→ في غسل الجمعة | كتاب الرسالة النهي عن معنى دل عليه معنى في حديث غيره الشافعي |
النهي عن معنى أوضح من معنى قبله ← |
أخبرنا مالك عن أبي الزناد ومحمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) [1]
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي، أنه قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) [2]
قال الشافعي: فلو لم تأت عن رسول الله دلالة على أن نهيه عن أن يخطب على خطبة أخيه على معنى دون معنى: كان الظاهر أن حراما أن يخطب المرء على خطبة غيره من حين يبتدئ إلى أن يدعها.
قال: وكان قول النبي: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) يحتمل أن يكون جوابا أراد به في معنى الحديث، ولم يسمع من حدثه: السبب الذي له قال رسول الله هذا، فأديا بعضه دون بعض، أو شكا في بعضه وسكتا عما شكا فيه.
فيكون النبي سئل عن رجل خطب امرأة فرضيته وأذنت في نكاحه، فخطبها أرجح عندها منه، فرجعت عن الأول الذي أذنت في إنكاحه، فنهى عن خطبة المرأة إذا كانت بهذه الحال، وقد يكون أن ترجع عن من أذنت في إنكاحه، فلا ينكحها من رجعت له، فيكون فسادا عليها وعلى خاطبها الذي أذنت في إنكاحه.
فإن قال قائل: لم صرت إلى أن تقول إن نهي النبي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه: على معنى دون معنى؟
فبالدلالة عنه.
فإن قال: فأين هي؟
قيل له - إن شاء الله -: أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس: (أن زوجها طلقها، فأمرها رسول الله أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، وقال: إذا حللت فآذنيني، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله: فأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، قالت: فكرهته، فقال: انكحي أسامة، فنكحته، فجعل الله فيه خيرا، واغتبطت به) [3]
قال الشافعي: فبهذا قلنا.
ودلت سنة رسول الله في خطبته فاطمة على أسامة بعد إعلامها رسول الله أن معاوية وأبا جهم خطباها، على أمرين:
- أحدهما: أن النبي يعلم أنهما لا يخطبانها إلا وخطبة أحدهما بعد خطبة الآخر، فلما لم ينهها ولم يقل لها ما كان لواحد أن يخطبك حتى يترك الآخر خطبتك، وخطبها على أسامة بن زيد بعد خطبتهما: فاستدللنا على أنها لم ترضى، [4]
ولو رضيت واحدا منهما أمرها أن تتزوج من رضيت، وأن إخبارها إياه بمن خطبها، إنما كان إخبارا عما لم تأذن فيه، ولعلها استشارة له، ولا يكون أن تستشيره وقد أذنت بأحدهما.
فلما خطبها على أسامة استدللنا على أن الحال التي خطبها فيه غير الحال التي نهى عن خطبتها فيها، ولم تكن حال تفرق بين خطبتها حتى يحل بعضها ويحرم بعضها، إلا إذا أذنت للولي أن يزوجها، فكان لزوجها - إن زوجها الولي - أن يلزمها التزويج، وكان عليه أن يلزمه، وحلت له، فأما قبل ذلك فحالها واحدة: ليس لوليها أن يزوجها حتى تأذن، فركونها وغير ركونها سواء.
فإن قال قائل: فإنها راكنة مخالفة لحالها غير راكنة.
فكذلك هي لو خطبت فشتمت الخاطب وترغبت عنه ثم عاد عليها بالخطبة فلم تشتمه ولم تظهر ترغبا ولم تركن: كانت حالها التي تركت فيها شتمه مخالفة لحالها التي شتمته فيها، وكانت في هذه الحال أقرب إلى الرضا، ثم تنتقل حالاتها، لأنها قبل الركون إلى متأول، بعضها أقرب إلى الركون من بعض.
ولا يصح فيه معنى بحال - والله أعلم - إلا ما وصفت من أنه نهى عن الخطبة بعد إذنها للولي بالتزويج، حتى يصير أمر الولي جائزا، فأما ما لم يجز أمر الولي فأول حالها وآخرها سواء، والله أعلم.
هامش
- ↑ [ البخاري: كتاب النكاح/4747؛ النسائي: كتاب النكاح/3188؛ أبو داود: كتاب النكاح/1782؛ أحمد: باقي مسند المكثرين/9572]
- ↑ [مالك: كتاب النكاح/965]
- ↑ [ مسلم: كتاب الطلاق/2709؛ النسائي: كتاب النكاح/3193؛ أبو داود: كتاب الطلاق/1944؛ مالك: كتاب الطلاق/1064]
- ↑ [ هكذا هو في الأصل بإثبات الألف وقد قدمنا توجيه نحوه وأنه جائز في التعليق على ص 275]