الرهبانية ( Monasticism )
الرهبانية شكل من أشكال الحياة الدينية، عند غير المسلمين، تعزل فيها جماعة نفسها عن الحياة العامة سعيًا الى تطبيق تعاليم دينها تطبيقًا تامًا. ويسمى من يتبع هذا النمط من الحياة راهبًا. ★ تَصَفح: الراهب. وهم يعيشون في أماكن تعرف بالأديرة. وتؤدي الرهبانية دورًا مهمًا في معظم الأديان. وقد أُطلق على أوائل رهبان النصارى المعتزلين ؛ لأنهم كانوا يعيشون حياة عزلة، ثم تجمعت جماعات منهم، وكونوا جمعيات تتبع حياة العبادة والتأمل. وينهج الرهبان المعاصرون هذا المنهج نفسه.
الرهبانية النصرانية:
بدأت الرهبانية النصرانية في مصر نحو عام 271م. عندما ذهب القديس أنطونيوس المصري إلى الصحراء وعاش منفردًا حياة زهد وعبادة. وفي بدايات القرن الرابع الميلادي جمع القديس باكوميوس بعض أولئك الناس في أديرة. أصبحت الرهبانية مؤثرة في أوروبا في أوائل القرون الوسطى، وفي تلك الفترة نشأت في أوروبا آلاف الأديرة التي كانت مراكز مهمة للعلم والمعرفة. وخلال القرن الثالث عشر الميلادي حلت محل الأديرة طوائف من الرهبان المتجولين، ولم تستعد الرهبانية نفوذها وأثرها السابق بعد ذلك.وتشتمل حياة الرهبان على العمل والصلاة والتأمل. ويمكن أن يكون دير الرهبان في مناطق ريفية نائية، أو في وسط المدينة وهو يتكون من مجموعة من الأكواخ الطينية، أو من بناء ضخم يأوي مئات الأشخاص، ولكنه مصمم لعزل المقيمين فيه عن العالم الخارجي.
تستند حياة الرهبنة على أساس معين يعرف، بالقانون أو النظام الذي يعيش الرهبان وفقًا له. ويُبنى على جدول زمني محدد للدراسة والعمل والصلاة والأنشطة الأخرى.
وتتبع الكنيسة الأورثوذكسية قواعد الرهبنة التي وضعها القديس بازل القيصري الذي عاش في القرن السابع الميلادي، بينما يتبع الكاثوليك النموذج الذي وضعه القديس بنيدكت نيرسيا في القرن السادس الميلادي، وبالإضافة إلى تلك القواعد يلتزم رهبان النصارى بثلاثة عهود: 1- عهد الفقر: أن لا يمتلك شيئًا البتة 2-عهد العفة: أن لا يمارس أي علاقة جنسية 3- عهد الطاعة: أن يطيع أوامر رؤسائه في مجتمع الدير.
الرهبانية عند غير النّصارى:
تمارس بعض الأديان الأخرى غير النصرانية حياة الرهبنة. فمثلاً بدأت الرهبانية في البوذية في القرن السادس قبل الميلاد، إذ علّم بوذا أتباعه أن يهجروا أسرهم وأعمالهم وكل الأشياء المادية. وقد عاش رهبان البوذية الأوائل حياتهم رهبانًا متسولين. ويعيش اليوم رهبان البوذية في أديرة، وهم الوحيدون الذين يدعون إلى الديانة ؛ ويعيشون وفقًا لنظام دقيق يعرف اليوم بالفينايا. ما يزال رهبان اليانية يعيشون كما يعيش رهبان البوذية الأوائل، فهم رهبان متسولون يتجولون ويعملون جاهدين ألا يؤذوا أي كائن حي ولو كان حشرة.كان للهندوسية منذ عهدها الأول نُسَّاك، ولكنهم لم ينتظموا إلا في القرن التاسع الميلادي، حينما أسس المعلم الهندوسي سنكرا طائفة خاصة وأربعة أديرة، ومنذ تلك الفترة، ظهرت عشر طوائف كبيرة وعديد من الطوائف الصغيرة.
أثر الرهبانية اليوم:
ضعف أثر الرهبانية في كل مكان، ربما بسبب انتشار العلمانية، وقد فقدت جماعات الرهبانية النصرانية أعضاءها لعدم قناعتهم بقيمة العهود القديمة، لاسيما عهد عدم الزواج، إضافة إلى أن الحكومات الشيوعية اضطهدت رهبان البوذية في الصين والتيبت وبعض أجزاء من جنوب شرقي آسيا.بدأ اهتمام جديد بالرهبنة بين الجماعات الدينية، مثل جماعة راماكرشنا، وهي طائفة هندوسية اهتمت بالعمل الاجتماعي وجذبت العديد من الأتباع في الهند وبعض أجزاء من العالم. وقد أسس بعض اللاجئين البوذيين من التيبت أديرة في الولايات المتحدة الأمريكية، كما كوّنت الكنيسة اللوثرية الإصلاحية والكنيسة الإصلاحية الهولندية وجماعات أخرى من البروتستانت جماعات رهبانية.
الإسلام والرهبانية:
أشار القرآن الكريم إلى رهبانية النصارى في معرض الرفض ووصفها بأنها رهبانية ابتدعوها ولم يكتبها الله عليهم، ومن ثم لم يستطيعوا الوفاء بها أو الالتزام حيث قال تعالى: ﴿ ثم قفَّينا على آثارهم برسلنا وقفَّينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون ﴾ الحديد:27: وأقام الإسلام منهجًا مخالفًا للرهبانية يدعو إلى الأخذ بأسباب الحياة والعمل والحركة وربطها بعبادة الله والتوجه بها إليه، حيث قال تعالى: ﴿ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين﴾ الأنعام: 162: ويربط المنهج الإسلامي بين الدنيا والآخرة فقد قال تعالى: ﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنسَ نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين﴾ القصص: 77:ولهذا نهى الإسلام عن أي اتجاه يدعو إلى مجافاة الحياة والعزوف عن طيبات الدنيا، فقد قال تعالى: ﴿ يأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحلَّ الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين¦ وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيبًا، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون﴾ المائدة: 87 ، 88: