الزهد ( Asceticism )
الزهد ضد الرغبة والحرص على الدنيا. ومادتها اللغوية زهد يزهد زهدًا فهو زاهد من الزهادة والجمع للرجال: زهّاد. وقد ترد بمعنى الرخيص والقليل والحقير وما إلى ذلك.
والمُزْهدُ: القليل المال، والقليل الشيء، وإنما سُمِّي مُزْهدًَا لأن ما عِنْدَه يُزْهَد فيه ويقال رَجل زَهيد العين إذا كان يُقنعُه القليلُ، ورغيب العين إذا كان لا يُقنعهُ إلا الكثير.
وعلى هذا لا يقال زاهدٌ في اللغة إلا لمن رغب عن المال أو عن الدنيا. أما من ليس عنده شيءٌ من الدنيا فيقال له : مُزْهدٌ.
والزهْدُ بالمعنى اللغوي المتقدم يكون فيما يرغب الإنسان عنه، ملكه أو لم يملكه، والإسلام لا يُرغب عن الدنيا بل يرغب عن حرامها ولا يُرَغب فيها بل يرغب في العمل الصالح. قال الحقُّ عزَّ وجلَّ : ﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين .﴾ القصص : 77
وقال سبحانه: ﴿والعصر ¦ إن الإنسان لفي خسر ¦ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾ العصر: 1-3.
وورد في حديث الرسول ﷺ:: عن ابن مسعود، قال النبي ﷺ:(لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقالُ ذرّة من كِبرْ ) فقال رجل: يا رسول الله: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة. فقال رسول الله ﷺ.(إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال، الكبر بَطَر الحق وغمط الناس ).
فهذه النصوص الكريمة تدل على أن الإسلام لا يُزهد الناس في الدنيا ليتركوها بالكلية وينقطعوا إلى الآخرة، ولا يرغبهم في الآخرة ليقبلوا عليها بالكلية ويتركوا الدنيا ؛ بل يتخذ بين ذلك سبيلا، هو الجمع بين خيري الدنيا والآخرة. وفي هذا السياق روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : قال النبي ﷺ:(كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة ولا سرف، فإن الله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ) وهو حديث حسن.
وقد ورد في التنزيل الحكيم قول الله تعالى: ﴿ وأما بنعمةِ ربك فحَدِّثْ ﴾ الضحى: 11
فالزهد الحقيقي هو الكف عن المعصية وعما زاد عن الحاجة ولذلك فإن الزكاة في الإسلام لا تكون إلا فيما زاد عن الحاجة وحال عليه الحول. أي أنها تؤخذ من الأغنياء وتُردُّ على الفقراء. ولا تؤخذ الزكاة من المزهدين الذين ليس لديهم متاع ولا مال. وحضارة الإسلام الشامخة لم تقم على الزهد في الدنيا والانقطاع للآخرة بل مزجت الدنيا بالآخرة فآتت أكلها طيبا.
قال الله تعالى: ﴿ قل من حرَّمَ زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصِّل الآيات لقوم يعلمون﴾ الأعراف : 32
هكذا تمتزج الدنيا بالآخرة فتعمر هذه وتعمر تلك. ﴿تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلوًّا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين﴾ القصص: 83
أما زهد النساك الذين انقطعوا عن الدنيا بالكلية، ورغبوا في الآخرة فهذه نافلة فرضوها على أنفسهم ولم يفرضها الله عليهم.
أما أن يزهد الإنسان فيما فاض عن حاجته ويتصدق به على من ليس عنده ما يسد به الرمق ويُذهب به الحاجة فهذا زهد مطلوب رغب فيه الإسلام، وحث عليه، وقد وصف القرآن الكريم أولئك النفر من الأنصار الذين أقبلوا على إخوانهم المهاجرين يواسونهم فقال تعالى : ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوقَ شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون﴾ الحشر : 9