الرئيسيةبحث

الصومال، تاريخ ( Somalia, History of )



الصومال، تاريخ. الصومال دولة إسلامية تقع في القرن الشرقي لقارة إفريقيا المطل على المحيط الهندي. ولها ساحل طويل يشرف على هذا المحيط ويمتد لمسافة 2,160كم، كما أن ساحلها الشمالي يطل على خليج عدن بطول قدره 1,000كم.

يحد الصومال غربًا إثيوبيا ومن جهة الشمال الغربي جمهورية جيبوتي، كما يجاورها من الجنوب الغربي كينيا، وتبلغ مساحة الصومال 637,000كم²، ويقدر عدد سكانها بنحو 7 ملايين نسمة كلهم مسلمون. وكثافة السكان تتفاوت من منطقة إلى أخرى، فقد تبلغ في بعض المناطق 4 أشخاص/كم² كما هو الحال في إقليم ميجورتين، في حين تبلغ كثافة السكان نسبة أكبر في المدن الكبيرة مثل مقديشو وبربرة وغيرها. وعاصمتها مقديشو وعملتها الرسمية الشلن الصومالي.

ينتمي شعب الصومال إلى مجموعة العناصر الحامية ذات الثقافة الحامية الشرقية. ومن المعتقد أن هذه العناصر قدمت أصلاً من شبه الجزيرة العربية واختلطت بعناصر الجلا وهم عنصرحامي وكذلك بزنوج البانتو، ونتج عن هذا الاختلاط شعب الصومال الحالي. حوالي 75% من الصوماليين بدو يعملون بالرعي والباقون يعملون بالزراعة وتربية الحيوان.

ينقسم الصوماليون إلى مجموعتين كبيرتين هما الصمالي والصابي، ويوجد أيضًا بعض زنوج البانتو ويتركزون على طول نهري جوبا وشبيلي. توجد جالية عربية يرجع أصل معظمها إلى اليمن، ويضاف إلى العناصر السابقة بعض الهنود والباكستانيين، وهؤلاء يشتغلون أساسًا بالأعمال التجارية، وهناك جالية إيطالية تقلصت بعد زوال الاستعمار الإيطالي ويشتغل أفرادها بالتدريس والأعمال الحرة والوظائف العامة.

نشاط العرب في شرقي إفريقيا

كان للعرب دور كبير في كشف القارة الإفريقية، فقد جابوا البر والبحر ووصلوا لسواحل القارة الإفريقية الشرقية قبل أن يصل إليها الأوروبيون، فقد جاء العرب إلى هذا الساحل من الجزيرة العربية، خاصة من الأقاليم الساحلية المواجهة لهذا الساحل الإفريقي الشرقي، واستقروا في هذه المناطق الإفريقية وأصبحت لهم تجارة زاهرة، وكونوا إمارات عربية في شرق إفريقيا شهد بعظمتها وبتحضرها كل من زارها من الرحالة العرب والأجانب. ولا شك أن عامل الجوار وكذلك عامل المناخ هما اللذان دفعا العرب لإقامة علاقات تجارية مع شرقي إفريقيا وبالتالي الإقامة والاستقرار فيها.

وعلى العموم، فقد كان عرب الجزيرة العربية بوجه عام، وعرب اليمن وحضرموت وعمان بوجه خاص، هم أول من عرف منطقة شرق إفريقيا قبل غيرهم من الأمم الأخرى كالإغريق والرومان. ويذكر المؤرخون أن العرب استطاعوا منذ أقدم العصور أن يعبروا مضيق باب المندب وأن يكتشفوا البلاد الواقعة إلى الجنوب من هذا المضيق من بلاد الدناقلة شمالاً إلى موزمبيق وجزيرة مدغشقر جنوبًا.

ومن الملاحظ أن مضمون الاتصال بين عرب شبه الجزيرة العربية وبين شرقي إفريقيا، كان التبادل التجاري وتصريف منتجات المنطقة في شتى الأسواق العالمية، وساعد العرب على القيام بهذه المهمة عدة عوامل، أهمها ما يلي:

1- الرياح الموسمية الشمالية الشرقية التي تدفع المراكب العربية من شواطئ شبه الجزيرة العربية والخليج العربي إلى ساحل إفريقيا الشرقي، وذلك في الفترة من شهر ديسمبر حتى أواخر شهر مارس ثم الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي تدفع تلك المراكب من ساحل إفريقيا الشرقي لتعود إلى قواعدها عبر ألفي ميل من مياه المحيط الهندي، وذلك في الفترة من أبريل حتى أواخر شهر سبتمبر.

2- موقع بلاد العرب الجغرافي المهم على الشريان التجاري العظيم بين الشرق الأقصى ومنطقة الشرق الأدنى. وكان هذا الشريان التجاري يبدأ من الصين والهند وجزر الهند الشرقية (إندونيسيا)، ثم يسير بمحاذاة جنوبي بلاد العرب حتى مدخل البحر الأحمر، ثم يعبره إلى السويس أو العقبة، ومن العقبة يتجه شمالاً إلى بلاد الشام ثم إلى البحر المتوسط ومن السويس يتجه إلى الإسكندرية ومنها إلى موانئ أوروبا.

3- خبرة العرب الكبيرة في ركوب البحار وإحاطتهم بأسرار الملاحة في تلك الرقعة المائية الشاسعة بين سواحل الهند، بالإضافة إلى معرفتهم بعلم الفلك وتحديد الاتجاهات بالشمس والكواكب، وهذا يؤكد دور العرب في نجاح الرحالة والمكتشفين الأجانب الذين كانوا يعتمدون على البحارة والأدلاء العرب وعلوم البحار.

على أن العرب لم يقتصروا على القيام بالوساطة في نقل المنتجات من سواحل شرقي إفريقيا وإليها فحسب، بل دأبوا على اختيار قواعد على تلك السواحل تصلح أن تكون محطات لتموين مراكبهم ولتخزين سلعهم التي كانت تأتي من داخل القارة، وتساعد على جعل مراكز للعمران يتجمع حولها السكان المحليون، وهي مراكز لم يحفظ التاريخ شيئًا من أخبارها في عصر ما قبل الإسلام.

ومما يجدر ذكره أن المصريين القدماء أطلقوا على بلاد الصومال منذ أقدم العصور اسم أرض العطور وجابوا سواحلها الشمالية لجمع البخور والنباتات العطرية، وفي عصر ما قبل الإسلام كانت هناك صلات تجارية بين بلاد اليمن والساحل الشرقي للصومال، وبعد ظهور الإسلام هاجر كثير من عرب قريش من شبه الجزيرة العربية خلال القرن السابع الميلادي إلى الصومال بقصد التجارة ونشر الدعوة الإسلامية ومن أشهرهم عقيل بن أبي طالب ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام.

وأيًا ما كان الأمر، فإن اللغة العربية هي اللغة المستخدمة في الحياة العامة في بلاد الصومال، بالإضافة الى أن الصوماليين جميعهم مسلمون سنِّيون على المذهب الشافعي، ويعتزون بتوكيد نسبهم العربي.

الإسلام في الصومال

بدأ الإسلام ينتشر في أوائل القرن السابع الميلادي، وانطلق الدعاة والوعاظ ينشرون الإسلام في شرقي إفريقيا، فأقبل الناس على الإسلام ؛ لأنه دين الفطرة ودين العدالة والمساواة، فالدعوة الإسلامية النقية الصافية تنسجم مع الفطرة البشرية. فقد اعتمدت الدعوة الإسلامية على المساواة بين بني البشر ومحاربة الظلم أينما وجد.

ولا شك أن شرقي إفريقيا كان من أول المناطق التي وصل إليها المسلمون في هجرتهم الأولى إلى الحبشة، وبعد تثبيت أركان الإسلام في الجزيرة العربية وتوحيدها وقيام الدولة الإسلامية، انطلق المسلمون إلى شرقي إفريقيا حيث نشروا الإسلام في تلك المناطق وأنشأوا إمارات إسلامية في الساحل الشرقي للقارة الإفريقية كان لها دور بارز في نشر الإسلام في تلك القارة.

وأصبحت هذه الإمارات العربية مزيجًا تجمع في أنظمتها بين تقاليد إفريقية أصلية وبين تقاليد عربية إسلامية، وحتى اللغة السائدة أصبحت لغة إفريقية عربية (اللغة السواحيلية)، ولكن مما لا شك فيه أن العرب المهاجرين إلى هذه الجهات قد حملوا معهم حضارتهم الزاهرة، ونجم عن ذلك رقي وحضارة الإمارات العربية الإسلامية في إفريقيا مثل مقديشو، ومالندي، وكلوة وحمبسة، وسقالة وغيرها. وقد أشار الرحالة ابن بطوطة إلى رقي هذه الإمارات وتقدمها خلال زيارته لهذه الإمارات عام 734هـ، 1333م. كما شهد الرحالة الأوروبيون بذلك كما ذكر كوبلاند الذي يقول "إن الرحالة الأوروبيين شاهدوا مجتمعًا متحضرًا في هذه المجتمعات لا يقل عن المجتمع الأوروبي في ذلك الوقت في حضارته".

تأسست خلال القرن السابع إمبراطورية زيلع، وبلغت أقصى اتساع لها في القرن الثالث عشر، فشملت المسافة الممتدة من خليج عدن إلى مدينة هرر وعرفت باسم إمبراطورية عدل. وفي القرن السادس عشر الميلادي انتقلت عاصمة الإمبراطورية إلى هرر، وكان أشهر حكامها الإمام أحمد بن إبراهيم 912-950هـ، 1506 - 1543م الذي نجح في اجتياح إثيوبيا، واضطر إمبراطور إثيوبيا أن يلجأ إلى الجبال بعد هزيمة قواته، واستعان بالبرتغاليين الذين استطاعوا هزيمة قوات إمام إمبراطورية عدل مما أدى إلى نهاية الإمبراطورية.

بعد زوال إمبراطورية عدل، صارت زيلع وغيرها من الأقاليم التي كان يحكمها زعماء صوماليون، تابعة لليمن، وبالتالي أصبحت جزءًا من الدولة العثمانية، وبالرغم من أن المناطق الساحلية كانت تحت حكم العثمانيين، إلا أن الأجزاء الداخلية كانت مستقلة تحت حكم زعماء صوماليين. وفي مطلع العصر الحديث تعرضت هذه البلاد للاستعمار البرتغالي بعد نجاح فاسكو داجاما في الوصول إلى الهند.

ومن الممكن القول إن مجيء العرب إلى ساحل إفريقيا وإقامتهم به إقامة دائمة كان بمثابة بدء لعهد جديد في تاريخ شرقي إفريقيا، وهو عهد اتسم بظهور تغيرات واسعة في علاقات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

الآثار السياسية:

حملت الهجرات العربية معها الإسلام دينًا ونظامًا. كما حملت معها أيضًا بذور الاختلافات المذهبية والدينية التي شهدها العالم الإسلامي بين السنة والشيعة والخوارج. واستطاعت هذه الهجرات أن تؤسس مدنًا وإمارات وسلطنات مثل: مقديشو، ومالندي، وممبسا، ولامور، وكلوة، وماته.

الآثار الاقتصادية:

يلاحظ أنه قبل مجيء الهجرات العربية ثم الفارسية لم تكن الجماعات البشرية المستقرة بساحل إفريقيا الشرقي تعرف إلا رعي الأغنام والأبقار وصيد بعض الحيوانات كالفيلة وزراعة أنواع بسيطة من الغلات مثل اللوبيا والزنجبيل. ولكن بعد تأسيس المدن والإمارات والسلطنات الإسلامية، اشتغل العرب الوافدون بالزراعة، وعلّموا حرفة الزراعة لجيرانهم الإفريقيين، وأدخلوا زراعة قصب السكر والسمسم الهندي والتوابل وغيرها من المزروعات التي لم يعرفها ساحل إفريقيا الشرقي من قبل. وعلاوة على ذلك، غدت المدن العربية بمثابة محطات تفد إليها منتجات الجهات الداخلية من القارة، مثل العاج (أو سن الفيل) والذهب والعنبر والصمغ واللبان والبخور، وراح العرب يصدرون هذه السلع إلى الأسواق الخارجية ويستوردون في مقابلها المنتجات الشرقية. وعلى هذا النحو، نجح العرب في إخراج شرقي إفريقيا من عزلتها، وربطوها بأهم مصادر الإنتاج العالمي في الشرق الأقصى وفي بلاد البحر الأبيض المتوسط.

الآثار الاجتماعية:

يلاحظ أن الإسلام لم يعرف الحاجز اللوني الذي يفرق بين الأبيض والأسود. وكان لسمو الحضارة الإسلامية في هذا الشأن أثره في انتشار الإسلام في شرقي إفريقيا وتهيئة الظروف الموضوعية لتغيير علاقات الزواج في مجتمعات شرقي إفريقيا، وبالتالي تكوين الشعب السواحيلي.

وعلى العموم فقد نشأ الشعب السواحيلي نتيجة للزيجات التي تمت على مدى طويل بين الجاليات العربية والفارسية من جهة، وبين قبائل البانتو الإفريقية من جهة أخرى. لذا كان من الطبيعي أن يعتنق السواحيليون الإسلام، بل أنهم صاروا يقلدون العرب في كل ما يتصل بحياتهم الاجتماعية ومع أن السَّواحيليين ينحدرون أصلاً من قبائل البانتو، إلا أن ملامحهم وصفاتهم الجسمانية قد تعدلت إلى حد كبير نتيجة لامتزاجهم بالدماء الآسيوية العربية والفارسية. ومع تكوين الشعب السواحيلي، نشأت اللغة السواحيلية. وهي خليط من اللغة العربية ولغة البانتو.

ورغم ازدهار المدن والإمارات العربية في ساحل إفريقيا الشرقي، إلا أنها كانت تفتقر إلى قوة حربية منظمة. ولم تكن الأسلحة التي يتقلدها أهل هذه المدن والإمارات تتعدى السيوف والخناجر. ويمكن تعليل افتقار تلك المدن والإمارات لقوة حربية منظمة، بأنها لم تقم أصلاً على الفتح بل على التجارة، إذ أن التجار العرب والمهاجرين هم الذين أسسوها، وهم الذين امتلكوا الأراضي الزراعية فيها وتولوا تصريف السلع التي تأتي من داخل القارة في الأسواق العالمية. ونتيجة لعدم قوة هذه السلطنات العربية، فقد تعرضت للغزو الاستعماري البرتغالي في أوائل القرن السادس عشر الميلادي.

البرتغاليون في شرقي إفريقيا والصومال

في عام 904هـ، 1498م اكتشف فاسكو داجاما طريق رأس الرجاء الصالح، ثم وصل إلى الساحل الغربي للهند. وأدى ذلك إلى وصول النفوذ البرتغالي إلى سواحل شرقي إفريقيا. ومنذ أوائل القرن السادس عشر أخذ البرتغاليون يرسلون الحملات البحرية إلى هذا الساحل، بغية الاستيلاء عليه وتوطيد نفوذهم فيه. وانتهت هذه الحملات التي قادها كابرال وفاسكو داجاما ودالميد والبوكيرك بالاستيلاء على بعض المدن العربية بساحل إفريقيا الشرقي، وما أن حل عام 915هـ، 1509م إلا وكانت جميع المدن والمراكز التجارية بساحل إفريقيا الشرقي قد خضعت للبرتغاليين من سقالة جنوبًا إلى براوة شمالاً، بالإضافة إلى جزر زنجبار وبمبا ومافيا وكذلك موزمبيق.

وارتكز البرتغاليون في ساحل إفريقيا الشرقي على الجزء الجنوبي منه. أما الجزء الشمالي من الساحل، والذي يمتد من رأس دلجادو إلى رأس غردافوي شمالاً، فقد اكتفى البرتغاليون بالاعتماد على محالفة شيوخ مالندي.

مقاومة السكان للنفوذ البرتغالي:

لم يستطع البرتغاليون توطيد أقدامهم بسهولة في شرقإفريقيا بسبب مقاومة السكان لهم، فقد بدأت سلطنة ممبسا بحركة المقاومة العربية ضد الاستعمار البرتغالي. ففي عام 935هـ، 1528م حاول سلطان ممبسا تحريض السكان في زنجبار وبمبا على طرد البرتغاليين، ولكن السكان خشوا العاقبة، وعلمت السلطات البرتغالية بهذا النشاط المعادي لها، فأسرعت بضرب الحصار على ممبسا، وعرضت على سلطانها معاهدة اشترطت مقابل فك الحصار أن يدفع فدية للبرتغال أو أن يتعهد بعدم الاتصال بالأتراك العثمانيين. ومع ذلك، فقد نجح الأتراك العثمانيون في تخفيف الضغط البرتغالي على التجار العرب والإمارات العربية الساحلية وحطموا كل المحاولات الرامية إلى تكوين جبهة نصرانية من البرتغاليين والأحباش ضد القوى العربية الإسلامية.

مواجهة العثمانيين للبرتغاليين:

في عام 995هـ، 1586م لبّت الحكومة طلب المواطنين من شرقي إفريقيا، فقدمت لهم المساعدة بطريقة غير مباشرة على يد أحد أمراء البحر العثمانيين ويدعى علي ميرال. فقد جاء علي ميرال إلى مقديشو، وأبلغ أهلها أنه موفد من قبل السلطان العثماني ليوطد نفوذه وحكمه على الساحل الإفريقي، وحتى يشجع سكان الساحل على الجهاد ضد البرتغاليين، فقد أوهمهم بأن أسطولاً عثمانيًا ضخمًا في طريقه إلى مياه شرقي إفريقيا، مما كان له أثره في إسراع أهل مقديشو بالاعتراف بسيادة السلطان العثماني. واستطاع علي ميرال بمساعدة السكان أن يأسر بعض السفن البرتغالية وأن يرسل بحارتها إلى الأستانة (إسطنبول)، ولكنه لم يلبث أن وقع أسيرًا في أيدي البرتغاليين، فأرسل إلى لشبونة (عاصمة البرتغال) حيث توفي هناك. واستعاد البرتغاليون نفوذهم على المدن والإمارت العربية بساحل إفريقيا الشرقي باستثناء مقديشو.

الحكم العثماني في الصومال

استطاع البرتغاليون أن يسيطروا على زمام الموقف في ساحل إفريقيا الشرقي حتى حوالي منتصف القرن السابع عشر الميلادي، إلا أنهم تعرضوا في النصف الثاني من القرن لمقاومة شديدة من جانب سكانه المسلمين بمساعدة دولة اليعاربة (1034-1154هـ، 1624-1741م) في عمان. فقد أرسل الإمام سيف بن سلطان عام 1110هـ، 1698م أسطولاً بحريًا إلى ساحل إفريقيا الشرقي، واستطاع أن يطرد البرتغاليين من ممبسا، ثم أخذت عمان تعمل لنشر نفوذها على الساحل. وفي الثلث الأول من القرن الثامن عشر الميلادي، كانت عمان قد نشرت نفوذها على الساحل من مقديشو شمالاً إلى نهر روفوما جنوبًا، ولم يتبق للبرتغاليين من ممتلكاتهم في هذا الساحل سوى مستعمرة موزمبيق.

ولكن عرب شرقي إفريقيا لم يرحبوا بعرب عمان إلا كمخلّصين لهم من قسوة الاحتلال البرتغالي وظلمه، وليس أسيادًا جددًا يحلون محل البرتغاليين ويفرضون سيادتهم عليهم. ولذلك أخذت الروح الاستقلالية تنمو بين سكان موانئ ساحل إفريقيا الشرقي وجزره. ولا سيما بعد سقوط دولة اليعاربة في عمان وحلول دولة آل بوسعيد محلها عام 1154هـ،1741م، حيث استأثر المزروعيون بحكم ممبسا وتوابعها.

وبعد صراع طويل بين ممبسا وعمان، استطاع السيد سعيد بن سلطان عام 1253هـ، 1837م إنزال قواته في ممبسا والاستيلاء عليها. وأدى خضوع ممبسا لعمان إلى انتشار النفوذ العماني في كل ساحل إفريقيا الشرقي من وارشيخ شمالاً إلى رأس دلجادو ممبسا جنوبًا، بالإضافة إلى جميع الجزر المجاورة لهذا الساحل.

وكان السيد سعيد بن سلطان قبل أن يخضع ممبسا عام 1253هـ، 1837م قد نقل عاصمته من مسقط في عمان إلى زنجبار بساحل إفريقيا الشرقي منذ عام 1248هـ، 1832م، إلا أنه لم يستقر نهائيًا في عاصمته الجديدة إلا في عام 1256هـ، 1840م، لانشغاله بمحاربة ممبسا من جهة، واضطراره من جهة أخرى للعودة إلى عمان بين الحين والآخر لإخماد القلاقل والاضطرابات الداخلية فيها.

ومما تجدر ملاحظته أن السلطنة العمانية بقسميها الآسيوي والإفريقي كانت تكوِّن دولة واحدة في عهد السيد سعيد بن سلطان، وظلت كذلك حتى وفاته عام 1273هـ، 1856م. وكان السيد سعيد قبل وفاته قد عين ابنه ماجدًا حاكمًا على القسم الإفريقي من السلطنة. وعين ابنه تويني حاكمًا على القسم الآسيوي منها. فلما توفي السيد سعيد حدث نزاع بين الشقيقين على الحكم، ولكن بريطانيا لم تلبث أن تدخلت في النزاع، فأصدرت حكمها بتقسيم السلطنة إلى دولتين بحيث يعين ماجد سلطانًا على زنجبار وتوابعها الإفريقية، وأن يعين تويني سلطانًا على عمان وملحقاتها على الخليج العربي بشرط أن يدفع ماجد لتويني إعانة سنوية مقدارها 40,000 ريال. وبذلك تكون بريطانيا قد نجحت في تقسيم السلطنة العمانية انطلاقًا من سياستها فرق تسد. وظل ماجد يحكم سلطنة زنجبار حتى توفي عام 1287هـ، 1870م وخلفه أخوه برغش بن سعيد.

الحكم المصري في الصومال

امتد نفوذ الإدارة المصرية في عهد الخديوي إسماعيل على طول ساحل البحر الأحمر الغربي وبعض أجزاء من بلاد الصومال على النحو التالي :

1- في عام 1282هـ، 1865م حصلت مصر من الدولة العثمانية على حق إدارة ولايتي مصوع وسواكن. 2- في عام 1287هـ، 1870م أنشأت مصر محافظة سواحل البحر الأحمر وتمتد من السويس شمالاً إلى رأس غردافوي جنوبًا. 3-في عام 1292هـ، 1875م تنازل الباب العالي لمصر عن ميناء زيلع مقابل جزية سنوية مقدارها 15,000 جنيه تركي، وفي السنة نفسها جاءت حملة مصرية إلى ساحل الصومال الجنوبي في عهد برغش ابن سعيد بهدف فتح طريق للمواصلات بين خليج ممبسا أو مصب نهر الجب (جوبا) وبين المديرية الإستوائية في جنوبي السودان. ولكن الحملة فشلت بسبب معارضة بريطانيا لذلك حرصًا على مصالحها الاستعمارية في شرقي إفريقيا. كما أن الشاطئ الجنوبي ظل تابعًا لمصر حتى عام 1302هـ، 1884م، حين أرغمت الثورة المهدية بقيادة الإمام المهدي مصر على إخلاء السودان وجميع الموانئ المطلة على البحر الأحمر فيما عدا سواكن، وذلك بعد عامين من خضوع مصر للاحتلال البريطاني.

التنافس الاستعماري في الصومال

ازدادت أهمية منطقة شرقي إفريقيا للدول الكبرى الاستعمارية بعد افتتاح قناة السويس عام 1286هـ، 1869م. لذا فإن الدول الأوروبية تسابقت للسيطرة على قارة إفريقيا عامة وساحلها الشرقي خاصة، فاستولى البلجيكيون على الكونغو والفرنسيون على تونس واحتل الإنجليز مصر. وباحتلال بريطانيا لمصر أصبحت أملاك الأخيرة على ساحل البحر الأحمر في شرقي إفريقيا هدفًا لأطماع المستعمر. وعلى أي حال، فقد تشابكت مصالح كل من إنجلترا وفرنسا وإيطاليا في منطقة واحدة. كما حاول كل منها كسب أرض جديدة في الصومال وساحل إفريقيا الشرقي، فاستولت فرنسا على منطقة أوبوك على خليج تاجورا عام 1299هـ، 1881م، وفي الوقت نفسه استولت إيطاليا على منطقة عصب القريبة منها في نفس العام. وأثار ذلك بريطانيا حتى تبعد المزاحمة الأجنبية عن طريق مستعمراتها إلى الهند، فعملت على منع تسرب النفوذ الإيطالي والفرنسي إلى تلك المناطق بعد أن أصدرت قرارًا عام 1303هـ، 1885م بإخلاء الصومال وشرقي إفريقيا من الإدارة المصرية ونجحت بريطانيا في السيطرة على هذه المناطق بدلاً من القوات المصرية، وعقدت بريطانيا كذلك معاهدة مع سلطان سومطرة للسيطرة على باب المندب لحماية طريق الهند.

وهكذا تم تقسيم الصومال بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والحبشة وكينيا. وسمى كل قسم باسم الدولة المستعمرة، فهناك الصومال البريطاني ويشمل زيلع وبربرة والصومال الإيطالي يشمل عصب وبنادر ومصوع والصومال الفرنسي ويشمل منطقة جيبوتي ؛ وهي أوبوك وتاجورا وأمياد. وأما الحبشة فقد ضمت إقليم هرر ومنطقة الأوجادين ومنطقة الهود. وأخذت كينيا جزءًا من أرض الصومال سمّي بالصومال الكيني. وأصبحت خريطة الصومال مصطبغة بعدة ألوان يرمز كل منها إلى الدولة التي تسيطر على هذه المنطقة أو تلك.

الصومال البريطاني:

يرتبط تاريخ الصومال الحديث ارتباطًا وثيقًا بتاريخ التوسع الأوروبي في قارة إفريقيا والتنافس الاستعماري الذي كان قائمًا بصفة خاصة بين كل من إنجلترا وفرنسا وإيطاليا، ففي عام 1255هـ، 1839م، فرض البريطانيون حمايتهم على عدن، وفي العام التالي عقدوا معاهدات مع سلطان تاجورا وحاكم زيلع، وكانت تحت السيادة الاسمية للأتراك العثمانيين. وأخذت بريطانيا تدعم نفوذها في المنطقة بالتدريج، وفي سنة 1303هـ، 1885م احتلت بريطانيا ميناء بربرة بجانب زيلع على خليج عدن، واتخذت منهما قاعدتين للتحكم في مدخل البحر الأحمر من الجنوب لقربهما من باب المندب على الطريق البحري الموصل إلى مستعمرتها في الهند، وقد عقد البريطانيون مع إيطاليا اتفاقية لتعيين الحدود بين مناطق نفوذ كل منهما في الصومال.

السياسة الاستعمارية البريطانية:

اتبع الاستعمار البريطاني جميع الأساليب الإرهابية، منها منع وصول الماء إلى المواطنين أيام الجفاف، ومنع الصحف الوطنية من انتقاد المستعمر، وإهمال التعليم ومحاربة اللغة العربية والدين الإسلامي، واعتقال أفراد الشعب وتحريم الاجتماعات العامة، وإعدام المواطنين وتزييف الانتخابات وإهمال النواحي الصحية، والاستئثار بثروات البلاد وخيراتها وحرمان الشعوب من ثروات بلادهم، بالإضافة إلى التفرقة العنصرية بين البيض والسود، واستمرت بريطانيا في مقاومة الدعوة الإسلامية عن طريق الجمعيات التنصيرية، علاوة على محاولة نشر المخدرات والمسكرات.

وقد لجأت بريطانيا إلى نظام الحكم غير المباشر، أحد المظاهر المميزة للحكم البريطاني في إفريقيا، بخلاف فرنسا التي تتمسك بالحكم المباشر. فقد وجدت السلطات البريطانية أن استمرار تعاون الرؤساء وسكان المستعمرات مع الإدارة البريطانية الحاكمة بحيث يصبحون جزءًا من هذه الإدارة، هو أسهل وأنسب نظم الحكم وأقلها تكلفة، في الوقت الذي يكفل فيه ولاء المحكومين للسلطات الحاكمة.

المقاومة الوطنية ضد الاستعمار البريطاني:

كان للسياسة الاستعمارية وتمزيق الصومال وقع في نفوس المواطنين الذي عزّ عليهم أن تذهب بلادهم فريسة للأطماع الأجنبية، وظهرت حركة وطنية ترمي إلى تخليص الصومال من هذا الأخطبوط، وإيقاظ الشعور الوطني حتى يقاوم المصير السيء الذي ينتظر الصوماليين على أيدي الدول الاستعمارية وعملت هذه العناصر أيضًا على تعبئة الشعب لمواجهة الموقف بما يستحقه من كفاح ونضال.

ولم تلبث أن اندلعت الثورة عام 1317هـ، 1899م، وظلت مشتعلة أكثر من عشرين عامًا حتى انتهت عام 1340هـ، 1921م. تزعم حركة المقاومة محمد عبدالله حسن، وهو في الأصل من قبيلة عربية هاجرت لهذه المنطقة في القرن السابع الميلادي واستوطنتها. وقد لقب هذا الزعيم (بمهدي الصومال) تشبهًا بمهدي السودان، ونادى بتكتل الصوماليين للجهاد ضد المستعمر، وتوحيد قواهم، وألغى انتسابهم إلى القبائل، وأطلق على أتباعه جميعًا اسم الدراويش، وقسمهم إلى فرق بغض النظر عن أنسابهم المختلفة، وأطلق على كل فرقة اسمًا خاصًا يميز دورها في المعارك مثل الرماة والمغيرين ... إلخ.

بدأ محمد عبدالله حسن ثورته في مدينة بربرة وانتشرت فيها واستغرقت ثورته فترة تزيد على عشرين عامًا، وقد أرهق السلطات البريطانية، وثارت حفيظة هذا المجاهد منذ قدوم المنصرين الموفدين من الكنيسة الإنجيلية إلى الصومال الذين أخذوا يتصلون بالناس لإغرائهم على الارتداد عن الإسلام، واعتناق النصرانية نظير هبات وعطايا للمعوزين والفقراء. فثار محمد عبدالله حسن، وقام بمهاجمة مراكز هؤلاء المنصرين، وأثار الناس ضدهم وقطع عليهم طرق الاتصال بالسكان، فاضطروهم إلى الرحيل.

وأعلن محمد عبدالله حسن الجهاد، ودعا إلى تحرير الصومال من ربقة الاستعمار ودعا الشعب الصومالي إلى قتل الجواسيس الخونة المتعاونين مع بريطانيا وأخذ في محاربة القوات الإنجليزية، وقد تمكن من السيطرة على الأجزاء الداخلية في الصومال، واستطاع أن يُوقع بالقوات الإنجليزية هزائم متعددة، حتى لقبوه بالمُلاَّ المجنون. وشنت بريطانيا أربع حملات عسكرية ضده وفشلت.

وحين نشبت الحرب العالمية الأولى (1333- 1337هـ، 1914-1918م) واشتركت القوات العثمانية في الحرب ضد الحلفاء، أعلن محمد عبدالله حسن الجهاد ضد دول الحلفاء الغربيين، واستمر يناضل حتى انتهت الحرب، ثم تمكنت قوات الحلفاء من القضاء على ثورة المهدي الصومالي بعد أن رسم للصوماليين طريق الجهاد وحدد هدفه وهو الحرية والوحدة. ★ تَصَفح: الصومالي، محمد عبد الله.

ونتيجة لهذه الثورة، استمرت بريطانيا في سياستها التعسفية والقمعية والزج بالأحرار في السجون والمعتقلات، ولم تعمل على رقي الشعب في كل المجالات. كما لم تقدم أية خدمات حتى أصبح شعب الصومال ضحية الفقر والجوع والمرض والجهل، وأدى ذلك إلى انخفاض المستوى الصحي والثقافي والاجتماعي.

وكانت بريطانيا قد سمحت للأحزاب السياسية بالظهور، منها حزب وحدة الشباب الصومالي وكان له فرع في كينيا. ولكنها عادت فحلّت الحزب واتهمت أعضاءه بالشيوعية واعتقلتهم، وذلك لخشيتها من انتشار الأفكار التحررية بين الصوماليين الذين تعتبرهم مجرد رعاة يجب ألا يهتموا إلا بإبلهم وحقولهم.

الصومال الإيطالي:

أخذ الإيطاليون يتطلعون إلى سواحل المحيط الهندي التي تطل عليها ممتلكات سلطان زنجبار، وكانت الدول الاستعمارية الأخرى، وفي مقدمتها إنجلترا وألمانيا، قد زادت نشاطها في هذه الجهات حتى عرفت هذه الفترة بسنوات اغتصاب إفريقيا عن طريق إجبار السلاطين والشيوخ المحليين على توقيع اتفاقات تمنح الشركات الأجنبية أو الدول حقوقًا تصل إلى حقوق الملكية الكاملة، وفرض الحماية على الأراضي التي تحت نفوذ هؤلاء السلاطين أو الشيوخ.

فقد كان الإيطاليون يحومون حول الصومال منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر الميلادي، ففي عام 1303هـ، 1885م قدمت بعثة إيطالية إلى إقليم نهر جوبا، وعقدت معاهدة تجارية مع سلطان زنجبار. وفي عام 1307هـ، 1889م، تمكنت إيطاليا من أن تقيم محميات في المناطق الشمالية التي كانت خاضعة لسلاطين جوبا وميجورتين. وفي سنة 1310هـ، 1892م تنازل سلطان زنجبار عن حقه في حكم مقديشو ومركا وبراوة إلى إيطاليا، وتبعًا لذلك امتد النفوذ الإيطالي على أجزاء الصومال الممتدة من نهر جوبا إلى الشمال حتى خط عرض 6°شمالاً. ولم تستطع إيطاليا حكم الصومال كله حكمًا مباشرًا حتى عام 1326هـ، 1908م. وقد ساعدت بريطانيا إيطاليا في تنفيذ مآربها خشية تدخل فرنسا، ثم تقاسمت الدولتان معًا ميناء كسمايو.

سياسة إيطاليا الاستعمارية:

استطاعت إيطاليا أن تقيم حكمًا إداريًا موحدًا في جميع أنحاء الصومال، كما عملت على الاستيلاء على أخصب الأراضي وسلمتها للإيطاليين المهاجرين، ومنحتهم الامتيازات لتشجيعهم على الهجرة والاستقرار. وبالإضافة إلى ذلك فقد استولى الإيطاليون على ثروات البلاد وخيراتها وحرموا الشعب من التعليم والصحة حتى تفشى الجهل والمرض والفقر، علاوة على أنهم كانوا هم السادة وغيرهم العبيد، فلا يخالطونهم ولا يؤاكلونهم ولا يتزوجون منهم، بل يعتبرونهم عبيدًا وخدمًا لهم.

المقاومة الوطنية للإيطاليين:

ثار العرب في شرق إفريقيا على تدخل الأجانب في شؤون بلادهم ومحاولاتهم لاستغلالها، ونظروا للمعاهدات التي يعقدها الشيوخ مع الشركات الأجنبية على أنها باطلة وتدل على خيانة هؤلاء الحكام لبلادهم، فاضطرت إيطاليا ومعها بريطانيا إلى فرض حصار بحري على السواحل الشرقية لإفريقيا محافظة على مصالحها الاستعمارية في هذه الجهات. وكانت إيطاليا قد فقدت جزءًا من ممتلكاتها في الصومال نتيجة الثورات المستمرة إبان الحرب العالمية الأولى، ولم تستعد سيطرتها على كافة الأراضي إلا عام 1344هـ، 1925م بعد أن استولى الفاشيون على السلطة في إيطاليا بزعامة موسوليني.

استقلال الصومال وإعلان الجمهورية

عام 1360هـ، 1941م إبان الحرب العالمية الثانية احتلت القوات البريطانية الصومال الإيطالي نتيجة معاداة إيطاليا لبريطانيا ووقوفها إلى جانب ألمانيا (دول المحور). وبذلك يكون الصومال الإيطالي قد خضع للسيطرة البريطانية وظل تحت الحكم البريطاني حتى عام 1369هـ، 1949م.

وكانت العناصر الوطنية في الصومال الإيطالي قد أجمعت على ضرورة انتهاز فرصة هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، وحاجة بريطانيا إلى تأييد الصومال وغيره من الدول، فتقدمت إلى الإدارة البريطانية ببرنامج سياسي تضمن تصفية الاستعمار من كل أجزاء الصومال، وتوحيدها في ظل علم واحد ودولة واحدة وإلغاء التعصب القبلي وكل التقاليد المناهضة لمضمون الدولة، وأن تكون الصومال جمهورية ديمقراطية، ودينها الرسمي الإسلام.

وفي نوفمبر عام 1369هـ، 1949م قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة حق الصومال الإيطالي في الاستقلال في 1380هـ، 2 ديسمبر 1960م، كما قررت وضعه تحت الوصاية الإيطالية لمدة عشر سنوات ابتداء من 1370هـ، ديسمبر 1950م.

وفي 1374هـ، 12 أكتوبر 1954م، نَفَّذَت الإدارة الإيطالية بإشراف هيئة الوصاية الدولية (مصر والفلبين وكولومبيا) أول بند من بنود الاستقلال وتهيئة شعبه لتولي زمام أموره، وذلك حين احتفل بإنشاء العلم الصومالي، ثم بدأ مشروع صوملة الوظائف، وكانت كل الوظائف في شتى المرافق في أيدي الأجانب.

وكانت الحركة الانتقالية الكبرى بعد إنشاء العلم الصومالي وصوملة الوظائف، هي إجراء انتخابات لأول مرة في الصومال لتكوين أول مجلس تشريعي في البلاد. وفي 1375هـ، مارس 1956م أجريت الانتخابات العامة والتي أسفرت عن حصول حزب وحدة الشباب الصومالي على غالبية المقاعد، واقتسمت الأحزاب الأخرى بقية المقاعد. وانتهت الانتخابات لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل تنفيذ اتفاقية الوصاية، وهي تشكيل أول وزارة في تاريخ الصومال الحديث من حزب الأغلبية الذي فاز في الانتخابات. وشكل بالفعل الوزارة من خمسة وزراء إلى جانب رئيسها عبدالله عيسى. وفي 1379هـ، ديسمبر 1959م أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بمنح الصومال الإيطالي استقلاله في1380هـ، مطلع يوليو 1960م.

وخلال هذه التطورات في الصومال الإيطالي، كانت الحركة الوطنية يشتد ساعدها في الصومال البريطاني بزعامة حزبين كبيرين، هما الرابطة الوطنية الصومالية والحزب الصومالي المتحد. وطالب كلا الحزبين بالاستقلال الفوري والوحدة مع الصومال الإيطالي السابق. وفي 1380هـ، 6 إبريل 1960م اتخذ المجلس التشريعي بالصومال البريطاني قرارًا بوحدة الصومال البريطاني مع الصومال الإيطالي بعد حصول الأخير على استقلاله.

في 1380هـ، 20 يونيو 1960م أعلن استقلال الصومال البريطاني، كما حصل الصومال الإيطالي السابق على استقلاله في الأول من يوليو 1380هـ، 1960م. وتلا ذلك وحدة كل من الصومالين البريطاني والإيطالي، وأعلن عن قيام جمهورية الصومال الديمقراطية، وتم انتخاب آدم عبدالله عثمان ليكون رئيسًا لجمهورية الصومال في 1381هـ، 6 يوليو 1961م لمدة ست سنوات. وفي 1381هـ، 20 سبتمبر 1961م قُبلت الصومال عضوًا في هيئة الأمم المتحدة، كما تم انضمامها إلى جامعة الدول العربية، وصارت عضوًا بها في 1393هـ، 14 فبراير عام 1973م.

بعد انتهاء مدة رئاسة آدم عبدالله عثمان انتخب الدكتور عبدالرشيد علي شيرماركي رئيسًا لجمهورية الصومال واختير محمد حاجي إبراهيم رئيسًا للوزراء. وفي 1389هـ، 15 اكتوبر 1969م اغتيل شيرماركي. وفي 1389هـ، 21 أكتوبر 1969م قام انقلاب عسكري برئاسة محمد سياد بري الذي تولى الحكم وأصبح رئيسًا للبلاد منذ ذلك الوقت وحتى عام 1413هـ، 1992م حيث أطيح به. وتعرضت البلاد لأزمة داخلية وحرب أهلية أدت إلى تردي الأوضاع في البلاد ونجم عن ذلك تدخل الأمم المتحدة وتولي قوات الأمم المتحدة مقاليد الأمور من أجل إعادة الأمل للشعب الصومالي ومحاربة المجاعة. وبالرغم من ذلك، جرت اشتباكات بين قوات الأمم المتحدة وقوات الجنرال محمد فارح عيديد الذي كان يناهض الزعيم الصومالي علي مهدي محمد، ونتج عن ذلك انسحاب بعض قوات الأمم المتحدة من الصومال، وتم الاتفاق بين المنظمات الصومالية لإعادة الأمن والنظام وتشكيل حكم وطني ائتلافي.

مشكلات الصومال

أصاب القارة الإفريقية الكثير من جراء الاستعمار الأوروبي لها في العصرالحديث، وكان من نتائج هذا الاستغلال الأوروبي للقارة وشعوبها الفقر والجوع والمرض والأمية التي تعاني منها الشعوب الإفريقية، إذ أن الطريقة التي اتبعها الأوروبيون في استغلالهم للاقتصاد الإفريقي، جعلت هذه البلاد تزداد فقرًا وبؤسًا يومًا بعد يوم. وتبرز في مقدمة المشكلات التي تواجهها الصومال والدول الإفريقية عمومًا اليوم أربع مشكلات: مشكلة الحدود بين الدول الإفريقية، ومشكلة التخلف الاقتصادي، ومشكلة التخلف الاجتماعي والعلمي والصراع على السلطة.

مشكلة الحدود بين الصومال وإثيوبيا:

تعتبر مشكلة الحدود من أعنف المشكلات التي خلفها الاستعمار في القارة الإفريقية. ويلاحظ أن الحدود السياسية الدولية ترجع في الأصل للتنافس الاستعماري بين الدول الأوروبية على القارة، وترتبت عليها نتائج خطيرة، فهناك قبائل إفريقية رعوية ما زالت تحترف الرعي، ولا تستطيع أن تدرك معنى الحدود السياسية التي تعرقل أو تمنع ارتياد قطعانها للمراعي. وهذه الحدود ستؤدي إلى نزاعات مستمرة بين الدول الإفريقية.

أما حدود الصومال فهي مفتعلة إذ عملت فيها يد التقسيم والتفتيت، وعانى الصومال من جراء سياسة الاستعمار التي ابتليت بها القارة الإفريقية، فقد ترتب على السياسة الاستعمارية أن تمزقت أوصال القرن الإفريقي إلى خمسة أجزاء هي الصومال الإيطالي، والبريطاني، والفرنسي وأوجادين التي ابتلعتها أثيوبيا، والصومال الكيني الذي ضمته بريطانيا إلى كينيا. ولذا فحدود الصومال أخرجت بعض الصوماليين وجعلتهم داخل كينيا وأثيوبيا.

والاستعمار حين مزق الصومال إلى أقسامه هذه حرص على أن يطبع كل قسم منها بطابع يميزه عن الأقسام الأخرى وذلك بهدف الإبقاء على حالة التفتيت تأكيدًا لسياسته فرق تسد.

وترتب على تخطيط الحدود قيام بعض المشكلات كما حصل بين الصومال وأثيوبيا، ففي عام 1374هـ، 1954م عقدت بريطانيا مع أثيوبيا معاهدة ثنائية تنازلت بموجبها لأثيوبيا عن مناطق من الصومال الإيطالي. وفي 1380هـ، يوليو 1960م اتحد الصومال البريطاني والصومال الإيطالي فيما عرف بجمهورية الصومال، واتخذت مقديشو عاصمة لها، ويبلغ عدد سكانها حوالي مليونين بينما يعيش خارج حدودها نصف مليون صومالي في أثيوبيا وعشرون ألف صومالي في الصومال الفرنسي (جيبوتي). وحوالي 80,000 نسمة في شمالي كينيا. وكان طبيعيًا أن يثير هذا الوضع المشكلات بين هذه الدول الإفريقية المتجاورة.

وقد وضحت هذه المشكلات بعد الاستقلال، ونتج عنها شدة تجزئة القارة، وتعدد الجيران، وتوزيع السكان الذين ينتمون إلى سلالة واحدة بين أكثر من دولة، وإعاقة التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وقد حاولت المؤتمرات الإفريقية حل هذه المشكلات وخاصة منظمة الوحدة الإفريقية، والتي ما زالت تبذل الكثير من الجهود من أجل حل هذه المشكلات.

الصراع على السلطة:

واجه الصومال في الآونة الأخيرة مشكلة أكثر تعقيدًا من المشكلات السابقة، وهي الحرب الأهلية التي كادت تقضي على الأخضر واليابس. نشأت المشكلة عام 1411هـ،1990م عندما تمكنت فصائل المعارضة من الإطاحة بنظام الرئيس محمد سياد بري إلا أن سيطرة النظام القبلي أدت إلى انقسام رفقاء السلاح إلى مجموعتين متنافستين إحداهما يتزعمها محمد فارح عيديد (ثم ابنه بعد وفاته في أغسطس 1996م) والأخرى يتزعمها علي مهدي محمد. أدت الحرب بين المجموعتين إلى إشاعة الخراب والدمار وإثارة الرعب بين السكان. أصاب الشلل التام كل أدوات الإنتاج. وساد الفقر والجوع بين السكان، وانتشرت الأوبئة والأمراض.

لم تفلح محاولات المجتمع الدولي في إمداد السكان بالمعونات الغذائية والطبية، حيث تعرضت هذه المعونات للنهب، مما اضطر المجتمع الدولي إلى عرض القضية أمام الأمم المتحدة التي قررت إرسال قوات لحفظ الأمن في الصومال تحت اسم عملية إعادة الأمل. إلا أن هذه القوات لم تفلح في السيطرة على القوات المتنازعة، بل لقد انسحب معظمها عام 1995م تاركًا الأمر لأهله عسى أن يلتئم شمل الأخوة المتحاربين. توفي محمد فارح عيديد في أغسطس 1996م متأثراً بجراحه عقب واحدة من معارك الحرب الأهلية، وخلفه ابنه حسين عيديد. وفي عام 1997م، اتفق الفرقاء على عقد اجتماع في القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية يهدف إلى إقامة حكومة انتقالية في البلاد. عقدت الأطراف المتنازعة مؤتمرًا للصلح في القاهرة في 22 ديسمبر عام 1997م، إلا أن بعض الأطراف تنصلت من بعض الاتفاقات قبل أن يجف مدادها رغم اتفاقها على وحدة الصومال.

وفي نفس العام، تسببت الأمطار الغزيرة في حدوث فيضانات أدت إلى وفاة 1,300 شخص، وأجبرت 200,000 نسمة على هجر منازلهم.

وفي أكتوبر 2000م، 1997م، اتفقت الفصائل الصومالية، في مدينة عرتة بجيبوتي، على اختيار عبده قاسم صلاة حسن رئيساً للبلاد، كما تم تعيين علي خليف جليف رئيساً للوزراء.

إختبر معلوماتك :

  1. ينتمي الشعب الصومالي إلى مجموعة عناصر متباينة. اشرح ذلك.
  2. ما العوامل التي أسهمت في انتشار العرب في الصومال؟
  3. كيف دخل الإسلام الصومال؟
  4. لقي الاستعمار البرتغالي للصومال مقاومة عنيفة. تحدث عن مراحل هذه المقاومة.
  5. بعد افتتاح قناة السويس ازداد التنافس الاستعماري للسيطرة على الصومال. اشرح ذلك مبينًا أهم الدول التي تدخلت في الصومال.
  6. كيف تمكنت الصومال من نيل استقلالها؟
  7. اذكر ثلاثًا من أهم المشكلات التي واجهت الصومال.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية