الفيروس ( Virus )
☰ جدول المحتويات
الفيروسات لها شكلان أساسيان. فبعضها، كما هو الحال في فيروسات التبغ، يأخذ شكل عصا. والآخر كما هو الحال في فيروسات الشلل، له شكل كروي بينما يوجد ذيل للفيروسات آكلة البكتيريا. |
وتبلغ الفيروسات درجة من البدائية في تكوينها إلى حد أن كثيرًا من العلماء يعدونها كائنات غير حية بمعنى أن الفيروس غير قادر على التكاثر بمفرده لكنه عند دخوله خلايا كائن آخر يصبح نشطًًا قادرًًا على أن يتضاعف مئات المرات.
وتتخذ الفيروسات شكل عصيات أو كريات وتتراوح في الحجم بين 0,01 و 0,3 ميكرون (الميكرون يساوي 0,001 من المليمتر)، لذا فإنها لا ترى إلا تحت المجهر الإلكتروني الذي يكبِّر حجمها آلاف المرات. ويبلغ أكبر الفيروسات حجمًا مقدار عُشْر حجم بكتيريا متوسطة الحجم.
بدأت دراسة الفيروسات في عام 1898م عندما أدرك عالم النبات الهولندي الأصل مارتينوس بيجرينك وجود أشياء أصغر من البكتيريا تتسبب في بعض الأمراض. وأُطلق عليها إسم فيروس وهي كلمة لاتينية بمعنى السُّم. وفي عام 1935م أوضح الكيميائي الأمريكي وندل ستانلي أن الفيروسات تحتوي على بروتينات وبالإمكان بلورتها. وأدى هذا البحث مع بحوث أخرى في الخمسينيات من القرن العشرين إلى إنتاج لقاحات ضد الحصبة وشلل الأطفال وأمراض أخرى. وخلال السنوات الأولى من القرن العشرين أوضح العلماء أن الفيروسات يمكن أن تُسبب سرطانًا في الحيوانات. وفي الثمانينيات من القرن العشرين أمكن إيجاد صلة بين الفيروسات وبعض الأورام في الإنسان.
تركيب الفيروس:
تختلف الفيروسات عن بقية الكائنات الحية لأنها ليست مكونة من خلايا، ومن ثم فهي تفتقر إلى بعض المواد الأخرى لتعيش. ومن هنا تبرز حاجتها للدخول إلى خلايا كائن حي آخر لتستعمل محتويات خلاياه لتعيش وتتكاثر.ويتركب الفيروس من جزءين أساسيين: اللب المكوّن من حمض نووي، والغلاف الخارجي الذي يحتوي على البروتين.
ويتركب اللُّب إما من حمض د ن أ (الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين) أو من ر ن أ (الحمض النووي الريبي) وبوساطة (د ن أ) و (ر ن أ). يمكن للفيروس أن يتكاثر بعد دخوله الخلية. ★ تَصَفح: الحمض النووي. وتحتوي بعض فيروسات ر ن أ على أنزيم يسمى المنتسخة العكسية يقوم بتحويل حمض ر ن أ إلى نسخة من حمض د ن أ داخل الخلية. وتسمى هذه الفيروسات بالفيروسات الخلفية، ومنها على سبيل المثال الفيروس المسبب لمتلازمة عوز المناعة المكتسب (الإيدز). ويعطي الغلاف الخارجي والمكون من البروتين الشكل الخارجي للفيروس. كما يقوم بحماية الحمض النووي ومساعدة د ن أ و ر ن أ على الدخول في الخلية. وتتميز بعض الفيروسات بغشاء خارجي إضافي يعطيها حماية أكثر.
تتكاثر الفيروسات بسرعة داخل الخلايا |
كيف يعدي الفيروس كائنًا آخر:
تتكاثر معظم الفيروسات في خلايا معينة لبعض الكائنات الحية. فعلى سبيل المثال، تتكاثر الفيروسات المسبِّبة لنزلات البرد في خلايا جهاز التنفس في الإنسان. ولا يمكن للفيروسيات أن تعيش خارج هذه الخلايا الخاصة. وتنتقل الفيروسات من كائن لآخر عن طريق الهواء أو أي وسيلة أخرى، ومن ثم تنتقل بوساطة سوائل الجسم إلى الخلايا. وعندما يلامس فيروس خلية معينة خاصة به يلتصق بمنطقة معينة من الخلية تعرف بالمستقبلات. وتحتوي هذه المستقبلات على مواد كيميائية تربط الفيروس بالخلية وتساعده على الدخول إلى الأحماض النووية. وعندئذ تسيطر الأحماض النووية على عملية تكوين البروتين داخل الخلية. وتقوم الخلايا عادة بتكوين بروتينها الخاص بوساطة مورثاتها (جيناتها) قبل الإصابة بالفيروس. وتعرف الجينات بالبنيات الوراثية وتتكون من أحماض نووية. وعند تعرض الخلية للعدوى بالفيروس تبدأ في إنتاج البروتينات التي يتم الاستشعار عنها بوساطة الأحماض النووية للفيروس. وتمكن هذه البروتينات الفيروس من التكاثر ومضاعفة أعداده مئات أو آلاف المرات.وبمجرد إنتاج فيروسات جديدة فإنها تنطلق من الخلية لتعدي خلايا أخرى وهكذا تنتشر العدوى داخل خلايا الكائن الحي. وعندما يتكاثر الفيروس يتغير التركيب الكيميائي للخلية مما يؤدي إلى تلف الخلية أو موتها. ويؤدي هذا إلى المرض خصوصًا إذا وقع التلف بعدد كبير من الخلايا. وبعض الفيروسات لا تُسبب أمراضًا وذلك لكون التلف الحادث ضئيلاً. كما أن الفيروس من نوع الفيروسات الخلفية قد يختبيء في جزيء د ن أ داخل الخلية ويبقى خاملاً وبالتالي لا يُسبب مرضًا عاجلاً. ولكن عندما تحين الفرصة فإنه يهاجم الخلية فيُسبب المرض.
الأمراض الفيروسية في الإنسان:
تسبب الفيروسات للإنسان أمراضًا عديدة مثل متلازمة عوز المناعة المكتسب (الإيدز) والجدري الكاذب والزكام والتهاب الكبد وشلل الأطفال وداء الكَلب والحمى الصفراء. وتحدد طبيعة المرض المتسبب عن نوع معين من الفيروسات بنوعية الخلايا والأنسجة التي يغزوها الفيروس.ويحمي الجسم نفسه من الفيروسات والمواد الضارة الأخرى بوسائل متعددة تعرف كلها بجهاز المناعة. وعلى سبيل المثال تقوم خلايا الدم البيضاء التي تسمى الخلايا اللمفاوية أو اللمفاويات بحماية الجسم بطريقتين: فبعض هذه الخلايا تنتج مواد تُدعى أجسامًا مضادة تغطي وتعادل بروتينات الغطاء الخارجي للفيروس وتمنعه من الالتصاق بمستقبلات الخلية. وبعض هذه الخلايا المناعية تدمر الخلايا المصابة بالفيروس وبالتالي تقتل الفيروس قبل أن يتكاثر، إلا أن بعض الفيروسات لها القدرة على إحباط وإبطال وظائف الجهاز المناعي الدفاعية ومن ثم يمكنها أن تتكاثر بسهولة. وتشمل هذه المجموعة من الفيروسات تلك التي تسبب أمراض الحصبة والأنفلونزا ومرض الإيدز.
ولا تبدأ الخلايا اللمفاوية في إنتاج الأجسام المضادة إلا بعد عدة أيام من دخول الفيروس جسم الإنسان، لكن الجسم يمتلك وسائل إضافية لمحاربة الفيروسات. فعلى سبيل المثال تعوق الحمى الناتجة عن ارتفاع درجة حرارة الجسم الفيروس عن التكاثر كما يحدث في حالة الإصابة بالجدري الكاذب والحصبة. وكذلك ينتج الجسم عند الإصابة بنزلة البرد، كميات كبيرة من المخاط في الأنف والحلق تصطاد كمية كبيرة من الفيروسات تمهيدًا لطردها من الجسم عن طريق العطس والسعال والاستنثار. ويصنع الجسم بروتينًا يُسمى الإنترفرون يكسب الجسم بعض الحماية ضد جميع أنواع الفيروسات.
ويتمثل علاج أي مرض فيروسي في السيطرة على أعراضه. فمثلاً يصف الأطباء دواء الأسبرين لحفظ درجة الحرارة والسيطرة على الحمى. لكن في غالب الأحوال لا يتمكن الأطباء من مهاجمة الفيروس المسبب للمرض ؛ لأن معظم الأدوية القادرة على قتل الفيروسات تقوم بتدمير الخلايا السليمة أيضًا. وقد استخدم بعض الأدوية مثل مادة الأزيدوثيميدين ووأرابينوسيد الأدنين والأسيكلوفير في علاج بعض الأمراض الفيروسية على نطاق ضيق. واكتشف بعض الباحثين أدوية مبشرة ضد الفيروسات مثل الإنترفرون ولكنها تحتاج إلى مزيد من الاختبار لمعرفة مدى سلامتها وكفاءتها. وحتى ذلك الحين فإن أفضل طريقة للتعامل مع الفيروسات هي التطعيم قبل الإصابة. ويدفع التطعيم باللقاحات جهاز المناعة لإنتاج الأجسام المضادة التي تقاوم الفيروس عند دخوله الجسم. ويستعمل الأطباء التطعيم (التلقيح) لمنع أمراض مثل الأنفلونزا والحصبة وشلل الأطفال.
وهناك عدد قليل من الفيروسات تعرف بالفيروسات البطيئة لأنها تتكاثر ببطء مقارنة بغيرها. ويعتقد كثير من العلماء أن هذه الفيروسات تنشأ من جراء تغييرات طفيفة في الفيروسات العادية. ويعتقد بعض الباحثين أن فيروسًا بطيئًا هو الذي يسبب المرض المعروف باسم التصلب المتعدد، وهو مرض يصيب الدماغ والعمود الفقري. وهناك فيروسات أخرى مثل فيروسات الحلأ يمكنها الكمون في الخلايا أعواماً ثم تنشط من جديد وتسبب انتشارًا متقطعًا وظهور أعراض المرض. وبعض الفيروسات، مثل فيروس الإيدز، تستطيع أن تسبب إصابة مستمرة لفترة طويلة وذلك بسبب قدرتها على التكاثر باستمرار.
الأمراض الفيروسية في الحيوانات:
تسبب الفيروسات مئات الأمراض في الحيوانات وتشمل مرض السُّل عند الكلاب ومرض القدم والفم في البقر. وتحدث الأمراض الفيروسية في أنواع معينة لكن بعض الفيروسات يمكن أن تنتقل إلى أنواع أخرى والقليل منها يمكن أن يصيب الإنسان. فمثلاً يمكن للكلب أن ينقل مرض الكلب إلى الإنسان وهذا المرض يدمر الخلايا العصبية.وبإمكان بعض الفيروسات التسبب في إحداث السرطانات في الحيوانات. وعلى الرغم من أن هذه الفيروسات لا تسبب موتًا للخلايا الحيوانية التي تصيبها، لكنها تستطيع أن تغير تركيبها الكيميائي مما يجعل هذه الخلايا تتكاثر بطريقة غير منتظمة مسببة كتلاً من الأنسجة تعرف بالأورام السرطانية. وبعد ذلك تهاجم هذه الأنسجة السرطانية خلايا أخرى طبيعية مسبِّبة سرطانات أخرى. وقد وجد الباحثون تشابهًا بين الفيروسات، التي تسبب السرطان في الحيوان والإنسان. وعلى الرغم من أن الباحثين لم يستطيعوا أن يثبتوا أن جميع أنواع السرطان في الإنسان سببه الفيروسات فقد وجدوا أن هناك علاقة تربط بين السرطان وبعض الفيروسات. فالتهاب الكبد الوبائي مثلاً يسبب التهابًا طويل المدى مما يؤدي في نهاية الأمر إلى سرطان الكبد كما أن بعض أنواع ابيضاض الدم تكون بسبب الفيروسات الخلفية البشرية.
الأمراض الفيروسية في النبات:
يمكن للفيروسات إصابة جميع أنواع النباتات مسبِّبة لها أمراضًا عديدة، مما يؤدي إلى التلف الشديد في المحاصيل. وجدار الخلايا النباتية قوي وصلب ولا تستطيع الفيروسات دخول الخلايا النباتية إلا عن طريق الحشرات التي تتغذى بالنباتات وبالتالي تساعد في اختراق جدار الخلايا. كما أن الفيروسات النباتية قد تهاجم ورقة نباتية واحدة أو عدة أوراق أو جميع أجزاء النبات مما يؤدي إلى تكون عدد هائل من الفيروسات تُعَدُّ بالبلايين تحمل بوساطة تيارات الهواء أو الحشرات إلى نباتات أخرى. ومن الأمراض الفيروسية النباتية الشائعة مرض التبغ الفسيفسائي ومرض اللفت المرقش الفسيفسائي.الفيروسات التي تصيب البكتيريا:
تُدْعى ملتهمة أو آكلة البكتيريا. وكما هو الحال في جدار الخلايا النباتية فإن جدار الخلايا البكتيرية صلب ومن الصعب اختراقه. وتستطيع الفيروسات آكلة البكتيريا اختراق جدار البكتيريا بوساطة تركيبة إبرية تشبه إلى حد كبير الإبرة المخصصة لحقن الجلد. وهذا التركيب يتكون من رأس دائري الشكل يحتوي على الحمض النووي وعصا مجوَّفة تشبه الذيل مكونة من بروتين. وعند دخول آكلة البكتيريا إلى البكتيريا يخترق الذيل جدار الخلية ومن ثم يتحرك الحمض النووي الموجود في الرأس عبر الذيل إلى داخل البكتيريا.كيف يمكن الاستفادة من الفيروسات:
الهدف الأساسي من دراسة الفيروسات بوساطة علماء الفيروسات هو معرفة الأمراض التي تسببها هذه الفيروسات ومن ثَمَّ التحكم فيها. وإضافة إلى ما سبق استخدم العلماء الفيروسات للاستفادة منها في 1- مكافحة الحشرات، 2- أبحاث الخلايا، 3- تطوير إنتاج اللقاحات والأدوية.مكافحة الحشرات. لبعض الفيروسات القدرة على إصابة الحشرات بالأمراض القاتلة ولهذا يحاول علماء الفيروسات إيجاد طرق معينة لاستخدام الفيروسات للقضاء على الحشرات التي تسبب فسادًا للمزروعات. وبهذه الطريقة يمكن الاستغناء يومًا ما عن المبيدات الحشرية ذات التأثير المضاد على النبات وعلى الحيوانات.
أبحاث الخلايا. تعتبر الفيروسات من أصغر الكائنات الحية التي يمكن للعلماء دراستها بكل يسر وسهولة لإعطاء معلومات عن الحياة. وإضافة إلى ما سبق فإن الأبحاث على الفيروسات آكلة البكتيريا ساعدت علماء الأحياء على التعرف على الجينات، ود ن أ والتركيبات الأساسية للخلية. وقد توفر الأبحاث المستقبلية معلومات إضافية عن وظائف الخلية وطريقة تكاثرها.
تطوير صناعة اللقاحات والأدوية الأخرى. يستطيع العلماء إنتاج اللقاح بوساطة الفيروسات الحية أو الميتة. ويتم حقن الجسم بالفيروسات الميتة التي عادة ما تُقتل بوساطة مواد كيميائية، وعند حقن هذه المواد فإنها تجعل الجسم يُولِّد أجسامًا مضادة ومواد أخرى تساعد على التغلب على الفيروسات ومقاومتها. أما في حالة الفيروسات الحية فإن علماء الفيروسات يقومون بحقن فيروسات ضعيفة الفعالية لا تسبب أمراضًا خطيرة، إنما تستطيع تنشيط جهاز المناعة. وإضافة إلى ما سبق فإن العلماء استطاعوا جعل الخلايا تنتج مواد مثل الإنترفرون بوساطة الهندسة الوراثية. وهذه المواد لها القدرة على محاربة عدوى الفيروسات. ★ تَصَفح: الهندسة الوراثية. وهذه الطريقة أو ما يعرف بالترقيع الجيني أو د ن أ المولف تستخدم لإنتاج أنواع جديدة من اللقاحات والعقاقير.