→ وجه آخر مما يعد مختلفا وليس عندنا بمختلف | كتاب الرسالة وجه آخر مما يعد مختلفا الشافعي |
وجه آخر في الاختلاف ← |
أخبرنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي قال: (لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها لغايط أو بول، ولكن شرقوا أو غربوا. قال أبو أيوب: فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيض قد صنعت، فننحرف ونستغفر الله) [1]
أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبانط عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: (إن ناسا يقولون: إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، فقال عبد الله: لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته) [2]
قال الشافعي: أدب رسول الله من كان بين ظهرانيه، وهم عرب، لا مغتسلات لهم أو لأكثرهم في منازلهم، فاحتمل أدبه لهم معنيين:
- أحدهما: أنهم إنما كانوا يذهبون لحوايجهم في الصحراء، فأمرهم ألا يستقبلوا القبلة ولا يستدبروها، لسعة الصحراء، ولخفة المؤونة عليهم، لسعة مذاهبهم عن أن تستقبل القبلة أو تستدبر لحاجة الإنسان من غايط أو بول، ولم يكن لهم مرفق [3] في استقبال القبلة ولا استدبارها أوسع عليهم من توقى ذلك.
وكثيرا ما يكون الذاهبون في تلك الحال في غير ستر عن مصلي [4]، يرى عوراتهم مقبلين ومدبرين، إذا استقبل القبلة، فأمروا أن يكرموا قبلة الله ويستروا العورات من مصلي، إن صلى حيث يراهم، وهذا المعنى أشبه معانيه، والله أعلم.
وقد يحتمل أن يكون نهاهم أن يستقبلوا ما جعل قبلة في صحراء لغائط أو بول، لئلا يتغوط أو يبال في القبلة، فتكون قذرة بذلك، أو من ورائها، فيكون من ورائها أذى للمصلين إليها.
قال: فسمع أبو أيوب ما حكى عن النبي جملة، فقال به على المذهب في الصحراء والمنازل، ولم يفرق في المذهب بين المنازل التي للناس مرافق في أن يضعوها في بعض الحالات مستقبلة القبلة أو مستدبرتها، والتي يكون فيها الذاهب لحاجته مستترا، فقال بالحديث جملة، كما سمعه جملة.
وكذلك ينبغي لمن سمع الحديث أن يقول به على عمومه وجملته، حتى يجد دلالة يفرق بها فيه بينه.
قال الشافعي: لما حكى ابن عمر أنه رأى النبي مستقبلا بيت المقدس لحاجته، وهو إحدى القبلتين، وإذا استقبله استدبر الكعبة: أنكر على من يقول لا يستقبل القبلة ولا تستدبرها لحاجة، ورأى أن لا ينبغي لأحد أن ينتهي عن أمر فعله رسول الله.
ولم يسمع - فيما يرى - ما أمر به رسول الله في الصحراء، فيفرق بين الصحراء والمنازل، فيقول بالنهي في الصحراء وبالرخصة في المنازل، فيكون قد قال بما سمع ورأى، وفرق بالدلالة عن رسول الله على ما فرق بينه، لافتراق حال الصحراء والمنازل.
وفي هذا بيان أن كل من سمع من رسول الله شيئا قبله عنه وقال به، وإن لم يعرف حيث يتفرق لم يتفرق بين ما لم يعرف إلا بدلالة عن رسول الله على الفرق بينه.
ولهذا أشباه في الحديث، اكتفينا بما ذكرنا منها مما لم نذكر.
هامش
- ↑ [ البخاري: كتاب الصلاة/380؛ مسلم: كتاب الطهارة/388؛ الترمذي: كتاب الطهارة/8؛ النسائي: كتاب الطهارة/21]
- ↑ [ البخاري: كتاب الوضوء/142؛ النسائي: كتاب الطهارة/23؛ مالك: كتاب النداء للصلاة/408]
- ↑ [ مرفق بوزن مجلس ومنبر: مصدر رفق به]
- ↑ [هكذا هي في الأصل بإثبات الياء. قال الشيخ أحمد شاكر: وهو جائز فصيح خلافا لما يظنه أكثر الناس]