الرئيسيةبحث

مختصر التحفة الاثني عشرية/الباب السادس

شاه عبد العزيز غلام حكيم الدهلوي
اختصره وهذبه محمود شكري الآلوسي


الباب السادس
في بعض عقائد الإمامية المخالفة لعقائد أهل السنة


العقيدة الأولى

مذهب أهل السنة أن الله تعالى لا يجب عليه بعث العباد بحيث يكون تركه قبيحا عقليا. نعم ولكن البعث والحشر والنشر متحتم الوقوع البتm لوعده تعالى بذلك حتى لا يلزم خلف الوعد. وقالت الإمامية بوجوب البعث عليه تعالى وجوبا عقليا، والآيات الكثيرة التي هي دالة على أن البعث المعاد متعلقان بوعده تعالى، وما وقع في آخر تلك الآيات من نحو قوله تعالى { إن الله لا يخلف الميعاد } مكذبة تكذيبا صريحا لعقيدتهم هذه، وقد سبق أن الوجوب على الله تعالى لا معنى له أصلا.

العقيدة الثانية

مذهب أهل السنة أن الأموات لا رجعة لهم في الدنيا قبل يوم القيامة. وقالت الإمامية قاطبة وبعض الفرق الأخرى من الروافض أيضا برجعة بعض الأموات، [1] فإنهم يزعمون أن النبي ﷺ والوصي والسبطين وأعداءهم – يعني الخلفاء الثلاثة ومعاوية ويزيد ومروان وابن زياد وأمثالهم – وكذا الأئمة الآخرين وقاتليهم يحيون بعد ظهور المهدي، ويعذب قبل حادثة الدجال كل من ظلم الأئمة ويقتص منهم، ثم يموتون ثم يحيون يوم القيامة.

وهذه العقيدة مخالفة صريحا للكتاب، فإن الرجعة قد أبطلت في أيات كثيرة منها قوله تعالى { قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } ولا يخفى أن مناط التمسك ومحطه إنما هو قوله { من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } [2] فلا يمكن للشيعة أن يقولوا إن الرجعة تستحيل للعمل الصالح لا للقصاص وإقامة الحد والتعزير لما وقع المنع من الرجعة آخر الآية مطلقا. وقال الشريف المرتضى في ( المسائل الناصرية ): [3] إن أبا بكر وعمر يصلبان على شجرة في زمن المهدي، قيل: إن تلك الشجرة تكون رطبة قبل الصلب فتصير يابسة بعده، فهذا الأمر سيضل به جمع، وهم يقولون: إن هذين البريئين قد ظلما، ولذا صارت الشجرة الخضراء يابسة. وقيل تكون تلك الشجرة يابسة قبل الصلب ثم تصير رطبة خضراء بعد الصلب، وبهذا السبب يهتدي خلق كثير. [4]

والعجب ان هؤلاء الكذابين مختلفون بينهم في هذا الكذب أيضا، فقال جابر الجعفي [5] هو من قدماء هذه الفرقة: إن أمير المؤمنين يرجع إلى الدنيا ودابة الأرض المذكورة في القرآن عبارة عنه. [6] معاذ الله من سوء الأدب.

والزيدية كافة منكرون للرجعة إنكارا شديدا، وقد ذكر في كتبهم رد هذه العقيدة بروايات الأئمة وكفى الله المؤمنين القتال. وقد قال الله تعالى { وهو الذي أحياكم } أي أنشأكم من العدم الفطري { ثم يميتكم } عند انقضاء آجالكم { ثم يحييكم } أي يوم القيامة للجزاء. [7] وقال { وكنتم أمواتا فأحياكم } في الدنيا { ثم يميتكم } بعد انقراض آجالكم { ثم إليه ترجعون}. [8]

والدليل العقلي الموافق لأصول الإمامية على بطلان هذه العقيدة أنهم لو عذبوا بسوء أعمالهم بعد ما رجعوا في الحياة الدنيا ثم يعاد عليهم العذاب في الأخرة لزم الظلم الصريح، فلا بد أن يكونوا في الآخرة معذبين، فحصل لهم تخفيف عظيم عن العذاب المستمر الدائم وراحة أبدية، وذلك مناف لغلط الجناية وعظم الجرم، قال الله تعالى { ولعذاب الآخرة أشد وأبقى }. والدليل الآخر على بطلانها أن الخلفاء الثلاثة لم يرتكبوا ما يوجب تعذيبهم إلا غصب الخلافة وبعض حقوق أهل البيت على زعم الشيعة، وذلك الغصب بعد تسليمه غايته أن يكون فسقا كما عليه متأخروهم أو كفرا كما زعم متقدموهم، ولا شيء من الكفر والفسق يوجب الرجعة في الدنيا بعد الموت قبل البعث، وإلا يلزمهم أن يعتقدوا رجعة الكفرة والفسقة من أهل الأديان كلهم أجمعين، ولا اختصاص لهذا الكفر والفسق بالرجعة، وإلا يلزمهم أن يقولوا بكونها أكبر من الشرك بالله تعالى والكفر به – نعوذ بالله من ذلك – ومن تكذيب الأنبياء وقتلهم بغير حق وإيذائهم ونحوها - معاذ الله من كلها. وهذه اللوازم باطلة محضا عندهم، فقد تبين للعارف المنصف أن هذه العقيدة الخبيثة باطلة على أصولهم والقول بها ضلالة. وأيضا لو كان المقصود من تعذيبهم في الدنيا إيلامهم وإيذائهم يكون ذلك حاصلا لهم في عالم القبر أيضا، فالإحياء عبث والبعث قبيح يجب تنزيه الله تعالى عنه. وإن كان المقصود إظهار جنايتهم عند الناس فقد كان الأولى بذلك الإظهار لمن كانوا معتقدين بحقية خلافتهم وناصرين لهم في زمنهم، فكان لا بد حينئذ أن يؤتى السبطان القدرة على الانتقام منهم حتى لا تضل بقية الأمة ويتبرأوا من أفعالهم. وهذا القدر في تأخير الانتقام بعد ما يمضي أكثر الأمة ويأتي آخرون لم يطلعوا على فساد أعمالهم وبطلان أحوالهم أصلا خلاف الحكمة والصلاح، فقد لزم منه ترك الأصلح. وليت هذه الأمور تقع في اليوم الآخر [9] حتى يطلع كل من الأولين والآخرين على هذا الجزاء والقصاص فيكون لها وجه في الجملة، بخلاف وقوعها قبله إذا مضى أكثر عمر الأمة وبقيت الدنيا قليلا فإن بعض الناس الذين يحضرون ذلك الوقت إن أطلعوا على جنايتهم وذنوبهم فلا فائدة فيه، لأنه لم يكن في ذلك الوقت من يعرف أبا بكر وعمر ومعاوية فيميز أحدهم عن الآخر، بل ينشأ الاحتمال عند كلهم أن عدة ناس سموهم بأساميهم كيزيد وشمر [10] المجعولين في الأيام العشرة من المحرم للقتل توطئة لتشفية قلوبهم.

ولو كان يكفي قول المهدي والأئمة الآخرين إن فلانا أبو بكر وفلانا عمر فلماذا لا يقبل قولهم في بطلان أمر خلافتهم وغضبهم وظلمهم وتعذيبهم في البرزخ - معاذ الله - حتى يحتاج إلى أحيائهم؟ وأيضا يلزم على هذا التقدير أن النبي ﷺ والوصي والأئمة لابد لهم أن يذوقوا موتا آخر زائدا على سائر الناس للزوم تعاقبه للحياة الدنيا، وظاهر أن الموت أشد آلام الدنيا، فلم يجوز الله سبحانه إيلام أحبائه عبثا؟ وأيضا إذا أحيي هؤلاء الظلمة سيعلمون بالقرائن أنهم أحيوا للتعذيب والقصاص، وأنهم كانوا على الباطل والأئمة على الحق فيتوبون بالضرورة توبة نصوحا إذ التوبة مقبولة في الدنيا ولو بعد الرجعة فكيف يمكن حينئذ تعذيبهم؟ وأيضا يلزم على هذا التقدير إهانة الأمير والسبطين، فإنهم كانوا عند الله أذل من كل ذليل حتى أن الله تعالى لم ينتقم من أعدائهم ولم يجعلهم قادرين عليهم إلا بعد مضي ألف وعدة مئات من السنين إذ يظهر المهدي لإغاثتهم بواسطته وينتقم من أعدائهم ويجعلهم قادرين عليهم! وبالجملة فإن مفاسد هذه العقيدة أزيد من أن تحيط بها الكتابة والعبارة.

العقيدة الثالثة

مذهب أهل السنة أن الله يعذب من يشاء ويرحم من يشاء من العصاة. ويعتقد الإمامية أن أحدا منهم لا يُعذب بأي ذنب من صغيرة أو كبيرة لا يوم القيامة ولا في القبر. [11] وهذه العقيدة إجماعية لهم ومسلمة الثبوت عندهم، ويستدلون عليها بأن « حب علي كاف في الخلاص والنجاة » [12] كما تقدم في المقدمة. ولا يفهمون أن حب الله تعالى وحب رسوله ﷺ لما لم يكن كافيا في النجاة والخلاص من العذاب – بلا إيمان وعمل صالح – كيف يكون حب علي كافيا؟ إن هذه العقيدة خلاف أصولهم ورواياتهم أيضا، ولكن لما كان غرضهم الإباحة والعذر لترك الطاعة وإسقاط التكاليف تلقوها بالقبول، وغلبت أنفسهم الأمارة بالسوء على العلم والعقل وقهرتها. أما المخالفة للأصول فلأنه إذا ارتكب إمامي الكبائر ولم يعاقبه الله على ذلك يلزم ترك الواجب على الله لأن عقاب العصاة واجب على الله عندهم، وأما المخالفة للروايات فلأن الأمير والسجاد والأئمة الآخرين قد روي عنهم في أدعيتهم الصحيحة البكاء والاستعاذة من عذاب الله تعالى، وإذا كان مثل هؤلاء الكرام خاشين هائبين، فكيف يصح لغيرهم أن يغتر بمحبتهم ويتكئ عليها في ترك العمل؟

وفي الأصل هذه العقيدة مأخوذة من اليهود، حيث قالوا { لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون * فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } [13] وعمدة ما يتمسكون به في هذا الباب روايات وضعها رؤسائهم الضالون المضلون. منها ما روى ابن بابويه القمي عن المفصل بن عمر [14] قال: قلت لأبي عبد الله لم صار علي قسيم الجنة والنار؟ قال: لأن حبه إيمان وبغضه كفر، وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان والنار لأهل الكفر فهو قسيم الجنة والنار، لا يدخل الجنة إلا محبوه ولا يدخل النار إلا مبغضوه. » [15]

والدليل على كذب هذه الرواية أن الأئمة ما كانوا ليقولوا بما يخالف القرآن والشريعة أصلا، وإلا فقد كذّبوا أنفسهم وآباءهم. وفي هذه الرواية مخالفة للقواعد المقررة في الشريعة بعدة وجوه:

( الأول ) أن حب شخص أو بغضه لو كان إيمانا أو كفرا لا يلزم أن يكون ذلك الشخص قسيما للجنة والنار، لأن سائر الأنبياء والمرسلين والأئمة والسبطين لهم هذه الرتبة وليس أحد منهم قسيما لهما.

( الثاني ) أن حب الأمير ليس كل الإيمان، وإلا يبطل التوحيد والنبوة والإيمان بالمعاد، والعقائد الضرورية الآخر للشيعة كلها، ولا تمام المشترك بينهما، لأن التوحيد والنبوة أصل أقوى وأهم، وعليه مناط تحصيل الإيمان. وأيضا يلزم على ذلك التقدير أن يجوز سب الأئمة الآخرين وإيذائهم - معاذ الله من ذلك - فلما لم يكن كل الإيمان ولا تمام المشترك بينهما، بل يثبت أنه جزء من أجزاء الإيمان لم يكن ليكفي وحده في دخول الجنة، وهذا هو الأظهر.

( الثالث ) أن قولهم « لا يدخل النار إلا مبغضوه » يدل صراحة على أنه لا يدخل النار أحد من الكافرين الذين لم يبغضوه كفرعون وهامان وشداد ونمرود وعاد وثمود وأضرابهم، لوجود الحصر في العبارة، لأن أولئك المذكورين لم يبغضوا عليا بل لم يعرفوه، وهو باطل بالإجماع.

( الرابع ) أنا لو أسلمنا ذلك كله فليس لتلك العبارة مساس بمدعاهم، لأن حاصلها أنه لا يدخل الجنة من لا يجب عليا، لا أن كل من يحبه يدخلها. والفرق بينهما واضح، لأن الأول يكون دخول الجنة مقصورا على المحبين بخلاف الثاني فإن فيه كون المحب مقصورا على الدخول فلا يوجد بما سواه ومدعاهم هذا دون الأول.

( الخامس ) لو تجاوزنا عن هذه كلها يلزم أن يكون جميع فرق الروافض ناجين، وهو خلاف مذهب الإمامية. ولما لم تنطبق هذه الرواية على غرضهم روى ابن بابويه رواية أخرى عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله ﷺ « جاءني جبريل وهو مستبشر فقال: يا محمد، إن الله الأعلى يقرئك السلام وقال: محمد نبيي ورحمتي، وعلي حجتي، لا أعذب من والاه وإن عصاني، ولا أرحم من عاداه وإن أطاعني » [16] والدليل على كذب هذه الرواية أن معنى النبوة ههنا قد ثبت في الحقيقة لعلي لأن حبوط الطاعات إنما هو في حق منكر الأنبياء خاصة، ولزم تفضيل علي على النبي لأنه لم يثبت له رتبة الحجية، إذ منكره يكون من جملة العصاة والمقر به من جملة المطيعين، ومع هذا لا خوف على العاصي ولو كان منكرا للرسول إذا كان محبا لعلي، ولا منفعة ولو كان مؤمنا بالنبي إذا كان يبغض عليا. ولا يخفى أن ذلك مخالف لقوله تعالى { ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } وقوله { ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} وقوله { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدا فيها أبدا } وكل الروايات تخالف النصوص فهي موضوعة جزما كما تقرر عند أصحاب الحديث. وأيضا لزم منها نسخ الصلاة والصوم والطاعة والعبادة وحرمة المعاصي، ولم يبق غير حب علي وبغضه مدار الجزاء، ولزم أن نزول القرآن يكون لضلالة الخلق لا لهدايتهم، إذ لم يذكر فيه حب علي وبغضه مع أنه لا بد منه، ولو كان مذكورا يكون بنوع لا بفهمه كل أحد من المكلفين البتة، وتكليف فهم اللغز لا يتحمله كل أحد، فالقرآن كله يدعو إلى أمر لا يحتاج إليه في الآخرة أصلا، وما ينفع في الآخرة لا أثر له فيه، معاذ الله من ذلك.

هذا وقد رويت روايات أخر في كتبهم المعتبرة مناقضة لهذه الروايات، منها ما روى سيدهم وسندهم حسن بن كبش عن أبي ذر قال: نظر النبي ﷺ إلى علي ابن أبي طالب فقال « هذا خير الأولين وخير الأخرين من أهل السماوات وأهل الأرض، هذا سيد الصديقين، هذا سيد الوصيين وإمام المتقين قائد الغر المحجلين. إذا كان يوم القيامة كان على ناقة من نوق الجنة قد أضاءت عرصهة القيامة من ضوئها، على رأسه تاج مرصع من الزبرجد والياقوت. فنقول الملائكة: هذا ملك مقرب، ويقول النبيون: هذا نبي مرسل. فينادي المنادي من تحت بطنان العرش: هذا الصديق الأكبر، هذا وصي حبيب الله علي بن أبي طالب، فيقف على متن جهنم فيخرج منها من يحبه ويدخل فيها من يبغضه، ويأتي أبواب الجنة فيدخل فيها من يشاء بغير حساب ». [17] ولا يخفى أن هذه الرواية ناصة صريحا على أن بعض العصاة ممن يحب الأمير يدخلون النار ثم يخرجهم الأمير ويدخلهم الجنة بعد ما يعذبون بقدر أعمالهم، وبينها وبين الرواية الأولى تناقض صريح. ومنها ما روى ابن بابويه القمي عن جابر بن عبد الله «رضي الله ع» أنه قال: قال رسول الله ﷺ « إن عبدا مكث في النار سبعين خريفا كل خريف سبعون سنة، ثم إنه سأل الله تعالى بحق محمد وآله أن يرحمه فأخرجه من النار وغفر له » [18] فإن كان الرجل محبا للأمير فلم عذب في النار هذه المدة المديدة؟ وإن كان مبغضا له فلم يدخل الجنة مغفورا له؟ والأظهر أن محبة الأمير لن تفيد أبدا من خالف عقيدته وترك طريقته.

وقد يورد على ذلك أن من كان منكرا لولاية السبطين والبتول والأئمة الأخرين ومحبا للأمير أن يكون من أهل الجنة ولا يمسه عذاب النار أصلا، مع أن ابن المعلم الملقب بالمفيد روى في كتاب ( المعراج ) له أن الله تعالى قال « يا محمد، لو أن عبدا عبدني حتى يصير كالشن البالي [ ثم ] [19] أتاني جاحدا لولاية محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ما أسكنته جنتي » [20] فالكيسانية مع جحودهم بولاية السبطين والغلاة مع مخالفتهم عقيدة الأمير لا بد أن يكونوا ناجين من أهل الجنة على ما رواه ابن بابويه. فإن قالت الإمامية: إن هذه الرواية ذكر فيها الجحود بولاية كل واحد من الخمسة فولاية الأمير من جملتها فلعل رد عبارات ذلك الرجل لكونه جحد ولاية الأمير بناء على كون النجاة بناء على كون منوطة بالولاية المطلقة فجحود إحدى الولايات مناف لها: قلنا فعلى هذا جحود ولاية محمد ﷺ المستلزم للكفر يكون كافيا بالإجماع في حبوط الأعمال من غير أن يكون لجحود ولاية علي دخل فيه، فعلم أن المقصود ههنا جحود ولاية كل واحد منهم منفردة وبه يثبت المدعى.

ولما انجر الكلام لزم أن نبين أن الاثني عشرية يعتقدون أن جميع فرق الشيعة – سوى فرقتهم – مخلدون في النار وهم ناجون. [21]

قال ابن المطهر الحلي في ( شرحه للتجريد ): إن علماءنا لهم اختلاف في حق هؤلاء الفرق، قال بعضهم مخلدون في النار لعدم استحقاقهم الجنة وقال بعضهم يخرجون من النار ويدخلون الجنة وقال ابن نوبخت [22] والعلماء الآخرون يخرجون من النار لعدم الكفر ولا يدخلون الجنة لعدم الإيمان الصحيح الذي يوجب استحقاق ثواب الجنة بل يمكثون في الأعراف خلودا. [23]

وقال صاحب ( التقويم ) [24] الذي هو من أجل علماء الإمامية: إن الشيعة المحضة قد تفرقت على اثنين وسبعين فرقة والناجية منهم الاثنا عشرية والباقون يعذبون في النار مدة ثم يدخلون الجنة. فهم يثبتون جزما في حق من يحب الأمير إما تعذيبا دائما أو منقطعا. وأيضا قال صاحب التقويم: وأما سائر الفرق الإسلامية فكلهم مخلدون في النار فمن ههنا علم أن أهل السنة أيضا مخلدون في النار عندهم مه أنهم يحبون الأمير ويعتقدون أن حبه جزء الإيمان فانتقضت قاعدة محبة الأمير طردا وعكسا. ويخالف ذلك أيضا ما رواه ابن بابويه عن ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال « والذي بعثني لايعذب بالنار موحد أبدا » [25] وروى الطبرسي في ( الاحتجاج ) عن الحسن بن علي أنه قال: من أخذ بما عليه أهل القبلة الذي ليس فيه اختلاف ورد علم ما اختلف فيه إلى الله سلم ونجا من النار ودخل الجنة. [26] وروى الكليني بإسناده صحيح عن زرارة قال: قالت لأبي عبدالله: أصلحك الله [27] أرأيت من صام وصلى وحج واجتنب المحارم وحسن ورعه ممن لا يعرف ولا ينصب؟ قال: إن الله يدخله الجنة برحمته. [28]

فهذه الأخبار الثلاثة دالة بالصراحة على نجاة أهل السنة. وكذلك تدل على إبطال قول الجمهور من الروافض وقول صاحب التقويم. وكلام ابن نوبخت المنجم الذي كان في الأصل مجوسيا ولم يطلع على قواعد الإسلام بعد أيضا باطل لا أصل له لأن الأعراف ليس دار الخلد بل أهله يمكثون فيه مدة قليلة ثم يدخلون الجنة كما هو الأصح عند المسلمين.

هامش

  1. قال ابن بابويه: « إن الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية انّ الله تعالي يعيد عند ظهور لمهدي قوما ممن كان تقدم موته من شيعته وقوما من أعدائه ». وقال المفيد: « اتفقت الامامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة ». نجم الدين الطبرسي، الرجعة: ص 4.
  2. ينظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 12/149.
  3. تصنيف علي بن الحسين بن موسى الموسوي ( ت 436ه )،
  4. من حديث طويل عند ابن رستم الطبري يقول فيه المهدي: « وأجيء إلى يثرب فأهدم الحجرة [ أي التي دفن فيها النبي ﷺ وصاحبيه ] وأخرج من بها وهما طريان [ يعني أبا بكر وعمر «رضي الله ع» ا ] فأمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يصلبان عليها، فتورقان من تحتهما فيفتتن الناس بهما أشد من الأولى... ». الطبري، دلائل الإمامة: 297؛ المجلسي، بحار الأنوار: 53/104.
  5. جابر بن يزيد بن الحرث الجعفي الكوفي، تركه النسائي، وقال يحيى: « لا يكتب حديثه ولا كرامة »، ونقل عباس الدوري عن زائدة: « بأنه كان كذابا »، مات سنة 128ه. ميزان الاعتدال: 2/103.
  6. أخرج القمي عن أبي عبد الله قال: « انتهى رسول الله ﷺ إلى أمير المؤمنين "عليه السلام" وهو نائم في المسجد، قد جمع رملا ووضع رأسه عليه، فحركه برجله ثم قال: قم يا دابة الله، فقال رجل من أصحابه يا رسول الله: أيسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة، وهو دابة الأرض الذي ذكر الله تعالى في كتابه { وإذا وقع عليهم القول أخرجنا لهم دابة من الأرض } فذكر الآية ». تفسير القمي: 2/130؛ وأخرجه الصافي في تفسيره: 4/74؛ والمجلسي في بحار الأنوار: 39/59.
  7. ابن كثير، التفسير: 3/234.
  8. ينظر روح المعاني للآلوسي: 1/214.
  9. والذين يكذبون على الله، ويخترعون هذه السخافات مستبعد عليهم أن يكونوا مؤمنين باليوم الآخر، وكيف يؤمن باليوم الآخر من ينتسب إلى الإسلام ويكون في قلبه كل هذا الحقد الفاجر على مثل أبي بكر وعمر اللذين لم تنجب الإنسانية بعد أنبياء الله من بلغ شانهما؟
  10. شمر بن ذي الجوشن ( شراحبيل ) بن قرط الضبابي الكلابي، شهد صفين مع علي ثم شارك في قتل الحسين وبعدها قام بالكوفة، وقتله أعوان المختار سنة 66ه. الكامل في التاريخ: 4/92؛ ميزان الاعتدال: 1/449.
  11. من مروياتهم فيها أن النبي ﷺ قال لعلي: « إنك قسيم الجنة والنار ». عيون أخبار الرضا: 2/27؛ العمدة: ص 265.
  12. يشبه مذهب النصارى الذين رد عليهم القرآن { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا }
  13. ينظر تفسير ابن كثير: 1/356.
  14. في الأصل عمرو، وهو المفضل بن عمر بن محمد الجعفي، روايته عند الإمامية عن الصادق، جرحه علماؤهم إلا المفيد، وأجمعوا أنه كان خطابيا، ورغم ذلك قال المامقاني: « إن الرجل صحيح الاعتقاد ثقة جليل لتوثيق المفيد إياه... ». رجال النجاشي: 2/259؛ تنقيح المقال: 3/238.
  15. علل الشرائع: 1/161؛ معاني الأخبار: ص 206.
  16. الأمالي: ص 658؛ الطوسي، الأمالي: 118؛ المفيد، الأمالي: ص 76.
  17. هذه روايات الإمامية! ابن شاذان، مائة منقبة: ص 89؛ الأربلي، كشف الغمة: 1/345.
  18. الأمالي: ص 672؛ المفيد، الأمالي: ص 218؛ الشعيري، جامع الأخبار: ص 143.
  19. ليست في الأصل بل من كتب الإمامية
  20. تفسير فرات: ص 73؛ ابن بابويه، عيون أخبار الرضا: 1/58؛ ابن طاوس، اليقين: ص 149.
  21. رووا عن حمران أنه: « سأل عن المخالفين هل هم ممن يخرجون من النار؟ فقال أبو عبد الله: أما يقرؤون قول الله تبارك ( ومن دونهما جنتان ) إنها جنة دون جنة ونار دون نار، إنهم لا يساكنون أولياء الله، وقال: بينهما والله منزلة، ولكن لا أستطيع أن أتكلم، إن أمرهم لأضيق من الحلقة، إن القائم لو قام لبدأ بهم ». بحار الأنوار: 8/359. ويشرح المجلسي فيقول: « قوله "عليه السلام": إن أمرهم: أي المخالفين، لأضيق من الحلقة: أي الأمر في الآخرة مضيق عليهم لا يعفى عنهم كما يعفى عن مذنبي الشيعة، ولو قام القائم بدأ بقتل هؤلاء الكفار، فقوله ( لا أستطيع التكلم ): أي في تكفيرهم تقية »!!. وقال المجلسي أيضا: « والحاصل إن المخالفين ليسوا من أهل الجنان ولا من أهل المنزلة بين الجنة والنار، وهي الأعراف، بل هم مخلدون في النار... ». بحار الأنوار: 8/360 – 361.
  22. كذا، وهو الحسن بن موسى، أبو محمد النوبختي، قال عنه الذهبي: « العلامة ذو الفنون الشيعي المتفلسف »، وقال عنه النجاشي: « شيخنا المتكلم المبرز على نظرائه في زمانه »، مات بعد سنة 300ه. رجال النجاشي: 1/179؛ سير أعلام النبلاء: 15/327؛ لسان الميزان: 2/258؛ معجم المؤلفين: 3/298.
  23. شرح تجريد الاعتقاد: ص 423 – 424.
  24. محمد باقر بن محمد الحسيني الأسترآبادي الأصفهاني الملقب عندهم بالمحقق الداماد ( ت 1040ه )، وكتابه ( تقويم الإيمان ). الذريعة: 4/396.
  25. الأمالي: ص 295؛ التوحيد: ص 29؛ الفتال، روضة الواعظين: 1/42.
  26. الاحتجاج: ص 287.
  27. ودعاؤه له بأن يصلحه الله اعتراف منه باحتمال أن يكون منه عكس ذلك وهو ينافي العصمة التي يدعونها لأبي عبدالله وآبائه.
  28. الكافي: 2/20.


مختصر التحفة الاثني عشرية
المقدمة

الباب الأول: في ذكر فرق الشيعة وبيان أحوالهم وكيفية حدوثهم وتعداد مكائدهم | فرق الشيعة - الشيعة المخلصون - الشيعة التفضيلية - الشيعة السبية - الشيعة الغلاة | فرق الشيعة الغلاة: السبئية - المفضلية - السريغية - البزيعية - السبئية - المغيرية - الجناحية - البيانية - المنصورية - الغمامية - الأموية - التفويضية - الخطابية - المعمرية - الغرابية - الذبابية - الذمية - الاثنينية - الخمسية - النصيرية - الإسحاقية - العلبائية - الرزامية - المقنعية | فرق الشيعة الإمامية: الحسنية - النفسية - الحكمية - السالمية - الشيطانية - الزرارية - البدائية، المفوضة، اليونسية - الباقرية - الحاصرية - الناووسية - العمارية - المباركية - الباطنية - القرامطة - الشمطية - الميمونية - الخلفية - البرقعية - الجنابية - السبعية - المهدوية - الأفطحية - المفضلية - الممطورية - الموسوية - الرجعية - الإسحاقية - الأحمدية - الاثنا عشرية - الجعفرية - الشيخية أو الأحمدية - الرشتية الكشفية - البابية - القرتية | مكائد الرافضة

الباب الثاني: في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك | في ذكر أقسام أخبارهم | الأدلة عند الشيعة | في ذكر أحوال رجالهم وطبقاتهم | ادعاء كل فرق الشيعة أنهم على مذهب أهل البيت | اختلاف أهل السنة

الباب الثالث: في الإلهيات

الباب الرابع: في النبوة

الباب الخامس: في الإمامة | في إبطال ما استدل به الرافضة على مذهبهم | الآيات القرآنية | الأدلة الحديثية | الدلائل العقلية | تتمة لبحث الإمامة | كثرة اختلاف الشيعة | اختلاف الإمامية في أئمتهم

الباب السادس: في بعض عقائد الإمامية المخالفة لعقائد أهل السنة

الباب السابع: في الأحكام الفقهية

الباب الثامن: مطاعنهم في الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة المكرمين وحضرة الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين | المطاعن الأولى في حق الصديق الأجل | المطاعن الثانية في حق الفاروق رضي الله عنه | المطاعن الثالثة في حق ذى النورين وثالث العمرين | المطاعن الرابعة: في حق أم المؤمنين عائشة | مطاعنهم في الصحابة رضي الله تعالى عنهم على سبيل العموم | وقعة الجمل | وقعة صفين

الباب التاسع: في ذكر ما اختص بهم ولم يوجد في غيرهم من فرق الإسلام | في ذكر بعض خرافاتهم | القول بالتقية | الأنبياء وولاية علي | في مشابهتهم لليهود والنصارى | مشابهتهم لليهود | مشابهتهم للنصارى - خاتمة