الرئيسيةبحث

الجدري ( Smallpox )


الجدري مرض مُعد، وهو أول مرض أعان الله الإنسان على مكافحته ؛ فلقد قضى عليه التطعيم تمامًا. وقد تم عزل آخر الحالات المعروفة للجدري الذي يحدث طبيعيًا في عام 1977م. وقد كان الجدري واحدًا من أكثر الأمراض التي يخشاها العالم، حيث قتل مئات الملايين من البشر، كما شوَّه بالندبات التي يُخلّفها، وأصاب بالعمى ملايين آخرين.

وكان السبب في حدوث الجدري فيروس، كان ينتشر من شخص لآخر عن طريق الهواء. حيث يقوم ضحية الجدري بقذف رذاذ من الأنف والفم يحتوي على الفيروس. ويستنشق شخص آخر هذا الرذاذ، فيصبح مصابًا. وفي معظم الحالات كانت الأعراض تظهر على الضحية الجديدة في فترة تتراوح بين 10 و 12 يومًا من إصابته. وكان الشخص يعاني من آلام وارتفاع في درجة الحرارة. وبعد فترة تتراوح بين يومين وأربعة أيام، يظهر طفح على الوجه ثم ينتشر في أجزاء أخرى من الجسم. وكان هذا الطفح يشبه البثور الصغيرة. وفي خلال الأسبوع التالي تصبح البثور أكبر حجمًا وتمتلئ بالصديد. وتتكون قشور فوق البثور ثم تتساقط بعد ثلاثة أو أربعة أسابيع تاركة ندوبًا خلفها.

ولم يكن هناك أي علاج للجدري، حيث كان أخطره يودي بحياة 20% من ضحاياه. أما أولئك الذين يظلون على قيد الحياة، بعد الإصابة به، فقد كانوا يعيشون بندوب دائمة، هذا بالإضافة إلى إصابة الكثيرين منهم بالعمى. ولم يكن المرضى الذين عاشوا بعد الإصابة معرضين للإصابة بالمرض مرة أخرى، لأنهم أصبحوا محصنين ضده بعد مهاجمة المرض لهم مرة واحدة.

وكان الجدري في الماضي شائعًا جدًا لدرجة أن كل فرد كان يصاب به في إحدى فترات حياته. وخلال العصور الوسطى، كان الجدري الوبائي عادة يكتسح مناطق كبيرة من أوروبا وآسيا وإفريقيا. وفي بعض الحروب، كان عدد الجنود الذين ماتوا بالجدري، يفوق عدد الذين ماتوا في القتال. ونقل الأوروبيون المرض إلى أمريكا ومات ملايين الهنود بالمرض. وفي عام 1796م، تمكن إدوارد جنر الطبيب الإنجليزي من الكشف عن أول تطعيم ضد الجدري ـ وهو اللقاح الذي يمنع حدوث الجدري. وسرعان ما انتشر استخدامه في أجزاء أخرى من العالم. وخلال القرن التاسع عشر أصدرت دول عديدة القوانين التي تلزم الناس بالتطعيم. ولكن المرض استمر في الانتشار في كل مكان حتى أربعينيات القرن العشرين، عندما تم القضاء عليه في أوروبا وأمريكا الشمالية. ومع ذلك يوصى بضرورة التطعيم ضد المرض، لمن يسافرون من و إلى الدول التي مازال يوجد بها المرض. وفي عام 1967م بدأت منظمة الصحة العالمية ـ التي تعتبر إحدى وكالات هيئة الأمم المتحدة ـ برنامجًا للتخلص من الجدري تمامًا. وفي ذلك الوقت، أصاب المرض أكثر من 30 دولة في إفريقيا وآسيا، وأمريكا الجنوبية، واشترك مايزيد على 700 طبيب وممرضة وعالم وغيرهم من الموظفين الذين يعملون بمنظمة الصحة العالمية، مع حوالي 200,000 عامل في مجال الصحة في الدول المصابة في محاربة المرض. وكونوا فرقًا للتطعيم، سافرت من قرية لأخرى وفتشوا المنازل بحثًا عن حالات الجدريّ. وتم عزل الضحايا وتطعيم كل شخص له صلة بهم.

وتناقص عدد الدول التي أصيب سكانها بالجدري تدريجيًا. وفي عام 1970م وجُد المرض في 17 دولة، ولكن بحلول عام 1973م كان عدد الدول التي يوجد بها هذا المرض ستًا فقط. وفي أبريل 1978م أعلن المسؤولون في منظمة الصحة العالمية أنه تم تحديد آخر حالة معروفة من حالات الجدري، الذي يحدث طبيعيًا في الصومال في أكتوبر سنة 1977م. ولكن قبل الإعلان عن القضاء نهائيًا على المرض استمر العاملون بالصحة في عملية المراقبة للتأكد من عدم ظـهور حالات جديدة من المرض طوال العامين التاليين. وفي أواخر صيف عام 1978م ظهرت حالتان في إنجلترا بسبب فيروسات الجدري التي يحتفظ بها في أحد معامل جامعة برمنجهام. ولم تؤثر هذه الحالات على الجدول الزمني لمنظمة الصحة العالمية لأنها لم تكن حالات تحدث بطريقة طبيعية. وفي مايو سنة 1980م أعلنت منظمة الصحة العالمية القضاء تمامًا على الجدري.

رغم القضاء على المرض تماماً في الطبيعة فقد احتفظت كثير من المختبرات العلمية بمخزون من فيروسات الجدري. وأوصت لجنة كونتها منظمة الصحة العالمية بإبادة هذه المخزونات أو نقلها إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد السوفييتي (روسيا الآن). وبعد أن بدأ الاتحاد السوفييتي في استخدام هذه الفيروسات في صناعة الأسلحة البيولوجية وتطويرها ألغت روسيا كافة برامج تطوير هذه الأسلحة. ويعتقد بعض المؤرخين أن القوات البريطانية كانت قد استخدمت فيروسات الجدري في عام 1763م خلال الحروب الفرنسية الهندية (1689 - 1763م). فقد قامت القوات البريطانية بتوزيع أغطية استخدمها مرضى الجدري على الهنود مما أدى إلى تفشي المرض بينهم. ويعتقد الخبراء الأمريكيون أن احتمال استخدام هذه الفيروسات كسلاح بيولوجي لا يزال قائماً. ولهذا بدأت الولايات المتحدة في عام 2000م برنامجاً لتطوير وتخزين لقاحات الجدري تحسباً لطارئ مماثل.

★ تَصَفح أيضًا: المرض.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية