الرئيسيةبحث

الحياة الدينية ( Religious life )



الحياة الدينية في النصرانية والديانات الشرقية عدا الإسلام هي المنهج الذي يتبعه المتدينون الذين قد يكونون رجال دين رسميين كالرهبان والقساوسة، أو من العامة. ويبدأ الرهبان حياة الرهبنة بمزاولة التقشف والساعات الطويلة من الصلاة، بينما تشغل الجماعات الحركية نفسها بأعمال اجتماعية في المدارس والمستشفيات والملاجئ، وتسعى من خلالها إلى ترقية مشاعرها الدينية.

المجتمعات النصرانية

يؤمن النصارى الذين وهبوا حياتهم للنصرانية بأن حياتهم الدينية تتبع تعاليم المسيح عيسى وتجاربه ؛ من فقر اختياري وعزوف عن الزواج (العزوبة)، وطاعة مطلقة للإله. ورغم ذلك، فإن هناك اختلافًا بين الطوائف النصرانية حول طبيعة تلك الحياة.

الكنيسة الرومانية الكاثوليكية:

نتيجة للاضطهاد الذي تعرض له النصارى الأوائل، لم تظهر بينهم طوائف دينية منظمة. ولكن كثيرًا منهم مارسوا حياة الفقر وظلوا بدون زواج وعاشوا وحيدين في الصحراء وظهر بينهم مشاهير في هذا المجال كالقديس بولس الناسك والقديس أنطونيوس الطيبي، وقد عاش كلاهما في مصر.

وفي أوائل القرن الرابع الميلادي، نظَّم القديس باكوميـوس جماعة دينية في جنـوبي مصر، ووضـع نظـامًا معينًا للرهبان. وقبيل وفـاته، كان هناك أربعـون ديـرًا تضـم ألفي راهب تحت إرشاده. وقد اتبع القديـس بازل نظام باكوميوس نفسه وكانت الأديرة التي أنشأها في آسيا الصغرى ملاجئ للعجزة ومستشفيات للمرضى.

وقد كان القديس بنيدكت، قديس نيرسيا أبًا للرهبانية النصرانية في الغرب، وأصبحت حياته في القرن السادس نموذجًا للحياة الدينية في أوروبا وأمريكا. وقد ركزت وجهة النظر البنيدكتية على الارتباط بدير معين وعلى حياة الجماعة والعمل، بينما ركزت الرهبانية الشــرقية عـلى الحياة القاسية والنظام المتشدد. ولا تزال الكنيسة الأورثوذكسية الشرقية تحبذ نموذج القديس باكوميوس والقديس بازل، بينما يحبذ الرومان الكاثوليك نموذج القديس بنيدكت.

وخلال القرن الثالث عشر الميلادي، بدأ القديس فرانسيس الأسيسي نظامًا عمليًا جديدًا في الحياة الدينية شجع أتباعه بموجبه الفرنسيسكان على السفر في أنحاء البلاد وتقديم المواعظ ومساعدة المحتاجين. كما أسس القديس دومينيك نحو عام 1200م طائفة من الوعاظ ليعلِّموا في المدارس والكليات. وفي عام 1534م، أنشأ القديس أغناطيوس لويولا طائفة اليسوعيين التي ضمت منصرين أمثال فرانسيس أكسافير في الهند وبعض المكتشفين من أمثال جاك ماركت في أمريكا.

وأنشئت خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، ونتيجة لإصلاحات البروتستانت وتوسع التعليم، بعض الطوائف الرومانية الكاثوليكية في فرنسا وإيطاليا لسد حاجة الناس. ويوجد الآن نحو 1,200,000 عضو في الجمعيات الكاثوليكية الدينية في أنحاء العالم.

وقد حث مجلس الفاتيكان الثاني الذي انعقد في الفترة من عام 1962 - 1965م الجمعيات الدينية على تطوير أساليبها لتواكب العصر. وعدلت النساء في المجتمعات نتيجة لذلك من أزيائهن وكثير من عاداتهن لمقابلة الحاجات العملية للحياة المعاصرة. كما تغيرت النظرة الى الفقر في المجتمعات الغنية، وإلى الطاعة المطلقة في المجتمع الديمقراطي. ورغم ذلك لم تستطع الكنيسة الوصول إلى المعادلة بين الحياة المتغيرة والمبادئ النصرانية الثابتة، الأمر الذي اضطر الكنيسة إلى التنازل عن الكثير من مبادئها في هذا السبيل.

الكنائس الأورثوذكسية الشرقية:

تعد الرهبانية من أهم تعاليمها، وتتبع في هذا تعاليم القديس بازل كما أشرنا، وتركز من ثم على الشعائر وخاصة الصوم.

ومن أشهر الأديرة الأورثوذكسية الخمسمائة والخمسين مجمع الأديرة في جبل أثوس في اليونان حيث يوجد نحو عشرين ديرًا في الجبل يتبع أحد عشر منها نظام النسك الذي يقوم على حياة جماعية يقودها رئيس دير يُنتخب مدى الحياة، بينما تتبع تسعة منها النظام الشخصي الذي تضم أديرته لجنة تنتخب سنويًا، ويُعطى فيه الرهبان حرية واسعة في مسائل الزهد والنشاط اليومي.

كنائس البروتستانت:

لم يشجع قادة البروتستانت الحياة الدينية الرهبانية أثناء ثورتهم الإصلاحية، ومع ذلك ظل الدير اللوثري الأوغسطيني في مولينبيك بألمانيا مستمرًا حتى عام 1675م. وقد نظمت جماعات من البروتستانت يعرفون بدعاة التقوى جماعات رهبانية في مورافيا عام 1722م كان لها تأثير فيما بعد على البروتستانت في أوروبا وأمريكا.

وفي منتصف القرن التاسع عشر، أعادت بعض الطوائف البروتستانتية تأسيس جماعات دينية في ألمانيا وإنجلترا وفرنسا. ويوجد الآن آلاف الأعضاء في نحو 100 جمعية أسقفية بروتستانتية في أنحاء العالم.

الجماعات غير النصرانية

الهندوس والبوذيون هم الوحيدون من بين أصحاب الأديان الوضعية التي أنشأت نظمًا تتطابق إلى حد ما مع منهج الحياة الدينية النصرانية.

الهندوسية:

أقرب نموذج هندوسي للحياة الدينية النصرانية هو السنياسي (المرحلة الرابعة والأخيرة في طريق الحياة الهندوسية ). ووفقًا لهذا المنهج، ومع تقدم السن، قد يعتزل الهندوسي ـ وحده أو مع زوجته ـ الحياة العامة، ويعكف على نوع من الحياة الشاقة حتى يصل في النهاية كما يدَّعون إلى الكمال الروحي.

البوذية:

جعل بوذا الرهبانية جزءًا أساسيًا في معتقده، ونظم ديانته في شكل طائفة دينية يقودها بنفسه. وبانتشار البوذية، دخلها بعض العامة، ولكن الرهبان أوجبوا عليهم الإيمان الجازم بطائفة الرهبان تمامًا كما يؤمنون ببوذا وتعاليمه. وبينما يمد العامة الرهبان بالوسائل المادية، فإن الرهبان ينشرون التعاليم ويعلّمون الناس الطريق التي ينبغي اتباعها لنيل السعادة الكاملة (النيرفانا).

وقد كان هناك عدة آلاف من الأديرة في الصين قبل أن يحتل الشيوعيون البلاد في الأربعينيات من القرن العشرين. كما تغيرت الرهبانية البوذية إلى درجة كبيرة بعد احتلال الشيوعيين للصين وفيتنام والتيبت. وقد سمح الشيوعيون لبعض الأديرة بممارسة نشاطها في تلك البلاد بشرط أن يقوم الرهبان بزراعة الأرض والإسهام في رفع معدل الإنتاج الزراعي.

وفي الدول الشرقية غير الشيوعية، يوجد اختلاف بين طائفتي الهنيانا والماهيانا في ممارستهما للحياة الدينية ؛ فطائفة الهنيانا في جنوب شرقي آسيا لها نظام حياة يومي محدد ؛ إذ يقضي أعضاؤها معظم أوقاتهم في التأمل، بينما ينشط أتباع الماهيانا الذين يتركزون في اليابان والصين في مجال الرفاهية الاجتماعية والتعليم.

الإسلام والحياة الدينية

ليس في الإسلام حياة دينية وأخرى غير دينية، فالحياة كلها مجال لممارسة الدين، والدين كله حياة ولاحياة بغير الدين ﴿قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين﴾ الأنعام: 162. والحياة الحقيقية في الإسلام هي حياة الآخرة ﴿ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان﴾ العنكبوت: 64 والدين هو الطريق إلى حياة الآخرة، والدنيا هي الجسر الذي يعبر منه الإنسان إلى الحياة الدائمة يوم يقوم الناس لرب العالمين. وعمران الحياة الآخرة لا يعني ترك الحياة الدنيا، بل يعني عكس ذلك تمامًا، أن تعمر الحياة الدنيا بقدر طاقة الإنسان في عمل الخير وفعل الصالحات من الأعمال لينعم بحياة طيبة في الدار الآخرة. وبالطبع ليس هناك في الإسلام ما يسمّى رجال الدين فهذا التعبير خاص بالنصرانية.

وخير مثال للحياة في الإسلام هو قوله تعالى: ﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين﴾ القصص: 77

المصدر: الموسوعة العربية العالمية