الرئيسيةبحث

السجناء المنفيون ( Convicts )



السُّجناء المنفيُّون. تعبير يُطلق على أوائل المستوطنين الأوروبيِّين وسجّانيهم في أستراليا، الذين عاشوا في ظل نظام يُعد وحشيًا بمعايير عصرنا. كما كان قاسيًا، في بعض الأحيان، بمعايير القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر الميلاديين. كان السَّوْطُ، في التعامل مع هؤلاء السُّجناء، شائع الاستخدام لتنفيذ العقوبات. وفي المناطق النائية، اكتسب بعض السجون المعروفة بمستعمرات العقوبات شهرة واسعة على أنها جحيم مستعر للرجال الذين يُرسلون إليها. كان عدد ضئيل من السُّجناء المهرة قادرين على إحراز بعض النجاح في حياتهم، إلا أن الحياة كانت قاسية لمعظمهم. لقد وضع هؤلاء المستوطنون غير المرغوب فيهم الأساس الاقتصادي للاستيطان الأوروبي المبكر في أستراليا. ولولا كدهم وتعبهم لما تطورت صناعة الصوف أبدًا، ولما شُيدت العمائر العامة والطرقات والجسور.

السجناء

انتفاضة كاسل هل حدثت عام 1804م عندما استولى السجناء المنفيون الأيرلنديون الذين يعملون في مزرعة حكومية بالقرب من سيدني على الأسلحة ؛ إلا أن الجنود قاموا بإخمادها.

النفي:

كانت سنوات القرن الثامن عشر الميلادي، سنوات التغير والاضطراب في بريطانيا. كانت الثورة الزراعية نقطة البداية لتغيير بريطانيا. فقد تمّ اختراع معدات زراعية جديدة، وطرق أفضل لإنماء المحاصيل، وسبل متطورة لتربية الماشية وإكثارها. وفيما بعد، تأثر الناس بالثورة الصناعية حيث قامت مصانع جديدة وكثيرة على نحو سريع. ★ تَصَفح: الثورة الصناعية.

في المناطق الريفية، أُجبر الناس الذين عاش أسلافهم على الأرض كمستأجرين، على مغادرتها. وانتقل القسمُ الأكبر منهم إلى المدن، غير أنهم لم يحظوا فيها بفرص للعمل عدا قلة وجدت بعض أعمال قليلة لا يُعتدُّ بها. وبالتالي فقد انتشر الفقر وإدمان الخمر انتشارًا واسعًا. وكذلك انتشرت الجريمة، وبخاصة الاعتداء على الممتلكات الخاصة. ولم يكن في ذلك الوقت إلا قلة من رجال الشرطة تعمل على فرض القانون. أما نظام الشرطة، على نحو ما هو عليه في يومنا هذا، فلم يتطور حتى القرن التاسع عشر. كما كانت العقوبات التي تُتخذ بحق من يُقبض عليهم متلبسين غاية في القسوة. وتشتمل على عقوبة الموت والنفي ؛ أي نفي الشخص المجرم إلى إحدى المستعمرات البريطانية الواقعة فيما وراء البحار.

اعتمدت سياسة النفي عام 1718م شكلاً لمعاقبة السُّجناء المدانين، وطريقة لتوفير أيد عاملة رخيصة للمستعمرات البريطانية في أمريكا. وكان هؤلاء السُّجناء المنفيون، عند وصولهم إلى المستعمرة، يكلفون بأعمال يحددها لهم ربابنة السفن. برهنت سياسة النفي على أنها ناجحة للغاية، إلى حد أنه في خلال ستينيات القرن الثامن عشر كان يتم إبعاد أكثر من ألف مجرم سنويًا.

أوقفت حرب الثورة الأمريكية إبعاد المجرمين إلى المستعمرات الأمريكية، الأمر الذي أدى بالتالي إلى أن تصبح السجون في بريطانيا غاصة بحشود من المُدانين ينتظرون إرسالهم إلى ما وراء البحار. وألقت الحكومة البريطانية بالمجرمين المُدانين في هياكل سفن بلا صواري غير صالحة للإبحار، وكان أول استخدام لهذه السفن في نهر التايمز في لندن. وكانت ظروف الحياة في السجون والسفن غاية في السوء. فهي تعج بالفئران وتكثر فيها الأوبئة.

عندما نالت المستعمرات الأمريكية استقلالها، وتكونت الولايات المتحدة الأمريكية، رفضت قبول أي مجرم من بريطانيا. إلا أن الحكومة البريطانية لم تلغ النفي بوصفه وسيلة من وسائل العقاب، وأخذت تبحث عن أماكن جديدة يمكن أن تقبل المجرمين. وبعد استعراض أماكن كثيرة لهذا الغرض، بما في ذلك أجزاء من إفريقيا، بدا أن بوتاني باي، على الساحل الجنوبي الشرقي من أستراليا، هو الخيار الأفضل على الرغم من المسافة الكبيرة التي تفصله عن بريطانيا، لأنه لا يشكل أخطارًا على الصحة كالمواقع الإفريقية. علاوة على ذلك، فقد كان عالِم النبات السير جوزيف بانكس، الذي سبق له أن زار أستراليا بصحبة القبطان كوك سنة 1770م، قد كتب تقريرًا برّاقًا عن المكان واقترح قائلاً: إن أية مستعمرة تقام هناك ستصبح قادرة بسرعة على إنتاج ما يكفي من الغذاء لسدِّ حاجتها. وفي عام 1786م، اختير بوتاني باي موقعًا لمستعمرة عقابية جديدة. وفي مايو عام 1787م، غادر إنجلترا أول أسطول تحت قيادة القبطان آرثر فيليب، ووصل إلى بوتاني باي سنة 1788م.

أعداد السُّجناء المنفيين:

بين عامي 1787 و 1868م، وهو العام الذي انتهى فيه النفي إلى أستراليا، كان قد نفي إليها نحو 160 ألفًا من السجناء. كما نُفي إلى مستعمرة نيو ساوث ويلز منذ سنة 1787م وحتى توقف النفي إلى تلك المستعمرة في الأربعينيات من القرن التاسع عشر، ما يزيد على 68 ألف رجل، و12,500 امرأة. وكانت نيوساوث ويلز، في ذلك الوقت، تضم كلاً من جزيرة نورفوك، وما يعرف اليوم بفكتوريا وكوينزلاند. ومن عام 1803م حتى 1853م، نفي إلى فان ديمنزلاند (المعروفة الآن باسم تَسْمانيا)، حوالي 55 ألف رجل، و12,500 امرأة. كما أُبعد، من 1850م حتى 1868م، قرابة 10,000 رجل إلى أستراليا الغربية.

خلفيات السُّجناء المنفيين:

تبين السجلات التي تحتفظ بها السلطات أن ثلاثة من كل أربعة سجناء كانوا غير متزوجين. وكان متوسط الأعمار 26 سنة. وبين كل ثلاثة كان اثنان من البروتستانت، وثلثهم تقريبًا كانوا من الرومان الكاثوليك. وكانت الغالبية العظمى من الذكور عمالاً أو مزارعين، أما النساء فقد عمل معظمهن خادمات في المنازل. وكانت قلة من المجرمين تستطيع القراءة أو الكتابة. وكانت نسبة السجناء المنفيين الذين نفوا من أيرلندا نحو 25% من مجموع الذين نفوا إلى أستراليا.

جرائم السُّجناء المنفيين:

تراوحت مدد الأحكام التي أُنزلت بالسُّجناء بين سبع سنوات و21 سنة أو السجن مدى الحياة. وتبين السجلات أن الجرائم التي اقترفها هؤلاء السُّجناء كانت تشتمل تقريبًا على كل أنواع الجرائم التي نصَّ عليها القانون الإنجليزي. ولكن الغالبية الساحقة منهم، أي نحو 85% ، تمَّ إبعادهم بسبب ارتكابهم جرائم ضد الممتلكات الخاصة، ومن ذلك جرائم السرقة الصغيرة كسرقة أشياء ذات قيمة بسيطة، ونشل الجيوب والتزوير وقطع الطرق والاختلاس. أما بقية السجناء، فقد نفوا لارتكابهم جرائم متنوعة بما فيها الاغتصاب والقتل العمد، بالإضافة إلى جرائم ضد النظام العسكري والبحري.

يعتقد الكثيرون أن عددًا هائلاً من السُّجناء قد نفوا إلى أستراليا نتيجة إدانات سياسية. ولكن أقلية بسيطة فقط، لا تصل إلى 1%، هي التي نفيت بسبب إثارة الفتن ؛ أي محاولة التحريض على التمرد، أو لجرائم سياسية أخرى.

ووفقًا للاعتقاد الشائع، فإن معظم السُّجناء نُفوا من بلادهم نظرًا لارتكابهم جرائم غير خطيرة. ولاشك أن القوانين في إنجلترا، في ذلك الوقت، كانت تفرض عقوبات قاسية بحق الذين يرتكبون جرائم غير خطيرة نسبيًا. فبعض السُّجناء نفوا لسرقة منديل أو لدخولهم أرض شخص ما دون إذن. إلا أن السجلات تبين أن 70% على الأقل من السُّجناء الذين أُبعدوا سبق لهم أن أُدينوا بتهمة أخرى على الأقل، وأن نحو النصف منهم سبق لهم أن أُدينوا بأكثر من تهمة.

تضاربت الآراء، خلال الفترة التي استمر فيها النفي، حول طبيعة السُّجناء المنفيين. فأكد بعضهم أنهم مجرد رجال ونساء أشرار بطبعهم عاشوا على الجريمة. وطبقًا لوجهة النظر هذه فهم أسوأ السُّجناء في المدن البريطانية. في حين طرح آخرون وجهة نظر أخرى هي أن السُّجناء المنفيين اقترفوا جرائم لأنهم أناس فقراء قاسوا من البطالة ورداءة السكن، ومن ظروف اجتماعية صعبة في ذلك الوقت. وهذا الطرح لايزال قائمًا حتى يومنا هذا.

مشاهير السجناء المنفيين:

استطاع عددٌ قليلٌ من السُّجناء المنفيين أن يحققوا نجاحًا في حياتهم في المستعمرات. فقد أصبح دارسي ونتورث، على سبيل المثال، وهو والد المكتشف المعروف وليم تشارلز ونتورث، رجل أعمال ذا نفوذٍ وثراءٍ في سنواته الأولى في نيو ساوث ويلز. وكان فرانسيس جرينويي، الذي تظهر صورته على ورقة النقد الأسترالية، فئة عشرة دولارات، هو المهندس المعماري المسؤول عن المباني المتميزة في مدينة سيدني. ومازال بعض هذه المباني قائمًا حتى اليوم، بما في ذلك ثكنات الهايد بارك التي تستخدم الآن متحفًا. وأصبح ريد فيرن، الطبيب الشخصي لماكووري لاشلان، حاكم نيو ساوث ويلز بين عامي1810 و 1821م. وسميت ضاحية من ضواحي سيدني باسمه تكريمًا له. وأصبحت ماري رايبي، التي نفيت عام 1792م، صاحبة سفن وثروات طائلة في نيو ساوث ويلز، وكانت من أذكى أصحاب الأعمال في المستعمرة. وأصبح ريتشارد دراي، الذي نفي من أيرلندا، بعد إخفاق انتفاضة عام 1798م، شخصية لامعة ومعروفة في إقليم فان ديمنزلاند. وأصبح سجناء منفيون آخرون، أمثال سيمون لورد وصمويل تيري وجيمس آندروود وهنري كابل، رجال أعمال أثرياء.

حياة السجين المنفي

السجناء المنفيون يُكسرون الصخور لتشييد أول طريق عبر الجبال الزرقاء عام 1815م. رسم هذه اللوحة فنان أمريكي زائر يُدعى أوغسطس إيرل.

العمل:

اعتمد العمل الذي كان يقوم به السُّجناء المنفيون الذين يُخصصون للعمل لدى المستوطنين على مهن أسيادهم. فبعضهم عملوا بحَّارة، في حين كان بعضهم الآخر عمَّالاً، ولكن الغالبية منهم اشتغلوا عمالاً في المزارع أو رعاة للمواشي. ومعظم النساء اشتغلن خادماتٍ في المنازل. ونسبة قليلة منهن شغلْن مواقع أكثر مسؤولية مثل العمل ممرضات. أما السُّجناء المنفيون الذين طُلب منهم أداء خدمات حكومية فقد اشتغلوا في أعمال عديدة متنوعة اختلفت باختلاف مهاراتهم وحاجات الحكومة. فعمل بعضهم بنَّائين بالأجر وخيَّاطين وكَتَبة، في حين عمل بعضهم الآخر في صنع البراميل والعجلات أو إحراق الكلس لصنع الإسمنت. إلا أن غالبية السُّجناء المنفيين الذين طُلب منهم تأدية خدمات حكومية قد تم استخدامهم عمالاً في الأشغال الحكومية العامة. وكان أفراد المجموعات المقيدة بالحديد يعملون وهم مقيدون بالسلاسل وينفذون أعمالاً شاقة ؛ وغالبًا ما كانت قاصمة للظهر. وعلى سبيل المثال، فإن من عمل منهم في شق الطرق كان عليه قطع الأشجار وتمهيد الأرض وتسويتها ورصف سطحها بيديه. ولربما كان على الواحد منهم، في مرفأ ماكووري، الوقوف على قدميه طوال النهار، ونصف جسمه في الماء، كي يبني رصيفًا لتحميل السفن وتفريغها.

الكساء:

لم يرتد السُّجناء المنفيون ثيابًا موحدة إلا بعد عام 1810م. وكانوا قبلها يرتدون ثيابًا جاهزة واسعة. وظهرت الملابس الصفراء الموحدة أول ما ظهرت في نيوساوث ويلز في العشرينيات من القرن التاسع عشر. وسرعان ما أصبحت شائعة في فان ديمنزلاند في الأربعينيات من القرن التاسع عشر، لدرجة استحق أن يطلق على السُّجناء المنفيين اسم طيور الكناري. وكانت الثياب توزع على السُّجناء المنفيين الذين يؤدون خدمات حكومية كل ستة أشهر.

الغذاء:

كان الطعام نادرًا في السنوات الأولى. فقطعان الأبقار التي جُلبت إلى نيو ساوث ويلز تاهت في الأدغال، والغلال التي زُرعت بعد الوصول لم تعط أُكُلها. وكان القوت اليومي الأساسي للسُّجناء المنفيين يتألف من اللحم المملَّح وما يتوافر من أنواع السمك والطيور والحيوانات الأخرى التي كان بالإمكان اصطيادها. كانت الحنطة مادة نادرة أو بالأحرى مادة كمالية. وكانت المستعمرات الناشئة تعتمد اعتمادًا كليًا على ما يصل إليها من مخازن بريطانيا. ويُعتقد أن مجموعات السُّجناء المنفيين في فان ديمنزلاند، والتي كانت تُرسل للبحث عن الطعام، قد أبادت ما كان في الجزيرة من مجموعات طيور الإمو.

لكن بمجرد رسوخ المستوطنة كان يتم تحديد حصص السُّجناء المنفيين من الأرزاق تحديدًا دقيقًا وفقًا لتنظيمات رسمية. فقد حددت الحكومة، خلال العشرينيات من القرن التاسع عشر، الحصة الأساسية من المواد التموينية للسجين الذكر في الأسبوع بثلاثة كيلوجرامات من الطحين أو القمح المجروش وكيلوجرام وثلث من الذرة الشامية المجروشة و900 جم من السكَّر. أما الخضراوات الطازجة، فقد كانت توزَّع بين الحين والآخر. وكان نصيب السجينة المنفية ثلث نصيب الرجل. وبالنسبة للسُّجناء الذين تم تعيينهم للقيام بأعمال لدى أرباب عمل خاصين، فلم يكونوا يتسلمون أنصبتهم المحدَّدة في التنظيمات المتبعة بشكل دائم. وكان السُّجناء الذين يعملون مقيدين بالسلاسل الحديدية، أو في مواقع العقوبات الإضافية، يتسلمون نصيبًا أقل. فكانت الوجبة المثالية في مرفأ ماكووري، على سبيل المثال، تتألف من ثريد رديء كان يُطلق عليه اسم سكيلي.

السجينات المنفيات:

أُبعد إلى أستراليا أكثر من 24 ألف امرأة، أُرسل منهن إلى المستعمرات الشرقية 16% من العدد الإجمالي. وكانت الغالبية العظمى منهن يقمن بتأدية خدمات منزلية شبيهة بتلك التي كن يقمن بها سابقًا، على الرغم من أن قسمًا كبيرًا منهن (على الأقل الثلث) كن فيما سبق مومسات أو سارقات.

كانت النسوة يُعيَّنَّ، بشكل رئيسي، خادمات في المنازل بعد الوصول إلى مكان المنفى، ويبقى بعضهن في الخدمة الحكومية ليقمن أيضًا بأعمال منزلية، كإعداد الطعام للسجناء المنفيين، أو أي أعمال أخرى. وعلى عكس الرجال، فإن النسوة اللواتي نُفين إلى المناطق الريفية البعيدة كن قلة. وظلت الباقيات بصورة رئيسية في المدن والمقاطعات المستقرة.

أقامت الحكومة، في نيو ساوث ويلز وفان ديمنزلاند، مصانع نسوية للسجينات المنفيات. وكانت سجونًا بالنسبة للواتي تمت إدانتهن بجرائم بعد الوصول إلى جهة الإبعاد، ومراكز احتجاز لمن ينتظرن تعيينهن لدى أرباب عمل جدد، ومواقع استراحة للحوامل. أما بالنسبة للسجينات المشاكسات، فقد كانت تُحلق رؤوسهن. وكانت النسوة، في المصانع التي سبق ذكرها، يقمن بأعمال مختلفة بما في ذلك صنع الثياب. وقد اكتسبت هذه المصانع شهرة على أنها بيوت لعرائس المستقبل، وخاصة لمن كانوا سجناء منفيين سابقًا.

الأطفال:

كان الأطفال الذين يولدون في المستعمرات، من سجناء منفيين، مصدر قلق دائم للحكومة. وكان معدل ولادة الأطفال من أمهات غير متزوجات عاليًا جدًا. وبالرغم من أن ذلك لم يجلب عارًا كبيرًا لهؤلاء الأمهات، فإن العديد منهن وجدن صعوبة في العناية بأطفالهن ؛ كما أن الكثير من هؤلاء النسوة، وخاصة اللواتي عُينت لهن وظائف ثم أُعدن إلى المصانع لكونهن حوامل، رفضن إعطاء أسماء آباء أطفالهن. ولذلك أقامت الحكومة مدارس للأيتام. وأنشئت أول مدرسة لهم سنة 1801م. وحاول حكام ماكووري والسير ريتشارد بورك، خاصة، تزويد أولاد السجينات المنفيات بشيء من التربية والتعليم الديني. كما منح الحكام هبات إضافية من الأرض لآبائهم السُّجناء المنفيين في محاولة لتشجيعهم على انتهاج حياة أسرية طبيعية. إلا أن مثل هذه الإجراءات كانت قليلة، وفي فترات متباعدة، ولم تلق إلا نجاحًا محدودًا.

نبذة تاريخية

كان مجتمع المستعمرة، خلال الأيام الأولى من تأسيسها، في كل من نيو ساوث ويلز وفان ديمنزلاند، تسوده أعدادٌ كبيرة من السُّجناء المنفيين. وكانت نسبتهم إلى عدد سكان المستعمرة، في العقد الثاني من القرن التاسع عشر، قرابة 60%، بل في سنة 1831م كانت نسبة السُّجناء المنفيين إلى السكان 45%، يزيد عليها 30% أخرى إذا ما أضيف إليهم من كانوا سُجناء منفيين من قبل. وكان بعض النقاد ينظرون إلى المستعمرات على أنها سجون مفتوحة واسعة الامتداد يقطنها السُّجناء أو أولئك الذين سبق أن كانوا مجرمين، ويتوقعون لأستراليا مستقبلاً أسود. وكانت مخاوفهم تتركز خاصة حول السَّجينات المنفيات وأولادهن.

مستوطنات العقوبات تم إنشاؤها في الأجزاء المنعزلة النائية في أستراليا. يُرحل السجناء المنفيون الذين اقترفوا جرائم خطيرة في أستراليا إلى تلك المناطق حيث التأديب الصارم.

نهاية النفي في شرقي أستراليا:

على الرغم من أن الحكومة البريطانية كانت قد علقت النفي إلى نيو ساوث ويلز عام 1840م، جرت محاولات لإعادة هذا النظام إلى هذه المستعمرة خلال السنوات العشر التالية. وقد قامت معارضة شديدة لهذه المحاولة في صفوف معظم المستوطنين، ولاسيما المهاجرين الأحرار الذين كان عددهم قد ارتفع على نحو متزايد خلال الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، وتشكلت هيئات مناهضة للنفي، وقامت بمحاولات واسعة رافضة للمبدأ. وفي سنة 1848م، قامت حشود غاضبة باستقبال سفينتي هاشيمي وراندولف، المحملتين بالسُّجناء المنفيين، بالهتافات لإقناع الحكومة البريطانية ـ التي كانت معارضة لوقف النفي آنذاك ـ بأن أيام النفي إلى نيو ساوث ويلز قد انتهت. وتفاقمت حدةُ المعارضة في فان ديمنزلاند وتشكلت فيها عصبة لمناهضة النفي إليها استقطبت أعدادًا كبيرة من المناصرين. إلا أن بعض الناس كانوا يؤيدون فكرة الاستمرار في سياسة النفي، وبخاصة أصحاب الأراضي الأثرياء، أمثال وليم تشارلز ونتورث، الذي كان ابنًا لأحد المعتقلين. إلا أن معارضة النفي وجدت مناصرين لها أيضًا في بريطانيا. وفي عام 1852م،ألغي النفي إلى المستعمرات الشرقية. وفي عام 1853م، وصل آخر منفي إلى هوبارت. إلا أن النفي إلى نورفولك استمر حتى انتهى سنة 1855م.

السُّجناء المنفيون غربي أستراليا:

اختلف نظام السُّجناء المنفيين في غرب أستراليا كثيرًا عن نظامهم في المستعمرات الشرقية. فقد بدأ نظامهم في غرب أستراليا، عام 1850م، بناءً على طلب من حكومتها، واستمر حتى عام 1868م لأن الاقتصاد الأسترالي الغربي لم يزدهر بالسرعة التي تمناها المستوطنون. واعتُقِد أنه بإمكان السُّجناء المنفيين تنشيط الاقتصاد عن طريق شق الطرق والقيام بالأشغال العامة الأخرى للحكومة. وكذلك بتوفير عمل رخيص على نحو ما قاموا به في الشرق. وفي الحقيقة، كانت أول مهمة للسُّجناء المنفيين هي بناء سجن في فريمانتل بحجم كبير لإيوائهم أنفسهم.

كان السُّجناء المنفيون إلى المستعمرة ينقلون إليها بعد أن يقضوا جزءًا من عقوبتهم في بريطانيا. واستُخدموا عند وصولهم في تنفيذ أشغال حكومية عامة، ضمن شروط شبيهة بتلك التي كان يتم بها تنفيذ عملية الاختبار السلوكي في فان ديمنزلاند ؛ حيث كان السلوك الحسن يمكِّن السَّجين المنفي من الحصول على بطاقة تحرر. كما كان الاستمرار في السلوك الحسن يمنح صاحبه العفو المشروط، والشرط هو أن من ينال هذا العفو لا يستطيع العودة إلى بريطانيا. وأدى تدفق الناس إلى فكتوريا ونيو ساوث ويلز، في الخمسينيات من القرن التاسع عشر، بحثًا عن الموطن والثروة، إلى استبدال الانعتاق المشروط بالعفو. وهذا الانعتاق المشروط يمنع صاحبه من مغادرة أستراليا الغربية. ولم يشكل السُّجناء المنفيون في أستراليا الغربية نسبة كبيرة من السكان، كما هو الحال بالنسبة إلى المستعمرات الشرقية.

تراث السُّجناء المنفيين:

من المستحيل تقدير الثمن الذي دفعه السَّجين المنفي من إنسانيته، فحياته في المنفي كانت غالبًا حياة بائسة. ومن أصل 160 ألف سجين منفي، استطاعت حفنة قليلة فقط أن تكسب لنفسها مكانًا في كتب التاريخ، وإنه لأمر يدعو للسخرية أن الكثيرين منهم كانوا لصوص أدغال. يطرح بعض الناس وجهة نظر فحواها أن النفي إلى أستراليا منح السجناء المنفيين حياة أفضل من التي كانوا سيحيونها في بريطانيا، وذلك بتوفير الفرصة لهم لممارسة حياة جديدة. إلا أن أناسًا آخرين يشيرون إلى وحشية نظام معاملة السُّجناء المنفيين الذي كان يهتم بالعقوبة أكثر من الإصلاح، ويقولون إن أية فرصة للسَّجين المنفي، كي يصبح صالحًا، كانت تضيع خلال السياط. وكانت الفرصة لممارسة حياة جديدة في المستعمرات محدودة للغاية.

ويقول بعضهم إن فترة السُّجناء المنفيين في التاريخ الأسترالي تشكل تاريخ ذلك البلد، وأن نزعة المساواة التي تنسب إلى الأستراليين وروح الزمالة تعودان في جذورهما إلى تلك الفترة. ويخالف آخرون هذا الرأي ويقولون إن المهاجرين الأحرار الذين جاءوا فيما بعد هم الذين جلبوا معهم مفاهيم الديمقراطية والمجتمع الحر. ولكن ليس هناك أي شك في حقيقة أن السُّجناء المنفيين أدوا دورًا حيويًا في إقامة المستوطنات في نيو ساوث ويلز وفان ديمنزلاند ؛ فقد قام اقتصاد هاتين المستعمرتين على العمل الرخيص الذي وفره السُّجناء المنفيون. وكان هذا العمل أساسيًا لإقامة صناعات متنوعة وبخاصة الصوف. كما أن كد السُّجناء المنفيين كان وراء شق الطرق، وبناء الجسور، وصناعة المراكب النهرية الصغيرة التي كانت تحمل الصوف إلى الموانئ. وقد أحيا العمل الذي قام به أولئك السجناء المنفيون في أستراليا الغربية اقتصاد المستعمرة ووضعه على أرضية صلبة.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية