لم يقتل اليهودي بإيماء المدعي أو بقوله.

وقد شغب بعض الناس في هذا حين وجد أكثر الروايات خاليا عن هذه اللفظة فقال كيف يجوز أن يقتل أحد بقول المدعي وبكلامه فضلا عن إيمائه برأسه وأنكروا هذا الحديث وأبطلوا الحكم في اعتبار جهة المماثلة.

قال الشيخ وهذه اللفظة لو لم تكن مرورية في هذه القصة لم يكن ضائرا لأن من العلم الشائع المستفيض على لسان الأمة خاصهم وعامهم أنه لا يستحق مال ولا دم إلا ببينة، وقد يروى كثير من الأحاديث على الاختصار اعتمادا على إفهام السامعين والمخاطبين به.

وقد احتج بعض من لا يرى اعتبار جهة المماثلة نهي النبي ﷺ عن المثلة، وهذا معارضة لا تصح لأن النهي عن المثلة إنما هو في ابتداء العقوبة بها فأما القصاص فلا يتعلق بالمثلة ؛ ألا ترى أن من جدع أذنا أو فقأ عينا من كفؤ له اقتص منه ولم يكن ذلك مثلة وعارضوا أيضا بنهي النبي ﷺ أن يعذب أحد بعذاب الله، فقالوا إذا أحرق رجلا بالنار فإنه لا يحرق بها قصاصا ويقتل بالسيف.

وهذا مثل الأول وباب القصاص من هذا بمعزل، وقد قال ﷺ لأسامة اغد على أُبْنى صباحا وحرق. وأجاز عامة الفقهاء أن يرمى الكفار بالنيران إذا خافوهم ولم يطيقوا دفعهم عن أنفسهم إلا بها فعلم أن طريق النهي عن استعمال النار خارج عن باب القصاص المباح وعن باب الجهاد المأمور به وإن من قتل رجلا بالإحراق بالنار فإن للولي أن يقتل القاتل بالنار كذلك.

وقد تمثلوا أيضا في هذا بأمور كمن قتل رجلا بالسحر وكمن سقى رجلا خمرا أو والى عليه بهما حتى مات، وكمن ارتكب فاحشة من إنسان فكان فيها تلفه وليس يلزم شيء من هذا والأصل فيه الحديث.

ثم العقوبات على ضربين أحدهما مأذون فيه أن يستعمل فيمن استحقه على وجه من الوجوه، والآخر محظور من جميع الوجوه، وقد أمرنا بجهاد الكفار ومعاقبتهم على كفرهم ضربا بالسلاح ورميا بالحجارة وإضراما عليهم بالنيران ولم يبح لنا أن نقتلهم بسقي الخمر وركوب الفاحشة منهم فأما السحر فهو أمر يلطف ويدق والتوصل إلى علمه يصعب ومباشرته محظورة على الوجوه كلها فإذا تعذرت علينا معرفة جهة الجناية وكيفيتها صرنا إلى استيفاء الحق منه بالسيف إذ هو دائرة القتل وكان سبيله سبيل من ثبت عند الحاكم أنه قتل فلانا عمدا ولم يبين جهة القتل وكيفيته فإنه يقتل بالسيف، كذلك إذا تعذرت جهة المماثلة قتل بالسيف والله أعلم.

7/11م ومن باب إيقاد المسلم بالكافر

1200- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: حدثنا يحيى بن سعيد بن أبي عروبة حدثنا قتادة عن الحسن عن قيس بن عُبَاد قال انطلقت أنا والأشتر إلى علي كرم الله وجهه، فقلنا هل عهد إليك نبي الله شيئا لم يعهده إلى الناس قال لا إلا ما في كتابي هذا، قال مسدد فأخرج كتابا.

وقال أحمد كتابا من قراب سيفه فإذا فيه: المؤمنون تكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم إلا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده من أحدث حدثا فعلى نفسه، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

1201- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا هشيم عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ ذكر نحو حديث علي زاد فيه ويجير عليهم اقصاهم ويرد مُشدهم على مضعفهم ومتسريهم على قاعدهم.

قال الشيخ: قوله المؤمنون تكافأ دماؤهم، يريد أن دماء المسلمين متساوية في القصاص والقود، يقاد الشريف منهم بالوضيع، والكبير بالصغير، والعالم بالجاهل والرجل بالمرأة.

وفيه مستدل لمن رأى أن يقتل الحر بالعبد لأن قضية العموم تعطي ذلك.

قوله وهم يد على من سواهم معناه النصرة والمعونة من بعضهم لبعض.

قوله يسعى بذمتهم أدناهم معناه أن الواحد منهم إذا أجار كافرا وآمنه على دمه حرم دمه على المسلمين كافة وإن كان المجير أدناهم مثل أن يكون عبدا أو امرأة أو عسيفا تابعا أو نحو ذلك ليس لهم أن يخفروا ذمته.

قوله لا يقتل مؤمن بكافر فيه البيان الواضح أن المسلم لا يقتل بأحد من الكفار كان المقتول منهم ذميا أو معاهدا أو مستأمنا أو ما كان.

وذلك أنه نفي في نكرة فاشتمل على جنس الكفار عموما، وقد قال ﷺ لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فكان الذمي والمستأمن في ذلك سواء.

وقد اختلف الناس في هذا فقال بظاهر الحديث جماعة من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ثبت ذلك عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت.

وروي ذلك عن علي كرم الله وجهه ورضي عنهم أجمعين، وهو قول عطاء وعكرمة والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وبه قال سفيان الثوري وابن شبرمة وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق.

وقال الشعبي والنخعي يقتل المسلم بالذمي، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وتأولوا قوله لا يقتل مؤمن بكافر أي بكافر حربي دون من له عهد وذمة من الكفار وادعوا في نظم الكلام تقديما وتأخيرا كأنه قال لا يقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر، وقالوا ولولا أن المراد به هذا لكان الكلام خاليا عن الفائدة لأن معلوما بالإجماع أن المعاهد لا يقتل في عهده فلم يجز حمل الخبر الخاص على شيء قد استفيد معرفته من جهة العلم العام المستفيض.

واحتجوا أيضا بخبر منقطع عن ابن السلماني أن النبي ﷺ أقاد مسلما بكافر.

قلت لا يقتل مؤمن بكافر كلام تام مستقل بنفعه فلا وجه لتضمينه بما بعده وإبطال حكم ظاهره وحمله على التقديم والتأخير وإنما يفعل ذلك عند الحاجة والضرورة في تكميل ناقص وكشف عن مبهم ولا ضرورة بنا في هذا الموضع إلى شيء من ذلك.

فأما تحديده ذكر المعاهد وأنه لا يقتل ما دام مقيما على عهده فإن للنبي ﷺ أن يكرر البيان وأن يظاهر بذكر الشيء مرة بعد أخرى إشباعا في البيان وإفهاما للمخاطبين بالكلام.

وقد يحتمل أن يكون النبي ﷺ لما أسقط القصاص عن المسلم إذا قتل كافرا احتاج إلى أن يؤكد حق دم المعاهد فيجدد القول فيه لأن ظاهر ذلك يوجب توهين حرمة دم الكفار ولا يؤمن أن يكون في ذلك الإغراء بهم فخشي إقدام المتسرع من المسلمين إلى دمائهم إذا أمن القود فأعاد القول في حظر دمائهم رفعا للشبهة وقطعا لتأويل متأول والله أعلم.

وقد يحتمل ذلك وجها آخر وهو أن يكون معناه لا يقتل مؤمن بأحد من الكفار ولا يقتل معاهد ببعض الكفار وهو الحربي ولا ينكر أن لفظة واحد يعطف عليها شيئان فيكون أحدهما راجعا على جميعها والاخر راجعا إلى بعضها.

وقوله من أحدث حدثا فعلى نفسه يريد أن من جنى جناية كان مأخوذا بها لا يؤخذ بجرمه غيره، وهذا في العمد الذي يلزمه في ماله دون الخطأ الذي يلزم عاقلته.

وقوله من آوى محدثا فعليه لعنة الله يريد من آوى جانيا أو أجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

وقوله يرد مشدهم على نعفهم ومتسريهم على قاعدهم مفسر في كتاب الجهاد من هذا الكتاب.

8/12م ومن باب فيمن وجد رجلا مع أهله فقتله

1202- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد وعبد الوهاب بن نجدة الحوطي المعنى قالا: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله الرجل يجد مع أهله رجلا أيقتله، قال لا، قال سعد بلى والذي أكرمك بالحق ينتظر فيه إلى أن يأتي بأربعة شهداء، قال النبي ﷺ اسمعوا إلى ما يقول سيدكم، قال عبد الوهاب انظروا إلى ما يقول سعد.

قال الشيخ: يشبه أن يكون مراجعة سعد النبي ﷺ طمعا في الرخصة لا ردا لقوله ﷺ، فلما أبى ذلك رسول الله ﷺ وأنكر عليه قوله سكت سعد وانقاد.

وقد اختلف الناس في هذه المسألة فكان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول إن لم يأت بأربعة شهداء أعطى برمته أي أقيد به.

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أهدر دمه ولم ير فيه قصاصا.

قلت ويشبه أن يكون إنما رأى دمه مباحا فيما بينه وبين الله عز وجل إذا تحقق الزنا منه فعلا وكان الزاني محصنا.

وذكر الشافعي حديث علي رضي الله عنه ثم قال وبهذا نأخذ غير أنه قال: ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل قتل الرجل وامرأته إذا كانا ثيبين وعلم أنه قد نال منها ما يوجب الغسل ولا يسقط عنه القود في الحكم.

وكذلك قال أبو ثور، وقال أحمد بن حنبل إن جاء ببينة أنه قد وجده مع امرأته في بيته فقتله يهدر دمه، وكذلك قال إسحاق.

9/13م ومن باب العامل يصاب على يديه خطأ

1203- قال أبو داود: حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا فلاجّه رجل أو لاحاه في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فأتوا النبي ﷺ فقالوا القود يا رسول الله فقال النبي ﷺ لكم كذا وكذا فلم يرضوا، فقال لكم كذا وكذا فرضوا، فقال النبي ﷺ إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم، قالوا نعم فخطب رسول الله ﷺ فقال إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا أرضيتم قالوا لا فهم المهاجرين بهم فأمرهم رسول الله ﷺ أن يكفوا عنهم فكفوا ثم دعاهم فزادهم قال أرضيتم قالوا نعم قال إني خاطب على الناس فمخبرهم برضاكم قالوا فخطب النبي ﷺ فقال أرضيتم قالوا نعم.

قال الشيخ: في هذا الحديث من الفقه وجوب الإقادة من الوالي والعامل إذا تناول دما بغير حقه كوجوبها على من ليس بوال.

وفيه دليل على جواز إرضاء المشجوج بأكثر من دية الشجة إذا طلب المشجوج القصاص.

وفيه دليل على أن القول في الصدقة قول رب المال وأنه ليس للساعي ضربه وإكراهه على ما لم يظهر له من ماله.

وفيه حجة لمن رأى وقوف الحاكم عن الحكم بعلمه لأنهم لما رضوا بما أعطاهم النبي ﷺ ثم رجعوا عنه فلم يلزمهم برضاهم الأول حتى كان ما رضوا به ظاهرا.

وقوله فلاحاه معناه نازعه وخاصمه، وفي بعض الأمثال عاداك من لاحاك.

وروي، عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما أقادا من العمال.

وممن رأى عليهم القود الشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه.

10/15م ومن باب عفو النساء عن الدم

1204- قال أبو داود: حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد عن الأوزاعي سمع حصنا أنه سمع أبا سلمة يخبر عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله ﷺ قال على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة.

قال الشيخ: قوله ينحجزوا معناه يكفوا عن القتل وتفسيره أن يقتل رجل وله ورثة رجال ونساء فأيهم عفا وإن كانت امرأة سقط القود وصار دية.

وقوله الأول فالأول يريد الأقرب فالأقرب.

قلت يشبه أن يكون معنى المقتتلين ههنا أن يطلب أولياء القتيل القود فيمتنع القتلة فينشأ بينهم الحرب والقتال من أجل ذلك فجعلهم مقتتلين بنصب التاءين يقال اقتتل فهومقتتل، غير أن هذا إنما يستعمل أكثره فيمن قتله الحُب.

وقد اختلف الناس في عفو النساء فقال أكثر أهل العلم عفو النساء عن الدم جائز كعفو الرجال. وقال الأوزاعي وابن شبرمة ليس للنساء عفو، وعن الحسن وإبراهيم النخعي ليس للزوج ولا للمرأة عفو في الدم.

11/15م ومن باب من قتل في عِمِيّا بين قوم

1205- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد قال وحدثنا ابن السرح حدثنا سفيان وهذا حديثه عن عمرو عن طاوس قال من قتل، وقال ابن عبيد قال: قال رسول الله ﷺ من قتل في عِمِيّا في رمي يكون بينهم بحجارة أو بالسياط أو ضرب بعصا فهو خطأ وعقله عقل الخطأ، ومن قتل عمدا فهو قود، ومن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صرف ولا عدل.

قال الشيخ: قوله عميا وزنه فعيلا من العمى كما يقال بينهم رميا أي رمى، ومعناه أن يترامى القوم يوجد بينهم قتيل لا يدرى من قاتله ويعمى أمره فلا يتبين ففيه الدية.

واختلف العلماء فيمن تلزمه دية هذا القتيل ؛ فقال مالك بن أنس ديته على الذين نازعوهم.

وقال أحمد بن حنبل ديته على عواقل الآخرين إلا أن يدعوا على رجل بعينه فيكون قسامة، وكذلك قال إسحاق.

وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ديته على عاقلة الفريقين اللذين اقتتلوا معا.

وقال الأوزاعي عقله على الفريقين جميعا إلا أن تقوم بينة من غير الفريقين أن فلانا قتله فعليه القود والقصاص.

وقال الشافعي هو قسامة إن ادعوه على رجل بعينه أو طائفة بعينها وإلا فلا عقل ولا قود.

وقال أبو حنيفة هو على عاقلة القبيلة التي وجد فيهم إذا لم يدع أولياء القتيل على غيرهم.

وقوله لا يقبل منه صرف ولا عدل فسروا العدل الفريضة، والصرف التطوع.

12/16م ومن باب في الدية كم هي

1206- قال أبو داود: حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة وعشر ابن لبون ذكر.

قال الشيخ: هذا الحديث لا أعرف أحدا قال به من الفقهاء، وإنما قال أكثر العلماء إن دية الخطأ أخماس، كذلك قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري. وكذلك قال مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل خمس بنو مخاض، وخمس بنات مخاض وخمس بنات لبون وخمس حقاق وخمس جذاع.

وروي هذا القول عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقال مالك والشافعي خمس جذاع وخمس حقاق وخمس بنات لبون وخمس بنات مخاض وخمس بنو لبون.

وحكي هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار والزهري وربيعة بن عبد الرحمن والليث بن سعد ولأبي حنيفة وأصحابه فيه أثر، إلا أن راويه عن عبد الله عن خشف بن مالك وهو مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث.

وعدل الشافعي عن القول به لما ذكرنا من العلة في راويه ولأن فيه بني مخاض ولا مدخل لبني مخاض في شيء من أسنان الصدقات.

وقد روي عن النبي ﷺ في قصة أنه ودى قتيل خيبر بمائة من إبل الصدقة وليس في أسنان إبل الصدقة ابن مخاض.

وقد روي عن نفر من العلماء أنهم قالوا دية الخطأ أرباع وهم الشعبي والنخعي والحسن البصري. وإليه ذهب إسحاق بن راهويه إلا أنهم قالوا خمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض. وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

1207- قال أبو داود: حدثنا يحيى بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن عثمان حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت قيمة الدية على عهد رسول الله ﷺ ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ على النصف من دية المسلم، قال فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر رضي الله عنه فقام خطيبا فقال: إلا ان الإبل قد غلت. قال ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا ؛ وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، قال وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية.

قال الشيخ: قوله كانت قيمة الدية، يريد قيمة الإبل التي هي الأصل في الدية وإنما قومها رسول الله ﷺ على أهل القرى لعزة الإبل عندهم فبلغت القيمة فى زمانه من الذهب ثمانمائة دينار ومن الورق ثمانية آلاف درهم فجرى الأمر بذلك إلى أن كان عمر رضي الله عنه وعزت الإبل في زمانه فبلغ بقيمتها من الذهب ألف دينار ومن الورق اثني عشر ألفا.

وعلى هذا بنى الشافعي أصل قوله في دية العمد فأوجب فيها الإبل وأن لا يصار إلى النقود إلا عند اعواز الإبل فإذا أعوزت كان فيها قيمتها بالغة ما بلغت، ولم يعتبر قيمة عمر رضي الله عنه التي قومها في زمانه لأنها كانت قيمة تعديل في ذلك الوقت والقيم تختلف فتزيد وتنقص باختلاف الأزمنة وهذا على قوله الجديد.

وقال في قوله القديم بقيمة عمر وهي اثنا عشر ألفا أو ألف دينار.

وقد روي مثل ذلك عن النبي ﷺ في الورق.

1208- قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا زيد بن الحباب عن محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا من بني عدي قتل فجعل رسول الله ﷺ ديته اثني عشر ألفا.

قال الشيخ: وقد اختلف الناس فيما يجب في دية العمد، فقال الشافعي يجب فيها مائة من الإبل، ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها.

وروي ذلك عن زيد بن ثابت، وقال مالك وأحمد بن حنبل تجب الدية أرباعا ؛ خمس وعشرون ابنة مخاض، وخمس وعشرون ابنة لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وهو قول سليمان بن يسار والزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمن.

وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه جعل في شبه العمد مائة من الإبل أرباعا وعدد هذه الأصناف.

قلت ودية شبه العمد مغلظة كدية العمد، فيشبه أن يكون أحمد إنما ذهب إليه لأنه لم يجد فيها سنة فصار إلى أثر في نظيرها وقاسها عليه.

وعند أبي حنيفة دية العمد من الذهب ألف دينار ومن الدراهم عشرة آلاف ولم يذكر فيها الإبل. وكذلك قال سفيان الثوري، وحكي ذلك عن ابن شبرمة.

وقال مالك وأحمد وإسحاق في الدية إذا كانت نقدا هي من الذهب ألف دينار ومن الورق اثنا عشر ألفا، وروي ذلك عن الحسن البصري وعروة بن الزبير. وقال مالك لا أعرف البقر والغنم والحلل.

وقال يعقوب ومحمد على أهل البقر مائتا بقرة وعلى أهل الغنم ألفا شاة وعلى أهل الحلل مائتا حلة. وكذلك قال أحمد وإسحاق في البقر والغنم.

1209- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب ومسدد المعنى قالا: حدثنا حماد عن خالد عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ خطب يوم الفتح بمكة فكبر ثلاثا وقال إلا أن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعي من دم أو مال تحت قدمي إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت، ثم قال إلا ان دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها. وحديث مسدد أتم.

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن علي بن زيد عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي ﷺ بمعناه.

قال الشيخ: المأثرة كل ما يؤثر ويذكر من مكارم أهل الجاهلية ومفاخرهم وقوله تحت قدمي معناه إبطالها وإسقاطها.

وأما سدانة البيت فهي خدمته والقيام بأمره وكانت الحجابة في الجاهلية في بني عبد الدار والسقاية في بني هاشم فأقرهما رسول الله ﷺ فصار بنو شيبة يحجبون البيت وبنو العباس يسقون الحجيج.

وفي الحديث من الفقه إثبات قتل شبه العمد، وقد زعم بعض أهل العلم أن ليس القتل إلا العمد المحض أو الخطأ المحض.

وفيه بيان أن دية شبه العمد مغلظة على العاقلة.

وقد يستدل بهذا الحديث على جواز السلم في الحيوان إلى مدة معلومة وذلك لأن الإبل على العاقلة مضمونة في ثلاث سنين.

وفيه دلالة على أن الحمل في الحيوان صفة تضبط وتحصر.

وقد اختلف الناس في دية شبه العمد فقال بظاهر الحديث عطاء والشافعي وإليه ذهب محمد بن الحسن.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه هي أرباع.

وقال أبو ثور دية شبه العمد أخماس.

وقال مالك بن أنس ليس في كتاب الله عز وجل إلا الخطأ المحض والعمد فأما شبه العمد فلا نعرفه.

قلت يشبه أن يكون الشافعي إنما جعل الدية في العمد أثلاثا بهذا الحديث، وذلك أنه ليس في العمد حديث مفسر، والدية في العمد مغلظة وهي في شبه العمد كذلك فحمل إحداهما على الأخرى.

وهذه الدية تلزم العاقلة عند الشافعي لما فيه من شبه الخطأ كدية الجنين.

13/18م ومن باب الأعضاء

1210- قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا عبدة، يَعني ابن سليمان حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن غالب التمار عن حميد بن هلال عن مسروق بن أوس، عن أبي موسى هو الأشعري عن النبي ﷺ قال الأصابع سواء عشر عشر من الإبل.

1211- قال وحدثنا عباس العنبري حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله الأصابع سواء والأسنان سواء الثنية والضرس سواء هذه وهذه سواء.

1212- قال وحدثنا زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون قال أنبأنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال في الأسنان خمس خمس.

قال الشيخ: سوى رسول الله ﷺ بين الأصابع في دياتها فجعل في كل اصبع عشرا من الإبل وسوى بين الأسنان وجعل في كل سن خمسا من الإبل وهي مختلفة الجمال والمنفعة ولولا أن السنة جاءت بالتسوية لكان القياس أن يفاوت بين دياتها كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يبلغه الحديث فإن سعيد بن المسيب رضي الله عنه روى عنه أنه كان يجعل في الإبهام خمس عشرة، وفي السبابة عشرا، وفي الوسطى عشرا، وفي البنصر تسعا، وفي الخنصر ستا حتى وجد كتابا عند أبي عمرو بن حزم عن رسول الله ﷺ أن الأصابع كلها سواء فأخذ به، وكذلك الأمر في الأسنان كان يجعل فيما أقبل من الأسنان خمسة أبعرة، وفي الأضراس بعيرا بعيرا. قال ابن المسيب فلما كان معاوية وقعت أضراسه فقال أنا أعلم بالأضراس من عمر فجعلهن سواء، قال ابن المسيب فلو أصيبت الفم كلها في قضاء عمر رضي الله عنه لنقصت الدية ولو أصيبت في قضاء معاوية لزادت الدية، ولو كنت أنا لجعلتها في الأضراس بعيرين بعيرين.

واتفق عامة أهل العلم على ترك التفضيل وإن في كل سن خمسة أبعرة، وفي كل اصبع عشرا من الإبل خناصرها وأباهمها سواء، وأصابع اليد والرجل في ذلك سواء كما جعل في الجسد دية كاملة ؛ الصغير الطفل، والكبير المسن، والقوي العَبَل، والضعيف النضو في ذلك سواء.

ولو أخذ على الناس أن يعتبروها بالجمال والمنفعة لاختلف الأمر في ذلك اختلافا لا يضبط ولا يحصر فحمل على الأسامي وترك ما وراء ذلك من الزيادة والنقصان في المعاني.

ولا أعلم خلافا بين الفقهاء أن من قطع يد رجل من الكوع فإن عليه نصف الدية، إلا أن أبا عبيد بن حرب زعم أن نصف الدية إنما تستحق في قطعها من المنكب لأن اسم اليد على الشمول والاستيفاء إنما يقع على ما بين المناكب إلى أطراف الأنامل.

1213- قال أبو داود: وجدت في كتابي عن شيبان ولم أسمعه منه فحدثناه أبو بكر صاحب لنا ثقة حدثنا شيبان حدثنا محمد بن راشد حدثنا سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال قضى رسول الله ﷺ الأنف إذا جدع الدية كاملة وإن جدعت ثُندوته فنصف العقل خمسون من الإبل أو عدلها من الذهب والورق أو مائة بقرة أو ألف شاة، وفي اليد إذا قطعت نصف العقل، وفي الرجل إذا قطعت نصف العقل، وفي المأمومة ثلث العقل ثلاث وثلاثون من الإبل أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاة والجائفة مثل ذلك.

وفي الأصابع في كل اصبع عشر من الإبل، وفي الأسنان خمس من الإبل في كل سن وقضى رسول الله ﷺ أن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئا إلا مما فضل عن ورثتها، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلهم وقال رسول الله ﷺ ليس للقاتل شيء وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه ولا يرث القاتل شيئا.

قال الشيخ لم يختلف العلماء في أن الأنف إذا استوعب جدعا ففيه الدية كاملة، فأما الثندوة المذكورة في هذا الحديث فإن كان يراد بها روبة الأنف فقد قال أكثر الفقهاء أن فيها ثلث الدية، وروي ذلك عن زيد بن ثابت ؛ وكذلك قال مجاهد ومكحول، وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق.

وقال بعضهم في الروبة النصف على ما جاء في الحديث، وحكاه ابن المنذر في الاختلاف ولم يسم قائله، ولم يختلفوا أن في اليدين الدية وإن في كل يد نصف الدية، وفي الرجل الواحدة كذلك.

واختلفوا في اليد الشلاء فروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال فيها ثلث ديتها، وكذلك قال مجاهد وهو قول أحمد وإسحاق.

وقال الشافعي فيها حكومة، وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه وأجمعوا أنه إذا ضرب يده الصحيحة فشلت إن فيها دية اليد كاملة ولم يختلفوا في أن في المأمومة ثلث الدية.

والمأمومة ما كان من الجراح في الرأس وهي ما بلغت أم الدماغ.

وكذلك الجائفة فيها ثلث الدية في قول عامة أهل العلم فإن نفذت الجائفة حتى خرجت من الجانب الآخر فإن فيها ثلثي الدية لأنهما حينئذ جائفتان.

وأما قوله إن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئا إلا ما فضل عن ورثتها فإنه يريد العقل الذي يجب بسبب جنايتها على عاقلتها، يقول إن العصبة يتحملون عقلها كما يتحملونه عن الرجل وانها ليست كالعبد الذي لا تحتمل العاقلة جنايته وإنما هي في رقبته.

وفيه دليل على أن الأب والجد لا يدخلان في العاقلة لأنه قد يسهم لهما السدس وإنما العاقلة للأعمام وأبناء العمومة ومن كان في معناهم من العصبة.

وأما قوله فإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه فإنه يريد أن بعض الورثة إذا قتل الموروث حرم ميراثه وورثه من لم يقتل من سائر الورثة فإن لم يكن له وارث إلا القاتل حرم الميراث ويدفع تركته إلى أقرب الناس منه بعد القاتل، وهذا كالرجل يقتله ابنه وليس له وارث غير ابنه القاتل وللقاتل ابن فإن ميراث المقتول يدفع إلى ابن القاتل ويحرمه القاتل.

وقوله فإن قتلت فعقلها بين ورثتها، يريد أن الدية موروثة كسائر الأموال التي تملكها أيام حياتها يرثها زوجها، وقد ورث النبي ﷺ امرأة أشيم الصنابي من دية زوجها.

1214- قال أبو داود: حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين أن خالد بن الحارث حدثهم، قال: حدثنا حسين، يَعني المعلم عن عمرو بن شعيب أن أباه أخبره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال في المواضح خمس.

قال الشيخ: الموضحة ما كان في الرأس والوجه وقد جعل النبي ﷺ فيهل خمسا من الإبل وعلق الحكم بالاسم فإذا شجه موضحة صغرت أم كبرت ففيها خمس من الإبل، فإن شجه موضحتين ففيهما عشر من البل وعلى هذا القياس.

وأنكر مالك موضحة الأنف وأثبتها الشافعي وغيره، فأما الموضحة في غير الوجه والرأس ففيها حكومة.

1215- قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد السُلمي حدثنا مروان، يَعني ابن محمد حدثني الهيثم بن حميد حدثني العلاء بن الحارث حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله ﷺ في العين القائمة السادَّة لمكانها بثلث الدية.

قال الشيخ: يشبه أن يكون والله أعلم إنما أوجب فيها الثلث على معنى الحكومة كما جعل في اليد الشلاء الحكومة.

وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العين القائمة واليد الشلاء ثلث الدية وذهب أكثر الفقهاء إلى أن ذلك على معنى الحكومة.

وقد ذهب إسحاق بن راهويه إلى أن فيها ثلث الدية بمعنى العقل.

هامش

  1. [الشعراء: 27]
  2. [البقرة: 234]