الرئيسيةبحث

النبوة ( Prophethood )



النُّبـوَّةاصطفاء من الله تبارك وتعالى لمن يشاء من عباده لتلقي الوحي منه وتبليغه إلى الناس، وهو اصطفاء محض ليس لصاحبه فيه اختيار أو سبب يوصله لذلك. ويسمى في هذه الحالة نبيًا أو رسولاً، أما إذا أنزل عليه الوحي بالشرع ولم يؤمر بتبليغه فهو في هذه الحالة نبي. ★ تَصَفح: النبي.

يقول الماوردي في كتابه أعلام النبوة: "الأنبياء هم رسل الله تعالى إلى عباده بأوامره ونواهيه، زيادة على ما اقتضته العقول من واجباتها، وإلزامًا لما جوزته من مباحاتها، لما أراده الله من كرامة العاقل، وتشريف أفعاله، واستقامة أحواله، وانتظام مصالحه..."

والنبوة كما قال ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري "نعمة يمنّ الله بها على من يشاء، ولا يبلغها أحد بعلمه، ولا بكشفه، ولا يستحقها باستعداد ولايته... وليست راجعة إلى جسم النبي، ولا إلى عَرَضٍ من أعراضه، بل ولا إلى علمه بكونه نبيًا، بل المرجع إلى إعلام الله له، بأني نبأتك، أو جعلتك نبيًا".

وهذا يقتضي منا الإيمان بمن سمىَّ الله في القرآن من الأنبياء، والمرسلين، والإيمان بأن الله أرسل رسلاً إلى البشرية سواهم، وأنبياء لا يعلم عددهم وأسماءهم إلا الله تعالى، لقوله عز وجل : ﴿ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك﴾ غافر: 78. وعدم التفريق بينهم في وجوب الإيمان بهم، بقوله تعالى: ﴿إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرِّقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً ¦ أولئك هم الكافرون حقًا وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا﴾ النساء: 150 ، 151.

الغاية من إرسالهم:

بعث الله الأنبياء لدعوة البشر إلى عبادته عز وجل وإقامة دينه، وتوحيده في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، لقوله تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾ الأنبياء : 25. وأن هؤلاء الرسل قد حققوا هذه الغاية، فكل رسول منهم أدى الأمانة، وبلّغ الرسالة على الوجه الأكمل.

ولذا وجب على الناس طاعتهم، وعدم مخالفتهم، لأن ذلك من طاعة الله سبحانه، لقوله: ﴿وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله﴾ النساء : 64.

صفات الأنبياء:

يتصف جميع الأنبياء بصفات عدة تليق بمن اختارهم الله للتبليغ عنه ومن أهمها: أنهم جميعًا كانوا من البشر، فلم يكونوا من الملائكة، ولا من النساء، لقوله تعالى: ﴿وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم﴾ الأنبياء: 7. كما أنهم يتصفون بصفات البشر، ويتعرضون لما يتعرض إليه البشر، فهم يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق وينامون ويجلسون ويفرحون ويحزنون ويتزوجون ويتعرضون للأذى وتمتد إليهم أيدي الظلمة، وينالهم الاضطهاد ويتألمون ويصيبهم المرض وسائر الأعراض البشرية التي لاتؤدي إلى القدْح في نبوَّتهم، لقوله تعالى: ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم﴾ آل عمران: 144. وقال: ﴿وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق﴾ الفرقان : 20. وقال : ﴿ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجًا وذرية﴾ الرعد : 38.

هؤلاء الرسل لا يملكون شيئًا من خصائص الألوهية، فلا يتصرفون في الكون، ولا يملكون النفع أو الضر، ولا يَؤثِّرون في إرادة الله، ولا يعلمون الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه، قال تعالى على لسان نبيه: ﴿قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا إلا ماشاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون﴾ الأعراف : 188. ومنها أنهم أكمل الخلق علمًا وعملاً، وأصدقهم حديثًا، وأكملهم أخلاقًا، وأن الله خصَّهم بفضائل لا يلحقهم فيها أحد، تؤهلهم لتلقي الوحي، والاضطلاع بأعباء الرسالة، وليكونوا قدوة للناس في أمور الدين والدنيا. وأن الله عصمهم ونزههم عن الكذب والخيانة والكتمان والتقصير في تبليغ الرسالة، وعن الذنوب كلها، وقد تقع منهم زلات وخطيئات: أي عثرات بسيطة، نظرًا لما هم عليه من علو المقامات، ولكنهم لا يقَرُّون عليها، بل يوفَّقُون للتوبة منها.

كما أن الله أيدهم بالمعجزات الباهرات والآيات الظاهرات الدالة على صدقهم فيما جاءوا به من عند الله عز وجل. وهذه المعجزات هي ما يجريه الله على أيدي رسله وأنبيائه من خوارق العادات التي يتحدُّون بها العباد، وهذه المعجزات تختلف من رسول إلى آخر.

الوحي وأنواعه:

الوحي: إعلام الله تعالى من اصطفاهم من عباده وهم الرسل والأنبياء بكل ما أراد الله إطلاعهم عليه، من ألوان الهداية والعلم، ولكن بطريقة غير معهودة للبشر، مع الوعي والإدراك التام لكل ما يتلقونه من الله.

أنواع الوحي. إن الله لا يكلم أنبياءه مواجهة، لأن هذه المواجهة لا يقوى عليها البشر في الحياة الدنيا، إنما يكلمهم بإحدى الطرق التي وردت في قوله تعالى: ﴿وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عَلِيٌّ حكيم﴾ الشورى : 51. وهذه الطرق هي: 1- وحي يلقى في النفس مباشرة، فيعرف الرسول أنه من الله، ويسمى ذلك أيضًا الإلهام، ومنه رؤى الأنبياء، كرؤيا إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ولده إسماعيل، قال تعالى ـ حكاية عن إبراهيم: ﴿يابُني إني أرى في المنام أنِّي أذبحك ف★ تَصَفح ماذا ترى قال يأبت افعل ماتؤمر﴾ الصافات: 102. 2- التكليم من وراء حجاب، كما كلمَّ الله موسى عليه السلام، قال تعالى: ﴿ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه﴾ الأعراف: 143. 3- إرسال الملَك المكلَّف بالوحي، فيوحي إلى الرسول ما يشاء الله، بطريقة من الطرق التي بينّها الرسول ﷺ، فمنها: ما كان يلقيه الملك في رَوْعه وقلبه دون أن يراه. ومنها أن يتمثل الملك للرسول في صورة رجل، فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول. ومنها أن يرى الرسول الملَكَ في صورته الملائكية، له أجنحة. ومنها أن يأتيه كما حدث ﷺ فيما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله ﷺ: (أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول ).

خاتَم الرسل:

علينا أن نؤمن بأن محمدًا بن عبدالله ﷺ هو خاتم النبيين، لقوله تعالى: ﴿ولكن رسول الله وخاتم النبيين﴾ الأحزاب: 40. ونؤمن أنه لا نبي بعده، وأن كل من ادعى النبوة بعده فهو كذّاب، لقوله عليه السلام: (لا تقوم الساعة حتى ينبعث دجالون كذابون، قريبًا من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله ) أخرجه مسلم.

ونؤمن أنه مبعوث للناس جميعًا لقوله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا﴾ سبأ: 28. ونؤمن بأن رسالته ناسخة للرسالات السابقة، لقوله تعالى: ﴿وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه ﴾ المائدة: 48. لذا وجب على الناس في كل زمان ومكان الدخول في دين الإسلام، ومن أعرض عن ذلك فهو كافر،. لقوله تعالى: ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ آل عمران : 85. والإسلام شامل لكل جوانب الحياة، ويُلبِّي لكل ما يحتاجه الناس في كل زمان، وموافقًا لفطرتهم، وفيه من اليسر والسهولة ما يجعل الالتزام به سهلاً.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية