→ جمل الفرائض | كتاب الرسالة في الزكاة الشافعي |
(في الحج) ← |
قال الله: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } [1]
وقال: { وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } [2]
وقال: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ(6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ(7) } [3]
فقال بعضُ أهل العلم: هي الزكاةُ المفْروضة.
قال الله: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ؛إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [4]
فكان مَخْرَجُ الآية عاما على الأمْوال، وكان يحتمل أن تكون على بعض الأموال دون بعض، فدلتْ السنة على أن الزكاة في بعض الأموال دون بعض.
فلما كان المال أصنافا، منه الماشِيَةُ، فأخَذَ رسولُ الله مِن الإبل والغَنَم، وأمَر - فيما بَلَغنَا - بالأخْذ من البقر خاصة، دون الماشية سِواها، ثم أخَذ منها بِعَدَدٍ مُخْتلف، كما قَضَى اللهُ على لسان نبيه، وكان للناس ماشيةٌ مِن خَيْل وحُمُر وبِغَال وغيرها، فلَمَّا لم يأخذْ رسولُ الله مِنها شيئا، وسَنَّ أنْ ليس في الخيل صدقةٌ: استدللنا على أن الصدقة فيما أَخَذَ مِنه وأمر بالأخذ منه، دون غيره.
وكان للناس زَرْع وغِراس، فأخَذَ رسولُ الله من النَّخْل والعِنَب الزكاةَ بِخَرْصٍ [5] غيرُ مختلفٍ ما أَخَذَ منهما، وأخَذَ منهما مَعًا العُشْرَ إذا سُقِيَا بِسَماء أو عَيْنٍ، ونصْفَ العُشر إذا سُقِيَا بِغَرْبٍ [6]
وقد أخَذَ بعضُ أهل العلم مِن الزيتون، قياسا على النخل والعنب.
ولم يَزَلْ للناس غِراسٌ غيرُ النخل والعنب والزيتون كثيرٌ، مِن الجَوْز واللَّوْز والتين وغيره، فلما لم يأخذ رسول الله منه شيئا، ولم يأمر بالأخذ منه، استدللنا على أن فرْضَ الله الصدقةَ فيما كان مِن غِراس: في بعضِ الغِرَاس دون بعضٍ.
وَزَرَعَ الناسُ الحِنْطَةَ والشعير والذُّرةَ، وأصْنافا سِواها، فَحَفِظْنا عَن رسول الله الأخْذَ مِن الحِنطة والشعير والذُّرة، وأَخَذَ مَن قَبْلَنَا مِن الدُّخْنِ والسُّلْت والعَلَس والأُرْزِ [7] وكُلِّ ما نَبَّتَهُ [8] الناسُ وَجَعَلُوهُ قُوتًا، خُبْزًا وعَصِيدَةً وسَوِيقًا وأُدْمًا، مثل الحِمَّصِ والقَطَاني [9]
فهي تصلح خبزا وسويقا وأدما، اتِّباعا لِمَنْ مَضَى، وقياسا على ما ثَبَتَ أنَّ رسول الله أَخَذَ مِنه الصدقةَ، وكان في معنى ما أخذ النبيُّ، لأن الناس نَبَّتُوه لِيَقْتَاتُوه.
وكان للناس نَبَاتٌ غيرُه، فلم يأخذ منه رسولُ الله، ولا مَنْ بَعْدَ رسولِ الله عَلِمْناه، ولم يكن في معنى ما أَخَذَ منه، و ذلك مثل الثُّفَّاءِ والأَسْبيوش والكُسْبرة وحَبِّ العُصْفُر [10]، وما أشبهه، فلم تكن فيه زكاة: فدلَّ ذلك على أن الزكاة في بعض الزَّرْعِ دون بعض.
وفرض رسول الله في الوَرِق [11] صدقةً، وأَخَذَ المُسْلمون في الذهب بعده صدقةً، إمَّا بخبر عن النبي لمْ يَبْلُغْنا، جص وإما قياسا على أن الذهب والورِق نَقْدُ الناس الذي اكْتَنَزُوه وأجازوه أثْمَانا على ما تَبَايَعوا به في البلدان قَبْل الإسلام وبعده.
وللناس تِبْرٌ [12]. [13] غيرُه، مِن نحُاس وحَدِيد ورَصَاصٍ، فلما لم يأخذ منه رسولُ الله ولا أحدٌ بعده زكاةً، تركناه، اتِّباعا بِتَرْكه، وأنه لا يجوز أن يقاس بالذهب والوَرِقِ، الَّذَيْنِ هما الثمن عاما في البلدان على غيرهما، لأنه في غيرِ مَعْناهما، لا زكاةَ فيه، ويَصْلُح أن يُشْتَرَى بالذَّهَب والورِق غيرُهما من التِّبْر إلى أجَلٍ مَعْلوم وبِوَزْن مَعْلُوم.
ثم كان ما نَقَلَتْ العامَّةُ عَنْ رسولِ الله في زَكاة الماشية والنَّقْد، أنه أخذها في كلِّ سنةٍ مرةً.
وقال الله: { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [14]
فسَنَّ رسولُ الله أن يُؤخَذَ مما فيه زكاةٌ مِن نَبَاتِ الأرض، الغِراسِ وغيْرِه، على حُكْمِ اللهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ -، يومَ يُحْصَدُ، لا وَقْتَ له غيرُه.
وسنَّ في الرِّكَازِ الخُمُسَ، فدَلَّ على أنه يَوْمَ يُوجَدُ، لا في وَقْتٍ غيْرِه.
أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيَّب وأبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَة، أنَّ رسولَ الله قال: (وَفِي الرِّكّازِ الخُمُسُ) [15]
ولولا دِلالةُ السُّنَّةِ كان ظاهرُ القُرَآن أنَّ الأمْوالَ كلَّها سَوَاءٌ، وأنَّ الزكاةَ في جَمِيعِهَا دون بعْضٍ.
هامش
- ↑ [البقرة: 43]
- ↑ [النساء: 162]
- ↑ [الماعون: 1، 7]
- ↑ [التوبة: 103]
- ↑ [ الخَرْصُ: حرز على النخل من الرطب تمرا. مختار الصحاح]
- ↑ [الغَرْبُ: الدَّلْوُ العظيمة. مختار الصحاح]
- ↑ [الدُّخْنُ: حَبُّ الجَاوَرْسِ. القاموس المحيط، والجَاوَرْسُ: حب يشبه الذُّرة. النهاية في غريب الحديث. السُّلْتُ: الشعير، أو ضرب منه، أو الحامض منه. القاموس المحيط. العَلَسُ: ضرب من الحِنْطة، تكون حبتان في قشر، وهو طعام أهل صَنْعاء. مختار الصحاح. ]
- ↑ [ نبَّته: غرسه وزرعه]
- ↑ [ القَطَانِيُّ: جمع قُطْنِيَّة مثلث القاف: حبوب الأرض، أو ما سوى الحنطة والشعير والزبيب والتمر، أوهي الحبوب التي تطبخ. القاموس المحيط. ]
- ↑ [ الثُّفَّاءُ: الخردل. مختار الصحاح. الأسبيوش كلمة أعجمية: بزر معروف. الكُسْبرة وفي نسخة الكزبرة. ]
- ↑ [الوَرِقُ: الدراهم المضروبة مختار الصحاح - الرازي. ]
- ↑ [التِّبْرُ: الذهب والفضة، أو فتاتهما قبل أن يُصاغا. القاموس المحيط - فيروزابادي]
- ↑ [وكان الياقوتُ والزبرجدُ أكثرَ ثَمَنًا مِن الذهب والورِق، فلَمَّا لم يأخذ منهما رسول الله، ولم يأمُرْ بالأخذ ولا مَن بَعْدَه عَلِمْناه، وكانا مالَ الخاصَّةِ، وما لا يُقَوَّمُ به على أحد في شيء استهلكه الناسُ، لأنه غيرُ نَقْدٍ، لم يأخذ منهما ]
- ↑ [الأنعام: 141]
- ↑ [البخاري: كتاب الزكاة/1403؛ مسلم: كتاب الحدود/3226؛ الترمذي: كتاب الزكاة/581؛ النسائي: كتاب الزكاة/2428؛ أبو داود: كتاب اللقطة/1455؛ مالك: كتاب الزكاة/520 ]