→ (باب العلم) | كتاب الرسالة (باب خبر الواحد) الشافعي |
الحجة في تثبيت خبر الواحد ← |
فقال لي قائل: احدد لي أقل ما تقوم به الحجة على أهل العلم، حتى يثبت عليهم خبر الخاصة.
فقلت: خبر الواحد عن الواحد حتى ينتهى به إلى النبي أو من انتهى به إليه دونه.
ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا:
- منها أن يكون من حدث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدث على المعنى وهو غير عالم بما يحيل به معناه: لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث، حافظا إن حدث به من حفظه، حافظا لكتابه إن حدث من كتابه. إذا شرك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم، بريا من أن يكون مدلسا، يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبي ما يحدث الثقات خلافه عن النبي.
ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه، حتى ينتهى بالحديث موصولا إلى النبي أو إلى من انتهي به إليه دونه، لأن كل واحد منهم مثبت لمن حدثه، ومثبت على من حدث عنه، فلا يستغنى في كل واحد منهم عما وصفت.
فقال: فأوضح لي من هذا بشيء لعلي أكون به أعرف مني بهذا، لخبرتي به وقلة خبرتي بما وصفت في الحديث؟
فقلت له: أتريد أن أخبرك بشيء يكون هذا قياسا عليه؟
قال: نعم.
قلت: هذا أصل في نفسه، فلا يكون قياسا على غيره، لأن القياس أضعف من الأصل.
قال: فلست أريد أن تجعله قياسا، ولكن مثله لي على شيء من الشهادات، التي العلم بها عام.
قلت: قد يخالف الشهادات في أشياء، ويجامعها في غيرها.
قال: وأين يخالفها؟
قلت: أقبل في الحديث الواحد والمرأة، ولا أقبل واحدا منهما وحده في الشهادة.
وأقبل في الحديث: (حدثني فلان عن فلان)، إذا لم يكن مدلسا، ولا أقبل في الشهادة إلا: (سمعت) أو (رأيت) أو (أشهدني).
وتختلف الأحاديث، فآخذ ببعضها، استدلالا بكتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، وهذا لا يؤخذ به في الشهادات هكذا، ولا يوجد فيها بحال.
ثم يكون بشر كلهم تجوز شهادته ولا أقبل حديثه، من قبل ما يدخل في الحديث من كثرة الإحالة، وإزالة بعض ألفاظ المعاني.
ثم هو يجامع الشهادات في أشياء غير ما وصفت.
فقال: أما ما قلت من ألا تقبل الحديث إلا عن ثقة حافظ عالم بما يحيل معنى الحديث: فكما قلت، فلم لم تقل هكذا في الشهادات؟
فقلت: إن إحالة معنى الحديث أخفى من إحالة معنى الشهادة، وبهذا احتطت في الحديث بأكثر مما احتطت به في الشهادة.
قال: وهكذا كما وصفت، ولكني أنكرت - إذا كان من يحدث عنه ثقة فحدث عن رجل لم تعرف أنت ثقته -: امتناعك من أن تقلد الثقة، فتحسن الظن به، فلا تتركه يروي إلا عن ثقة، وإن لم تعرفه أنت؟!
فقلت له: أرأيت أربعة نفر عدول فقهاء شهدوا على شهادة شاهدين بحق لرجل على رجل: أكنت قاضيا به ولم يقل لك الأربعة: إن الشاهدين عدلان؟
قال: لا، ولا أقطع بشهادتهما شيئا حتى أعرف عدلهما، إما بتعديل الأربعة لهما، وإما بتعديل غيرهم، أو معرفة مني بعدلهما.
فقلت له: ولم لم تقبلهما على المعنى الذي أمرتني أن أقبل عليه الحديث، فتقول: لم يكونوا ليشهدوا إلا على من هو أعدل عندهم؟
فقال: قد يشهدون على من هو عدل عندهم، ومن عرفوه ولم يعرفوا عدله، فلما كان هذا موجودا في شهادتهم لم يكن لي قبول شهادة من شهدوا عليه حتى يعدلوه، أو أعرف عدله و عدل من شهد عندي على عدل غيره، ولا أقبل تعديل شاهد على شاهد عدل الشاهد غيره ولم أعرف عدله.
فقلت: فالحجة في هذا لك الحجة عليك: في ألا تقبل خبر الصادق عن من جهلنا صدقه.
والناس من أن يشهدوا على شهادة من عرفوا عدله: أشد تحفظا منهم من أن يقبلوا إلا حديث من عرفوا صحة حديثه.
وذلك: أن الرجل يلقى الرجل يرى عليه سيما الخير، فيحسن الظن به، فيقبل حديثه، ويقبله وهو لا يعرف حاله، فيذكر أن رجلا يقال له: (فلان) حدثني كذا، إما على وجه يرجو أن يجد علم ذلك الحديث عند ثقة فيقبله عن الثقة، وإما أن يحدث به على إنكاره والتعجب منه، وإما بغفلة في الحديث عنه.
ولا أعلمني لقيت أحدا قط بريا من أن يحدث عن ثقة حافظ وآخر يخالفه.
ففعلت في هذا ما يجب علي.
ولم يكن طلبي الدلائل على معرفة صدق من حدثني بأوجب علي من طلبي ذلك على معرفة صدق من فوقه، لأني أحتاج في كلهم إلى ما أحتاج إليه فيمن لقيت منهم، لأن كلهم مثبت خبرا عن من فوقه ولمن دونه.
فقال: فما بالك قبلت ممن لم تعرفه بالتدليس أن يقول: (عن)، وقد يمكن فيه أن يكون لم يسمعه؟
فقلت له: المسلمون العدول عدول أصحاء الأمر في أنفسهم، وحالهم في أنفسهم غير حالهم في غيرهم، ألا ترى أني إذا عرفتهم بالعدل في أنفسهم قبلت شهادتهم، وإذا شهدوا على شهادة غيرهم لم أقبل شهادة غيرهم حتى أعرف حاله؟! ولم تكن معرفتي عدلهم معرفتي عدل من شهدوا على شهادته.
وقولهم عن خبر أنفسهم وتسميتهم: على الصحة، حتى نستدل من فعلهم بما يخالف ذلك، فنحترس منهم في الموضع الذي خالف فعلهم فيه ما يجب عليهم.
ولم نعرف بالتدليس ببلدنا، فيمن مضى ولا من أدركنا من أصحابنا، إلا حديثا فإن منهم من قبله عن من لو تركه عليه كان خيرا له.
وكان قول الرجل: (سمعت فلانا يقول سمعت فلانا) وقوله: (حدثني فلان عن فلان): سواء عندهم، لا يحدث واحد منهم عن من لقي إلا ما سمع منه ممن عناه بهذه الطريق، قبلنا منه: (حدثني فلان عن فلان).
ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته.
وليست تلك العورة بالكذب فنرد بها حديثه، ولا النصيحة في الصدق، فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق.
فقلنا: لا نقبل من مدلس حديثا حتى يقول فيه: (حدثني) أو (سمعت).
فقال: قد أراك تقبل شهادة من لا يقبل حديثه؟
قال: فقلت: لكبر أمر الحديث وموقعه من المسلمين، ولمعنى بين.
قال: وما هو؟
قلت: تكون اللفظة تترك من الحديث فتحيل معناه، أو ينطق بها بغير لفظة المحدث، والناطق بها غير عامد لإحالة الحديث: فيحيل معناه.
فإذا كان الذي يحمل الحديث يجهل هذا المعنى، كان غير عاقل للحديث، فلم نقبل حديثه، إذا كان يحمل ما لا يعقل، إن كان ممن لا يؤدي الحديث بحروفه، وكان يلتمس تأديته على معانيه، وهو لا يعقل المعنى.
قال: أفيكون عدلا غير مقبول الحديث؟
قلت: نعم، إذا كان كما وصفت كان هذا موضع ظنة بينة يرد بها حديثه، وقد يكون الرجل عدلا على غيره ظنينا في نفسه وبعض أقربيه، ولعله أن يخر من بعد أهون عليه من أن يشهد بباطل، ولكن الظنة لما دخلت عليه تركت بها شهادته، فالظنة ممن لا يؤدي الحديث بحروفه ولا يعقل معانيه: أبين منها في الشاهد لمن ترد شهادته فيما هو ظنين فيه بحال.
وقد يعتبر على الشهود فيما شهدوا فيه، فإن استدللنا على ميل نستبينه أو حياطة بمجاوزة قصد للمشهود له: لم نقبل شهادتهم، وإن شهدوا في شيء مما يدق ويذهب فهمه عليهم في مثل ما شهدوا عليه: لم نقبل شهادتهم، لأنهم لا يعقلون معنى ما شهدوا عليه.
ومن كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح: لم نقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم نقبل شهادته.
وأهل الحديث متباينون:
- فمنهم المعروف بعلم الحديث، بطلبه وسماعه من الأب والعم وذوي الرحم والصديق، وطول مجالسة أهل التنازع فيه، ومن كان هكذا كان مقدما في الحفظ، إن خالفه من يقصر عنه كان أولى أن يقبل حديثه ممن خالفه من أهل التقصير عنه.
ويعتبر على أهل الحديث بأن إذا اشتركوا في الحديث عن الرجل بأن يستدل على حفظ أحدهم بموافقة أهل الحفظ، وعلى خلاف حفظه بخلاف حفظ أهل الحفظ له.
وإذا اختلفت الرواية استدللنا على المحفوظ منها والغلط بهذا، ووجوه سواه، تدل على الصدق والحفظ والغلط، قد بيناها في غير هذا الموضع، وأسأل الله التوفيق.
فقال: فما الحجة لك في قبول خبر الواحد وأنت لا تجيز شهادة واحد وحده؟ وما حجتك في أن قسته بالشهادة في أكثر أمره، وفرقت بينه وبين الشهادة في بعض أمره؟
قال: فقلت له: أنت تعيد ما قد ظننتك فرغت منه!! ولم أقسه بالشهادة، إنما سألت أن أمثله لك بشيء تعرفه، أنت به أخبر منك بالحديث، فمثلته لك بذلك الشيء، لا أني احتجت لأن يكون قياسا عليه.
وتثبيت خبر الواحد أقوى من أن أحتاج إلى أن أمثله بغيره، بل هو أصل في نفسه.
قال: فكيف يكون الحديث كالشهادة في شيء، ثم يفارق بعض معانيها في غيره؟
فقلت له: هو مخالف للشهادة - كما وصفت لك - في بعض أمره، ولو جعلته كالشهادة في بعض أمره دون بعض كانت الحجة لي فيه بينة، إن شاء الله.
قال: وكيف ذلك، وسبيل الشهادات سبيل واحدة؟
قال: فقلت: أتعني في بعض أمرها دون بعض؟ أم في كل أمرها؟
قال: بل في كل أمرها.
قلت: فكم أقل ما تقبل على الزنا؟
قال: أربعة.
قلت: فإن نقصوا واحد جلدتهم؟
قال: نعم.
قلت: فكم تقبل على القتل والكفر وقطع الطريق الذي تقتل به كله؟
قال: شاهدين.
قلت له: كم تقبل على المال؟
قال: شاهدا وامرأتين.
قلت: فكم تقبل في عيوب النساء؟
قال: امرأة.
قلت: ولو لم يتموا شاهدين وشاهدا وامرأتين: لم تجلدهم كما جلدت شهود الزنا؟
قال: نعم.
قلت: أفتراها مجتمعة؟
قال: نعم، في أن أقبلها متفرقة في عددها. وفي أن لا يجلد إلا شاهد الزنا.
قلت له: فلو قلت لك هذا في خبر الواحد، وهو مجامع للشهادة في أن أقبله، ومفارق لها في عدده، هل كانت لك حجة إلا كهي عليك؟!
قال: فإنما قلت بالخلاف بين عدد الشهادات خبرا واستدلالا.
قلت: وكذلك قلت في قبول خبر الواحد خبرا واستدلالا.
وقلت: أرأيت شهادة النساء في الولادة، لم أجزتها ولا تجيزها في درهم؟
قال: اتباعا.
قلت: فإن قيل لك: لم يذكر في القرآن أقل من شاهد وامرأتين؟
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن نصرقال: نا أبو علي الحسن بن حبيب
قال: نا الربيع بن سليمانقال: أنا الشافعي:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال: ولمْ يُحْظَرْ أن يجوزَ أقلُّ مِن ذلك، فأجَزْنَا ما أجاز المسلمون، ولم يكن هذا خِلافا لِلْقرآن.
قلنا: فهكذا قلْنَا في تثبيت خبر الواحد، استدلالا بأشياءَ كلُّها أقْوَى مِن إجازة شَهادَةِ النِّساء.
فقال: فهل مِن حُجَّةٍ تُفَرِّقُ بين الخبر والشهادة سِوى الاتِّباع؟
قلتُ: نعم، ما لا أعْلَمُ مِن أهل العلم فيه مُخالِفًا.
قال: وما هو؟
قلت: العدْلُ يكون جائزَ الشهادَة في أمورٍ، مَرْدُودُهَا في أُمور.
قال: فأيْنَ هو مَرْدُودُها؟
قلت: إذا شَهِدَ في مَوْضعٍ يَجُرُّ به إلى نَفْسِه زيادةً، مِنْ أيِّ وَجْهٍ ما كان الجَرُّ، أو يَدْفَع بها عن نفسه غُرْمًا أو إلى ولَده أو والِده، أو يدْفَع بها عنْهما، ومواضِعِ الظِّنَنِ سِواها.
وفيه في الشهادة: أنَّ الشاهِد إنما يَشْهَدُ بها على واحِدٍ لِيُلْزِمَهُ غُرْمًا أو عُقُوبةً، وللرجل ليُؤْخَذَ له غُرْمٌ أو عقوبة، وهو خَلِيٌّ مما لَزِمَ غيْرَه مِن غُرْم، غيرُ داخِل في غُرْمِه ولا عقوبته، ولا العارِ الذي لزمه، ولعله يجرُّ ذلك إلى مَن لَعَلَّهُ أن يكون أشدَّ تَحامُلا له منه لوَلَده أو والِده، فيُقْبَلُ شهادتُه، لأنه لا ظِنَّةَ ظاهِرةًٌ كظِنَّته في نفْسِه وولده ووالده، وغيرِ ذلك مما يَبِينُ فيه مِن مَواضع الظِّنَنِ.
والمُحَدِّثُ بما يُحِلُّ ويحرِّم لا يجرُّ إلى نفسه ولا إلى غيره، ولا يَدْفع عنها ولا عن غيره، شيئا مما يَتَمَوَّلُ الناسُ، ولا مما فيه عقوبةٌ عليهم ولا لهم، وهو ومَنْ حدَّثه ذلك الحديث من المسلمين: سواءٌ، إن كان بأمرٍ يُحِلُّ أو يُحرِّم فهو شريكُ العامَّة فيه، لا تختلف حالاته فيه، فيكونَ ظَنِينًا مرَّةٍ مَرْدُودَ الخبر، وغيرَ ظنينٍ أُخْرَى مَقْبُولَ الخبر، كما تختلف حال الشاهِد لعوامِّ المسلمين وخواصِّهِمْ.
وللناس حالاتٌ تكون أخبارُهم فيها أصحَّ وأحْرَى أن يَحْضُرَها التَّقْوَى منها في أُخرى، ونِيَّاتُ ذوي النِيَّات فيها أصحُّ، وفِكرُهم فيها أدْوَمُ، وغفلتُهم أقلُّ، وتلك عند خوْف الموْت بالمرض والسفر، وعند ذِكْرِه، وغير تلك الحالات من الحالات المُنَبِّهَةِ عَن الغفْلة.
فقلتُ له: قد يكون غيرُ ذي الصِّدْق مِن المسلمين صادقا في هذه الحالات، وفي أن يُؤْتَمَنَ على خبر، فيُرَى أنه يُعْتَمَدُ على خبره فيه، فيَصْدُقُ غايَةَ الصِّدْقِ، إن لم يكن تقْوى فحَيَاءً مِن أن يُنْصَبَ لأمانَة في خبر لا يَدْفَعُ به عن نفسه ولا يَجُرُّ إليها: ثم يَكْذِبُ بعْدَه، أو يَدَعُ التحَفُّظَ في بعض الصدق فيه.
فإذا كان موجودا في العامة وفي أهل الكذب الحالاتُ يَصْدُقون فيها الصدقَ الذي تَطِيب به نفسُ المحدثين: كان أهل التقوى والصدق في كل حالاتهم أولى أن يتحفظوا عند أولى الأمور بهم أن يتحفظوا عندها، في أنهم وُضِعُوا مَوْضِع الأمانة، ونُصِبُوا أعْلامًا لِلدين، وكانوا عالِمِين بما ألْزَمَهُم اللهُ مِن الصدق في كلِّ أمْر، وأن الحديث في الحلال والحرام أعْلى الأمور وأبْعَدُها مِن أن يكون فيه موضعُ ظِنَّةٍ، وقد قُدِّمَ إليهم في الحديث عن رسول الله بشيء لم يُقَدَّم إليهم في غيره، فوُعِدَ على الكذب على رسول الله النارُ.
عبد العزيز عن محمد بن عَجلان عن عبد الوهَّاب بن بُخْتٍ عن عبد الواحد النَّصْرِي عن واثلة بن الأسْقَعِ عن النبي قال: إنَّ أَفْرَى الفِرَى مَنْ قَوَّلَنِي مَا لَمْ أَقُلْ، ومَنْ أرَى عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَى، وَمَنِ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ [1].
عبد العزيز عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله قالَ: مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ [2]
يحيى بن سُلَيْمٍ عن عبيد الله بن عمر عن أبي بكر بن سالم عن سالم عن ابن عمر أن النبي قال: إنَّ الَّذِي يَكْذِبُ عَلَيَّ يُبْنىَ لَهُ بَيْتٌ فِي النَّارِ [3]
حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن عبد العزيز بن محمد عن أُسِيدٍ بن أبي أُسيد عن أمه قالتْ: قلتُ لأبي قتادة: مَا لَكَ لاَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسثولِ اللهِ كَمَا يُحَدِّثُ النَّاسُ عَنْهُ؟ قالت: فقال: أبو قَتادةَ سمعت رسول الله يقول: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلْتَمِسْ لِجَنْبِهِ مَضْجَعًا مِنَ النَّارِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ يَقُولُ ذَلِكَ وَيَمْسَحُ الأَرْضَ بَيَدِهِ [4]
سفيان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رَسُولُ اللهِ قَالَ: (حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلاَ تَكْذِبُوا عَلَيَّ ) [5]
وهذا أشدُّ حديثٍ رُوِيَ عن رسول الله في هذا، وعليه اعْتَمدنا مع غيره في أنْ لا نقبَلَ حديثًا إلاَّ مِنْ ثِقة، ونعْرِفَ صدقَ مَنْ حَمَلَ الحديثَ مِن حينِ ابْتُدِئَ إلى أن يُبْلَغَ به مُنْتَهَاه.
فإن قال قائل وما في هذا الحديث من الدلالة على ما وصفت؟
قيل: قد أحاط العلم أن النبي لا يأمر أحدا بحال أبدا أن يكذب على بني إسرائيل، ولا على غيرهم، فإذ أباح الحديث عن بني إسرائيل أن يقبلوا الكذب على بني إسرائيل أباح، وإنما أباح قبول ذلك عن من حدَّث به ممن يُجهل صدقه وكذبه.
ولم يُبِحْه أيضا عن من يُعرف كذبه لأنه يُروى عنه أنه مَن حدَّث بحديث، وهو يُرَاه كذبا فهو أحد الكاذِبَين ومَن حدَّث عن كذاب لم يبرأ من الكذب؛ لأنه يرى الكذاب في حديثه كاذبا
ولا يُستدل على أكثرِ صدق الحديث وكذبه إلا بصدق اُلمخبِر وكذبه، إلا في الخاصِّ القليل من الحديث، وذلك أن يُستدل على الصدق والكذب فيه بأن يُحَدِّث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أَثبتُ وأكثرُ دلالاتٍ بالصدق منه.
وإذ فرق رسول الله بين الحديث عنه، والحديث عن بني إسرائيل فقال: حدثوا عني ولا تكذبوا علي: فالعلم - إن شاء الله - يحيط أن الكذب الذي نهاهم عنه هو الكذب الخفي. وذلك الحديث عمن لا يُعرف صدقه؛لأن الكذب إذا كان منهيا عنه على كل حال، فلا كذب أعظم من كذبٍ على رسول الله ﷺ
هامش
- ↑ [رواه البخاري كتاب المناقب. باب: نسبة اليمن إلى إسماعيل. رقم 3318، وأحمد في مسند الشاميين 4/106 والشافعي في المسند 650. ]
- ↑ [ هذا حديث متواتر روي بألفاظ كثيرة عن عدد من الصحابة. ]
- ↑ [إسناده صحيح ورواه أحمد من هذا الطريق رقم 4742 - 5798 - 6309]
- ↑ [ ذكره في كنز العمال وعزاه للشافعي والبيهقي في المعرفة 29226]
- ↑ [ روي عن عدد من الصحابة بأسانيد صحاح رواه أحمد عن أبي هريرة 11108 ومواضع. ]