→ عدة الوفاة | كتاب الرسالة باب العلل في الحديث الشافعي |
وجه آخر من الناسخ والمنسوخ ← |
قال الشافعي: قال لِي قائِلٌ: فَإنَّا نَجِدُ مِن الأحاديثِ عَن رسولِ الله أحاديثَ في القُرَآن مِثْلُها نَصًّا، وأخْرَى في القُرَآن مثلُها جُمْلةً، وفي الأحاديث منها أكثرَ مِمَّا في القُرَآن، وأخرى ليس منها شيء في القُرَآن، وأخرى مُوتَفِقَةٌ، وأخرى مُخْتلفةٌ: ناسِخة ومَنْسوخَة، وأخرى مختلفة: ليس فيها دِلالةٌ على ناسخٍ ولا منسوخ، وأخرى فيها نَهْيٌ لِرسول الله، فتقولون: ما نَهَى عنْه حَرَامٌ، وأخرى لرسول الله فيها نهْيٌ، فتقولون: نَهْيُه وأمره على الاختيار لا على التَّحْريمِ، ثم نَجِدُكم تذهبون إلى بعْض المُخْتَلِفة مِن الأحاديث دون بعْضٍ، ونجدكم تَقِيسُون على بعْضِ حَديثه، ثم يَخْتَلِف قِياسُكم عليها، وتَتْرُكون بعْضا فلا تَقِيسون عليه، فَمَا حُجَّتُكُمْ في القياس وتَرْكِه؟ ثم تفْتَرِقون بعدُ: فمِنكُمْ مَنْ يَتْرُك مِن حديثه الشيءَ ويَأْخُذ بمثل الذي تَرَكَ وأَضْعَفَ إسْنادًا مِنه.
قال الشافعي: فقلتُ له: كلُّ ما سَنَّ رسولُ الله مَعَ كِتاب الله مِن سنةٍ فهي مُوَافِقة كتابَ الله في النصِّ بِمِثْلِهِ، وفي الجُمْلة بالتَّبْيِينِ عَن الله، والتبيينُ يكون أكثرَ تَفْسِيرا مِن الجُمْلة.
وما سَنَّ مِمَّا ليس فيه نصُّ كتابِ الله فبِفرض الله طاعتَه عامَّةً في أمْرِه تَبِعْنَاه.
وأما الناسِخةُ والمنسوخة مِنْ حديثه فهي كما نَسَخَ اللهُ الحُكْمَ في كِتابه بالحكم غيْرِه من كتابه عامةً في أمْرِه، وكذلك سنةُ رسولِ الله تُنْسَخُ بِسنتِه.
وذَكَرْتُ له بعضَ ما كتبْتُ في كِتابي قَبْلَ هذا مِن إيضَاح ما وَصَفْتُ.
فأمَّا المُخْتَلِفةُ التي لا دِلالةَ على أيِّها ناسِخٌ ولا أيِّها مَنْسوخٌ، فكُلُّ أمْرِه مُوتَفِقٌ صحيح، لا اختلافَ فيه.
ورسولُ الله عَرَبِيُّ اللِّسان والدَّار، فقدْ يقولُ القولَ عامًّا يُريدُ به العامَّ، وعامًّا يريدُ به الخاصَّ، كما وصفتُ لك في كتاب الله وسُنَنِ رسولِ الله قَبْلَ هذا.
ويُسْئَلُ عَن الشيءِ فَيُجيب على قَدر المَسْألَةِ، ويُؤَدِّي عنه المُخْبِرُ عنه الخَبَرَ مُتَقَصًّى، والخَبَرَ مُخْتَصَرًا، والخبَر فيأتِيَ بِبَعْض مَعْناه دون بعض.
ويُحَدِّثُ عنه الرجلُ الحَدِيثَ قَدْ أدْرَكَ جَوَابَه ولم يُدْرك المسألَةَ فيَدُلَّه على حَقِيقَة الجَوَابِ، بِمَعْرِفَته السَّبَبَ الذي يَخْرُجُ عليه الجواب.
ويَسُنُّ في الشَّيْء سُنَّة وفيما يُخَالِفه أخْرَى، فلا يُخَلِّصُ بَعْضُ السَّامِعِين بَيْنَ اختلاف الحالَيْنِ اللَّتَيْنِ سَنَّ فيهما.
ويسُنُّ سنَّةً في نصٍّ معناه، فَيَحْفَظُها حافِظٌ، ويَسُنُّ في مَعْنًى يُخَالِفُهُ في معنى ويُجَامِعُه في معنى، سنةً غيرَها، لاختلاف الحالَيْنِ، فيَحْفَظُ غيرُه تِلْكَ السنةَ، فإذا أدَّى كلٌّ ما حَفِظَ رَآهُ بعضُ السامِعِينَ اختلافًا، وليس منه شيءٌ مختلفٌ.
ويَسنُّ بِلَفْظٍ مَخْرَجُهُ عَامٌّ جملةً بتحريم شيء أو بتَحْليله، ويسنُّ في غيره خلافَ الجمْلة، فَيُسْتَدَلُّ على أنه لم يُرِدْ بما حَرَّمَ ما أحَلَّ، ولا بما أحَلَّ ما حَرَّمَ.
ولكل هذا نظيرٌ فيما كَتَبْنَا مِن جُمَل أحكامِ الله.
ويسُنُّ السنةَ ثم يَنْسَخُهَا بِسُنَّتِهِ، ولم يَدَعْ أنْ يُبَيِّنَ كلَّمَا نَسَخَ مِن سنته بسنته، ولكن ربما ذَهَبَ على الذي سَمِعَ مِن رسولِ الله بعضُ علمِ الناسِخ أو عِلمِ المَنْسوخ، فَحَفِظَ أحدُهما دون الذي سمِع مِن رسولِ الله الآخَرَ، وليس يذهب ذلك على عامَّتهم، حتى لا يكون فيهم موْجودا إذا طُلِبَ.
وكلُّ ما كان كما وصفْتُ أُمْضِيَ على ما سَنَّهُ، وفُرِّقَ بَيْنَ ما فَرَّقَ بينه منه.
وكانتْ طاعَتُه في تَشْعِيبِه على ما سَنَّهُ واجِبةً، ولم يقل: ما فَرَّقَ بَيْنَ كذا كذا؟
لأنَّ قولَ: مَا فَرَّقَ بَيْنَ كَذَا كَذَا؟ فيما فَرَّقَ بينه رسولُ الله، لا يَعْدُو أنْ يكونَ جَهْلًا ممن قاله، أو ارتِيابا شَرًّا مِن الجَهْل، وليس فيه طاعةُ الله باتِّباعه.
وما لم يوجد فيه إلا الاختلافُ: فلا يعدو أن يكونَ لم يُحْفَظْ مُتَقَصًّى، كما وصفتُ قَبْلَ هذا، فَيُعَدُّ مُخْتَلِفًا، ويَغِيبَ عنَّا مِنْ سبَبِ تَبْيِينِهِ ما علِمْنا في غَيْرِهِ، أو وَهمًا مِنْ مُحَدِّثٍ.
ولم نجِدْ عنه شَيْئًا مُخْتَلِفا فَكَشَفْنَاه: إلا وجَدْنا له وجها يحتمل به ألاَّ يكونَ مُخْتَلِفا، وأن يكون داخلا في الوجوه التي وصفتُ لك.
أو نَجِدُ الدِّلالةَ على الثابِتِ منه دون غيره، بِثُبُوتِ الحديثِ، فلا يكون الحديثان اللذان نُسِبَا إلى الاختلاف مُتَكَافِيَيْنِ، فنَصِيرُ إلى الأثْبَتِ مِن الحَدِيثَيْنِ.
أو يكونُ على الأثبَتِ منهما دِلالةٌ مِن كتاب الله أو سنة نبيه أو الشَّوَاهِدِ التي وَصَفْنا قَبْلَ هذا، فنصير إلى الذي هو أقْوَى وأَوْلَى أنْ يَثْبُتَ بالدلايل.
ولم نجد عنه حَدِيثَيْنِ مُخْتلِفَيْن إلاَّ ولهما مَخْرَجٌ أو على أحَدِهما دِلالةٌ بأحَدِ ما وصفْتُ: إما بِمُوَافَقَةِ كتابٍ أو غَيْرِه من سنته أو بعض الدلايل.
وما نهى عنه رسولُ الله فهو على التحْرِيمِ، حتى تَأْتِيَ دلالةٌ عنه على أنه أراد به غَيْرَ التحْريم.
قال: وأما القياس على سنن رسول الله فأصْلُهُ وَجْهَانِ، ثم يَتَفَرَّعُ في أحَدِهما وجوه.
قال: وما هُمَا؟
قلت: إنَّ اللهَ تَعَبَّدَ خَلْقَهُ في كتابه وعلى لسان نبيه بما سَبَقَ في قَضَائِه أنْ يَتَعَبَّدَهُمْ به، ولِمَا شاءَ، لا مُعَقِّبَ لحُكْمه فيما تعبَّدَهم به، مما دلَّهم رسولُ الله على المعنى الذي له تعبَّدَهم به، أو وَجَدُوه في الخبر عنه لم يُنْزَلْ في شَيْءٍ في مِثْلِ المعنى الذي له تعبَّد خلقَه، ووجب على أهل العلم أن يُسْلِكُوهُ سبيلً السنَّةِ، إذا كان في معناها، وهذا الذي يتَفَرَّعُ تفرعا كثيرا.
والوجه الثاني: أن يكونَ أحَلَّ لهم شيئا جُمْلَةً، وحَرَّمَ منه شيئا بِعَيْنِهِ، فيُحِلُّونَ الحلالَ بالجُمْلَةِ، ويُحَرِّمون الشيءَ بعَيْنِهِ، ولا يَقِيسُونَ عليه: على الأقَلِّ الحَرَامِ، لأنَّ الأكْثَرَ مِنْهُ حلالٌ، والقِياسُ على الأكْثَرِ أوْلَى أنْ يُقَاسَ عليه مِن الأقَلِّ.
وكذلك إنْ حَرَّمَ جُمْلَةً وأحَلَّ بعضَها، وكذلك إنْ فَرضَ شيْئا وخصَّ رسولُ الله التَّخْفيفَ في بعضه.
وأمَّا القِياسُ فإنَّما أخَذْناه استدلالا بالكتاب والسنة والآثار.
وأمَّا أنْ نُخالِفَ حَديثا عن رسول الله ثابِتًا عنه: فأرْجُو أنْ لا يُؤْخَذَ ذلك علينا إن شاء اللهُ.
وليس ذلك لأحد، ولكن قدْ يَجْهَلُ الرجُلُ السنةَ فيكونُ له قوْلٌ يُخالِفُهَا، لا أنَّهُ عَمَدَ خِلافَها، وَقَدْ يَغْفُلُ المرْءُ ويُخْطِئ في التَّأْوِيلِ.
قال: فقال لي قائلٌ: فَمَثِّلْ لِي كُلَّ صِنْفٍ مِمَّا وصفْتَ مِثالا، تَجْمَعُ لي فيه الإتْيانَ على ما سَألْتُ عَنْهُ، بأمْرٍ لا تُكْثِرُ علَيَّ فأنْساهُ، وابدأ بالناسِخ والمَنْسوخ مِن سُنَنِ النبي، واذكر منها شيئا مِمَّا معه القُرَآن، وإنْ كَرَّرْتَ بعْضَ ما ذَكَرْتَ.
فقلتُ له: كان أوَّلُ ما فَرَضَ اللهُ على رسوله في القِبْلة أن يَسْتقبِل بيْتَ المَقْدِس للصَّلاة، فكان بَيْتُ المَقْدِس القِبْلَةَ التي لا يَحِلُّ لأحدٍ أن يُصَلِّيَ إلا إليها. في الوقْتِ الذي اسْتَقبَلَها فيه رسولُ الله، فَلَمَّا نَسَخَ اللهُ قِبلةَ بيْتِ المقدس ووَجَّهَ رسولَه والناسَ إلى الكَعْبَةِ: كانت الكعبةُ القِبلةَ التي لا يحلُّ لمُسْلم أنْ يسْتَقْبِلَ المكتوبَة في غيْرِ حالٍ مِن الخوْفِ، غيْرَها، ولا يحل أن يستقبل بيتَ المقدِس أبدا.
وكلٌّ كان حَقًّا في وَقْتِه، بيتُ المقدس مِن حينِ اسْتَقْبَلَهُ النبيُّ إلى أنْ حُوِّلَ عنه: الحَقُّ في القِبْلَة، ثم البيتُ الحَرامُ - الحق في القبلة إلى يوْم القيامة.
وهكذا كلُّ منسوخ في كتابِ اللهِ وسنَّةِ نَبِيِّه.
قال: وهذا - مع إبانته لك الناسخَ والمنسوخ من الكتاب والسنة -: دليلٌ لك على أن النبي إذا سن سنَّةً حوَّلَهُ اللهُ عنْها إلى غَيْرِها، سنَّ أخرى يَصِيرُ إليها الناسُ بعْدَ التي حُوِّلَ عنها، لِئَلاَّ يذْهَبَ على عامَّتِهِم الناسِخُ فَيَثْبُتُونَ على المَنْسوخِ.
ولئلا يُشَبَّهَ على أحَدٍ بأن رسولَ اللهِ يَسُنُّ فيكون في الكتاب شيء يَرَى مَنْ جَهِلَ اللِّسَانَ أو العِلْمَ بموقع السنة مع الكتاب أو إبانَتِها مَعانِيه: أنَّ الكتاب يَنْسَخُ السُّنَّةَ.
فقال: أفَيُمْكِنُ أنْ تخالفَ السنَّةُ في هذا الكتاب؟
قلت: لا، وذلك: لأنَّ اللهَ - جلَّ ثَنَاؤُه - أقام على خَلْقِهِ الحُجَّةَ من وجْهَيْن، أصْلُهُما في الكتاب: كتابُه، ثم سنةُ نبيه، بفرْضِه في كِتَابِه اتِّبَاعَهَا.
فلا يجوزُ أنْ يَسُنَّ رسولُ الله سنَّةً لازِمَةً فَتُنْسَخَ فلا يَسُنَّ ما نَسَخَها، وإنما يُعْرَفُ الناسِخُ بالآخِرِ مِن الأمْرَيْن، وأكثَرُ الناسخ في كتاب الله إنما عُرِفَ بِدِلالة سُنَنِ رسولِ الله.
فإذا كانت السنة تدلُّ على ناسِخِ القُرَآن، وتُفَرِّقُ بَيْنَهُ وبَيْنَ منسوخِهِ: لم يَكُنْ أن تُنْسَخَ السنَّةُ بِقُرَآن إلا أحْدَثَ رسولُ الله مَعَ القُرَآن سنَّةً تَنْسَخُ سنَّتَهُ الأُولَى، لِتَذْهَبَ الشُّبْهةُ عَنْ مَن أقامَ اللهُ عليه الحُجَّةَ مِن خَلْقه.
قال: أفَرَأَيْتَ لَوْ قال قائل: حَيْثُ وَجَدْتُ القُرَآن ظاهِرا عامًّا، ووَجَدْتُ سنةً تحْتَمِلُ أنْ تُبَيِّنَ عَن القُرَآن، وتحتمل أن تكون بخلاف ظاهره، عَلِمْتُ أنَّ السنةَ منسوخَةٌ بالقُرَآن؟
فقلتُ له: لا يقولُ هذا عالِمٌ.
قال: وَلِمَ؟
قلت: إذا كان الله فَرَضَ على نبيه اتِّباعَ ما أُنْزِل إليه، وشَهِدَ له بالهُدَى، وفرض على الناس طاعَتَه، وكان اللِّسانُ - كما وصفْتُ قبل هذا - مُحْتَمِلا للمعاني، وأن يكون كتابُ الله يَنْزِلُ عامًّا يُرَادُ به الخاصَّ، وخاصا يراد به العام، وفرْضًا جُمْلَةً بَيَّنَه رسولُ الله، فقامت السنةُ مع كتاب الله هذا المقامَ: لم تكن السنةُ لِتُخَالِفَ كتابَ الله، ولا تكونُ السنةُ إلا تَبعًا لِكتاب اللهِ، بِمِثْلِ تَنْزِيلِه، أو مُبَيِّنَةً معنى ما أرادَ اللهُ، فهي بكل حالٍ مُتَّبِعَةٌ كتابَ اللهِ.
قال: أفَتُوجِدُنِي الحُجَّةَ بما قلتَ في القُرَآن؟
فذكَرْتُ له بعضَ ما وصفتُ في كتاب: (السنَّةُ مع القُرَآن) [1]، مِن أنَّ الله فَرَضَ الصلاةَ والزكاة والحجَّ، فَبَيَّنَ رسولُ اللهِ كيفَ الصلاةُ، وعَدَدَها، ومواقيتَها، وسُنَنَها، وفي كَمْ الزكاةُ مِن المال وما يَسْقُطُ عنه مِن المالِ ويَثْبُتُ عليه، ووقتَها، وكيف عَمَلُ الحجِّ، وما يُجْتَنَبُ فيه ويُبَاحُ.
قال: وذكرتُ له قولَ الله: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } [2]
و { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } [3]
وأنَّ رسولَ الله لَمَّا سَنَّ القطْعَ على مَنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ ربع دينار فصاعِدا، والجَلْدَ على الحُرَّيْنِ البِكْرَيْنِ دون الثَّيِّبَيْنِ الحريْن والمملوكيْنِ: دلَّتْ سنةُ رسولِ الله على أنَّ الله أراد بها الخاصَّ من الزُّناة والسُّرَّاق، وإن كان مَخْرَجُ الكلام عاما في الظاهر على السراق والزناة.
قال: فهذا عنْدِي كما وصفْتَ، أفَتَجِدُ حُجَّةً على مَنْ رَوَى أنَّ النبي قال: ( مَا جَاءَكُمْ عَنِّي فَاعْرِضُوُه عَلَى كِتَابِ اللهِ، فَمَا وَافَقَهُ فَأَنَا قُلْتُهُ، وَمَا خَالَفَهُ فَلَمْ أَقُلْهُ) [4]
فقلْتُ له: ما رَوَى هذا أحدٌ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ في شيء صَغُرَ وَلَا كَبُرَ، فيُقالَ لنا: قدْ ثَبَّتُّمْ حَدِيثَ مَنْ رَوَى هَذا في شَيْءٍ.
وهذه أيضا رِوايةٌ مُنْقَطِعة عَن رَجُلٍ مَجْهولٍ، ونحن لا نَقْبَلُ مِثْلَ هذه الرِّوايَةِ في شيْءٍ.
قال: فَهَلْ عَن النبي رِوايةٌ بما قُلْتُم؟
فقلتُ له: نعم.
أخبرنا سفيان قال: أخبرني سالمٌ أبو النَّضْر أنَّه سمِع عُبَيْد الله بن أبي رافِعٍ يُحَدِّثُ عن أبيه: أنَّ النبيَّ قال: ( لاَأُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولَ: لاَ أَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللهِ اتَّبَعْنَاهُ) [5]
قال الشافعي: فَقَدْ ضَيَّقَ رسولُ الله على الناسِ أنْ يرُدُّوا أمْرَهُ، بِفَرْضِ اللهِ عليهم اتِّباعَ أَمْرِهِ.
قال: فَأَبِنْ ليِ جُمَلًا أجْمَعَ لك أهلُ العِلم، أو أكثَرُهم عليه مِن سنَّةٍ مع كتاب الله، يَحْتمل أنْ تكون السنةُ مع الكتابِ دَليلا على أنَّ الكتابَ خاصٌّ وإنْ كانَ ظاهِرُه عامًّا.
فقُلْتُ له: نَعَمْ، ما سمِعْتَني حَكَيْتُ في كتابي.
قال: فَأَعِدْ منه شيئا.
قلتُ: قال الله: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ، وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ(24) } [6]
قال: وذَكَرَ اللهُ مَنْ حَرَّمَ، ثم قال: { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ }، فقال رسولُ الله: (لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلاَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَخَالَتِهَا) [7]
فلمْ أَعْلَمْ مُخالِفًا في اتِّباعِه.
فكانَتْ فيه دِلالَتَانِ: دِلالَةٌ عَلَى أنَّ سنةَ رسول الله لا تكون مُخالفةً لِكتاب اللهِ بِحَالٍ، ولكنَّها مُبَيِّنَةٌ عامَّهُ وخاصَّهُ.
ودِلالةٌ على أنهم قَبِلوا فيه خَبَرَ الواحِدِ، فلا نَعْلَمُ أحَدا رَواهُ مِن وَجْهٍ يَصِحُّ عَن النبي إلاَّ أبا هُرَيْرَة.
قال: أفيحتمل أن يكونَ هذا الحديثُ عِنْدَك خِلَافًا لشيْءٍ مِن ظاهِرِ الكتاب؟
فقلتُ: لا، ولا غَيْرُهُ.
قال: فما مَعْنى قول الله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ، فقد ذَكَرَ التحريمَ وقال: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ؟
قلتُ: ذكَرَ تحريمَ مَنْ هو حَرامٌ بِكلِّ حالٍ، مثل: الأُمِّ والبِنْت والأخْت والعَمَّة وبَنَاتِ الأخ وبنات الأخْت، وذكَرَ مَنْ حَرَّمَ بكل حال من النَّسَب والرَّضاعِ، وذكر مَن حَرَّم مِن الجَمْعِ بَيْنَهُ وكان أصْلُ كلِّ واحدٍ منهما مُباحًا على الانْفِرادِ، قال: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ، يعني: بالحال التي أحلَّها بِه.
ألاَ تَرَى أنَّ قوله: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ بمعنى: ما أحَلَّ به، لا أنَّ واحِدَةً مِن النَّساءِ حَلالٌ بِغيرِ نِكاحٍ يَصِحُّ، ولا أنه يجوز نِكاحُ خامِسَةٍ على أرْبعٍ، ولا جَمْعٌ بَيْنَ أُخْتَيْنِ، ولا غيرُ ذلِك مِمَّا نَهَى عنه.
فذكرتُ له فرْض اللهِ في الوُضوء، ومَسْحَ النبي على الخُفَّيْنِ، وما صارَ إليه أكثرُ أهْلِ العِلم مِن قَبُول المَسْحِ.
فقال: أفيُخالِفُ المسْحُ شيئا مِن القُرَآن؟
قلت: لا تخالفه سنةٌ بحالٍ.
قال: فما وَجْهُهُ؟
قلت: لَمَّا قال: { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } [8]
دلَّت السنةُ على أنَّ مَن كان على طَهارَةٍ ما لمَْ يُحْدِثْ فقامَ إلى الصلاةِ لم يكنْ عليه هذا الفَرْضُ، فكذلك دلت على أن فَرْضَ غَسْل القَدَمَيْنِ إنما هو على المُتَوَضِّئ لا خُفَّيْ عليه لَبِسَهُمَا كاملَ الطهارةِ.
وذكرتُ له تحريمَ النبيِّ كلَّ ذِي نابٍ مِن السِّباعِ، وقدْ قال الله: { قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ، أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [9]
ثم سَمَّى ما حَرَّمَ.
فقال: فما معنى هذا؟
قلنا: معناه: قل لا أجد فيما يوُحَى إلَيَّ مُحَرَّمًا مما كنتم تأكلون إلا أن يكون مَيْتَةً وما ذُكِر بعدها، فأما ما تَرَكْتم أنكم لم تَعُدُّوه مِن الطَّيِّبات فلم يُحَرِّم عليكم مما كنتم تستحلون إلا ما سَمَّى اللهُ، ودلت السنةُ على أنه حرَّم عليكم منه ما كنتم تُحَرِّمون، لِقول الله: وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } [10].
قال: وذكرتُ له قولَ الله: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } [11]
وقولَه: { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } [12]
ثم حَرَّم رسولُ الله بيوعا، منها الدنانيرُ بالدَّراهم إلى أجلٍ، وغيرُها: فحرَّمَها المُسْلِمون بتحريم رسولِ اللهِ، فليس هذا ولا غيره خلافا لكتاب الله.
قال: فَحُدَّ لي معنى هذا بأجْمَعَ منه وأخْصَرَ.
فقلتُ له: لَمَّا كان في كتاب الله دِلالة على أنَّ الله قد وضَعَ رسولَه مَوْضع الإبانَةِ عنه، وفَرَض على خَلْقِه اتِّباعَ أمره، فقال: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } [13]
فإنما يعْني: أحَلَّ اللهُ البيْعَ إذا كان على غير ما نهى الله عنه في كتابه أو على لسان نبيه، وكذلك قوله: { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } [14]
بما أحَلَّه اللهُ به مِن النكاح ومِلْك اليمين في كتابه، لا أنه أباحَهُ بكلِّ وجهٍ، وهذا كلام عربي.
وقلت له: لوْ جازَ أنْ تُتْرَكُ سنةٌ مما ذهب إليه من جَهِلَ مكانَ السنَنِ مِن الكتاب، تُرك ما وصفْنا مِن المسح على الخُفَّيْنِ، وإباحَةُ كلِّ ما لَزِمه اسمُ بيْعٍ، وإحلالُ أنْ يُجْمَعَ بين المرْأَةِ وعَمَّتها وخالتها، وإباحةُ كلِّ ذي نابٍ مِن السِّباع، وغيرُ ذلك.
ولَجاز أن يقال: سنَّ النبيُّ ألاَّ يُقْطَعَ مَن لمْ تبلغ سرِقَتُه ربعَ دينارٍ قبْلَ التَّنْزيلِ، ثم نَزَل عليه: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } [15]، فمن لزِمه اسمُ سَرِقةٍ قُطِعَ.
ولجاز أن يقال: إنما سن النبي الرجمَ على الثَّيِّب حتى نزلتْ عليه: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } [16]، فيُجْلَد البِكرُ والثيبُ، ولا نرْجُمُهُ.
وأن يقال في البيوع التي حرَّم رسولُ الله: إنما حرَّمَها قبْل التنزيل، فلما أُنْزِلتْ: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } [17]، كانت حَلالا.
والرِّبا: أن يكونَ للرَّجُل على الرجلِ الدَّيْنُ فَيَحِلُّ فيقولُ: أَتَقْضِي أمْ تَرْبِي؟ فيُؤَخِّرُ عنه ويزيده في ماله. وأشباهٌ لهذا كثيرةٌ.
فمن قال هذا كان مُعَطِّلا لِعَامَّة سنَنِ رسولِ الله، وهذا القولُ جَهْلٌ مِمَّنْ قاله.
قال: أجَلْ.
وسنةُ رسولِ الله كما وصفْتُ، ومَنْ خالفَ ما قلْتُ فيها فقد جمَعَ الجْهَل بالسنة والخَطَأَ في الكلام فيما يَجْهَلُ.
قال: فاذْكُرْ سنةً نُسِختْ بسنةٍ سِوى هذا.
فقلتُ له: السننُ الناسِخَةُ والمنسوخةُ مُفَرَّقَةٌ في مَواضِعِها، وإنْ رُدِّدَتْ طالَتْ.
قال: فيكفي منها بعضُها، فاذْكره مُخْتَصَرًا بَيِنًا.
فقلتُ: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزْمٍ عن عبد الله بن واقِدٍ عن عبد الله بن عُمر، قال: ( نَهَى رَسُوُل اللهِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ)، قال عبد الله بن أبي بكر: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ، فَقَالَتْ: صَدَقَ، سَمِعْتُ عَائِشَةَ تقول: (دَفَّ [18] نَاسٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ حَضْرَةَ الأَضْحَى فِي زَمَانِ النَّبِيِّ، فَقَاَل النَّبِيُّ: ادَّخِرُوا لِثَلاَثٍ وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِضَحَايَاهُمْ، يُجْمِلُونَمِنْهَا الوَدَكَ [19]
وَيَتَّخِذُونَ الأَسْقِيَةَ، فَقَالَ رسولُ اللهِ: ومَا ذَاكَ، - أوْ كَمَا قَالَ -، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، نَهَيْتَ عَنْ إمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ حَضْرَةَ الأَضْحَى، فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وادّخِرُوا) [20]
وأخبرنا ابن عُيَيْنَة عن الزهري عن أبي عُبَيْد مولى ابن أزْهَرَ، قال: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ علي بن أبي طالب فسَمِعتُهُ يقول: لاَ يَأْكُلَنَّ أحَدُكُمْ مِنْ لَحْمِ نُسُكِهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ.
أخْبَرَنا الثِّقة عن مِعْمَرٍ عن الزهري عن أبي عبيد عن علي أنه قال: قال رسول الله: (لاَ يَأْكُلَنَّ أحَدُكُمْ مِنْ لَحْمِ نُسُكِهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ) [21]
أخبرنا ابن عيينة عن إبراهيم بن مَيْسَرَةَ قال: سمعت أنس بن مالك يقول: إنَّا لَنَذْبَحُ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ ضَحَايَانَا، ثُمَّ نَتَزَوَّدُ بَقِيَّتَهَا إلىَ البَصْرَةِ.
قال الشافعي: فهذه الأحاديث تَجْمع معانِيَ، منها: أنَّ حديث علي عن النبي في النهي عَنْ إمْساك لُحُوم الضَّحايا بعْد ثلاثٍ، وحديث عبد الله بن واقِدٍ، مُوتَفِقَانِ عن النبي.
وفيها دِلالة على أنَّ عَلِيَّا سمع النهيَ مِن النبي، وأنَّ النهيَ بَلَغَ عبدَ الله بن واقد.
ودلالةٌ على أن الرُّخْصَةَ مِن النبي لم تبلُغْ عليا ولا عبدَ الله بن واقد، ولو بَلَغَتْهمَا الرُّخْصَةُ، مَا حَدَّثاَ بالنهي، والنَّهْيُ منسوخ، وتَرَكا الرخصةَ، والرخصةُ ناسخة، والنهي منسوخ لا يَسْتَغْنِي سامِعُه عَنْ علم ما نَسَخَهُ.
وقولُ أنس بن مالك: كنا نَهْبِطُ بِلحوم الضحايا البَصْرَةَ، يَحْتَملُ أنْ يكونَ أنس سَمِعَ الرخصةَ ولم يسمَعْ النهيَ قَبْلَهَا، فَتَزَود بالرخصة ولم يسمع نهيا أو سمع الرخصةَ والنهيَ، فكان النهيُ منسوخا، فلم يذكرْهُ.
فقال كلُّ واحِدٍ من المُخْتَلِفَينَ بما عَلِمَ.
وهكذا يجب على مَنْ سَمِعَ شيئا مِن رسول الله، أو ثَبَتَ له عنه: أنْ يقولَ بما سَمِعَ، حتى يعلَمَ غيرَه.
قال الشافعي: فلما حَدَّثَتْ عائشةُ عَن النبي بالنهي عَنْ إمْساك لُحوم الضحايا بعد ثلاثٍ، ثم بالرخصة فيها بعد النهي، وأنَّ رسولَ الله أخْبَرَ أنَّه نهى عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث للدَّافَّة: كان الحديث التَّام المحفوظ أوَّلُه وآخِرُه وسَبَبُ التحريم والإحلال فيه: حديثُ عائشة عن النبي، وكان على مَنْ عَلِمَهُ أنْ يصيرَ إليه.
وحديثُ عائشة مِنْ أبْيَنِ ما يوجَدُ في الناسخ والمنسوخ مِن السُّنَنِ.
وهذا يَدل على أنَّ بعض الحديث يُخَصُّ، فيُحْفظ بعضُه دون بعض، فيُحفظ منه شيء كان أوَّلا ولا يُحفظ آخِرًا، ويُحْفظ أخِرا ولا يُحفظ أوَّلا، فيُؤَدِّي كلٌّ ما حَفِظَ.
فالرخصةُ بعْدَها في الإمساك والأكْل والصدقة مِن لحوم الضحايا إنما هي لواحدٍ من مَعْنَيَيْنِ، لِاخْتِلَاف الحالَيْن:
فإذا دَفَّت الدَّافَّةُ ثَبَتَ النهيُ عَن إمْساك لحوم الضحايا بعد ثلاثٍ، وإذا لم تَدِفَّ دافَّة فالرخصةُ ثابِتة بالأكْل والتَّزَوُّدِ والادِّخارِ والصَّدَقَةِ.
ويُحتمل أنْ يكونَ النهي عَن إمْساك لحوم الضَّحايا بَعْد ثلاث منسوخا في كلِّ حالٍ، فيُمْسك الإنسان مِن ضحيَّتِه ما شاء، ويتَصَدَّق بما شَاء.
هامش
- ↑ [ لا أعرف له كتابا بهذا الاسم ولعله يريد ما ذكر على الجملة من أحوال السنة مع القرآن من هذا الكتاب والله أعلم. ]
- ↑ [المائدة: 38]
- ↑ [النور: 2 ]
- ↑ [ في كشف الخفاء لِلْعَجْلُونِيِّ: هذا حديث مِن أوْضَعِ المَوْضُوعَاتِ. ]
- ↑ [ الترمذي: كتاب العلم/2587؛ أبو داود: كتاب السنة/3989؛ ابن ماجه: المقدمة/13]
- ↑ [النساء: 23، 24]
- ↑ [ البخاري: كتاب النكاح/4718؛ مسلم: كتاب النكاح/2514؛ الترمذي: كتاب النكاح/1045؛ النسائي: كتاب النكاح/3236؛ أبو داود: كتاب النكاح/1769؛مالك: كتاب النكاح/977]
- ↑ [المائدة: 6]
- ↑ [الأنعام: 145]
- ↑ [الأعراف: 157]
- ↑ [البقرة: 275]
- ↑ [النساء: 29]
- ↑ [البقرة: 275]
- ↑ [النساء: 24]
- ↑ [المائدة: 38]
- ↑ [النور: 2]
- ↑ [البقرة: 275]
- ↑ [ دَفَّ: (دَفَّت) الجماعةُ (تَدِفُّ) مِن باب: ضرب، (دَفِيفًا): سارتْ سيرا لَيِّنًا، فهي (دَافَّةٌ). المصباح المنير - الفَيُّومي. ]
- ↑ [ الوَدَكُ: الدَّسَمُ. القاموس المحيط - فيروز آبادي. ]
- ↑ [ مسلم: كتاب الأضاحي/3643؛ أبو داود: الضحايا/2429؛ مالك: كتاب الضحايا/918 ]
- ↑ [ مسلم: كتاب الأضاحي/3639؛ النسائي: كتاب الضحايا/4347؛ أحمد: مسند العشرة المبشرين بالجنة/1131؛ مسند الشافعي/470]