موسى عليه السلام ( Moses )
مُوسى عَليه السَّلام أحد أنبياء بني إسرائيل ورسول الله إليهم خاصة. واسمه موسى بن عمران وليس هو ـ كما يعتقد بعض الناس ـ أخا مريم بنت عمران، فالفرق بينهما مئات السنين. أرسله الحق تبارك وتعالى إلى فرعون وقومه الذين علوا في الأرض وأفسدوا فيها. وهو أحد الأنبياء الذين ورد ذكرهم كثيرًا في القرآن الكريم. وموسى عليه السلام من الأنبياء الذين فصّل القرآن سيرتهم في مواضع عديدة بالإضافة إلى المرات الموجزة والسريعة ؛ منها قول الله تعالى : ﴿ واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصًا وكان رسولاً نبيا ¦ وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ¦ ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا﴾ مريم:51 - 53 .
علا فرعون في الأرض، وجعل رعيته شيعا فاستضعف طائفة منهم، وهم بنو إسرائيل من سلالة نبي الله يعقوب، وكانوا إذ ذاك خيار أهل الأرض. وكان الدافع له على هذا الصنيع أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم المأثور عن إبراهيم عليه السلام، من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه. فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل حذرًا من ظهور هذا الغلام.
ولمّا ولد موسى عليه السلام، خبأته أمه عن عيون جند فرعون، ثم خافت افتضاح أمرها فأوحى إليها الله تعالى أن تصنع له ما يشبه الصندوق، وتضعه فيه وتلقيه في اليم. ففعلت ذلك وناطت بأخته أن تتبع أثره وتأتيها بخبره. وكان الله قد أعلمها أنه رادّه إليها، وجاعله من المرسلين. فلم تزل أخته تراقبه حتى علمت أنه التُقط وأدخل دار فرعون، وأن عين زوجة فرعون وقعت عليه، فألقى الله عليها محبته، فأبقته ليكون قرة عين لها ولفرعون. وهذا تدبير من الله لموسى وأمه لأنه سيعود إليها لتكون مرضعة له، فزهّد الله موسى في المراضع، فلم يُقبل على ثدي إحداهن.
ولما كانت أخته مكلفة بأن تقصّ أثره وتتبع أخباره، رأت أن أخاها موسى مُعْرِض تمامًا عن الرضاعة من المرضعات، فعرضت على آل فرعون أن تدعو لهم امرأة عبرانية ترضعه، وتقوم له مقام الأم. فبعثوها في طلبها، فجاءت بأمه، فأقبل موسى على ثديها، فألقوا إليها بموسى لترضعه وهو موضع عنايتهم. وبعد أن أتمت رضاعته أتت به إلى بيت فرعون ليتولى البلاط الفرعوني تربيته على طريقة أبناء الملوك في ذلك العهد، وليتحقق مراد الله تبارك وتعالى في وعده لأم موسى قائلاً: ﴿وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين﴾ القصص: 7
شبّ موسى في بيت فرعون. وكان قوي البأس وافر القوة.
اضطر موسى عليه السلام أخيرًا أن يغادر مصر متجهًا إلى مَدْيَن، بين الشام والحجاز، طلبًا للنجاة من قوم فرعون. وأثناء رحلته تزوج بابنة شعيب (نبي الله) الذي اختاره لإحدى ابنتيه لأمانته وخلقه وقوته وحبه له، وأقام سنين في أهل مدين، ثم أراد العودة إلى مصر. وبينما كان يسير بأهله وغنمه ضلّ الطريق في ليلة مظلمة باردة، ثم رأى نارًا من بعيد، ولما اقترب منها لم يجد عندها أحدًا بل سمع صوتًا يناديه: يا موسى إني أنا الله رب العالمين. وأقام له الحق تبارك وتعالى برهانين أمام عينيه، فكانت معجزة تحويل عصاه إلى حية تسعى، وكذلك إخراج يده من جيبه بيضاء من غير سوء، وهما برهانان خارقان للعادة من الله تبارك وتعالى إلى فرعون وملئه، ثم دعاه أن يذهب إلى فرعون، ويدعوه إلى فك أسر بني إسرائيل، وإلى الرشاد والعدل مع قومه وحسن المعاملة، ودعوته أيضًا إلى عبادة الله الواحد الأحد مستخدمًا في ذلك البرهانين المعجزين اللذين منحهما الله موسى فوق الجبل.
تهيَّب موسى الموقف فدعا ربه أن يشرك معه في هذا الأمر أخاه هارون فاستجاب له. فأتيا فرعون وبلّغاه رسالة ربه. لكن فرعون وأشياعه أبوْا، وتمادوا في غيهم رغم ما قدم لهم موسى من معجزات وحجج بالغة. واستمر فرعون وقومه في إيقاع ضروب الأذى والإهانة ببني إسرائيل. واستمر قومه في نكثهم للوعود بالإيمان بالله وبإطلاق بني إسرائيل، فأخذهم الله بنقص في الأموال والأنفس والثمرات. ولما سار موسى بقومه إلى الأرض المقدسة (أرض فلسطين) ووصل ساحل البحر الأحمر على خليج السويس، أدركهم فرعون وجنده فأيقن قوم موسى بالهلاك. لكن الله نجّاهم عندما انفلق البحر أمامهم، وعَبَره بنو إسرائيل، بينما انطبق على قوم فرعون وأغرقهم.
ولما عَبَر قوم موسى سهول شبه جزيرة سيناء، والشمس فيها شديدة ولا مساكن تقيهم الحر ولا شجر يتفيأون ظلاله، شكوا إلى موسى ما يلقون من العناء فدعا ربه فساق الله إليهم الغمام. كما أنهم لما نفد زادهم أرسل الله لهم الرياح تحمل المنَّ والسلوى. ولما لم يجدوا ماء وشكوا ذلك إلى موسى، أمرَه الله أن يضرب الحجر بعصاه فانبجست منه اثنتا عشرة عينًا. ثم إنهم احتاجوا إلى منهاجٍ يتبعونه وشرعٍ يركنون إليه ؛ فسأل موسى ربَّه كتابًا به يهتدون وإلى حكمه يرجعون. فأوصى الله موسى أن يصعد إلى الجبل ويمكث فيه ثلاثين ليلة حتى إذا أتمها أربعين، أعطاه الله ألواحًا كتبت فيها الوصايا التي يأخذ بها بنو إسرائيل أنفسهم ومن يتعاقب من بعدهم.
أمر موسى أخاه هارون أن يكون خليفته على بني إسرائيل خلال فترة غيابه للنظر في مصالحهم وشؤونهم. وسار موسى إلى طور سيناء، فكلمه ربه، لكن موسى طلب رؤيته. فأراد الله أن يعلِّمه أنه إنما طلب شيئًا عظيمًا لا تتحمله الجبال، فتجلى الله للجبل فصار دكّا، وخرّ موسى صعقًا. وبعد أن أفاق من غشيته خاطبه الله تعالى بأنه اصطفاه على الناس برسالاته (أسفار التوراة)، وأنه يوحي إليه بلا وساطة بل وبإسماعه ما يريد أن يبلغه إياه. وكان ما كتب في الألواح مواعظ وأحكامًا وتفصيلاً لكل شيء يهم بني إسرائيل.
ولم تكنْ نفوس أكثر بني إسرائيل راضية بالإيمان، ولذلك قام رجل ماكر فيهم اسمه السامري، تحركت فيه نزوة الشر والفساد بعد غياب موسى مدة تزيد عن الشهر الذي حدده لغيابه عنهم لملاقاة ربه عند جبل الطور، وانتهز السامريّ ذلك وجاءهم بعجل له خوار مدعيًا أن هذا العجل هو إلههم وإله موسى. وقد فُتن بنو إسرائيل بهذا العجل وعبدوه، ولم يفلح هارون أخو موسى في ردهم عن غَيِّهم.
قرُب بنو إسرائيل من الأرض المقدسة من بلاد الشام وهي فلسطين ـ أرض الميعاد التي وعد الله إبراهيم الخليل أن يجعلها مِلكًا للصالحين من ذريته. لكنَّ بني إسرائيل قوم ألفوا الذل في أرض الفراعنة، فلم تكن لهم قوة على الدخول إلى تلك الأرض، ولم يشاءوا أن يذهبوا لأمر ربهم، وقالوا لموسى إن فيها قومًا جبارين، وإنهم لن يدخلوها مادام أهلها فيها. فشكا موسى أمر بني إسرائيل إلى الله، فأخبره الله بأن تلك الأرض محرمة عليهم بسبب تخاذلهم وجبنهم، وأنهم سيتيهون في الأرض أربعين سنة. فكان بقاء بني إسرائيل في البرِّية من عهد خروجهم من مصر إلى أن مات موسى، وعبروا نهر الأردن وملكوا أريحا وما يتبعها من الأرض غرب الأردن أربعين سنة.
ثم شاء الله أن تنتهي حياة موسى بعد كفاح طويل وجهاد متواصل مع فرعون وقومه حينًا، ومع بني إسرائيل أحيانًا أخرى، فدفن في زمن التيه.